المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيجاز في بيان أوجه الإعجاز (سورة الكافرون)



محب الرحمن
08-16-2007, 02:46 PM
السلام عليكم يكثر الملحدون الكلام عن صورة (الكافرون ) ويتساءلون عن أوجه الإعجاز فيها فرءيت أن أورد كلام الدكتور حاكم المطيري على هذه الصورة أظن أن فيها الكفاية لمن أراد الحق وأما من أراد الجدال والمراء فقط فأرجوا أن لا يقرأ الموضوع

الإيجاز في بيان أوجه الإعجاز


في سورة ( الكافرون)

بقلم د/ حاكم المطيري



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد :

فقد سألني أحد الأخوة النجباء، والأدباء الأذكياء، عن وجه الإعجاز في سورة ( الكافرون ) والتي لا يظهر فيها عنده وجه الإعجاز؟!

وقد أجبته إجابة مختصرة مضمونها أن عدم الإتيان بمثلها كاف في إثبات إعجازها مع ما يتراءى لنا من سهولة النظم على مثالها، ثم لما تدبرت فيها من الغد إتباعا لقول الله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) ظهر لي من أوجه الإعجاز البياني ما لم يخطر لي من قبل فشرعت أكتب تلك الخواطر من بعد صلاة الفجر إلى صلاة العصر حتى جاءت هذه الرسالة اللطيفة ، وفي الآية أوجه أخرى لمن أنعم فيها النظر ، وأجال فيها الفكر، وهذه بعض أوجه الإعجاز فيها :

الوجه الأول: أن التحدي والإعجاز تحققا عند عدم الإتيان بسورة على نحو هذه السورة، بقطع النظر عن البحث في وجه الإعجاز فيها، إذ عدم الإتيان هو الإعجاز ذاته، وقد كان باستطاعة المشركين أن يبطلوا دعوى النبي e من أساسها بالإتيان بسورة من مثله، دون أن يسفكوا دماءهم، ويبذلوا أموالهم، وكان الإتيان بسورة واحدة كاف في إبطال الدعوى مع ظهور التحدي أولا بالإتيان بمثل القرآن ثم بعشر سور مثله مفتريات ثم بسورة واحدة كما في قوله تعالى):(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا )) [الكهف88] (( قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات)) [هود 13]، (( قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين))[يونس 38] ((فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا....)) [ البقرة 23-24].

فلما لم يأتوا بشيء من ذلك، مع كون العرب أئمة البيان، وأهل اللسان، وأصحاب اللغة وأربابها، وآل الفصاحة وأصحابها، حتى نظموا من الشعر وقرضوا منه ما لم تقرضه أمة من الأمم كما نص على ذلك المؤرخ الفرنسي ( جوستاف لويون) في كتابه (حضارة العرب)، وبلغ عنايتهم بعلوم اللسان، وفنون البيان، من شعر ونثر أن عقدوا لها الأسواق ليتباروا فيها أيهم أفصح لسانا، وأبلغ بيانا، حتى عبروا عما يعنيهم من أمورهم، وما تختلج من المعاني في صدورهم، وصوروها شعرا ونظما، كأنما يراها السامع رأي العين شكلا ورسما، وأخرجوها بأشعارهم من حيز المعنويات، إلى حيز الماديات، والمصورات المشاهدات، مما يقطع معه أن التحدي وقع لهم فيما يحسنونه وينظمونه، وكان أسهل عليهم أن يأتوا بسورة من مثله من تعرضهم للقتل والحرب، مع طول المدة والمهلة.



الوجه الثاني: إن الإعجاز هو في صرفهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة، فصارت كل سورة من سوره ـ مهما كانت قصيرة يتراءى للنفس إمكان الإتيان بمثلها ـ معجزة بذاتها لا يستطيع الخلق أن يأتوا بمثلها إلى قيام الساعة(( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)) مع عدم وجود ما يحول دون الإتيان بمثلها حساً وطبعاً، ومع استمرار وجود أعداء الرسالة، وقيام التحدي لهم في كل عصر، ومع استهزائهم بالقرآن وسوره، وادعائهم أنه مفترى، وأنهم يستطيعون الإتيان بمثله، وأنه أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وعشيا، ومع ذلك كله لم يأت أحد منهم بسورة واحدة يبطل بها التحدي، فكان صرف الخلق عن ذلك هو المعجز، وهو الإعجاز الدال على صدق الرسول، وصدق الرسالة، وأنها حق من عند الله، فاستوى بذلك القرآن كله، والسورة القصيرة منه،

إذ التحدي وقع في هذا وهذا ،ولم يأت أحد بمثل ذاك و لا ذا ، وهو أمر خارج عن العادة الإنسانية، ومصادم للسنن الاجتماعية، في اجتهاد الخصم والعدو في إبطال دعوى خصمه ونقضها بكل وسيلة يقدر عليها، ولما جبل عليه الإنسان بطبيعته من حب الظهور والظفر فيما هو أدنى من ذلك، فكيف بمثل هذا الأمر العظيم الذي تبطل به الأديان التي هي أحب عند أبتاعها من النفوس والأموال؟!

وإذا كان( الحدوث دليل الإمكان ) وكان القرآن والسورة الواحدة منه من جنس كلام العرب، وكان من جاء به واحداً منهم، وبشراً مثلهم، فقد أصبح في حيز الإمكان أن يأتوا هم بمثله عادة، وخرج بذلك عن أن يكون مستحيلا عادة وعقلا الإتيان بمثله أو بسورة واحدة منه ، وإذا لم يكن مستحيلا فقد وقع إذن التحدي فيما هو ممكن، إذ نظم ست عبارات مثل آيات ( الكافرون ) لا يستحيل عادة ولا عقلا، إذ هو كلام عربي مبين، واضح المعاني، سهل المباني، فكان عدم الإتيان بمثل هذه السورة وغيرها من سور القرآن القصار، هو المعجزة الظاهرة التي لا إعجاز أوضح منها ولا أظهر، سواء أقيل الله هو الذي يحول بينهم وبين الإتيان بمثلها ويصرفهم عن ذلك، أم قيل إن الله خلى بينهم وبين ذلك فلم يستطيعوا، إذ الإعجاز تحقق بعدم الإتيان في حد ذاته بقطع النظر عن أسبابه.

الوجه الثالث: أن القرآن والسورة الواحدة منه كله كلام الله، وهذا أصل الدعوى وأساسها (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليه )) ((إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه )) (( فأجره حتى يسمع كلام الله )) وإذا كان العقل يقطع بأن ذات الخالق لاتشابه ذوات المخلوقين، فصفاته قطعاً لا تشابه صفاتهم، وكلامه لا يشبه كلامهم، وهذا بدلالة العقل الذي يقطع بأن لا موجود بلا موجود، ولا حادث بلا محدث، ولا مخلوق بلا خالق يتصف بصفات الكمال المطلق.

فإذا ثبت ذلك بدلالة العقل، وثبت أن إرسال الرسل وإنزال الكتب معهم لهداية الخلق إلى خالقهم هو من الممكنات العقلية، وأن خطاب الخالق إلى المخلوق في حيز الإمكان العقلي، وإذا ثبت لدى أهل الأديان قاطبة على اختلاف مللهم ونحلهم السماوية والأرضية أن الله أرسل كثيراً من الرسل لهداية الخلق، وأنزل على بعضهم كتبا، وأوحى إليهم، وكلمهم، وكان حدوث ذلك كله دليل إمكانه، وكان آخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن ما جاء به من قرآن هو من عند الله ومن كلامه ووحيه، والدليل عليه هو أن الخلق كلهم لو اجتمعوا ما استطاعوا أن يأتوا بمثله ولا بسورة واحدة، لأنه كلام الله، ثم لم يأتوا فعلا بمثله، كان ذلك أوضح حجة على أن هذا القرآن كلام الله حقا، يستوي بذلك القرآن كله، والعشر سور منه، والسورة الواحدة القصيرة، إذ كلام الله ليس ككلام خلقه، كما أن ذاته ليست كذواتهم (( ليس كمثله شيء)) فالسبب في عدم قدرة العرب والخلق كافة على الإتيان بسورة واحدة قصيرة كمثل( الكافرون ) هو كونها من كلام الله وكفى، والبرهان على ذلك هو عجز الخلق قاطبة عن الإتيان بمثلها، ولا تفسير لذلك بداهة إلا كونها من كلام الله، والإتيان بمثل كلام الله خارج عن حيز الإمكان العقلي، إذ يستحيل عقلا مماثلة المخلوق للخالق في ذاته أو صفاته، فصار القرآن من حيث هو كلام الله يستحيل أصلا الإتيان بمثله عقلا، وخارجا عن حيز الممكنات، ومن حيث هو كلام عربي مبين، يتلوه رجل عربي أمي، بألفاظ وحروف من جنس ما يستخدمه العرب في كلامهم، في حيز الإمكان وفي نطاق قدرتهم، فكان التحدي بذلك أظهر.

الوجه الرابع: إن أسلوب القرآن ونمطه لا عهد للعرب به، فلا هو بالشعر، ولا هو بالنثر ،بل هو قرآن لا يشابه كلامهم مع كونه من جنس كلامهم، ومن مفردات لغتهم، بل إنه لا يشابه كلام النبي e فالفرق بين القرآن والحديث النبوي فرق ظاهر جلي مع كونهما وحي من الله ((وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى))[النجم: 3-4] إلا أن القرآن كلام الله وخطابه، والحديث النبي كلام الرسول وبيانه عن الله تعالى.

وكذلك الفرق بين كلام النبي e وكلام أصحابه واضح جلي، لا يكاد يخفى على من يعرق كلامه وأسلوبه ونمطه، وكذا الفرق بين كلام أصحابه وكلام أتباعه، ولهذا يسهل على أهل العلم المتخصصين أن يميزوا بين كلام النبي e وكلام من سواه بالنظر للفظ والأسلوب، كما يستطيع أهل الشعر أن يميزوا بين قصائد الشعراء لمعرفتهم بأسلوب كل شاعر ونمطه، بل ربما استخرجوا من القصيدة الواحدة ما زيد فيها من أبيات ليس منها لكونها ليست من نمطها، ولا يكاد يختلط على أهل الشعر والأدب والنقد شعر أبي الطيب بشعر أبي العتاهية، ولا شعر أبي تمام بشعر البحتري، فضلا عن أن يختلط عليهم شعر أهل الجاهلية بشعر من بعدهم، وشعر العصر الأموي بالعصر العباسي الثاني .

وكذا يستطيع أهل التخصص من الأدباء والفصحاء معرفة أسلوب الرافعي وتميزه عن أسلوب المنفلوطي، وأسلوب العقاد من أسلوب طه حسين، فلكل كاتب وشاعر أسلوبه ونمطه وطريقته التي هي كالبصمة لا يستطيع التخلص منها ولا انتحالها إلا على وجه من التكلف الذي يكشف حقيقة التقليد ،وإذا كان الأمر كذلك كان محاكاة كلام الله أمرا ظاهرا لا يخفى، والتحدي إنما هو في المثلية (( بسورة من مثله)) والمثلية تقتضي المطابقة والمماثلة على وجه لا يمكن معه التمييز بينهما.

ونحن نرى الفرق ظاهراً جلياً بين القرآن والحديث النبوي بحيث لا يخفى الفرق بينهما على من له أدنى معرفة في القرآن والسنة، ولو كان في مقدور أحد من البشر أو العرب أن يتأثر خطا القرآن ويتأثر أسلوبه ونمطه لكان ذلك في مقدور النبي e ، فقد كان أفصح العرب قاطبة، وكان يتلو القرآن بكرة وعشيا مدة ثلاث وعشرين سنة، ومع ذلك كله لم يقع في كلامه e - مع كثرة ما تواتر عنه وما حفظ من كلامه- ما يشابه القرآن ولو في عبارة واحدة مع أنه أوتي جوامع الكلم؟!

وهذا ما يجده المسلمون في أنفسهم ،فإنهم يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ويتلونه ليل نهار، ويخرج منهم الشعراء، والخطباء، والكتاب، وأئمة اللغة، وأرباب البيان، ثم لا يكاد أحدهم يواطئ أسلوبه أسلوب القرآن، ولا نمطه، ولو مصادفة بلا قصد ؟! مع أن من يحفظ ديوان شاعر، ويعتني بشعره، ويكثر من ترديده، يستطيع محاكاته وتقليده، بل يتأثر أسلوبه ونمطه من حيث لا يشعر.

ولا تفسير لهذه الظاهرة اللغوية في القرآن وأسلوبه ونمطه إلا كونه كلام الله تعالى، فظهر بذلك أن أسلوب السورة القرآنية القصيرة كسورة (الكافرون)، ونمطها، ونظمها، معجز في حد ذاته، لا يستطيع أحد الإتيان بمثله، إذ السور القصيرة كالسورة الطويلة، وكالعشر سور، وكالقرآن كله، على نمط واحد، وأسلوب واحد، وهذا ما يدركه كل عربي بداهة بسليقته، فمهما اختلفت السور في مضامينها، ومعانيها، وقضاياها التي اشتملت عليها، إلا إن أسلوبها ونمطها واحد، لا هو بالشعر ولا بالنثر، بل نمط آخر هو القرآن.

الوجه الخامس: أن الله وصف قرآنه بأنه هدى ونور وفرقان وبرهان وبيان وموعظة وحكمه...الخ وهذه الأوصاف تصدق على القرآن ككل، وما من سورة إلا ولها من هذه الأوصاف حظ ونصيب، فمن آيات البرهان والفرقان التي تخاطب العقول (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون )) وقوله : (( قل هو الله أحد* الله الصمد*....)) وقوله: ((قل لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا)) ومثلها كثير ،

فهذه الآيات ونحوها دلائل برهانية على إثبات وحدانية الله، فانتظام حركة الوجود، وصلاحه وعدم اضطرابه، دليل على خالقه الذي يصرفه، فهذا برهان عقلي يقوم على مقدمات منطقية هي :

المقدمة الأولى: لو تعددت الأرباب لفسدت السموات والأرض، و لاضطرب الوجود بسبب حدث التنازع واختلاف الإرادات بينهم .

المقدمة الثانية: وبما أنه لاضطراب ولا اختلاف في حركة الوجود بل صلاح وانتظام.

النتيجة: ثبوت وحدانية الرب وانفراده بالخلق والتصريف، واتصافه بكمال القدرة والعلم...الخ.

وباختصار فالتعدد يقتضي الفساد، وبما أنه لا فساد، فلا تعدد، بل وحدانية وانفراد مطلق .



ومن أمثلة الآيات الوعظية التي تخاطب القلوب قوله تعالى : (( نبأ عبادي أني أنا الغفور الرحيم)) ، ((يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له...))

ومن أمثلة آيات الحكمة(( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا..))، (( ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)) .

ولهذا لم يقع التحدي بآية واحدة، إذ في القرآن آيات هي عبارة عن كلمة واحدة، أو حرف، ولا يظهر في مثل ذلك شيء من ذلك، كما لا يظهر فيه أسلوب ونمط يصلح به التحدي، وإنما يظهر ذلك ويتجلى بالكلام المركب، وذلك ظاهر في كل سورة مهما كانت قصيرة بخلاف الآية التي قد تكون حرفا واحدا مثل (( ن * والقلم وما يسطرون ))

وسورة ( الكافرون ) لها نصيب من الوصف المذكور للقرآن على سبيل الإجمال، وهو كونه بيانا وهدى وفرقانا بين الحق والباطل.

وهذا يتجلى في هذه السورة في أوضح صورة فقوله (( قل يأيها الكافرون)) خطاب ونداء موجه إلى الكافرين جميعا، فدخول (أل) على اسم الفاعل (كافر)، المشتق من (كفر)، المجموع جمعا سالما، هو من أبلغ صور العموم في لغة العرب، فقد أفاد الشمول والاستغراق لكل كافر من مشركي العرب ومن غيرهم، من كان موجودا آنذاك ومن يأتي من بعدهم، فعمهم النداء، وشملهم الخطاب، فلم يستثن منهم أحدا.

ثم قال ((لا أعبد ما تعبدون)) فجاء بالفعل المضارع ( أعبد) الذي يفيد الاستمرار وتجدد الحدث، ثم سلط عليه أداة النفي (لا) ليفيد نفي عموم الفعل وتجدده، وجاء بـ (ما) وهي اسم موصول – مفعول به- وهي من أسماء العموم تفيد الاستغراق والشمول بمعنى (الذي)، وجاء بصلته (تعبدون) وهو فعل مضارع من الأفعال الخمسة، والواو واو الجماعة، فأفادت ( ما تعبدون) عموم معبوداتهم، وعموم عباداتهم على اختلاف أنواعها وأجناسها، لكثرة معبوداتهم وأصنامهم، وأفرد معبوده بقوله (ما أعبد).

ثم قال (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) فجاء بالجملة الاسمية التي تفيد الثبات بعد الجملة الفعلية التي تفيد التجدد والحدوث، ونفى هذه كما نفى تلك، وجاء بالوصف المشتق وهو اسم الفاعل (عابدون) الذي يفيد أيضا معنى الاستقبال .

ثم قال (( ولا أنا عابد ما عبدتم)) فجاء هنا أيضا بالجملة الاسمية ( أنا عابد)

التي تفيد الثبوت، كما جاء من قبل بالجملة الفعلية ( لا أعبد ) التي تفيد الحدوث والتجدد، ونفى هذه وتلك.



فلا ما يصدر عنهم من فعل العبادة كمثل ما يصدر عنه من فعل، ولا الوصف القائم به من العبودية ( عابد ) كالوصف القائم بهم من العبودية ( عابدون)، ولا معبداتهم على اختلافها وكثرتها كمعبدوه مع وحدانيته.

ثم جاء بعد ( عابد ) بالمفعول وجعله اسما موصولا يفيد العموم وهو (ما)، وجعل صلته هنا فعلا ماضيا ( عبدتم)، بينما جعل صلته من قبل فعلا مضارعا ( ما تعبدون ) ، ليشمل النفي الماضي والحاضر والمستقبل .

ثم أكد ذلك بقوله (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) مرة ثانية على سبيل القطع والتأكيد، ليرفع ما قد يتوهمونه من إمكان أن يكونوا على شيء من دينه وعبادته .

ثم قال (( لكم دينكم ولي دين )) ليقطع عليهم طريق اللقاء به ماداموا على كفرهم وشركهم فلهم دينهم وله دينه.

فاشتملت هذه السورة مع قصرها وتكرار ألفاظها وتضمنت من صور العموم والشمول، والقطع والتأكيد، والنفي والإثبات، والبيان والوضوح، ما يجعل منها فرقانا بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والإسلام والوثنية، والتوحيد والشرك.

فمن صيغ العموم ( أيها ) و( الكافرون) و( ما) و( ماتعبدون) و(ما عبدتم) و (عابدون)، وجاء بأصرح ألفاظ النفي وهي (لا) وسلطها على الجملة الفعلية، والجملة الاسمية، كما سلطها على الفعل المضارع، والفعل الماضي ( تعبدون) (أعبد) ( عبدتم) .

وجاء بـ ( ما) وهي اسم موصول يفيد العموم ،تارة يأتي بمعنى (الذي)، وتارة يأتي بمعنى (الذين)، فأتى بالصلة بحسب السياق فقال ( ماتعبدون) أي (الذين تعبدون) ليشمل كل معبوداتهم، وقال ( ما أعبد) أي (الذي أعبد) ليفيد وحدانية معبوده.

وقد تكون( ما ) أيضا مصدرية تسبك بما بعدها فيكون المعنى ( لا أعبد عبادتكم ) و( لا أنتم عابدون عبادتي ).

وعليه فقد تضمنت السورة ما يلي :

1. نفي أن تكون عبادته كعبادتهم، كما نفى أن تكون عبادتهم كعبادته .

2. ونفي أن تكون عبوديته ( عابد)، كعبوديتهم ( عابدون)، ولا صفته ووصفه القائم به كصفتهم ووصفهم القائم بهم، ولا صفتهم كصفته.

3. ونفي أن يكون معبوده الواحد كمعبوداتهم، ولا معبوداتهم كمعبوده الواحد.

4. ونفي أن يكون دينه كدينهم، ودينهم كدينه.

فلا الفعل كالفاعل، ولا الوصف كالوصف، ولا المعبود كالمعبود، ولا الدين كالدين.



فيصدق على هذه السورة القصيرة أنها بيان قاطع، وفرقان فارق، بين الحق والباطل، كما هو شأن القرآن ووصفه، والله تعالى أعلم.



الوجه لسادس: أن التحدي جاء للخلق كافة أنسهم وجنهم، وعربهم وعجمهم، غير أنه لما كان العرب الذين نزل عليهم القرآن وهم عرب الجاهلية من أفصح الأمم، بل أفصحها على الإطلاق، ولما كانت حكمة الله تعالى تقتضي أن تكون آخر رسالة منه للعالمين، وآخر خطاب للعباد، رسالة بيانية، تنزل بأفصح وأوضح لغة، لتقوم حجة الله على خلقه إلى قيام الساعة، من حيث استمرار الحجة وبقائها، ومن حيث وضوحها وبيانها، ولا يتحقق ذلك إلا بأن تكون حجته بيانية لسانية، تتضمن أحكام الله وتشريعاته، وحكمه ومواعظه، وبراهينه وقصصه، وأخباره، على وجه تظهر فيه المعجزة من جهة، والبيان والوضوح من جهة أخرى، بحيث لا يحتاج الخلق معها إلى رسول آخر، ولا معجزة أخرى، ولا رسالة ثانية، بشرط أن يكون خطابه محكما محفوظا لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى لا يدخل عليه الخلل بالزيادة فيه أو النقص منه، أو تحريفه وتبديله، و إلا لم تقم الحجة على الخلق، ولهذا قال: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) وقال (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)).

ولهذا امتن الله على عباده كافه بأن جعل خطابه وكتابه إليهم بلسان عربي مبين هو الغاية في الوضوح والبيان والإيجاز (( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) .

كما امتن عليهم بحفظ الله له من التبديل والتحريف (( لئلا يكون للناس على الله حجة)) فبلغ أفصح الخلق وأصدقهم رسالة الله إلى العرب كافة، فلم يمت e حتى دخل العرب في دين الله أفواجا، ثم جعل الله العرب ــ وهم أفصح الأمم وأقدرها على الفهم والإفهام، والتبيين والبيان ، بأوجز عبارة و أوضحها – واسطة بين الرسول وكافة الأمم (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)) فلم يمت آخر صحابي حتى بلغ الإسلام مشارق الأرض ومغربها، ودخلت الأمم من غير العرب في دين الله أفواجا، بعد أن بلغهم العرب حجة الله وخطابه وكتابه بلغاتهم على اختلاف ألسنتهم، فاستجابوا لله ورسوله، وعلم أهل الكتاب أنه الحق الذي بشرت به الأنبياء من قبل، وعلم غيرهم أن كل ما جاء به القرآن من عقائد وأحكام وأخلاق وآداب أوضح دليل على أنه من عند الله وأنه حق كله، كما قال تعالى (( سنيرهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)) واستوى في ذلك العربي وغير العربي، فكان استجابة العرب للقرآن و إيمانهم به وعجزهم عن الإتيان بمثله ولو بسورة

قصيرة، وشهادتهم له بأنه أفصح الكلام وأوضحه وأجزله، وأنه خارج عن نطاق قدرة أدبائهم، وخطبائهم، وشعرائهم، دليل على أنه معجز وحجة وكان العجم تبعا لهم .

وكذا حال من يأتي بعدهم، إذ التاريخ شاهد على أنه لم يأتي بعد عرب الجاهلية من يجاريهم في الفصاحة والبيان، وفنون وعلوم اللسان، وأن قصارى من جاء بعدهم أن يحاكوا أشعارهم ويتبعوا آثارهم.

ومن هنا يظهر أن الله لم ينزل القرآن على هذا النحو الموجز المعجز تحديا للعرب،بل الصحيح أن الله هيئ العرب على هذا النحو واصطفاهم قبل البعثة، لينزل عليهم كتابه وخطابه الخالد ليفهموه ويبلغوه الأمم الأخرى، وذلك يقتضي إعدادهم على النحو الذي بلغوه وبرعوا فيه في علوم البيان قبل بعثة النبي e .

والمقصود أن العرب المشركين آمنوا بالقرآن كله، وأدركوا أن كل سوره الطوال والقصار ، بلغت الغاية في الإعجاز البياني، ولم يروا فيه خللا، ولا نقصا، ولا عيبا، لا في طوال سوره ولا قصاره، مع اختلاف مضامينها و موضوعاتها، فإذا أقروا له بذلك، كان اعترافهم وإقرارهم حجة على من سواهم ، من باب أولى، وهذا كما إذا شهد شعراء أهل عصر من العصور على أن أحدهم أشعرهم، فإن شهادتهم له حجة على أهل عصرهم ممن لا يحسن نظم الشعر ولا يقرضه، وليس لغير الشعراء والأدباء إلا التسليم لهم فيما أجمعوا عليه، وإن كان غيرهم لا يرى في شعره ما يرونه هم، ولا يتذوق منه ما يتذوقونه منه، وهذا كحال العامة في هذا العصر الذين لا يتذوقون الشعر العربي الفصيح، لا الشعر الجاهلي ولا الإسلامي، لفساد سليقتهم، وعجزهم عن فهمه وتذوقه، وبسبب قصورهم لا لقصور في الشعر العربي الفصيح، فلا يمكن للعامة أن يحكموا على الشعر العربي ولا أن يميزوا بين طبقات شعرائه، وإنما يقبل ذلك ممن تعلم العربية حتى غدا كأهلها سليقة.

وإذا كان هذا حال العامة مع الشعر العربي، وأنهم تبع لأئمة الشعر، وأدباء العصر، في تذوقه، وفهمه، فكذلك حالهم مع القرآن، فإنهم تبع في فهمه وتذوقه لعرب الجاهلية، الذين أسلموا طوعا وإيمانا منهم بأنه كلام معجز لا يمكن الإتيان بمثله، وأنه لا يجارى في بلاغته، ونظمه، وبيانه، وحكمه، يستوي في ذلك طوال سوره وقصارها، إذ لو رأوا فيه خللا، أو ضعفا، أو عيبا في لغته، لحال ذلك بينهم وبين الإيمان به، و لكان حجة لكل من يرفض الدخول فيه، غير أنهم لم يفعلوا فدل ذلك على أحكامه وإعجازه، ومن ذلك سورة ( الكافرون).

الوجه السابع: أن إعجاز القرآن على وجوه عدة منها :

1- إعجاز بياني من حيث النظم والأسلوب، واستخدام الألفاظ، ومراعاة مقتضى الحال والخطاب، على اختلاف الموضوعات التي طرقها .

2- إعجازه التشريعي وتفصيله للأحكام على كثرتها بأوجز عبارة وأوضحها كما في آيات الفرائض (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثنين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلث ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد....)) فقد اشتملت ثلاثة آيات محكمات من القرآن على علم الفرائض والمواريث كله، وقسمت الفرائض وحددت نصيب كل وارث، في كل أحواله، في حال انفراده وحده ، وحال اجتماعه مع غيره ، وفي حال الذكورة، أوحال الأنوثة، وحال الأبوة، وحال البنوة، وحال الكلالة، على نحو يحتاج بيانه إلى كتب كاملة، وهو ما ليس في نطاق البشر أن يأتوا بمثله على هذا النحو الموجز .

ومع تفاوت نزوله بحسب الحوادث مدة 23 سنة إلا أنه لا يوجد تعارض بين أحكامه وتشريعاته، بل كأن آياته لشدة أحكامها نزلت جملة واحدة.

3- إعجازه الخبري سواء في إخباره عن الماضي، وما وقع فيه من حوادث وقع الخلاف فيها بين أهل الأديان والكتب السابقة، فقصها على الوجه الصحيح كأنه حضرها، أو فيما أخبر به من حوادث المستقبل مما وقع بعد ذلك على وفق ما أخبر، كالإخبار عن ظهور الإسلام وعلوه على الأديان، مع كون ذلك نزل في مكة في حال الضعف والاضطهاد.

4- إعجازه العلمي حيث تحدث القرآن عن قضايا الوجود وخلق السموات والأرض، و أنهما كانتا رتقا ففتق الله بينها، وأنه جعل من الماء كل شيء حي، وأن أصل ذلك الدخان ... الخ

ومازال العلم المادي الحديث منذ نشأته يتوافق مع ما جاء في القرآن من هدايات علمية.

5- الإعجاز الترتيبي حيث أن ترتيب سوره، وكذا ترتيب الآيات في كل سوره، على وفق نظام بديع معجز، مع كونه نزل مفرقا منجما مدة ثلاث وعشرين سنة، فجاء ترتيبه على نحو لا نظير له، لمن تدبر فواتحه، وخواتيمه، وتناسبها، وتناسقها .

6- الإعجاز العددي حيث وردت فيه كثير من المفردات والألفاظ ،كالسماء والأرض، والليل والنهار، والسمع والبصر ،والذكر والأنثى ... الخ على نحو من التوافق والتناسب العددي المعجز .

7- الإعجاز الإتقاني ويتجلى ذلك في حفظه وضبطه على نحو فريد لا يشاركه ما من كتاب بما في ذلك كتب أهل الأديان الأخرى إلا في نسخها اختلاف ونقص وزيادة، هذا مع أن القرآن نزل على أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وعلى نبي أمي، ومع ذلك تحقق له هذا الأمر المعجز الذي لا ينازع فيه إلا مكابر ،حتى شهد له بذلك المنصفون الغربيون، ولم يقتصر الحفظ والضبط له بالرسم والخط ،بل بالقراءة، واللفظ، والتجويد، وكيفية قراءة كل حرف فيه.

وكذا يتجلى الإعجاز الإتقاني في إحكام آياته، حتى وقع التحدي فيه كما في قوله تعالى (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)) فليس فيه اختلاف ولا اضطراب، بل إحكام وإتقان، يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، حتى كأنه نزل جملة واحدة لا مفرقا على حسب الوقائع والحوادث مدة ثلاث وعشرين سنة؟!

فهذه بعض صور ووجه الإعجاز القرآني، ولكل سورة نصيب وحظ من هذه الوجوه والصور ، ومن ذلك سورة ( الكافرون) ،ففيها إعجاز بياني يتجلى في عجز مشركي العربي عن الإتيان بمثلها، وكذا إعجاز خبري حيث تحقق صدق ما أخبرت به هذه السور القصيرة من أنه لا لقاء بين دين التوحيد ودين الشرك، لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، مع كونها سورة مكية، وكان ممكنا أن يصلوا إلا حل وسط يرضي الطرفين، غير أن ما أخبرت به السورة هو الذي تحقق على أتم وجه وأكمله.

وكذلك فيها إعجاز ترتيبي فقد جاءت بعد سورة ( الكوثر) وهي مكية، وفيها إخبار بإكرام الله لنبيه ونصره وإعزازه (( إن شانئك هو الأبتر)) و الكوثر تعني الكثرة ،مع أن (الكافرون) فيها مقاطعته e لقومه واعتزاله إياهم ((لكم دينكم ولي دين )) ، ثم جاءت بعدها سورة مدنية وهي (النصر) ((إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا))

والتناسب بين السور الثلاثة ظاهر جلي، وقد تحقق ما أخبر الله به في (الكوثر) من قطع وبتر أعدائه، وما أخبر به في (الكافرون) من عدم اللقاء والتوافق بين النبي e وأعدائه، وأن لكل دينه وطريقه، وما أخبر الله به في ( النصر) من دخول المشركين في نهاية المطاف في دين الله أفواجا؟!!

وكذلك في (الكافرون) إعجاز إتقاني فلا اختلاف ولا اضطراب ولا تعارض بينها وبين كل سور القرآن وآياته في موضوعها ومضمونها وإخبارها ونظمها وأسلوبها. والله تعالى أعلى وأعلم .

kareemm
08-16-2007, 05:52 PM
جزاك الله خيرا موضوع جميل ومعجز

DirghaM
08-16-2007, 09:50 PM
جزاك الله خيرا..
لا إله إلا الله محمد رسول الله.

محمد عجاج
08-17-2007, 08:42 PM
جزاك الله خيرااااااااا

ناصر التوحيد
08-25-2007, 06:45 PM
جزاك الله خيرا
موضوع جميل ومعجز ومفصل

وهذه خلاصته واسال الله ان لا تخل بمضمونه
---

أوجه الإعجاز في سورة ( الكافرون )

عدم الإتيان بمثلها كاف في إثبات إعجازها مع ما يتراءى لنا من سهولة النظم على مثالها
التحدي والإعجاز تحققا عند عدم الإتيان بسورة على نحو هذه السورة، بقطع النظر عن البحث في وجه الإعجاز فيها، إذ عدم الإتيان هو الإعجاز ذاته ... وكان الإتيان بسورة واحدة كاف في إبطال الدعوى مع ظهور التحدي ... فلما لم يأتوا بشيء من ذلك، مع كون العرب أئمة البيان، وأهل اللسان، وأصحاب اللغة وأربابها، وآل الفصاحة وأصحابها... مما يقطع معه أن التحدي وقع لهم فيما يحسنونه وينظمونه، وكان أسهل عليهم أن يأتوا بسورة من مثله من تعرضهم للقتل والحرب، مع طول المدة والمهلة.


إن الإعجاز هو في صرفهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة، فصارت كل سورة من سوره ـ مهما كانت قصيرة يتراءى للنفس إمكان الإتيان بمثلها ـ معجزة بذاتها لا يستطيع الخلق أن يأتوا بمثلها إلى قيام الساعة(( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)) مع عدم وجود ما يحول دون الإتيان بمثلها حساً وطبعاً، ومع استمرار وجود أعداء الرسالة، وقيام التحدي لهم في كل عصر .... ومع ذلك كله لم يأت أحد منهم بسورة واحدة يبطل بها التحدي، فكان صرف الخلق عن ذلك هو المعجز، وهو الإعجاز الدال على صدق الرسول، وصدق الرسالة، وأنها حق من عند الله، فاستوى بذلك القرآن كله، والسورة القصيرة منه، التحدي وقع في هذا وهذا ،ولم يأت أحد بمثل ذاك و لا ذا .


فقد وقع إذن التحدي فيما هو ممكن، إذ نظم ست عبارات مثل آيات ( الكافرون ) ... فكان عدم الإتيان بمثل هذه السورة وغيرها من سور القرآن القصار، هو المعجزة الظاهرة التي لا إعجاز أوضح منها ولا أظهر، سواء أقيل الله هو الذي يحول بينهم وبين الإتيان بمثلها ويصرفهم عن ذلك، أم قيل إن الله خلى بينهم وبين ذلك فلم يستطيعوا، إذ الإعجاز تحقق بعدم الإتيان في حد ذاته بقطع النظر عن أسبابه.


القرآن والسورة الواحدة منه كله كلام الله ... { فاللغة هي نفس اللغة العربية التي برعوا فيها وفي اساليبها وبلاغتها ... ولكن... } كلامه { القرآن الكريم } لا يشبه كلامهم { فهو كلام معجز ومتميز اسلوبا وتركيبا ولفظا وجملة }
محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن ما جاء به من قرآن هو من عند الله ومن كلامه ووحيه، والدليل عليه هو أن الخلق كلهم لو اجتمعوا ما استطاعوا أن يأتوا بمثله ولا بسورة واحدة، لأنه كلام الله، ثم لم يأتوا فعلا بمثله، كان ذلك أوضح حجة على أن هذا القرآن كلام الله حقا، يستوي بذلك القرآن كله، والعشر سور منه، والسورة الواحدة القصيرة، إذ كلام الله ليس ككلام خلقه ... فالسبب في عدم قدرة العرب والخلق كافة على الإتيان بسورة واحدة قصيرة كمثل( الكافرون ) هو كونها من كلام الله وكفى، والبرهان على ذلك هو عجز الخلق قاطبة عن الإتيان بمثلها، ولا تفسير لذلك بداهة إلا كونها من كلام الله، والإتيان بمثل كلام الله خارج عن حيز الإمكان العقلي، إذ يستحيل عقلا مماثلة المخلوق للخالق في ذاته أو صفاته، فصار القرآن من حيث هو كلام الله يستحيل أصلا الإتيان بمثله عقلا، وخارجا عن حيز الممكنات، ومن حيث هو كلام عربي مبين، يتلوه رجل عربي أمي، بألفاظ وحروف من جنس ما يستخدمه العرب في كلامهم، في حيز الإمكان وفي نطاق قدرتهم، فكان التحدي بذلك أظهر.



أسلوب القرآن ونمطه ... لا يشابه كلامهم مع كونه من جنس كلامهم، ومن مفردات لغتهم، بل إنه لا يشابه كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان أفصح العرب قاطبة، وأوتي جوامع الكلم... فالفرق بين القرآن والحديث النبوي فرق ظاهر جلي مع كونهما وحي من الله ((وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى))[النجم: 3-4] إلا أن القرآن كلام الله وخطابه، والحديث النبوي كلام الرسول وبيانه عن الله تعالى. فلكل أسلوبه ونمطه وطريقته التي هي كالبصمة ... والتحدي إنما هو في المثلية (( بسورة من مثله)) والمثلية تقتضي المطابقة والمماثلة على وجه لا يمكن معه التمييز بينهما.

ولا تفسير لهذه الظاهرة اللغوية في القرآن وأسلوبه ونمطه إلا كونه كلام الله تعالى، فظهر بذلك أن أسلوب السورة القرآنية القصيرة كسورة (الكافرون)، ونمطها، ونظمها، معجز في حد ذاته، لا يستطيع أحد الإتيان بمثله... وهذا ما يدركه كل عربي بداهة بسليقته، فمهما اختلفت السور في مضامينها، ومعانيها، وقضاياها التي اشتملت عليها، إلا إن أسلوبها ونمطها واحد، لا هو بالشعر ولا بالنثر، بل نمط آخر هو القرآن.



وسورة ( الكافرون ) لها نصيب من الوصف المذكور للقرآن على سبيل الإجمال، وهو كونه بيانا وهدى وفرقانا بين الحق والباطل. وهذا يتجلى في هذه السورة في أوضح صورة :

فقوله (( قل يأيها الكافرون)) خطاب ونداء موجه إلى الكافرين جميعا، فدخول (أل) على اسم الفاعل (كافر)، المشتق من (كفر)، المجموع جمعا سالما، هو من أبلغ صور العموم في لغة العرب، فقد أفاد الشمول والاستغراق لكل كافر من مشركي العرب ومن غيرهم، من كان موجودا آنذاك ومن يأتي من بعدهم، فعمهم النداء، وشملهم الخطاب، فلم يستثن منهم أحدا.

ثم قال ((لا أعبد ما تعبدون)) فجاء بالفعل المضارع ( أعبد) الذي يفيد الاستمرار وتجدد الحدث، ثم سلط عليه أداة النفي (لا) ليفيد نفي عموم الفعل وتجدده، وجاء بـ (ما) وهي اسم موصول – مفعول به- وهي من أسماء العموم تفيد الاستغراق والشمول بمعنى (الذي)، وجاء بصلته (تعبدون) وهو فعل مضارع من الأفعال الخمسة، والواو واو الجماعة، فأفادت ( ما تعبدون) عموم معبوداتهم، وعموم عباداتهم على اختلاف أنواعها وأجناسها، لكثرة معبوداتهم وأصنامهم، وأفرد معبوده بقوله (ما أعبد).

ثم قال (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) فجاء بالجملة الاسمية التي تفيد الثبات بعد الجملة الفعلية التي تفيد التجدد والحدوث، ونفى هذه كما نفى تلك، وجاء بالوصف المشتق وهو اسم الفاعل (عابدون) الذي يفيد أيضا معنى الاستقبال .

ثم قال (( ولا أنا عابد ما عبدتم)) فجاء هنا أيضا بالجملة الاسمية ( أنا عابد) التي تفيد الثبوت، كما جاء من قبل بالجملة الفعلية ( لا أعبد ) التي تفيد الحدوث والتجدد، ونفى هذه وتلك.

فلا ما يصدر عنهم من فعل العبادة كمثل ما يصدر عنه من فعل، ولا الوصف القائم به من العبودية ( عابد ) كالوصف القائم بهم من العبودية ( عابدون)، ولا معبداتهم على اختلافها وكثرتها كمعبدوه مع وحدانيته.

ثم جاء بعد ( عابد ) بالمفعول وجعله اسما موصولا يفيد العموم وهو (ما)، وجعل صلته هنا فعلا ماضيا ( عبدتم)، بينما جعل صلته من قبل فعلا مضارعا ( ما تعبدون ) ، ليشمل النفي الماضي والحاضر والمستقبل .

ثم أكد ذلك بقوله (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) مرة ثانية على سبيل القطع والتأكيد، ليرفع ما قد يتوهمونه من إمكان أن يكونوا على شيء من دينه وعبادته .

ثم قال (( لكم دينكم ولي دين )) ليقطع عليهم طريق اللقاء به ماداموا على كفرهم وشركهم فلهم دينهم وله دينه.

فاشتملت هذه السورة مع قصرها وتكرار ألفاظها وتضمنت من صور العموم والشمول، والقطع والتأكيد، والنفي والإثبات، والبيان والوضوح، ما يجعل منها فرقانا بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والإسلام والوثنية، والتوحيد والشرك.

فمن صيغ العموم ( أيها ) و( الكافرون) و( ما) و( ماتعبدون) و(ما عبدتم) و (عابدون)....
وجاء بأصرح ألفاظ النفي وهي (لا) وسلطها على الجملة الفعلية، والجملة الاسمية، كما سلطها على الفعل المضارع، والفعل الماضي ( تعبدون) (أعبد) ( عبدتم) .

وجاء بـ ( ما) وهي اسم موصول يفيد العموم ،تارة يأتي بمعنى (الذي)، وتارة يأتي بمعنى (الذين)، فأتى بالصلة بحسب السياق فقال ( ماتعبدون) أي (الذين تعبدون) ليشمل كل معبوداتهم، وقال ( ما أعبد) أي (الذي أعبد) ليفيد وحدانية معبوده.


وعليه فقد تضمنت السورة ما يلي :

1. نفي أن تكون عبادته كعبادتهم، كما نفى أن تكون عبادتهم كعبادته .

2. ونفي أن تكون عبوديته ( عابد)، كعبوديتهم ( عابدون)، ولا صفته ووصفه القائم به كصفتهم ووصفهم القائم بهم، ولا صفتهم كصفته.

3. ونفي أن يكون معبوده الواحد كمعبوداتهم، ولا معبوداتهم كمعبوده الواحد.

4. ونفي أن يكون دينه كدينهم، ودينهم كدينه. فلا الفعل كالفاعل، ولا الوصف كالوصف، ولا المعبود كالمعبود، ولا الدين كالدين.
فيصدق على هذه السورة القصيرة أنها بيان قاطع، وفرقان فارق، بين الحق والباطل، كما هو شأن القرآن ووصفه .

فتَبَرَّأ رَسُول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مِنْ دِينهمْ بِالْكُلِّيَّةِ ... وتَبَرَّأَ مِنْهُمْ فِي جَمِيع مَا هُمْ فِيهِ ... فَالرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَاعه يَعْبُدُونَ اللَّه بِمَا شَرَعَهُ لهم وَلَا طَرِيق إِلَيْهِ إِلَّا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ غَيْر اللَّه عِبَادَة لَا يَأْذَن بِهَا اللَّه .

وَقَالَ الْبُخَارِيّ يُقَال " لَكُمْ دِينكُمْ " الْكُفْر " وَلِيَ دِين " الْإِسْلَام , وَلَمْ يَقُلْ دِينِي لِأَنَّ الْآيَات بِالنُّونِ فَحَذَفَ الْيَاء كَمَا قَالَ" فَهُوَ يَهْدِينِ " وَ " يَشْفِينِ "


وَقَالَ غَيْره لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ الْآن وَلَا أُجِيبكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي
وقال الْبُخَارِيّ وَغَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ " لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد " فِي الْمَاضِي " وَلَا أَنَا عَابِد مَا عَبَدْتُمْ " نَفَى قَبُوله لِذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ النَّفْي بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّة آكَد فَكَأَنَّهُ نَفَى الْفِعْل وَكَوْنه قَابِلًا لِذَلِكَ وَمَعْنَاهُ نَفْي الْوُقُوع وَنَفْي الْإِمْكَان الشَّرْعِيّ أَيْضًا . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الشَّافِعِيّ وَغَيْره بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة " لَكُمْ دِينكُمْ وَلِيَ دِين " عَلَى أَنَّ الْكُفْر كُلّه مِلَّة وَاحِدَة ... لِأَنَّ الْأَدْيَان مَا عَدَا الْإِسْلَام كُلّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِد فِي الْبُطْلَان.


لا اختلاف ولا تناقض ولا يأتيه الباطل

التحدي جاء للخلق كافة أنسهم وجنهم، وعربهم وعجمهم، غير أنه لما كان العرب الذين نزل عليهم القرآن وهم عرب الجاهلية .. أفصح الأمم ...على الإطلاق ... كانت حكمة الله تعالى تقتضي أن تكون آخر رسالة منه للعالمين، وآخر خطاب للعباد، رسالة بيانية، تنزل بأفصح وأوضح لغة، لتقوم حجة الله على خلقه إلى قيام الساعة، من حيث استمرار الحجة وبقائها، ومن حيث وضوحها وبيانها، ولا يتحقق ذلك إلا بأن تكون حجته بيانية لسانية، تتضمن أحكام الله وتشريعاته، وحكمه ومواعظه، وبراهينه وقصصه، وأخباره، على وجه تظهر فيه المعجزة من جهة، والبيان والوضوح من جهة أخرى، بحيث لا يحتاج الخلق معها إلى رسول آخر، ولا معجزة أخرى، ولا رسالة ثانية، فخطابه محكم ومحفوظ لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يدخل عليه الخلل بالزيادة فيه أو النقص منه، أو تحريفه وتبديله، و إلا لم تقم الحجة على الخلق، ولهذا قال: (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) وقال (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)).

ولهذا امتن الله على عباده كافه بأن جعل خطابه وكتابه إليهم بلسان عربي مبين هو الغاية في الوضوح والبيان والإيجاز (( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) .
كما قال تعالى (( سنيرهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)) واستوى في ذلك العربي وغير العربي، فكان استجابة العرب للقرآن و إيمانهم به وعجزهم عن الإتيان بمثله ولو بسورة قصيرة، وشهادتهم له بأنه أفصح الكلام وأوضحه وأجزله، وأنه خارج عن نطاق قدرة أدبائهم، وخطبائهم، وشعرائهم، دليل على أنه معجز وحجة وكان العجم تبعا لهم .

وكذا حال من يأتي بعدهم، إذ التاريخ شاهد على أنه لم يأتي بعد عرب الجاهلية من يجاريهم في الفصاحة والبيان، وفنون وعلوم اللسان، وأن قصارى من جاء بعدهم أن يحاكوا أشعارهم ويتبعوا آثارهم.
وهذا كما إذا شهد شعراء أهل عصر من العصور على أن أحدهم أشعرهم، فإن شهادتهم له حجة على أهل عصرهم ممن لا يحسن نظم الشعر ولا يقرضه، وليس لغير الشعراء والأدباء إلا التسليم لهم فيما أجمعوا عليه، وإن كان غيرهم لا يرى في شعره ما يرونه هم، ولا يتذوق منه ما يتذوقونه منه، وهذا كحال العامة في هذا العصر الذين لا يتذوقون الشعر العربي الفصيح، لا الشعر الجاهلي ولا الإسلامي، لفساد سليقتهم، وعجزهم عن فهمه وتذوقه، وبسبب قصورهم لا لقصور في الشعر العربي الفصيح، فلا يمكن للعامة أن يحكموا على الشعر العربي ولا أن يميزوا بين طبقات شعرائه، وإنما يقبل ذلك ممن تعلم العربية حتى غدا كأهلها سليقة.
فكذلك حال الذين أسلموا طوعا مع القرآن ... إيمانا منهم بأنه كلام معجز لا يمكن الإتيان بمثله، وأنه لا يجارى في بلاغته، ونظمه، وبيانه، وحكمه، يستوي في ذلك طوال سوره وقصارها، إذ لو رأوا فيه خللا، أو ضعفا، أو عيبا في لغته، لحال ذلك بينهم وبين الإيمان به، ولكان حجة لكل من يرفض الدخول فيه، غير أنهم لم يفعلوا فدل ذلك على أحكامه وإعجازه، ومن ذلك سورة ( الكافرون).


إعجاز القرآن على وجوه عدة منها :

1- إعجاز بياني من حيث النظم والأسلوب، واستخدام الألفاظ، ومراعاة مقتضى الحال والخطاب، على اختلاف الموضوعات التي طرقها .

2- إعجازه التشريعي وتفصيله للأحكام على كثرتها بأوجز عبارة وأوضحها كما في آيات الفرائض (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثنين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلث ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد....)) فقد اشتملت ثلاثة آيات محكمات من القرآن على علم الفرائض والمواريث كله، وقسمت الفرائض وحددت نصيب كل وارث، في كل أحواله، في حال انفراده وحده ، وحال اجتماعه مع غيره ، وفي حال الذكورة، أوحال الأنوثة، وحال الأبوة، وحال البنوة، وحال الكلالة، على نحو يحتاج بيانه إلى كتب كاملة، وهو ما ليس في نطاق البشر أن يأتوا بمثله على هذا النحو الموجز .
ومع تفاوت نزوله بحسب الحوادث مدة 23 سنة إلا أنه لا يوجد تعارض بين أحكامه وتشريعاته، بل كأن آياته لشدة أحكامها نزلت جملة واحدة.

3- إعجازه الخبري سواء في إخباره عن الماضي، وما وقع فيه من حوادث وقع الخلاف فيها بين أهل الأديان والكتب السابقة، فقصها على الوجه الصحيح كأنه حضرها، أو فيما أخبر به من حوادث المستقبل مما وقع بعد ذلك على وفق ما أخبر، كالإخبار عن ظهور الإسلام وعلوه على الأديان، مع كون ذلك نزل في مكة في حال الضعف والاضطهاد.
والاية الخامسة من السورة الكريمة " وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ " نزلت في اشخاص مشركين باعيانهم فقد علم الله انهم لا يؤمنون ابدا

http://albetaqa.jeeran.com/quran109alkafroon5.jpg

وفي اية اخرى .. يقول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " [128:آل عمران] لانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا , وهم المشركون الذين آذوه صلى الله عليه وسلم في أحد فسال الدم على وجهه ،وهم صفوان من أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى " لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " . وانكشف سر نزول هذه الآية بعد مدة فقد جاءوا أولئك المشركون تائبين إلى الله –عزّ وجلّ- وأسلموا كلهم .. كلهم تِيبَ عليهم وأسلموا . فقال الله تعالى مبيّناً أنّ أمر هؤلاء كله بيده لابيد نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ), أي من حكم هؤلاء في الدنيا والآخرة وحسابهم وتدبير أمرهم،و ليس لك أن تدعوا عليهم بالهلاك فربما يهديهم الله ويتجاوز عنهم .
يقول السعدي رحمه الله : " فأنزل الله تعالى هذه الآية وبين أن الأمر كله لله وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء ، لأنه عبد من عبيد الله والجميع تحت عبودية ربهم مُدبَّرون لا مُدبِّرون" .

سبق في عِلم اللهِ –عزّ وجلّ- أنهم سيؤمنون باللهِ ورسولِه ويكونون من أصحابِ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه الصورة جاء الحديث الصحيح : ( إن الله – عزّ وجلّ - يعجبُ من قاتلٍ يَقْتُـلُ مُسلماً ثم يُسلم القاتل فيدخلان معاً الجنّـة ) ، الكافر يقتُل مسلماً فمصيرُه النار بطبيعة الحال لكن هذا الكافر يؤمن بالله ورسوله ، والتوبة والإسلامُ يجبُّ ما قَبلَهُ، فإذاً هذا القاتل يدخل مع المقتول كلاهما الجنَّــة ( إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ( [47: الحجر] .



4- إعجازه العلمي حيث تحدث القرآن عن قضايا الوجود وخلق السموات والأرض .... ومازال العلم المادي الحديث منذ نشأته يتوافق مع ما جاء في القرآن من هدايات علمية.

5- الإعجاز الترتيبي حيث أن ترتيب سوره، وكذا ترتيب الآيات في كل سوره، على وفق نظام بديع معجز، مع كونه نزل مفرقا منجما مدة ثلاث وعشرين سنة، فجاء ترتيبه على نحو لا نظير له، لمن تدبر فواتحه، وخواتيمه، وتناسبها، وتناسقها .

6- الإعجاز العددي حيث وردت فيه كثير من المفردات والألفاظ ،كالسماء والأرض، والليل والنهار، والسمع والبصر ،والذكر والأنثى ... الخ على نحو من التوافق والتناسب العددي المعجز .

7- الإعجاز الإتقاني ويتجلى ذلك في حفظه وضبطه على نحو فريد لا يشاركه ما من كتاب بما في ذلك كتب أهل الأديان الأخرى إلا في نسخها اختلاف ونقص وزيادة، هذا مع أن القرآن نزل على أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وعلى نبي أمي، ومع ذلك تحقق له هذا الأمر المعجز الذي لا ينازع فيه إلا مكابر ،حتى شهد له بذلك المنصفون الغربيون، ولم يقتصر الحفظ والضبط له بالرسم والخط ،بل بالقراءة، واللفظ، والتجويد، وكيفية قراءة كل حرف فيه.
وكذا يتجلى الإعجاز الإتقاني في إحكام آياته، حتى وقع التحدي فيه كما في قوله تعالى (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)) فليس فيه اختلاف ولا اضطراب، بل إحكام وإتقان، يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، حتى كأنه نزل جملة واحدة لا مفرقا على حسب الوقائع والحوادث مدة ثلاث وعشرين سنة؟!

فهذه بعض صور ووجه الإعجاز القرآني، ولكل سورة نصيب وحظ من هذه الوجوه والصور ، ومن ذلك سورة ( الكافرون) ،ففيها إعجاز بياني يتجلى في عجز مشركي العربي عن الإتيان بمثلها، وكذا إعجاز خبري حيث تحقق صدق ما أخبرت به هذه السور القصيرة من أنه لا لقاء بين دين التوحيد ودين الشرك، لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، مع كونها سورة مكية، وكان ممكنا أن يصلوا إلا حل وسط يرضي الطرفين، غير أن ما أخبرت به السورة هو الذي تحقق على أتم وجه وأكمله.

وكذلك فيها إعجاز ترتيبي فقد جاءت بعد سورة ( الكوثر) وهي مكية، وفيها إخبار بإكرام الله لنبيه ونصره وإعزازه (( إن شانئك هو الأبتر)) ، ثم سورة (الكافرون) وفيها مقاطعته صلى الله عليه وسلم لقومه واعتزاله إياهم ((لكم دينكم ولي دين )) ، ثم جاءت بعدها سورة مدنية وهي (النصر) ((إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا))
والتناسب بين السور الثلاثة ظاهر جلي، وقد تحقق ما أخبر الله به في (الكوثر) من قطع وبتر أعدائه، وما أخبر به في (الكافرون) من عدم اللقاء والتوافق بين النبي صلى الله عليه وسلم وأعدائه، وأن لكل دينه وطريقه، وما أخبر الله به في ( النصر) من دخول المشركين في نهاية المطاف في دين الله أفواجا؟!!

وكذلك في (الكافرون) إعجاز إتقاني فلا اختلاف ولا اضطراب ولا تعارض بينها وبين كل سور القرآن وآياته في موضوعها ومضمونها وإخبارها ونظمها وأسلوبها.

----
حينما نرجع إلى أحكام التلاوة في المد نجد أن المد قد جاء لأن الحرف الذي تلا المد هو (الهمزة) ..

حينما يذكر القرآن (ما تعبدون) و(ما عبدتم) فإنه لا يوجد مدّ على كلمة (ما) للدلالة على تحقير ما يعبدون غير أنه حين يذكر (ما أعبد) وقد جاءت مرتين نجد أنه يوجد مدّ على كلمة (ما) لتدل على عظمة ورفعة ما يعبده الرسول صلى الله عليه وسلم ...

وهذا الحكم يوضح إعجاز القرآن في اختيار الحروف التي تبدأ بها الكلمات القرآنية لتبين المعنى على أكمل وجه .. كذلك فإننا حينما نتكلم عن المد الجائز المنفصل (مد الصلة الطويلة) وهو المد المتولد من هاء الضمير المكسورة أو المضمومة الواقعة بين متحركين ثانيهما همز نذكر المثالين الآتيين:
- { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } [البقرة: 131]. وجاء مد الصلاة الطويلة ليدل على عظمة الرب سبحانه .
- { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الأنعام: 91]. جاء مد الصلة الطويلة ليدل على عظمة قدر الله سبحانه .

وبالنسبة للمد اللازم المثقل (لوجود التشديد بعد حرف المد) نذكر المثال الآتي:

- { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 7].

نجد أن كلمة (الضالين) ممدودة مداً لازماً مثقلاً مقداره ست حركات .. على عكس كلمة (المغضوب عليهم) بدون مد ..
ويدل مدّ كلمة (الضالين) على كثيرة هؤلاء الضالين ووفرتهم وهم (النصارى) وذلك بالمقارنة (بالمغضوب عليهم) وهم اليهود حيث جاءت بدون مد لتدل قلة عددهم..


فسورة " الكافرون" تكشف عن مظهر عظيم من مظاهر الإعجاز القرآني ، المتمثل في عدم إغفال أي جانب من الجوانب المحققة للتواصل الفعال والتأثير في المتلقي .. من حيث النظم والأسلوب والمعاني والدلالات والأهداف والمقاصد والجو العام للسورة ومناسبتها , والتاثير ... والروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وإبانة خطره، هي على المكذبين به أعظم حتى كانوا يستثقلون سماعه، وأما المؤمن فلا تزال روعته به وهيبته إياه مع تلاوته توليه انجذابًا، وتكسبه هشاشة لميل قلبه إليه، وتصديقه به، قال تعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [الزمر:23]

-----------------------
وجه التكرار في سورة الكافرون
قال تعالى : " قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ "
ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره عدة أوجه للتكرار في هذه السورة، وذكر من بينها وجها له علاقة بعلم المناسبة فقال :" وقيل: هذا على مطابقة قولهم: تَعبُد آلهتنا ونعبُد إلهَكَ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، فنجرِي على هذا أبداً سَنَة وسنة. فأجيبوا عن كل ما قالوه بضدّه؛ أي إن هذا لا يكون أبداً.
ال ابن عباس: قالت قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم: نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجلٍ بمكة، ونزوّجك مَنْ شئت، ونطأ عقِبَك؛ أي نمشِي خلفَك، وتَكُفُّ عن شتم آلهتنا، فإن لم تفعل فنحن نَعْرِض عليك خَصْلة واحدة هي لنا ولك صلاح؛ تعبدُ آلهتنا (اللات والعُزّى) سنة، ونحن نعبد إلهك سنة؛ فنزلت السورة. فكان التكرار في «لا أعبد ما تعبدون»؛ لأن القوم كرّروا عليه مقالهم مرة بعد مرة."

وعلم المناسبة يبين الترابط اللفظي والمعنوي بين آيات وسور الذكر الحكيم .. ويبين الوحدة النسقية ووحدة البناء فكري واللغوي المتكامل والشامل في القرآن الكريم


---
ومن الإعجاز: تيسير حفظه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:22] وسائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم فكيف الجم، على مرور السنين عليهم، والقرآن ميسر حفظه للغلمان في أقرب مدة، حتى أن منهم من حفظه في المنام، ويحكي أنه رفع إلى المأمون صبي ابن خمس سنين وهو يحفظ القرآن [معترك الأقران ص:145].

2- ومن الإعجاز: كونه محفوظًا عن الزيادة والنقصان، محروسًا عن التبديل والتغيير على تطاول الأزمان، بخلاف سائر الكتب، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9] فلم يقدر أحد بحمد الله على التجاسر عليه [المصدر السابق ص:22].

-----
3- لفظة غريبة: وفي القرآن لفظة غريبة هي من أغرب ما فيه، وما حسنت في كلام قط إلا في موقعها فيه، وهي كلمة (ضيزى) من قوله تعالى: ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم:22] ومع ذلك فإن حسنها في نظم الكلام من أغرب الحسن ومن أعجبه، ولو أردت اللغة العربية ما صلح لهذا الموضع غيرها، فإن السورة التي هي منها وهي سورة النجم مفصلة كلها على الياء، فجاءت الكلمة فاصلة من الفواصل، ثم هي في معرض إنكار العرب، إذ وردت في ذكر الأصنام وزعمهم بقسمة الأولاد، فإنهم جعلوا الملائكة والأصنام بنات الله مع وأدهم البنات؛ فقال تعالى: ﴿أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى ﴿21﴾ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم:21، 22] فكانت غرابة اللفظ أشد الأشياء ملاءمة لغرابة هذه القسمة التي أنكرها، وكانت الجملة كلها كأنها تصور في هيئة النطق بها، الإنكار في الأولى والتهكم في الأخرى، وكان هذا التصوير أبلغ ما في البلاغة وخاصة في اللفظة الغريبة الذي تمكنت في موضعها من الفصل [إعجاز القرآن للرافعي ص:230].

---
ومن فصاحة القرآن أن الله تعالى جل ذكره، ذكر في آية واحدة أمرين، ونهيين وخبرين وبشارتين، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ...﴾ [القصص:7]
---
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت-51].
فأخبر تعالى أن الكتاب آية من آياته قائم مقام معجزات غيره من الأنبياء لفنائها بفنائهم [معترك الأقران ص:3].

-----
إن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري، وتنسيقه الفني، وأسلوبه في الأداء.

إن تعبير القرآن يستقيم على خصائص واحدة في مستوى واحد، لا يختلف ولا يتفاوت، ولا تختلف خصائصه ..

والكلام في إعجاز القرآن طويل، ولكن اقتصرنا على أجزاء مته .

محبة الاسلام
07-27-2008, 09:35 PM
السلام عليكم يكثر الملحدون الكلام عن صورة (الكافرون ) ويتساءلون عن أوجه الإعجاز فيها فرءيت أن أورد كلام الدكتور حاكم المطيري على هذه الصورة أظن أن فيها الكفاية لمن أراد الحق وأما من أراد الجدال والمراء فقط فأرجوا أن لا يقرأ الموضوع

الإيجاز في بيان أوجه الإعجاز


في سورة ( الكافرون)

بقلم د/ حاكم المطيري


.

أولا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ثانيا جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع والذي أسأل الله أن نستفيد منه ولعل لنا مع كل وقفة أن نقول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

ناصر الشريعة
07-27-2008, 10:03 PM
الوجه الثاني: إن الإعجاز هو في صرفهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة،
القول بالصرفة غير صحيح ، وهو قول باطل ، فالقرآن معجز في ذاته ، وأما القائلون بالصرفة فيقولون أن الناس كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن ولكن الله صرفهم عن ذلك ، وهذا قول مردود مخالف للحق .
ومثله قوله :

سواء أقيل الله هو الذي يحول بينهم وبين الإتيان بمثلها ويصرفهم عن ذلك، أم قيل إن الله خلى بينهم وبين ذلك فلم يستطيعوا،
فلا يصح القول بالصرفة أصلا حتى يفسر الإعجاز به .



وقوله: ((قل لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا)) ومثلها كثير ،

فهذه الآيات ونحوها دلائل برهانية على إثبات وحدانية الله، فانتظام حركة الوجود، وصلاحه وعدم اضطرابه، دليل على خالقه الذي يصرفه، فهذا برهان عقلي يقوم على مقدمات منطقية هي :

المقدمة الأولى: لو تعددت الأرباب لفسدت السموات والأرض، و لاضطرب الوجود بسبب حدث التنازع واختلاف الإرادات بينهم .

المقدمة الثانية: وبما أنه لاضطراب ولا اختلاف في حركة الوجود بل صلاح وانتظام.

النتيجة: ثبوت وحدانية الرب وانفراده بالخلق والتصريف، واتصافه بكمال القدرة والعلم...الخ.

وباختصار فالتعدد يقتضي الفساد، وبما أنه لا فساد، فلا تعدد، بل وحدانية وانفراد مطلق .

دليل التمانع دليل صحيح على وحدانية الله في ربوبيته ، ولكن الاستدلال عليه بقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } استدلال غير صحيح ، لأنه لو كان هناك ربان لما وجدتا أصلا فضلا عن أن توجدا مع الفساد ، ولكن امتناع وجود آلهة إلا الله في الكون متضمن لبطلان وجود خالق غير الله .

ومع أن سائر المقالة مفيد في بيان أوجه الإعجاز ، إلا أن الكلام على إعجاز سورة الكافرون أعظم من ذلك ، وليس ما ذكر سوى إشارات لا تفي ببيان حقيقة الإعجاز فيها .

ناصر التوحيد
07-28-2008, 02:21 AM
القول بالصرفة غير صحيح ، وهو قول باطل ، فالقرآن معجز في ذاته ، وأما القائلون بالصرفة فيقولون أن الناس كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن ولكن الله صرفهم عن ذلك ، وهذا قول مردود مخالف للحق ....
فلا يصح القول بالصرفة أصلا حتى يفسر الإعجاز به .

نعــــــــــــــــــــم ومليون نعــــــــــــــــــــم
فبارك الله فيك أخي الحبيب على التوضيح والتعقيب
وأنا لا أقول بالصرفة
فالقول (بالصرفة) ابتداء هو قول باطل عند جل العلماء لأن القرآن الكريم معجِز فى نفسه ، ولكن القول (بالصرفة) جاء عند بعض العلماء المتأخرين كنتيجة بعد ثبوت الاعجاز وثبوت العجز .. فقد ثبت العجز رغم التمكن من اللغة والفصاحة والبلاغة ورغم التحدي الالهي القرآني الذي آخذ بكل مظاهر بلاغتهم وفصاحتهم باستخدام نفس الحروف والألفاظ مع التفرد والتميز القرآني بالدقة البالغة في اختيار اللفظ لموقعه الذي أريد له ومع التفرد والتميز القرآني باستعمال التراكيب التي سلكها في أداء أغراضه ومعانيه مع سمو التراكيب وعلو الطريقة والروعة المعجزة في استعمالها ، فهو متميز ببناء فريد للآية وللآيات وللسور , وليس لاحد افرادا او مجتمعين القدرة على الاتيان بما يماثله لا قبله ولا بعده .
فنقول بأنّ القرآن الكريم معجز لأنه معجِز فى نفسه أصلا وليس بصرف العرب عن معارضته او القدرة على معارضته , ومع ذلك وحيث ثبت فشل العرب في معارضته رغم وجود التحدي فنقول وكأن الله صرف عنهم هذه القدرة , فيكون للقرآن وجهان اعجازيان , الاعجاز في ذاته لكونه في أعلى قمة الفصاحة والبلاغة والبيان , والاعجاز بعدم القدرة على معارضته او الاتيان بمثله , ففي كلتا الحالتين الإعجاز ثابت , لأن معظم من قالوا بالصرفة ، فقالوا ( كما نقول من الحجة علي إعجاز القرآن أن العرب لم يأتوا بمثله مع تحديه لهم وتوفر الدواعي أن يفعلوا لو أمكنهم ، ففي هذا القول إن فرض الخرق - أي خرق العادة - بأن يقال : لعلهم كانوا قادرين ولكن صرفهم الله عز وجل .فهذا الصرف حجة أخري علي الإعجاز . ) .. كمن معه السلاح والعدة ولكنه لا يستطيع ان يستخدمها لعجزه الكلي . فيقولون بها على أنها وجه إضافي من وجوه الإعجاز وليس بديلا للإعجاز البلاغي والبياني , فنظرية الصرفة ليست نافية للإعجاز بل لاقتناعهم بان بلاغة القران معجزة , فقالوا بها كنوع إضافي من الاعجاز القرآني بعد أن ثبت لهم بالبراهين القاطعة عجز الناس عن الاتيان بمثل القرآن وبان له إعجازه وآمنوا بإعجاز القرآن الكريم وأنّ القرآن الكريم كلمة الله تعالى التى أنزلها آية على صدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.



دليل التمانع دليل صحيح على وحدانية الله في ربوبيته ، ولكن الاستدلال عليه بقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } استدلال غير صحيح ، لأنه لو كان هناك ربان لما وجدتا أصلا فضلا عن أن توجدا مع الفساد ، ولكن امتناع وجود آلهة إلا الله في الكون متضمن لبطلان وجود خالق غير الله .

الكلام إنما هو بعد وجود السماوات والأرض وليس قبل أن توجدا : فلو كَانَ فيهما آلهة غير الله لفسدتا .. : فلا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده , وهذا دليل عقلي على وحدانية الله سبحانه في الوهيته .. وامتناع وجود آلهة إلا الله في الكون .
والمشاهد أن الوجود كله منتظم متسق مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال ( مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ )
وهذه الآية تدل وتبين أن صلاح العالم إنما يكون بأن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يطاع وحده لا شريك له، ولو انتظم أمر النَّاس في هذه الأرض، فلم يعبدوا ولم يطيعوا إلا الله ولم يتبعوا إلا أوامر الله لانتفى الفساد من الأرض مثلما انتفى من السماء.. ولما وجد هذا الفساد في الأرض .

jeranamo
07-28-2008, 04:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخى الحبيب جزاكم الله خيرا, ولكن ورد فى هذه المشاركه خطأ املائى فى ذكرك لهذه الآيه من سورة النساء, نرجو الدقه فى كتابة القرءان

- إعجازه التشريعي وتفصيله للأحكام على كثرتها بأوجز عبارة وأوضحها كما في آيات الفرائض (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثنين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلث ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد....))