المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقابلة الصور الرومية بالإسلام



قسورة
08-05-2007, 08:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

اختار الروم لأنفسهم طريق الغواية حين اتبعوا ملة العلمانية . ولمن لا يعرفها فإنها ملة ضلالتها هي اتخاذ الحجة مهجورة ، ويصطلحون عليها باسم "نسبية الحقيقة" أي لا حجة ، فهم يجحدون وجود الحق أو حتى الباطل ، استبدلاهما بالصواب والخطأ.

ثم أودى الحال بالروم بعد اتباعهم لهذه الملة إلى أن يختلقوا أسماءً ما أنزل الله بها من سلطان اتبعوا بها الظن وما تهوى الأنفس . وهي نتائج لضلالهم وزيغهم كشأن أي قومٍ ضُلال . وقد تكون صورتها مبهرجة فيفتن بها بعض الجاهلين .

ومن سنن من كان قبلنا قول بني إسرائيل: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(لأعراف: من الآية138). فهم رأوا صورةً فأعجبتهم ، فأرادوا مقابلتها بما لديهم .

عندما تختار بين طريقين فإنك لا تأخذ مزاياهما معاً . وهذه سنةٌ ثابتة . فطريق الجنة محفوفٌ بالمكاره ، وطريق النار محفوفٌ بالشهوات .

وهذا ما وقع فيه الصحابة رضوان الله عليهم أيضاً :
9884 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أناط فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله ، هذا كما قال موسى : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم
الراوي: أبو واقد الليثي - خلاصة الدرجة: حسن صحيح - المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2180
ذهب قوم موسى ، وذهب الصحابة ، ولا نُسأل عما كانوا يعملون ، وبقيت سنن الله في الأرض ، بقيت وإن تغيّرت الأسماء والصور .

كانت فتنة المعتزلة والجهمية بسبب ترجمة الكتب الأعجمية وتأثرهم بها على مذهب "ذات أنواط" . ثم تابعهم الفلاسفة والمتكلمون بمحاولة التوفيق بين الفلسفة وعلم الكلام والإسلام . وما أكثر الفتن التي نشأت تبعاً لذلك .

وهذه الأسماء والصور التي جاءت من عند الروم كانت نتيجةً لضلالهم ، وهي ليست موجودةً عندنا أصلاً . خذ قضية مساواة المرأة بالرجل في العمل ، فإن المرأة لا ولي لها عندهم ، وإن لم تتزوج أو تعمل فلن تجد من يعولها أو يكفلها . بعد الثامنة عشرة يطردها أبوها من البيت . فلهذا ناقشوا مساواة المرأة بالرجل في العمل . نتيجةٌ طبيعية وضلالةٌ مركبة مبنية .

واليوم جاءتنا أسماء جديدة من نسج بيوت عناكب الروم : إنسانية ، الفكر ، الاستشراق، السلام ، التعايش ، الوطنية ، تسامح ، حرِّيَّة ، مساواة ، تشدد ، تزمت ، ثيوقراطية ، المرأة ، الطفل ، الأسرة ، الديمقراطية ، تخلف ، رجعية ، تقدم ، تنوير ، الليبرالية ، الحداثة ، الاشتراكية ، الشيوعية ، الرأسمالية ، الراديكالية ، الدوغمائية ، الاقتصاد ، العلوم الإنسانية ... وأسماء جد كثيرة .

ولم تأت هذه المصطلحات كلها دفعةً واحدة كما يعرف المتابعون ، بل كانت على فترات . فالقوم كل يومٍ في ضلالةٍ جديدة يتخبطون ، يرقعون ، يلبسون ، يسمكرون .

واتباعاً للسنن بالإضافة إلى بعد المسلمين عن دينهم قاموا بإنشاء مراكز دراسات وأنشأوا الجامعات وألفوا الكتب وسعوا كل مسعى لتركيب هذه الصور وملاحقتها وتسمية هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان باسم الإسلام .

وكل صورةٍ يربطونها بالإسلام بتعسف التأويل لها ، فصاحب الديمقراطية يتأولها بالشورى ،والاشتراكية يتأولها بالزكاة ، والرأسمالية يتأولها بالاستخلاف .

ومنهم من يضيف صفة الإسلام الحق إلى ما ابتدعه الروم من الباطل ، فاقتصاد وحداثة وفن وفكر .

وبعضهم يتأول الصفات الممتدحة لدى الروم زعماً بأنه سيهديهم بها إذا تأولها في الإسلام كالحرية والانفتاح والتسامح والحوار والسلام والتعايش والمساواة والإخاء وقضايا المرأة والطفل والإنسانية وقيم الخير والفضيلة والحق والجمال ، وغيرها وغيرها .

ثم ماذا ؟ إلى متى ؟

جاء أبي حفظه الله بمجموعة من الجداول المدرسية الكرتونية مطبوعةً عليها اسم قرطاسيته ليوزعها على الزبائن مع انتهاء الحساب . فأخذت الجداول ووقفت بجانب الباب لأعطيها للزبائن المغادرين تاركاً المكتبة تموج بمن فيها . فلما شاهدني والدي على ذلك جاء ولطمني لطمةً شديدة وأخذ مني الجداول وأمرني بالاهتمام بالزبائن وترك الجداول . وقد كنت في الابتدائية حينها ووعيت هذا الدرس .

وهذا هو الذي حصل مع المسلمين اليوم . سهل عليهم الكلام والفلسفة والتشدق والتغني بعظمة الإسلام واحتوائه الصور جميعها على وجه الأرض ، وتركوا ما أمرهم الله به وانشغلوا بما لا يعنيهم . بل وأصبحوا يلومون من ينكر عليهم ذلك ويأمرهم بالرجوع إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويصفونه بما يصفهم به أعداء الإسلام : جمود ، رجعية ، تخلف ، تزمت .

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ". رواه مسلم (50).

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}(قّ:37)