المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعليقاتي على بداية المجتهد



أحمد بن مسفر العتيبي
04-20-2016, 07:52 PM
تعليقاتي على بداية المجتهد
من نوادر كتب الفقه المقارن كتاب بداية المجتهد ، فهو كتاب فقهي نقديُّ منطقيُّ . وقد اعتنى العلامة ابن رشد (ت: 595هـ )رحمه الله تعالى بتصنيفه، ليكون دليلاً للمجتهدين وأنيسًا للمقتصدين في العلوم الشرعية .

وابن رشد كان مُتضلِّعا من كل العلوم ،حتى قال مُترجموه عنه: ” كان يُفزع إلى فُتياه في الطِّب ،كما يُفزع إلى فتياه في الفِقه ” .

وقد راقني في هذا الكتاب قوته وبلاغته في عرض المسائل الفقهية وتطعيمها بالنُّكت الحديثية والأصولية . وقد عَلَّقتُ على هذا الكتاب تعليقات خاصة وتهميشات علمية على نسختي من طبعة ابن حزم . وإذا كان تهذيب العلة لازماً كما يقول الأصوليون ، فإن كتب الفقه والأحكام من المصنفات التي يجب تجريدُ عِللها ، لإستخراج النفائس الدفينة بين رُكامها . اسأل الله أن ينفع بها من وقف عليها ، وأن لا يحرمني من بركتها ومن طالع حروفها .

• القسم الأول : التعليقات الأصولية :
اعتنى ابن رشد بعلم الأصول وكَرَّس عُمره في فهمه وتهذيب مسائله وربطه بالمسائل الفقهية . ويلاحظ هذا واضحاً جلياً في اختصاره لكتاب المستصفى للغزالي وزيادته على تبويباته وتفريعاته ، في كتابه الذي سمَّاه : “الضروري في أصول الفقه ” .
وفي كتابه بداية المجتهد قد أكثر ابن رشد من المصطلحات الأُصولية التي وظَّف معانيها في التقريب بين الأحكام الشرعية ، للجمع بين الأحاديث ودرء التعارض بين أقوال العلماء إن كانت المسألة تحتمل ذلك .

من ذلك – مثلاً -تعليقه على حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً : ” إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به ” وهو في الصحيحين ، حيث قال : ” وحديثُ أنسٍ يقتضي بدليل الخِطاب أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد ، وأن المأموم لا يقول : سمع الله لمن حمده ، وحديث ابن عمر يقتضي نصاً أن الإمام يقول : ربنا ولك الحمد ، فلا يجب أن يتُرَك النص بدليل الخطاب ، فإن النص أقوى من دليل الخطاب ، وحديث أنس يقتضي بعمومه أن المأموم يقول سمع الله بحمده ، بعموم قوله : ” إنما جُعل الامام ليؤتم به ” وبدليل خطابه أن لا يقولها ، فوجب أن يُرجَّح بين العموم ودليل الخطاب ، ولا خلاف أن العموم أقوى من دليل الخطاب، وليس ببعيد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوى من بعض أدلة العموم ” أهـ .

وقد إستدل ابن رشد بدليل ” الإستحسان ” كثيراً كما هو منهج المالكية في مؤلفاتهم ، ففي مسألة وقت تكبيرة الإحرام قال : ” إن مالكاً استحسن أن يكبِّر بعد فراغ الإمام من تكبيرة الإحرام ، قال وإن كبر معه أجزأه ” أهـ.

وله تفريق متين بين إستحسان أبي حنيفة وإستحسان مالك رحمهما الله تعالى ، وضَّحه عند الحديث عن ضمان المرهون .
وقد ذكر في كتابه بعض القواعد الأصولية عند التنازع ، فمثلاً عند تحقيقه للخلاف حول الإنصات للخطبة قال : ” والقول في تفصيل ذلك يطول ولكن معرفة ذلك بإيجاز: أنه إن كانت الأوامر قوتها واحدة ، والعمومات والخصوصات قوتها واحدة ، ولم يكن هناك دليل على أيٍّ يستثنى من أيٍّ ، وقع التمانع ضرورة ، وهذا يقل وجوده ، فوجه الترجيح في العمومات والخصوصات الواقعة في أمثال هذه المواضع هو النظر إلى جميع أقسام النِّسب الواقعة بين الخصوصين والعمومين وهي أربع .. ” أهـ. ثم عدَّد تلك النِّسب الأربع وعلَّق عليها ، فلتراجع فإنها مهمة .

ولابن رشد عناية بتعليل الأحكام ومعرفة اطِّرادها من عدمه . فقد قال في مسألة جمع الحضر للمريض :” إن مالكاً أباحه له إذا خاف أن يُغمى عليه أو كان به بطن ،ومنع ذلك الشافعي . والسبب في اختلافهم : هو إختلافهم في تعدِّي عِلة الجمع في السفر أي المشقة ، فمن طرد العلة رأى أن هذا من باب الأولى والأحرى ، وذلك أن المشقة على المريض في إفراد الصلوات أشدُّ منها على المسافر ، ومن لم يعد هذه العلة وجعلها كما يقولون قاصرة ، لم يُجز ذلك ” أهـ.

وله تقييدات أصولية في التفريق بين المعنى اللغوي والشرعي وتعلقهما بالحكم كما أشار إليه في مسألة حدِّ الغِنى في الصدقة . هل المقصود به الغنى الشرعي أم اللغوي ، فيدور الحكم بين النِّصاب والكفاية على حسب الإجتهاد .

وله تقييِّدات عديدة حول معارضة القياس للعموم في أغلب المسائل في العبادات المالية ، منها مسألة زكاة الفِطر للسيد عن عبده . وله كذلك توضيح لمعارضة العموم للقياس كما في حديث : ” البِكر تُستأذن وإذنها صُماتها ” أخرجه مسلم . وله توضيح لمعارضة العموم للمفهوم كما في تعقيبه على حكم النفقة الواجبة للزوجة الناشز .
وقد استدل بقاعدة البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة – وهي قاعدة أصولية – عند مسألة حكم اشتراط الولاية في النكاح ، وفيها تحرير أُصولي ممتع .
وله أيضا تقييِّدات حول معارضة القياس بالقياس كما في تعقبه لمسألة دِّية الأعور .

وقد وضَّح القاعدة الأصولية المشهورة : هل إذا ورد النهي على سببٍ حُمل على سببه أم يعمُّ ؟ كما في تعقيبه على الحكم الشرعي لبيع الرجل ما ليس عنده ، في أبواب البيوع .

وفي أول كتاب الصرف قعَّد رحمه الله تعالى قواعد مهمة حول منطوق الشرع وضرورة فهم المسائل على حسب الصناعة الُأصولية ، حتى يمكن للمجتهد النظر في المسائل الأصولية بغير تعبٍ أو كُلفة ، فلتراجع فإنها مهمة .
وله تقييدات مهمة في فقه المصالح والقياس المصلحي وضرورة العمل به بحسب قواعد الشرع ، كما في تعقيبه على حكم نكاح المريض . وكذلك في تعقُّبه لكلام العلماء حول مقتل الجماعة بالواحد .
وله تنكيتات كثيرة على إستدلالات أبي حنيفة رحمه الله في أول الكتاب وآخره ، ومنها تنكيتهُ عليه في مُدة الحمل في مسألة الدعاوى والِّلعان بين الزوجين كقول الحنفية بلحوق الولد للزوج إن ولدت به لستة أشهر من حين العقد ، وإن لم يمكن الوطء. فقد قال إنه في هذه المسألة ظاهري محض ، لغرابة حُكمه في مسألتها ! .

وله تقييِّدات وتعقبات أصولية حول وجوب الجمع بين الأدلة قبل الترجيح ، كما في مسألة الواجب في القصاص الدية أم العفو .وقد حكى قصة حدثت لجدِّه في قرطبة حول هذه المسألة .
ومن قرأ الكتاب يلحظ أن ابن رشد رحمه الله تعالى يبني غالب الأحكام على طرق الأحكام المشهورة عند المحدثين : اللفظ ، والفعل ، والإقرار .
وهذه الطريقة طريقة حديثية أُصولية جدلية منطقية عند فقهاء المالكية عامة ، والقصد منها تضييق الخلاف ودرء القياس إلا الضروري منه ، والتدرج لفهم المسائل بعمق.
ومن الأساليب الُأصولية المتينة في بداية المجتهد ، عنايته بأنواع الحكم الوضعي والبناء عليه في إستخراج الأحكام الشرعية في غالب مسائل الكتاب.

ولابن رشد عناية تامة بالمنطوق والمفهوم للأحاديث فكثيراً ما يُعلِّق عليها تعليقات تتضمَّن معاني تُفيد القارىء.
ومن دقة هذا الكتاب تأصيل المسائل الُأصولية بعبارة موجزة بليغة لا يكاد يشعر بها المطالع . ويعود هذا للموروث المنطقي الذي تشبَّع به ابن رشد .

• القسم الثاني : التعليقات الفقهية :
طريقة ابن رشد رحمه الله تعالى في التأصيل الفقهي هي البناء المنطقي لتسلسل الحكم ، ليفهمه المكلَّف على أكمل وجه .
فيبدأ بالمسألة ودليلها من الكتاب والسنة والإجماع وعرض أقوال الصحابة والتابعين إن كان لهم قول أو رأي من فقهاء البلدان المتبوعين ، ثم يناقشها بعبارة موجزة حسب رأي المالكية في الغالب وحسب اتِّفاف المجتهدين أحياناً ، وقد يُرجِّح – وهو نادر جداً – وقد لا يُرجِّح وهو الغالب.
وفي ثنايا العرض والمناقشة الموجزة يرقم بعض النُّكت الُأصولية لمعرفة أصول الإستدلال والترجيح .
والكتاب يبدو أنه كان في الأصل تذكرة خاصة – كما نبَّه ابن رشد على ذلك في المقدمة – لكن مع تضلُّعه في الفقه والعِلم ، توسَّع ابن رشد في كشكوله الخاص ، وزاد عليه تحقيقاً وتفريعاً ، ليكون بُلغةً للمجتهدين والمقتصدين على حدِّ سواء .

ومسائل الكِتاب نحو ألف وخمسمئة مسألة . وقد علَّقتُ على ما تيسر من مسائله أثناء فراغي في الإجازات والرحلات ، فاجتمع لي ورقات متواضعة تصلح للمدراسة والمناقشة ، وهي مفيدة لمن أزمع التفقه على الكتاب والتضلُّع من منهج المؤلف في الدرس الفقهي والأصولي .

1-مسألة مسح الأُذنين في الوضوء : ذكر ابن رشد الخِلاف في المسألة ولم يُفصِّل أو يرجِّح . والراجح المسح وليس الغسل ، لحديث: ” الأذنان من الرأس “أخرجه الترمذي بإسناد صحيح. وغسل باطن الأذنين لم يثبت مرفوعاً .
2-مسألة مسح باطن الخفين : ذكر ابن رشد أقوال العلماء ولم يفصل أو يُرجِّح . والراجح مسح ظاهر الخفين دون باطنهما . وهو الثابث من حديث المغيرة رضي الله عنه .
3-مسألة طهارة الخُفّ عند لبسه لمن أراد المسح: سرد ابن رشد أقوال العلماء وبيَّن ضعف قول من قال بأنه لا تُشترط الطهارة عند لبسه ، وأشار إلى أن بعض العلماء حملوا الطهارة في حديث المغيرة على الطهارة اللغوية ، لكنه لم يرجِّح. والراجح أن الطهارة الحسية شرط عند لبس الخُفِّ لمن أراد المسح .
4-مسألة طهارة ماء البحر : أشار إلى أن بعض السلف قالوا إن ماء البحر غير طهور، ولم يفصِّل . وبعض السلف هم ابن عُمر وابن عمرو وأبي هريرة وسعيد ابن المسيِّب وأبي العالية رضي الله عنهم ورحمهم . وبعض أهل العلم لا يُصحِّح حديث البحر : ” هو الطهور ماؤه الحل ميتته ” . قالوا لأن تحت البحر ناراً ،فكرهوا التطهر به .
5-مسألة الماء المتغيِّر بمكثه : أشار إلى أن بعض أهل العلم كابن سيرين منعوا التطهر بالماء المتغير بمكثه، ولم يرجِّح . والراجح جواز التطهر به .
6-مسألة نجاسة الماء المستعمل : أشار ابن رشد إلى مسألة الماء الباقي في الإناء وأن بعض العلماء قال بنجاسته ، ولم يفصل ولم يرجح. وهذا القول مروي عن أحمد والشافعي وأبي يوسف . والراجح خلافه . لحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبِّ على جابر وعلى أبيه من وضوئه . والحديث في الصحيحين . وفي البخاري أن الصحابة كانوا يقتتلون على وضوئه .
7-مسألة إنتقاض الوضوء بالضحك : أشار ابن رشد إلى أن بعض السلف قالوا به ولم يُفصِّل ولم يرجح. وهو قول الحسن البصري والنخعي ورواية عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى . وحجتهم رواية أخرجها الدارقطني أن رجلاً ضريرا سقط في حفرة فضحك بعض الصحابة ، فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالوضوء وإعادة الصلاة . والحديث في إسناده مقال .
8-مسألة وجوب الوضوء لمن حمل ميتاً : أشار ابن رشد إلى أن بعض أهل العلم قال به ولم يُفصِّل ولم يرجح. ويقصد بهم الظاهرية ومن وافقهم . والراجح عدم الوجوب وعدم الإستحباب لإنكار عائشة رضي الله عنها لمن قال بالوجوب كما في رواية الأثرم .
9-مسألة صلاة الجنازة بلا طهارة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح . وهذا قول الإمام الشعبي ، ودليله أن صلاة الجنازة دعاء واستغفار فلا يشترط لها وضوء . وعموم الأدلة الموجبة لإشتراط الطهارة لكل صلاة تردُّ قوله . وقد ناقشه الإمام ابن عبد البر ، فقال هل تصح إلى غير القبلة ؟ ! ، فتبيَّن بطلان قول الشعبي . فيكون قوله مرجوحاً ولا يجوز العمل به .

10- مسألة سجود التلاوة بغير طهارة : أشار ابن رشد لهذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح ، وهو يميل إلى قول الظاهرية القائلين بوجوب الطهارة لسجود التلاوة . والصحيح أن سجود التلاوة لا تُشترط له الطهارة ، وهو الراجح عند ابن تيمية والمحققين من أهل العلم. لحديث سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والجن والإنس .أخرجه البخاري .
11-مسألة إشتراط الوضوء قبل الغسل : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجِّح . والصحيح أن الوضوء قبل الغسل سنة وليس بواجب لما جاء في صحيح مسلم : ” إنما يكفي أحدكم أن يَحفن على رأسه ثلاث حفنات ” وهذا حصر يفيد القطع في المسألة .
12-مسألة إشتراط النية في التيمم : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح . والصحيح أن النية شرط في صحة التيمم لحديث: ” إنما الأعمال بالنيات ” وأدة الحصر تفيد الحجية والقطع .
13-مسألة الواجب في التيمم هل هو مسح اليدين إلى المنكبين ؟ : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح . والصحيح أن الواجب هو مسح الكفين لحديث عمار مرفوعاً : ” إنما يكفيك أن تضرب بيدك الأرض فتمسح به وجهك وكفيك ” متفق عليه . وهذا حصر يفيد القطع والحجية في المسألة .
14- مسألة العفو عن النجاسة اليسيرة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل ولم يُرجِّح . لكنه يميل إلى قول الحنابلة القائلين بأنه يُعفى عن الدم القليل ولا يعفى عن سائر النجاسات . والذي عليه المحققون هو عدم تحديد ذلك بكفِّ أو بمقدار الُّلمعة ، والتحرُّز هو الواجب ، واليسير معفي عنه ، وهو ما سكت عنه الشارع الحكيم .
15-مسألة الإستجمار بالنجس : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل ولم يُرجِّح ، لكنه نسب هذا القول إلى الإمام الطبري رحمه الله تعالى ، وهو قول منسوب لابن حزم كما في المُحلِّى . والظاهر أنه مأخوذ عن أبي حنيفة لقوله بالقياس ، لأنه عندهم مكروه وليس بمحرم . والصحيح أنه لا يصح الإستنجاء بما هو نجس . والإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى أجاز الإستجمار بالروث لأنه يرى طهارته ، ولم يجز الإستنجاء بكل نجس ، فليحرر فإنه مهم . والحجة على المخالفين حديث ابن مسعود لمَّا جاء للرسول صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة يستجم بها ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة ، وقال : ” هذا ركس” .
16- مسألة صلاة الظهر قبل الزوال : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح ، لكنه حكى قولاً ضعيفاً لابن عباس ، وهو قول ضعيف في جوازها قبل الزوال . والصواب : أن صلاة الظهر لا تجوز قبل الزوال لحديث أبي برزة رضي الله عنه في الصحيحين ، وهو نصٌ في المسألة .
17-مسألة صحة صلاة من صلى قبل الوقت : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح ، لكن ألمح إلى قولٍ ضعيف يجيز ذلك وهو منسوب إلى ابن عباس رضي الله عنه والإمام الشعبي رحمه الله تعالى ، ودليلهم القياس على من صلى لغير القبلة، فصلاته عندهم صحيحة . ويستدل لإبطال حجة المخالفين بحديث بريدة رضي الله عنه في صحيح مسلم في تحديد أوقات الصلوات .
18-مسألة حكم من صلى وليس على عاتقه شي : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح . لكنه ألمح إلى أن بعض الفقهاء كالظاهرية وبعض الحنابلة والمالكية يرونه شرطاً لصحة الصلاة ، والصحيح أنه يجب ستر العاتق بشي ،لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن مخالفة ذلك ، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . والقول بأنه شرط فيه تكلُّف لأن العاتق ليس بعورة أصلاً . وقد قرر الإمام ابن عبد البر في كتابه التمهيد الإستحباب في هذه المسألة .
19-مسألة من تكلم في صلاته عامداً لضرورة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح . لكنه ألمح إلى أن هذا القول قال به الأوزاعي والحكم هو البناء على ما تبقى لا إعادة الصلاة ، وللإمام أحمد رواية قريبة من قول الأوزاعي . والصحيح بُطلان الصلاة وتجب الإعادة من جديد . لما جاء في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: ” فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام ” وهو حجة فاصلة في هذه المسألة ، والخلاف فيها قوي .
20- مسألة عدم وجوب تكبيرة الإحرام : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . والظاهر أنه يقصد أن الإمام الزهري قال بأن تكبيرة الإحرام سنة . والصواب وجوب تكبيرة الإحرام لحديث المسيىء في صلاته ، وقد رواه الجماعة .

21- مسألة الجلسة الوسطى : المقصود بالجلسة الوسطى: جلسة المصلي بعد إنهائه للركعة الثانية في الصلاة الثلاثية والرباعية . وقد أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه وهم في أن حكمها مسنون كما يظهر من فحوى كلامه . والصحيح أنها واجبة لحديث ابن بُحينة رضي الله عنه كما في الصحيحين .والخلاف في المسألة قوي ، والأئمة الأربعة لم يتفقوا على حكم واحد فيها .
22-مسألة الجلسة الأخيرة : وهي الجلسة التي قبل السلام . أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكن يفهم من كلامه أنه يميل للقول بالوجوب ، وهو الصحيح . وهو مذهب السلف والخلف . لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه : ” إذا قلتَ هذا أو فعلتَ هذا فقد تمَّت صلاتك ” . أخرجه الترمذي بإسناد صحيح . ويوجد قول لبعض السلف يفيد أنها سنة لكنه مرجوح ، نقله النووي في المجموع .
23-مسألة إمامة المرأة في الصلاة للرجال : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه ألمح إلى ضعف من قال بجواز ذلك كأبي ثور وابن جرير الطبري والمزني . ودليل المخالفين حديث أم ورقة حين أذِن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل بيتها . أخرجه أبو داود بإسناد فيه مقال . والحديث حجة عليهم لأن في بعض ألفاظه : ” تؤمُّ نساء أهل دارها”. فيكون الراجح جوازها للمحارم أو النساء فحسب .
24- مسألة حكم صلاة الجمعة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة وألمح إلى أن بعض العلماء قالوا إنها سنة وقد أشار إلى ضعف هذا القول ، وهو قول منسوب للإمام مالك رحمه الله تعالى . وحجة المخالفين ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الجمعة على من سمع النداء ” أخرجه أبو داود بإسناد فيه مقال . والراجح أنها فرض عين ، لعموم أدلتها من السنة وهي مشهورة ومتواترة .
25-مسألة من كان بعيداً عن مكان الجمعة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . والصحيح أن الجمعة واجبة على من كان داخل المِصر سمع النداء أو لم يسمع . وتجب الجمعة على من كان خارج المِصر، إذا كان على أقل من ثلاثة أميال ولو لم يسمع النِّداء . أما وجوبها على من كان بينه وبينها مسيرة يوم فلا دليل عليه ، كما نبَّه عليه ابن رشد بعبارة موجزة .وفي مصنف عبد الرزاق بسندٍ صحيح ” كان أنس رضي الله عنه يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة “. ( تقريبا ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلو ) . أما حديث علي رضي الله عنه الموقوف : ” لا جمعة ولا تشريق إلا على أهل مِصر جامع “فرواه البيهقي وإسناده ضعيف .
26-مسألة قصر الصلاة لغير الخائف : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل . لكن ألمح إلى ضعف قول عائشة رضي الله عنها : “إن القصر إنما هو للخائف” . والصحيح جواز القصر لكل مسافر آمنٍ أو خائف . ويُردُّ على المخالفين بأن المقصود قصر الصفة لا قصر العدد . وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه : ” صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك رضي الله عنهم ” .
27-حكم صلاة الخوف بعد وفاة النبي : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكن ضعَّف قول الأحناف ومن وافقهم في أن صلاة الخوف لا تصح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد .وهذا القول ينُسب أيضاً للمزني صاحب الشافعي ، ومنهم من قال بنسخها . وقد ردَّ الوزير ابن هبيرة على من قال بالنسخ وأبطل ذلك القول . فتكون صلاة الخوف مشروعة – إذا وجد سببها – إلى قيام الساعة ، للحديث الموفوع : ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” متفق عليه . وهو عام في كل صلاة .
28-مسألة سهو المأموم خلف إمامه : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه ألمح إلى ضعف قول بعض التابعين إنه يلزمه سجودٌ لسهو نفسه. وهذا منسوب لمكحول وهو قول الظاهرية ، مستدلين بالحديث المرفوع : ” إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ” أخرجه مسلم .لكن إستدلالهم منقوضٌ بالحديث الآخر : ” الإمام ضامن ” أخرجه الترمذي بإسناد صحيح . ولإجماع الأئمة على أنه لا يُشرع للمأموم سجودٌ للسهو مع إمامه .
29-مسألة صلاة ركعتي الفجر والإمام يصلي : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه أشار إلى ضعف من أجاز صلاتها والإمام يصلي .ومن أهل العلم من أجاز صلاتها والإمام يصلي لكن تكون خارج المسجد ، وهو قول الأحناف والمالكية . وبالغ أهل الظاهر فقالوا ببطلان صلاة من تنفَّل عند إقامة الصلاة. وما نُسب إلى عمر رضي الله عنه أنه كان يصليها في غرفة حفصة رضي الله عنها والإمام يصلي، ثم يُصلِّي مع الإمام فقولٌ لم يثبت عنه . بل صح عنه أنه كان يَحصبُ من يتنفل في المسجد بعد إقامة الصلاة .فالراجح عدم صلاتها إلا قبل المكتوبة أو بعدها لا عند الإقامة ،والدليل حديث ابن بحينة وابن سرجس رضي الله عنهما لما أنكر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم شروعهما في نافلة عند إقامة الصلاة .
30-مسألة حكم النافلة بركعة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل. لكنه ضعَّف قول من قال بجواز التنفل بواحدة .وهو رواية عند الشافعية وعند الحنابلة .ودليلهم جواز الوتر بركعة واحدة . وهو قول ضعيف ، لأن مطلق التنفل غير الوتر المخصوص بالإفراد . والراجح عدم جواز الإفراد في النافلة ، لعموم فعله صلى الله عليه وسلم في النافلة في أدائها مثنى مثنى.

31-مسألة حكم الصلاة على الأطفال : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل أو يُرجِّح . لكنه ألمح ألى قولٍ ضعيف ينص على أن الأطفال لا يُصلَّى عليهم مطلقا . وهذا القول مرويٌ عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، وسعيد بن جبير رحمه الله تعالى ، وقد ضعَّف النووي هذا القول ونقله أيضا ابن حزم الظاهري. ودليلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّ على ابنه إبراهيم .أخرجه أبو داود بإسناد حسن . والثابت خلاف ذلك ، فقد صلَّى عليه كما أثبته البيهقي في دلائل النبوة . والراجح قول الجمهور أنه يُصلَّى على الأطفال لفعله صلى الله عليه وسلم .
32-مسألة الإيمان هو الصديق : أورد ابن رشد هذه المسألة واضطرب كلامه فيها ، ولم يفصل أو يرجِّح . وقد أوردها في مسائل الزكاة عند الحديث عن جحد الزكاة ومنعها . فقد نسب إلى أهل السنة أنهم يقولون إن الإيمان هو التصديق بالقلب والقول باللسان فقط، وقال إن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وجميع الأعمال الواجبة شرطٌ فيه . فالقول عنده يستلزم أن أهل النفاق مؤمنون لكن مستحقين للوعيد ، والقول الثاني يستلزم تصحيح مذهب الماتريدية وأهل الرأي . والصحيح والراجح أن الإيمان قول وعمل : قول القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح . أو هو تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان . فالإيمان ليس التصديق فقط ، فقد فُرِّق بينهما ، كما في المرفوع في الصحيحين : ” تكفَّل الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمانٌ بي وتصديق بكلماتي ” . فيكون عمل الجوارح لازمٌ، لقول الله تعالى : ” وما كان الله ليضيع إيمانكم ” ( البقرة : 143 ) . أي صلاتكم. فسمَّى الله الصلاة إيماناً .
33- مسألة زكاة زيت الزيتون : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل ولم يرجح . لكنه ألمح إلى ضعف قول من قال بوجوب زكاته . ومن قال بوجوب زكاة الزيتون عمر وابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من التابعين . وهو مذهب الأحناف والمالكية ورواية قديمة للإمام الشافعي . ودليلهم قول الله تعالى : ” وآتوا حقَّه يوم حصاده ” ( الأنعام : 141) . ومن قال بعدم الوجوب استدل بحديث : ” لا تأخذوا في الصدقة إلا : الشعير والحِنطة والزبيب والتمر ” أخرجه الطبراني بإسناد صحيح . وهذا القول هو الراجح . وهو مذهب أحمد ورواية عن الشافعي.
34-مسألة وجوب زكاة الفطر على البدو واليتيم: أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل أو يُرجِّح . لكنه ألمح إلى ضعف وجوبها على البدو وهو قول الإمام الليث . والراجح وجوبها على البدو والحضر واليتيم لعموم النصوص ، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنه المشهور في زكاة الفِطر. متفق عليه . ولا يوجد دليل على عدم وجوبها على البدو واليتيم إلا القياس ، وهو ساقط لضعفه مقابل الدليل الصريح .
35-مسألة من رأى هلال شوال وحده : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه ألمح إلى ضعف قول الإمام مالك : من رأى هلال شوال وحده فأفطر فعليه القضاء والكفارة . والصحيح أن من رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر وهذا ما رجَّحه الإمام أحمد ،ولو أفطر فلا قضاء عليه . واستدلوا بقضاء عمر رضي الله عنه في ذلك كما في رواية أبي قلابة .
36-مسألة شهادة رجل واحد لثبوت شهر شوال : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه ألمح إلى أن هذا قول الظاهرية ومنقول عن جماعة من التابعين . وليس العمل عليه في الراجح عند المذاهب الأربعة ، لضعف أدلتهم . فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يقبل في ذلك إلا شهادة رجلين لحديث : ” فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ” أخرجه النسائي بإسناد صحيح . وقبول شهادة الواحد العدل الثقة جائزة ، ولا يجوز ردُّها مطلقاً ، ويحكم بها الإمام إن أجازها .
37-مسألة أول زمن الإمساك : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه ضعَّف قول من قال إن أول وقت الإمساك هو الفجر الأحمر الذي يكون بعد الأبيض . والصحيح والراجح أنَّ أول زمن الإمساك هو طلوع الفجر الثاني الأبيض . وهو قول الجمهور، لحديث : ” لا يمنعنكم من سُحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطيل في الأفق ” أخرجه الترمذي بإسنادٍ حسن .أما قول إنه يجوز الأكل والشُّرب بعد الفجر الثاني قبل طلوع الشمس فقول ضعيف ، وليس لهم دليل صحيح صريح لتقويته .
38-مسألة القُبلة للصائم : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . لكنه أشار إلى ضعف قول من قال إنها تُفطِّر الصائم . والقول الصحيح أنها لا تُفطِّر إذا لم يخرج من الصائم ما يفسد صومه . وهذا قول جماهير أهل العلم . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ” أرأيتَ لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟ ” أخرجه أبو داود بأسناد صحيح . يعني أنها لا تُفطِّر . ومن قال إنها تفطر فقد استدل بحديث : ” سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القُبلة للصائم ، فقال : أفطرا جميعا” أخرجه ابن ماجة بإسناد ضعيف .
39- مسألة هل النية شرط لصحة الصيام : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصِّل أو يُرجِّح . لكنه ضعَّف قول الإمام زفر بن هذيل ، إن رمضان لا يحتاج إلى نية . ودليل زفر: إن الله تعالى أمر بالصيام ولم يأمر بالنية في قول الله تعالى : ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه ” ( البقرة : 185) . والصحيح ما عليه الجمهور أن النية شرطٌ لصحة صيام رمضان . ودليل الجمهور حديث حفصة رضي الله عنها مرفوعاً : ” من لم يُجمِّع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له ” أخرجه الترمذي بإسناد صحيح .
40-مسألة هل الطهارة من الجنابة شرط في صحة الصوم:أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح .لكنه ضعَّف قول من قال إن من أصبح جُنبا من جِماع فلا صوم له . وحجة هؤلاء الحديث المرفوع : ” من أصبح جُنباً من جماع فلا صوم له ” متفق عليه لكنه منسوخ . والصحيح صحة الصوم ولا حرج عليه. وبهذا قال علماء المذاهب الأربعة . وبناءاً عليه فإن من طهرت من حيضها قبل الفجر ، فيجب عليها الصوم ، وقد مال ابن رشد إلى هذا الحكم وضعَّف قول المالكية القائلين بخلافه .

41-مسألة من اتصل مرضه برمضان آخر : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل أو يرجح . لكنه ضعَّف قول من قال إنه لا قضاء عليه . واستدل المخالفون بقول الله تعالى : ” وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين ” ( البقرة : 184 ) . لكن الآية منسوخة ، والآية التي بعدها بينَّت الحكم : ” ومن كان مريضًا أو على سفر فعدةٌ من أيام أُخر ” ( البقرة : 185 ) . والصحيح أنه يلزمه القضاء بعد صيام رمضان الثاني . وهذا مذهب الجمهور ، واستدلوا بالآية السابقة .
42-مسألة من أفطر مُتعمِّدا بالجماع : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . والصحيح أنه يلزمه القضاء والكفارة ، للحديث المرفوع : ” صُم يوماً مكانه ” أخرجه ابو داود بإسناد صحيح . ولحديث : ” خُذا هذا فتصدَّق به ” متفق عليه . وقد اضطرب رأي ابن رشد في المسألة فلم يُحرِّر الخِلاف في الحكم ، وفي فتح الباري ردٌ عليه . فليحرر .
43-مسألة غيبة الصائم ورفثه : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصِّل أو يرجِّح . والصحيح أن صومه صحيح إذا اغتاب أو شتم أحداً ، لكنه يأثم . وقد ألمح ابن رشد إلى ضعف قول من قال بأن الغيبة تُفطِّر ، ويقصد الظاهرية وأضرابهم . وأدلة الظاهرية غير صريحة في التفطير بالغيبة ، لأنها ترهيب وزجر ، فلا يُلتفت لها .
44-مسألة الإعتكاف في غير المسجد : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل أو يرجِّح. لكنه ألمح إلى ضعف قول من قاله من المالكية ، وليس عندهم دليل ٌصريح في المسألة . والصحيح أن الإعتكاف لا يصح إلا في المسجد ، لأنه محل العبادة والسجود من لوازمه . قال الله تعالى : ” وأنتم عاكفون في المساجد ” ( البقرة : 187 ) . وقد ثبت قول عائشة رضي الله عنها: ” لا إعتكاف إلا في مسجدٍ جامع ” أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .
45-مسألة تمتع المكِّي من غير مكة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل أو يرجِّح . لكنه ألمح إلى ضعف قول من قال إن عليه الهدي . والصحيح أنه لا لايجب عليه الهدي ، لأن صفة كونه من أهل المسجد الحرام لم تُفارقه حال سفره . وقد رجَّح هذا ابن قدامة في المغني والقرطبي في تفسيره . والدليل منطوق قول الله تعالى : “تلك عشرةٌ كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ” ( البقرة : 196 ) .
46-مسألة جزاء صيد المُحرِم : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . وقد أورد فيها عدة مسائل مثل جزاء صيد الجرادة على المحرم هو شاة صغيرة . وهو قول ضعيف نبَّه عليه ابن رشد .والخلاف في المسألة قوي . والصحيح أن جزاء الجرادة ما يحكم به عدلان يُقدِّران ما به الجزاء . والآثار التي جاءت في تقدير الجزاء، إما ضعيفة أو محمولة على الترهيب من الصيد للمحرم .أما مسألة قتل الغراب الأبقع للمُحرم فقد نبَّه ابن رشد على ضعفه . والصحيح أنه يقتل كل غُراب مؤذي ، أبقع أو غيره . وهذا قول الجمهور وبه يرتفع الخلاف في حكم صيده للمحرم .
أما مسألة قتل المحرم للفأرة ، فقد نبَّه ابن رشد على ضعف قول الإمام النخعي في منع قتلها . والصحيح جواز قتلها لفسقها . وقد ردَّ ابن عبد البر على النخعي وبيَّن ضعف حجته في ذلك .
47-مسألة إذن السلطان في الخلع : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . والراجح جوازه بغير إذن الحاكم . لقول الله تعالى : ” فلا جُناحَ عليهما فيما افتدت به ” ( البقرة : 229) . ولم يرد في السنة ما يدلُّ على وجوب إذن الحاكم في الخلع .
48-مسألة نجاسة الخمر : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُرجِّح . والصحيح أنها غير نجسة . ودليل عدم نجاستها إراقتها في البيوت وخارجها عند تحريمها ، والأصل في الأشياء الطهارة ، وكانت تُتلف في الأسواق من غير إحتراز من الرسول صلى الله عليه وسلم .
49- مسألة قتل الرجل بالمرأة : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يفصل أو يرجح . والصحيح جواز قتل كل منهما بالآخر ، لقول الله تعالى : ” ولكم في القِصاص حياة ” ( البقرة : 179 ) فهذا عُموم لا مُخصِّص له. ولفعله صلى الله عليه وسلم في القَوَد بين أهل الدِّماء في عهده ، ولم يثبت ما يخالف ذلك ، فيبقى على الأصل .
50- مسألة إجبار الصغيرة على الزواج : أشار ابن رشد إلى هذه المسألة ولم يُفصِّل أو يرُجِّح . والصحيح جواز إجبارها إذا كان لغرضٍ صحيح ومصلحة راجحة ، والدليل قول عائشة رضي الله عنها : ” تزوجتُ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنتُ ست سنين ، وبنى بي وأنا ابنة تسع ” متفق عليه . وقد كان الصحابة يُزوِّجون بناتهم وهن صغيرات إذا غلبت المصلحة وحضر الأكفاء ، ولا يُعرَف لهذا مخالف . والله أعلم.

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية

__________________

مؤسِّس مُدوَّنة المتوقِّد التأصيلية
http://ahmad-mosfer.com/

خطاب أسد الدين
04-28-2016, 09:13 PM
الله يجزيك خير با دكتور مسفر ...

هل يوجد كتاب او رسالة علمية تطرقت الى ابن رشد اصوليا ؟

أحمد بن مسفر العتيبي
05-01-2016, 08:28 PM
الله يجزيك خير با دكتور مسفر ...

هل يوجد كتاب او رسالة علمية تطرقت الى ابن رشد اصوليا ؟

لم أقف على شيٍ مما تسأل عنه .
وفقكم الله .