المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التجديد في أصول الفقه بين حقيقة الدعوة وشبهات المرجفين



يوسف حميتو
04-04-2007, 10:54 PM
هذه كانت مشاركة لي في كثير من المنتديات أحببت أن أسهم بها هنا لعلها تلقى قبولا بين الأحبة ، وذلك ضمن حلقات متتابعة بإذن الله تعالى .

مسألة التجديد والمجددين في الدين منبعها حديث رواه أبو داوود والبيهقي والحاكم والطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله قال : إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .
ولا شك أن وعد الصادق المصدوق لا بد وأن يتحقق بمصداق الوعد الإلهي لهذه الأمة ، وأن التجديد واقع نقلا وعقلا ، شرعا وسمعا ، وهو أمر تقتضيه السيرورة الدينية والحياتية ، خاصة في ظل النهضة العلمية الحديثة والصحوة الإسلامية المباركة في بلاد المسلمين ، وهو ما حمل الكثيرين من الباحثين على العمل على تجديد مناهج التعامل مع العلوم الإسلامية والعمل على إعادتها سيرتها الأولى في سلامتها ونقاوتها وإحكامها ، مستثمرين في ذلك العلوم الحديثة المتوافقة مع العلوم الإسلامية ، والنتاج العقلي لمفكري الإسلام وعلمائه .

والحقيقة أن أمر التجديد في الدين يشكل جدلا على الساحة في مطارحة تجعل من اللازم على كل مهتم بعلوم الشرع أن يكون ملما بجوانبها ،" لأنه إذا كانت النهضة متعلقة بعلوم الإسلام فإنه لا بد من مراعاة أصول الإسلام نفسه " ص: 11 ، لأنه لا يكون لعاقل لبيب حازم أن يسعى إلى تجديد شيء وقد ضيع معالمه وملامحه ، وإلا كان هذا هدما وتبديلا لا تجديدا وتطويرا ، ولا يقبل عذر من يعتذر بأن ظروف العصر تتطلب تجاوز الكثير مما كان في الزمن الماضي لأن هذا في حد ذاته ليس تجديدا إنما هو سوق إلى مهلكة لا يعرف مداها ، ومسلك إلى هاوية ما لها من قرار .

السؤال الذي يفرض نفسه الآن : ما ماهية هذا التجديد ؟ ما الذي يُجَدَّد ؟ وما هي مجالاته ؟
هذا دون أن نخوض غمار الحديث عن من هو المجدد ؟ وما شروطه ؟ ومن المؤهل لتحديد المجدد ؟ وهكذا من الأسئلة التسلسلية التي لا ناتج من ورائها .

1- ماهية التجديد :

يقول العلامة المناوي في فيض القدير " : يجدد لها دينها : أي يبين السنة من البدعة ، ويكثر العلم وينصر أهله ، ويكسر أهل البدع ويذلهم . قالوا : ولا يكون إلا عالما بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة "2/281-282 ، ونقل الشمس الأبادي في عون المعبود عن العلقمي قوله : " إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة ، والأمر بمقتضاهما " 11/386.
وما أصدق لهجة الدكتور العلامة الشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى حين يقول عن التجديد : " العودة به إلى ما كان عليه عند بدايته وظهوره لأول مرة ، وترميم ما أصابه من خلل على مر العصور ، مع الإبقاء على طابعه الأصيل ، وخصائصه المميزة ، أما إّذا هدمناه وأقمنا مكانه شيئا آخر ، فهذا ليس من التجديد في شيء " لقاءات ومحاورات حول قضايا الإسلام والعصر ، ص : 88 .

2- ما الذي يُجَدّد ؟ :

لقد ورد في الحديث الشريف قول النبي ... من يجدد لها دينها ، فتبين أن موضوع التجديد هو الدين ، لكن ما مفهوم الدين ؟ السؤال لا ينصب على تحديد ماهية الدين ، فهذا أمر مفروغ منه ، ولكن ينصب على أي شيء يجدد في الدين ، ودعني هنا ولكي تتضح الصورة أنقل من كتاب الدكتور محمد أبو ركاب " المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي " كلاما يوضح المقصود ، قال :" للدين معنيان :
* الأول : المنهج الإلهي الذي بعث الله به رسوله ، وأنزل به كتابه من العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع ، وهذا المعنى بالنظر إلى أسسه وأصوله ، ثابت لا يقبل التغيير ولا التجديد .
* والثاني : الحالة التي يكون عليها الإنسان في علاقته بهذا المنهج الإلهي ، فكرا وشعورا وسلوكا ، فالدين بهذا المعنى متغير ، يزيد وينقص ، يقوى ويضعف بحسب فهم الإنسان له ، وإيمانه به ، والتزامه بتعاليمه ، وهذا المعنى هو الذي يقبل التجديد ، ولذا قال المصطفى : ...من يجدد لها دينها . ص : 525.
فالتجديد كما يقول العلامة القرضاوي يكون في دين الأمة لا في دين الله " من أجل صحوة راشدة " 26-27 .
وهنا أنا أفهم المسألة بهذا الشكل : تجديد دين الأمة يكون بدين الله ، إذ الثاني حاكم على الأول ، والأول خادم للثاني .

3- مجالات التجديد :

في كتابه من أجل صحوة إسلامية راشدة ، حدد الدكتور القرضاوي من هو المجدد ، وأنه لا يحتمل فقط أن يكون شخصا واحدا ، بل يمكن أن يكون عدة أشخاص في عدة مجالات ، أو في مجال واحد ، وبما أننا قد أسلفنا آنفا أن الدين المجدد هو كيفية تعامل الأمة مع دين الله ، فإن دين الله أصول وقواعد وضوابط ثابتة لا تتغير ، الذي يتغير هو كيفية التعامل مع هاته الأصول ، و حتى المعنى اللغوي لكلمة أصل لا يسعف بالقول بإمكانية تغيره ، ناهيك عن التعريف الحدي.

فالتجديد إذن ليس قصرا على مجال دون مجال ، بل هو شامل لمنظومة علمية فقهية أصولية ، إذن فهو تجديد في الآليات لا المضمون ، مع العلم أن هذه الآليات منها ما هو غير قابل للتغيير لكونه نابعا من الثابت في الشرع .

وهنا نقول أن آليات التعامل مع الشرع هي تلك التي يمثلها علم أصول الفقه خصوصا ، هذا العلم الذي انصبت دعوات التجديد عليه بالخصوص ، ما بين مصيب في دعواه ، وما بين مخطئ مجانب للصواب في منحاه لا يحمل على أي محمل شرعي وقد شطن به فكره وما قد سماه هو اجتهادا إلى القول بأن التجديد يكون بنبذ ما كتبه سلف الأمة إلا في نطاق محدود جدا ، وذلك بحجة أن فقههم وأصولهم كانا تقليديين ضيقين ، غير قادرين على حل بعض مشاكلهم فضلا عن أن يحلا مشاكلنا المعاصرة المعقدة والمتعددة الجوانب ، لكن على أية حال يبقى هذا كلام رويبضة لا يؤبه له وقد بان فساد دعواه .وفساده يغني عن إفساده

الموضوع المطروح للنقاش هو التجديد في أصول الفقه .

لا يمكنني - ولست ملزما أحدا بقولي - أن أرد فكرة التجديد في أصول الفقه ، ولست أخفي سرا إن قلت أني فعلا قد اقتنعت بما جاء في كتاب " التجديد والمجددون في أصول الفقه "من حديث عن دواعي التجديد في أصول الفقه ، فقد سعى أولا إلى الحديث عن السباب الداعية إلى التجديد ، والتي هي نفسها الأسباب التي أدت إلى الجمود والعقم ، وقد أرجع ذلك إلى نوعين من الأسباب :

* أسباب عامة : وهي أسباب أثرت في علوم المسلمين وخاصة العلوم اللغوية والشرعية ، وإن اختلفت درجات تأثيرها حسب كل عصر ، وهنا كان لا بد من الحديث عن أدوار الفقه الإسلامي ، وخاصة عصر المتأخرين الذي نفسه يتكون من عدة أدوار مختلفة الخصائص والطبائع .

* أسباب خاصة : وهي تلك التي أثرت بشكل مباشر في أصول الفقه دون غيره من العلوم ، وتتلخص في تسعة عوامل :

- الأول : القول بسد باب الإجتهاد بعد منتصف القرن الرابع وشيوع التقليد ، وهذا كان أكبر مصيبة تصيب الأمة ، ولا يمكن أن يجتمع النقيضان ، أي أن يمنع الإجتهاد وتبقى أصوله .، أي إما أصول فاجتهاد ، وإما لا اجتهاد ولا أصول ن وهنا ينقل عن الحافظ الذهبي قوله من كتاب : " زغل العلم " إذ يقول : " اصول الفقه لا حاجة لك به يا مقلد ، ويا من يزعم أن الإجتهاد قد انقطع ، وما بقي مجتهد ، ولا فائدة في اصول الفقه إلا أن يصير محصله مجتهدا به ، فإذا عرفه ولم يفك تقليد إمامه لم يصنع شيئا ، بل أتعب نفسه وركب على نفسه الحجة في مسائل " . التجديد والمجددون : 28.

- الثاني : أن المتأخرين ابتكروا لمفهوم الفقه معنى جديدا ، فبعد أن كان الفقه عند الأولين : " العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها بطريق الإكتساب والنظر في الأدلة " أصبح عند المتأخرين :" حفظ الفروع مطلقا بطريق التلقين لا بطريق الإستدلال " ، وهذا التغير بالضرورة انسحب على أصول الفقه باعتباره مقدمة للفقه . ولكم كان مصيبا حين استدل بقول الدكتور عبد المجيد مطلوب في كتابه " أصول الفقه " حين قرر تبعا للكلام الآنف أن الأصوليين احتفظوا بالمعنى الصحيح للفقه على ما كان عليه في عصور الإجتهاد باعتباره علما استدلاليا ، بينما الفقهاء جعلوه حفظا للفروع فقط ، فأصبحوا يفهمون الفقه بأنه التقليد ، فإن وجد مجتهد فالواجب أن يكون مجتهدا منتسبا أي : مقيدا بمذهبه الذي يغلب عليه أن يكون وارثا له لا مختارا .

وتأمل معي أيها القارئ جمال عباراته التالية إذ يقول : " وكلام الدكتور مطلوب ينقلنا إلى تقرير لا بد منه ، وهو أن هذا الإختلاف بين هؤلاء الفقهاء وبين الأصوليين ، يؤكد انبتات الصلة بين الأصول والفقه ، حيث أصبح الفقهاء يزرعون ارضا غير التي يحرثها لهم الأصوليون ، فلا هؤلاء وجدوا لحرثهم من يزرعه ، ولا أولئك زرعوا ما حرثه لهم الحارثون ، فلا عجب والحال هذه أن تصبح الأصول مادة ثقافية تاريخية عقيمة شأنها شأن اللغات الميتة التي لا ينتفع بها ، وأن يصبح الفقه جسما بلا روح ، أعني روح الإجتهاد وملكة الإستنباط ... " التجديد والمجددون : 29 ..

ماذا يعني ذلك ؟ يعني ببساطة أن هذا العامل وليد الأول ، إذ لما ألغي الإجتهاد كان لا بد من فقه ، ومن شروط الفقيه القدرة على الإستنباط ، ولما كان الإستنباط صفة للمجتهد كان لزاما التخفيف من شروط الفقيه ، حتى صار من كانت له القدرة على حفظ جملة فروع مذهب فقيها معتبرا وإن لم يحسن التعامل مع الأدلة أو النظر في النوازل .

- الثالث : التزام كل فقيه بمذهبه بحيث لا يحيد عنه ، وهذه حسب رأيي كما قال الشاعر :

خطبت فكنت خطبا لا خطيبا *** أضيف إلى مصائبنا العظام

وبذلك أصبح المتأخر من الفقهاء حريصا على نص إمامه أكثر من حرصه على نصوص الكتاب والسنة - وهذا نلحظه كثيرا عندنا نحن المالكية ، ولا أتجرأ أن أقول ذلك على غير مذهبي - ، فصار الجهبذ والنحرير منهم أكثر حرصه على الإنتصار لإمامه ، أحيان بموجب الحق ، وأحيانا بموجب العنت والتكلف .

- الرابع : تباعد الزمن عن عهود الإزدهار التشريعي وخصائص المجتهدين في تلك العصور .

- الخامس : الأوضاع السياسية التي عرفتها الأمة ابتداء من أواخر عهد العباسيين ، وخاصة سقوط بغداد .

-السادس : الترف المادي الذي ولد الترف العلمي البعيد عن المقصد الذي من أجله يطلب العلم ، فأصبح الغرض هو التفكه والمناظرة والمباهاة وغلبة الخصوم وإفحام المخالف .

- السابع : انتشار الآراء الفلسفية ، وفساد علم المنطق وانحرافه ، وقد كان لذلك أثر في شحن علم أصول الفقه بحشو لا طائل منه إلا التمطيط .

- الثامن : جعل علم الكلام أحد الإستمدادات التي يستمد منها علم أصول الفقه ، وعذرا إذ أطلت ، ولكن لا بد لي هنا من أنقل إليك كلاما لابن الوزير في كتابه :" المصفى في أصول الفقه " ، يقول : " ... ولسنا بصدد التحليل التاريخي والعلمي لعلم الكلام ، ولا بصدد البحث عن دراسته هل تفيد أم البقاء على طريقة السلف أولى ، فذلك موضوع آخر لنا فيه نظرية خاصة ، إنما نحن بصدد النقد للذين أدخلوا بعض المسائل المهمة المعقدة من علم الكلام في فن الأصول .... وما هي النتيجة لهذا الخلط والتعقيد ، لا شيء سوى تنفير الطلاب والإقتحام بهم في معارك هائلة تخرجهم عن الهدف العظيم الذي وضع له الأصول ... من ذلك مسالة العقل هل هو حاكم كما يقول المعتزلة أم ليس بحاكم كما يقول الأشعرية ، ومسألة تكليف ما لا يطاق ، والتكليف بالفعل قبل حدوثه ، وتعلق الخطاب بالمعدوم وعصمة الأنبياء ، وصفة الكلام في حق الله وما يتعلق بها من الكلام النفسي ، وخلق القرءان ، واشتقاق اسم الفاعل كالخالق والقادر .... وهذه من أهم المسائل الكلامية فما هي الجدوى في دراستها معقدة مختصرة في فن آخر ؟ " المصفى في أصول الفقه لأحمد بن محمد بن علي الوزير : 35-36.

- التاسع : دخول أمم جديدة في الإسلام نقلت معها موروثها الفكري والفلسفي ومزجته بعلوم الشريعة .

هذه باختصار عوامل الجمود التي استدعت الحديث عن تجديد اصول الفقه ، وقد حان وقت الصلاة ، وبعد الفراغ منها إن شاء الله أعود إلى الحديث عن حقيقة التجديد المنهجي في أصول الفقه .



يتبع ........

ناصر الشريعة
04-05-2007, 02:02 AM
متابع لهذا الطرح المفيد ..

فجزاك الله خيرا .

حازم
04-05-2007, 02:04 AM
موضوع طيب يستحق المتابعة والاهتمام فهو يرد بشكل كبير على دعوات العلمانيين والليبراليين ..... جزاك الله خيرا يا استاذ يوسف

فخر الدين المناظر
04-05-2007, 05:21 AM
ماشاء الله عليك اخي الكريم الشيخ يوسف ... موضوع جميل جدا ... لفتت انتباهي أيضا هذه العبارة


وبذلك أصبح المتأخر من الفقهاء حريصا على نص إمامه أكثر من حرصه على نصوص الكتاب والسنة - وهذا نلحظه كثيرا عندنا نحن المالكية

للأسف هذا لاحظته أيضا ... ربما نحن سويا في بلد مالكي المذهب ونعرف أن البعض خاصة -علماء السلاطين- بدؤوا يعيشون ما أسميه بالتقوقع الفقهي ... وهذا لم ألحظه من السادة المالكية عندنا فقط .. بل عند البعض من دول أخرى ومن مذاهب فقهية أخرى...

وهذا من أبرز العوامل ...

حياكم الله ومتابع إن شاء الله لكل جديد تفيضون علينا به من مواضيع شيقة...

ناصر الشريعة أين مواضيعك الشيقة أخي الفاضل ؟؟؟

حازم طال غيابك وأوحشتنا مشاركاتك ومواضيعك..

بارككم المنان وحفظكم الرحمان...

قرآن الفجر
04-05-2007, 03:20 PM
ما شاء الله تبارك الله ، وضوح وقوة في الطرح
زادك الله علماً وفهماً


يتبع ........

واصل أخوي وصلك الله برحمته
حياك الله