المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُلاحظات على كِتاب المختصر في التفسير



أحمد بن مسفر العتيبي
12-25-2017, 09:00 AM
مُلاحظات على كِتاب المختصر في التفسير

كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم ، من الكتب النافعة المباركة التي صدرت عن مركز تفسير للدراسات القرآنية ، وقد حرَّره ثُلَّة من أهل العِلم الأخيار .

وأثناء جَردي للكِتاب قبل أسابيع استوقف نظري فيه بعضُ الملاحظات ، واسترعى انتباهي فيه بعض التصويبات . فرأيتُ من واجبي تحرير ما رجَّحه الدليل بكلمات مختصرات ، وكان اعتمادي على الطبعة الثالثة ( 1437هـ)، نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن أهلُ الله وخاصَّتهِ ، وهذا أوانُ الشروعِ في المقصود :

1-ورد في ( ص/ 2) في التفسير عند فاتحة سورة البقرة ، حول الحروف المقطَّعة ما نصُّه : “.. ومن أهمِّ حِكمها الإشارة إلى التحدِّي بالقرآن ” قلت : الموضع هنا موضع تفسير ، وما ذكره المحرِّرون الأفاضل هنا هو إستقراء وليس بتفسير ، والإستقراء أضعفُ الأدلة كما قرَّره الغزالي (ت: 505هـ)رحمه الله تعالى في المستصفى ، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين رضي الله عنهم ورحمهم تفسيرٌ للحروف المقطَّعة ، فالتعليل المذكور لا دليل عليه . وكلام الإمام الطبري (ت: 310هـ )رحمه الله تعالى في هذه المسألة في تفسيره مضطرب جداً ،فلا يصح الإستدلال بكلامه بلا دليل صريح .

وهذا موضع تربية للمسلم وليس موضع تكلُّف ، والقرآن الكريم ينهى عن التكلُّف ،ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : هو مختصر من : أنا الله أعلم ، كما في معالم التنزيل ( 1/58) وغيره من التفاسير . وقول ابن عباس تخريج لفهمه من قول الله تعالى :” ولا تقفُ ما ليس لك بِه عِلمٌ ” ( الإسراء: 36) .، وهذا من أعظم الفِقه لمن عقل وتدبَّر . وقد صحَّ عن السلف تورُّعهم عن الخوض فيها ، فقال بعضهم : هي من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ، وقال بعضهم الله أعلم بمراد الله منها .

ولما فتح بعضُ القدامى والمعاصرون من أهل العلم باب الخوض في معنى الحروف المقطعة في فواتح السور ، كثرت الأهواء والأقوال والبِدع في التأليف حولها ،ونُسجت حولها ما نُشاهده اليوم من المقروء والمرئي مما لا تُحمد عُقباه . نسأل الله السلامة والعافية .

2-ورد في ( ص/ 28) في التفسير عند الآية رقم ( 186) أن الله تعالى قريبٌ من عباده ، لكن تجبُ الإشارة هنا إلى أنه ليس كُّل قُرب ورد في القرآن الكريم المقصود به قُرب الله تعالى بذاته ، كما نبَّه عليه الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ )رحمه الله تعالى في الفتاوى( 6/ 14) ، فليستدرك.

3- ورد في فوائد الآيات( ص/ 97) ما نصُّه : ” الشِّرك لا يغفره الله أبداً ” . قلت : الصواب تقيِّيد ذلك بعدم التوبة ، كما في آية الفرقان رقم (70) ، وكما تقدَّم معناه في التفسير(ص/ 86) في الفقرة الثالثة من فوائد الآيات ، فليتهُ يُستدرك .

4-ورد في فوائد الآيات ( ص/ 188) ما نصُّه : ” استدلَّ بعضُ العلماء بقول الله تعالى : ( وطَعنوا في دِّينكم ) على وجوب قتل كُّل من طعن في الدين عامداً مستهزئاً به ” قلت: الصواب وجوب قيام الإمام بقتل كُّل من طَعن في الدِّين عامداً مستهزئاً به .
وإطلاق العبارة السابقة ذريعة يستدلُّ بها أهل الغلو والتكفير على قتل مخالفيهم ، فليتنبَّه لهذا .

5- ورد في ( ص/ 228) في التفسير ما نصُّه : ” إن ربِّي قريبٌ ممن أخلص له العبادة ، مجيبٌ من دعاه ” قلت : لم يُشر المحرِّرون هنا إلى إثبات صفة التقرُّب والإجابة ، وهما صفتان فعليتان ثابتتان لله تعالى ، والقريب والمجيب من أسماء الله تعالى بلا خِلاف ، فليستدرك .

6-ورد في ( ص/ 243) في فوائد الآيات ، العزو إلى نصِّ الحديث ” لا يُلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين” وهو حديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومخرَّج في الصحيحين ، وطريقة إيراده بدون عزو ، إشارة إلى نعته بمثلٍ أو قول دارج ، فيجب بيانُ حاله إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصحاً للأمة .

7-ورد في ( ص/ 244) عند تفسير قول الله تعالى : ” كذلك كِدنا ليوسف ” ( يوسف: 76 ) تفسير مكيدة الله تعالى ليوسف عليه السلام ، بدون الإشارة إلى إثبات صفة الكيد لله تعالى ، وهي صفة فعلية تليق بالله تعالى عند الكيد لمن يستحقُّها ، فليستدرك .

8-ورد في (ص/ 250) عند تفسير قول الله تعالى : ” وهو شديدُ المِحال ” ( الرعد : 13) ما نصُّه : ” والله شديدُ الحول والقوةِ لمن عَصاه ” . قلت : لم يُشر المحرِّرون هنا إلى إثبات صفة الشِّدة لله تعالى ، وهي صفة فعلية ذاتية ، وهذا أول موضع لها في كتاب الله تعالى ، فليستدرك .

9- ورد في ( ص/ 266) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” لا يطمح بصر المؤمن إلى زخارف الدُّنيا وعنده مَعارف المولى ” قلت : هذه الجملةُ منقولة من تفسير القرطبي رحمه الله تعالى ، عند تفسير آية سورة الحِجر رقم ( 88 )وهي من العبارات التي امتزجت بالفكر الصوفيِّ ، وهي محدثة ومُوهِمة ولم يستعملها السلف الصالح ، وفي تفسير القرطبي مثلها كثير ، كما في تفسير سورة آية يوسف رقم ( 100 ) فلو هُذِّبت العبارة بما يتناسب مع أقوال السلف وعباراتهم ، لكان في ذلك خيرٌ عظيم للمتأمِّل ، وأبعد عن المشتبهات من المصطلحات التي يتمسك بها البعضُ في كلامهم فتكون سبباً للإبتداع . وقد تقرر عند الأصوليِّين أن الأصل الترجيح بقوة السبب ، فليستدرك .

10-ورد في ( ص/ 271) في فوائد الآيات ما نصُّه : “أما التوكل فللعزوف عن الخلق والاتجاه الى الحق ” قلت : جملة العزوف عن الخلق من مصطلحات الصوفية ، وممن يردِّدها في كتبه ابن خَفيف الشيرازي ( ت: 371هـ ) رحمه الله تعالى والمتصوِّفة من بعده ، والعزوف عند المتصوفة دليلٌ على الذوق والجوع والصفاء ، كما قرَّره الماليني الصُّوفي(ت: 412هـ )رحمه الله تعالى ، فلو استبدلت العبارة السابقة بقول ابن عباس رضي الله عنهما : ” التوكل هو الثِّقة بالله تعالى ” لكانت أنفع وأكمل ، فالسلامةُ لا يعدِلُها شي .

11-ورد في ( ص/ 274) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لُطفه بعباده وأنه الذي لا ينبغي أن يُحبَّ غيره ويُدعى سواه ” قلت : العبارة غير دقيقة ، لأن المحبة أنواع ، والصواب أن يقال : لا ينبغي أن يُوحَّد غيره ويُدعى سواه ، لأنه لا دليل على النهيِّ عن المحبة بدون قيد ٍأو شرط ، أما التوحيد فلا يكون إلا لله تعالى ، فليستدرك .

12-ورد في ( ص/ 284) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” النِّعم في الدنيا لا ينبغي أن يُستدل بها على رضا الله تعالى ، لأن الدُّنيا قد تحصل مع أن عاقبتها المصير إلى عذاب الله ” قلت : الجملة ركيكة ، والصواب – حسب سِّياق التفسير -أن يقال : الدنيا قد تحصل مع أن عاقبة الرِّياء فيها : المصير إلى عذاب الله ، فليستدرك .

13-ورد في ( ص/ 296) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” اتخاذ المساجد على القبور والصلاةُ عليها والبناء عليها غير جائز في شرعنا ” . قلت : الصواب أن يقال : إنه من نواقض الإيمان والإسلام في شرعنا ، لأن لفظة عدم الجواز ليس فيها ترهيب وزجر عن فعل الشِّرك ، وقد تُوهم الكراهة عند بعض القُرَّاء ، فليستدرك .

14-ورد في ( ص/ 354) في فوائد الآيات أن النُّور من أسماء الله تعالى . قلت : الصحيح أنه مختلف في ثُبوته فلم يرد دليل صريح يُثبت أنه من أسماء الله تعالى ، وأقوال العلماء ليست حجة ، إنما الحجة النصُّ المقطوع بثبوته . والله أعلم .

15-ورد في ( ص/ 455) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” في الآيات دليل على صحة القاعدة المشهورة من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ” قلت : ورد في مسند الإمام أحمد مرفوعاً بسند صحيح :” إنك لن تدعَ شيئاً اتِّقاء الله إلا أبدلك الله به ما هو خيرٌ منه” ، فلو أُشير إلى الحديث لكان أنفع للمتأمِّل بدلاً من القاعدة المذكورة .

16-ورد في (ص/ 479) في فوائد الآيات ما نصُّه : ” سوء الظن بالله تعالى صفة من صفات الكفر ” قلت : لعل الصحيح ( الكافر أو الكفار) لأن الآية ( وذلكم ظنُّكم الذي ظننتم بِه ) تُشير إلى حال الكافرين في الآخرة ، فليستدرك .

17- ورد في ( ص/ 604) عند تفسير قول الله تعالى : ” قل هو الله أحد ” ( الإخلاص : 1) إثبات تفرُّد الله بالألوهية وتنزُّهه عن النقص . قلت : لم يُشِر المحرِّرون إلى إثبات صفة الأحدية لله تعالى ، وهي صفة ذاتية يجب إثباتُها في هذا الموضع ، فليستدرك .

نسأل الله أن ينفعَ بهذا التفسير القيِّم ، وأن يجعله سبباً في تدبُّر كلام الله تعالى والعمل به ، وأن يجزي من حرَّره وأشرف عليه وموَّله أجزل الأجر والمثوبة . والله الهادي .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

د/ أحمد بن مسفر العتيبي
http://ahmad-mosfer.com/2125