المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالمية الإسلام بين الإثبات و النفي !!



أبو عمر النفيس
06-20-2016, 10:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على رسوله الأمين ، وبعد..

يكثر غير المسلمين من اتهام الإسلام بأنه ليس دين عالمي ! و يبنون مقولتهم هذه من أمرين :-
الأول : أن لغة القرآن هي العربية و هي حكر على أهلها !
الثاني : أن القرآن يعالج قضايا نابعة من بيئة العرب لا خارجها !
ثم ينطلق أصحاب هذا الإدعاء إلى سرد الآيات القرآنية التي تؤكد صحة المقدمتين ! و يغفلون أو يتغافلون عن أهم مقدمة يجب الانطلاق منها !!
المقدمة الأساسية التي لا يصح طرح الموضوع من دونها ، هو السؤال القائل : ما هي الصفات التي لو اتصف بها دين جاز لنا وصفه بأنه دين عالمي ؟! و إن لم يتصف بها الدين جاز لنا وصفه بأنه ليس عالمي ؟!!
فمن لم يكن يملك إجابة واضحة و صحيحة على هذا السؤال فليس مخولا أن يحكم على أي دين بأنه عالمي أو ليس عالمي !! إذ سيكون حكمه مزاجيا ليس له معيار واضح يتم الاعتماد عليه في الحكم.
وحيث أن الإجابات على السؤال ستكثر و تتباين ، فلا بد من الاحتكام إلى مرجعية اصطلاحية نتفق عليها ! وحيث أن الاتفاق في مثل هذه القضايا شبه مستحيل ، فلا بد من استدعاء المنطق ليفصل في جواب السؤال المطروح...
و المنطق يقول بأن إجابة السؤال لها شقين :-
الأول : العالمية من الناحية العملية
الثاني : العالمية من الناحية النظرية

أولا : العالمية من الناحية العملية
العالمية عمليا هي أن تتحقق على أرض الواقع !
و بالمثال يتضح المقال : لنفترض أن هناك جامعة في بريطانيا تستقبل طلبة من جميع أنحاء العالم ، فيدرس فيها طلبة من كل الدول الأروبية ، و طلبة من دول كثيرة من آسيا و أفريقيا و أمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية.
جاء الشخص الأول فقال : هذه الجامعة البريطانية عالمية ؛ ﻷنه يدرس فيها طلبة من كل أنحاء العالم !
و جاء الشخص الثاني فقال : هذه الجامعة البريطانية ليست عالمية ؛ ﻷن لغة التعليم فيها هي اللغة الانجليزية فقط و هي حكر على من يتقنها !
السؤال : أي الشخصين كلامه أقرب إلى المنطق و أصح بمنظور الواقع ؟!!
لا شك أن الشخص الأول هو المحق ، وكلامه منطقي و واقعي. فلو أخذنا بكلام الشخص الثاني فمعنى ذلك أن جامعة اكسفورد ليست جامعة عالمية ؛ لأنها لا تدرس باللغة الكشميرية أو اللغة السواحلية !! و هذا تبرير يستحق وصفه بالسخيف !!

وعليه ،، فالدين العالمي من الناحية العملية هو الدين الذي يعتنقه البشر من مختلف دول العالم ، باختلاف ألوانهم و أعراقهم و لغاتهم و أنسابهم .
و لو طبقنا هذا المعيار على الإسلام ، فسنجده دين عالمي بامتياز؛ حيث أن هناك مسلمين من مختلف دول العالم. بل نستطيع القول بأنه لا توجد دولة في العالم عضو في الأمم المتحدة إلا و فيها مسلمون من أهل تلك الدول !
بينما لو طبقنا المعيار على الديانة الهندوسية و برغم ان معتنيقيها بمئات الملايين ، لكننا نجدهم محصورين في بقعة جغرافية واحدة ! فلا نجد هندوسي عربي أو هندوسي فرنسي أو هندوسي برازيلي ! و بالتالي فالديانة الهندوسية ليست ديانة عالمية ، بل هي ديانة هندية خاصة بأهل الهند ، و لا يعتنقها من خارج الهند إلا عدد قليل !

ثانيا : العالمية من الناحية النظرية
العالمية من الناحية النظرية هي أن تكون موجهة للعالم و صالحة لهم.
وعليه ،، فالدين العالمي من الناحية النظرية هو الدين الذي يخاطب الناس جمعيا ، و يشرع لهم بتشريعات صالحة لجميع البشر باختلاف ظروفهم و أحوالهم و لغاتهم.
و لو طبقنا هذا المعيار على الإسلام فسنجده دين عالمي بامتياز ، حيث نجد الآية القرآنية القائلة : " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " الأعراف :58 ، و هذا دليل صريح بأن الله قد أرسل رسوله إلى جميع الناس. ولا مجال للقول بأن الناس هم العرب ؛ فالتأكيد بكلمة " جميعا " يحول دون هذا التأويل ! إضافة إلى الآيات التي تكلمت عن الناس بعمومهم ، كقوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ". الحجرات : 13 . و بالتالي فرسالة الإسلام موجهة إلى جميع الناس ، كما أنها صالحة لهم.
فأما مسألة أن القرآن عالج قضايا محلية فقط ، فالقضايا التي عالجها هي قضايا عامة تشترك فيها معظم المجتمعات في ذلك الوقت ! فقضية العبودية و التبني و الطلاق و الظهار و البيع و شرب الخمر و غيرها من القضايا ، لم تكن حصرا في المجتمع القرشي ، بل كانت المجتمعات المحيطة تعاني من نفس المشكلات الاجتماعية و الاقتصادية و الأخلاقية ، و بالتالي كان المجتمع القرشي مجرد عينة. كالطبيب الذي يريد معالجة مجموعة من المرضى الذين يعانون من نفس المرض ، فأخذ أحد المرضى و كتب له وصفة طبية فيها مجموعة من الأدوية ، فخرج المريض من العيادة و أظهر للمرضى في الخارج الوصفة الطبية التي كتبها الطبيب له . فلا يصح لأحدهم أن يزعم أن الوصفة لا تنطبق عليه بحجة أن الطبيب كتبها لمريض مخصوص !! بل يجب ثبوت اختلاف المرض لإثبات عدم صلاحية الوصفة لباقي المرضى !!
أما بالنسبة لعدم معرفة اللغة العربية ، فليست عائقا دون تطبيق التشريعات الإسلامية ! فلا يحتاج الإنسان أن يتعلم اللغة العربية لكي يصوم رمضان أو يخرج الزكاة للمحتاجين أو تلبس المرأة الحجاب أو تعتد ثلاثة قروء حين تطلق أو يبر الانسان بوالديه أو غيرها من التشريعات ! فيستيطيع أي مسلم مهما كانت لغته أن يطبقها ! و بالتالي تقتصر الحاجة لتعلم اللغة العربية فقط من أجل معرفة قراءة سورة الفاتحة و بعض الأذكار من أجل الصلاة و الحج ، أو حين الرغبة لتعلم العلوم الشرعية و تعليمها.
و بهذا يظهر بطلان ادعاء اللاديينين بعدم عالمية الإسلام ! فالادعاء بعيد عن حقيقة الواقع و حقيقة الرسالة الإسلامية.