المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظاهرة العبث بأحاديث المهدي !



أحمد بن مسفر العتيبي
11-07-2015, 08:27 AM
ظاهرة العبث بأحاديث المهدي !

قبل أيام قرأتُ خبراً يُعزى لأبي هريرة رضي الله عنه قاله وهو على فِراش الموت ذكر فيه تاريخ الحربين العالميتين واسم هتلر !
مثل هذه الرواية المرسلة الباطلة التي يُرَّوج لها في بعض الكتب وفي القنوات الفضائية من بعضِ المتعالمين ، الهدف منها تشويه التراث الاسلامي والعقيدة الإسلامية ومحاولة تقزيمهما .

خروج المهدي عند أهل السنة متواتر لا ريب في ذلك ، ومن احتج بحديث : ” لا مهدي إلا عيسى ابن مريم ” الذي أخرجه ابن ماجة فقد غلط ، لأن في إسناده مقال فلا يصح .

هناك ثمانية أحاديث صحيحة وحسنة تفيد بخروج مهدي أهل السنة من المشرق وتبين صفته وأحواله . وهناك غيرها مئات الأحاديث والروايات الضعيفة والواهية . وعدم إيراد البخاري ومسلم لأحاديث المهدي ليس شرطا في عدم صحتهما ، وقد تقرر عند الأصوليين أن الشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
• تتمثل ظاهرة العبث بأحاديث المهدي بما يلي :

1-إشغال الناس بالتطلُّع لأشراط الساعة وترك العمل والإجتهاد في الإقبال على فضائل الطاعات ، كالإستدلال بخبر خروج رجل صالح يقال له منصور يوطِّىء لخروج المهدي ، وهو باطل لا يصح .
وكالاستدلال بحديث نافع بن عتبة مرفوعاً : ” تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ” أخرجه مسلم ، وهو استدلال في غير محلِّه ، لأنها فُتحت في زمن الصحابة رضي الله عنهم ، وبقول كعب : ” علامة خروج المهدي ألوية تُقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة ” وهو باطل لا أصل له . وقد تقرَّر عند الأصوليين أن تحميل النص ما لا يحتمل ، ممنوع في شرع الله لأنه زيادة في دين الله .
والصحيح هو العكس فعن أنس مرفوعاً : ” إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل ” أخرجه أحمد بسند صحيح .

وفي بعض الروايات :” إذا سمعت بالدجال وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل أن تصلحها ، فإن للناس بعد ذلك عيشاً ” أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن .

2-القول بوجوب التعبد لله بانتظار خروج المهدي ، وهذه ظاهرة عمَّت عند الفرق والجماعات لا سِّيما أهل التكفير والتحزُّب سببها اليأس والقنوط والجهل بسنن الله الكونية .
فمن تأمل أحاديث الفِتن يلحظ أنها تدعو للعمل لا لليأس والإعتماد على التخيلات والأوهام .

3- هجر سؤال الله العافية وحسن العاقبة عند اشتداد الفتن وكثرة القتل واستباحة الدماء وتغيُّر حال الناس . فالمشاهد في الناس هو العكس إلا من رحم الله ، كالتمادي في اللهو والملذات والتكاسل عن العبادة وتربية النفس وشحذ الهمم .

4-الإغراق في الحديث عن مولد المهدي ومكان خروجه ، مما أشغل طلبة العلم وعوام الناس عن الاشتغال بالأهم ومطارحة الأصول .
وفي ظني أن هذا الإتجاه جاء من الصوفية وبعض من وقع عليهم ظلم من الملوك قديماً وحديثاً . فمن زمن الحجاج بن يوسف الثقفي (ت: 95هـ ) إلى عصر التتار لم نسمع أو نقرأ لإمام حثَّ الناس على مذاكرة حياة المهدي ومدارسة ولادته وظهوره على سبيل النفير له ، لاستعجال ظهوره ! .

5- تنزيل الوقائع السياسية المعاصرة على أحاديث خروج المهدي وربطها بالتسلسل الزمني لفتن الزمان . وهذا التقعيد سخيف ويدلُّ على جهل بسنن الله وشرعه ، وسببه تضخيم المتعالمين للواقع وكأنه شرٌّ محض لا خير فيه .

6- تكييِّف تعبير الرؤى على سنوات معينة أو أشخاص معينيين لإثبات خروج المهدي والقطع بذلك وكأنه وحي لا ريب فيه . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجَّب من جرأة من يتلاعب بفتاوى الطلاق في زمنه في الحديث المشهور : “أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ” أخرجه النسائي بإسناد حسن . فكيف لو رأى من يتلاعب بأشراط الساعة في زمننا ؟!

7- بعض الجماعات تزعم أن الرايات السُّود في زماننا هي مقدِّمة المهدي الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويُردُّ عليهم بالقاعدة الجدلية المعروفة : ” إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدعياً فالدليل ” . وهذا تحسين عقلي ، وقد تقرَّر عند الأصوليين أن العقل لا يجوز له بناء الأصول وتزيينها للناس إلا بنصِّ أو خبرٍ واضح وصريح .

8- الإفتئات على الشريعة والإستدراك على الرسول صلى الله عليه وسلم بأن زمننا الآن آخر أيام الدنيا . فلا يعلم من بقي من أيام الدنيا إلا الله تعالى . فيظن بعض الناس أن قيام الساعة بعد خمسين سنة أو أقلَّ على حسب ما يُروى لهم ، وهذا تكهُّن ورجم بالغيب . وخروج المهدي كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ” يخرج المهدي في آخر أمتي ” أخرجه الحاكم بإسناد حسن . وآخر الأمة توقيقي لا يمكن الجزم به ولو على سبيل التقريب ، لأنه مما استأثر الله بعلمه ، فيحرم على آحاد الناس تحديده أو تقريبه بالسِّنين ؟! .

9- إدِّعاء المهدية هذه الأيام بقوة وجرأة لم تكن معروفة من قبل ، مثال ذلك ما يُشاع اليوم من خروج رجل يزعم أنه صالح يقال له ” ناصر محمد اليماني ” بويع له بالمهدية وبالسمع والطاعة . وقد انتشر خبره بين العوام وبعض المثقفين .
وقد تواتر في الصِّحاح أن عيسى عليه السلام يُصلِّي خلف المهدي ، فكيف ينتشر هذا الجهل والسخف المركَّب بين الناس ويتلاعبون بشرع الله وسننه؟! .

10-الزعم بأن البخاري ومسلم لا يُثبتان عقيدة خروج المهدي بدليل عدم روايتهما لأحاديث خروجه ،كذب عليهما وتلفيق على الناس ، فالشيخان لم يلتزما بإخراج كُّل صحيحٍ في السنة ، فقد انفردا بأحاديث صحيحة تدل على فقهيهما . وقد قال الإمام النووي (ت: 676هـ) رحمه الله تعالى مُعلِّقا على هذه الشبهة : “وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح ، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جُمَل من الصحيح كما يقصد المصِّنف في الفقه جمع جُمَل من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله ” .

فالمقصود من هذا المقال حفظ هيبة أشراط الساعة بعامة والمهدي خاصة ، فلا يجوز ترك الساحة لأقزام الناس والمتعالمين لتجيِّير مسائل الشرع لطوائف معينة أو لجماعات حزبية ضالة .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


د/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية

__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/

Lashin
11-07-2015, 04:37 PM
جزاك الله خيرا والله الموضوع بقي أوفر فعلا