المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جعفر المنصور
قال عبد الرزاق في تفسيره 1541 - عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ أَهْلَ الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهَ , وَالْأَصَمَّ , وَالْأَبْكَمَ , وَالشِّيُوخَ الَّذِينَ لَمْ يُدْرِكُوا الْإِسْلَامَ , ثُمَّ يُرْسِلُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ» , قَالَ: " فَيَقُولُونَ: كَيْفَ وَلَمْ يَأْتِنَا رَسُولٌ؟ , قَالَ: «وَايْمِ اللَّهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا , ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيُطِيعُهُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُطِيعَهُ» قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]
وهذا من فضل الله وهو زائد على العدل
فإن من كان على الشرك لو طولب يوم القيامة بالدليل على شركه ولماذا سار على الشرك وحوسب على الأفعال التي تنبذها الفطرة فحسب لهلك
أو ألزم أن يبحث عن الحق بمجرد ما أودع من الفطرة والعقل لكان هذا عدلاً
قال العلامة الكبير أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية _ رحمه الله _ في درء تعارض العقل والنقل وهو من أواخر تصانيفه صنفه بعد رجوعه من مصر (8/491) :" ثم قال { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } سورة الاعراف 173 ذكر لهم حجتين يدفعهما هذا الاشهاد
إحداهما { أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته وذلك يتضمن حجة الله في ابطال التعطيل وان القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل
والثاني { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم } فهذا حجة لدفع الشرك كما أن الأول حجة لدفع التعطيل فالتعطيل مثل كفر فرعون ونحوه والشرك مثل شرك المشركين من جميع الأمم
وقوله { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } وهم آباؤنا المشركون وتعاقبنا بذنوب غيرنا وذلك لأنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذى الرجل حذو ابيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ولهذا كان ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية ولم يكن في فطرتهم وعقولهم ما يناقض ذلك قالوا نحن معذورون وآباؤنا هم الذين اشركوا ونحن كنا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم
فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم فإذا احتجوا بالعادة الطبيعة من اتباع الاباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذه العادة الابوية
كما قال صلى الله عليه وسلم
كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فكانت الفطرة الموجبة للاسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول فانه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا
وهذا لا يناقض قوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } سورة الاسراء 15 فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن أن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن اقرارهم بأن الله ربهم ومعرفتهم بذلك وان هذه المعرفة والشهادة أمر لازم لكل بني آدم به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة اني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لابي المشرك دونى لانه عارف بان الله ربه لا شريك له فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الاشراك بل قام به ما يستحق به العذاب
ثم أن الله بكمال رحمته واحسانه لا يعذب أحدا بعد ارسال رسول اليهم وان كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث اليهم رسول فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعقاب والرب تعالى مع هذا لم يكن معذبا لهم حتى يبعث اليهم رسولا"
فتأمل قوله (فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الاشراك بل قام به ما يستحق به العذاب)
غير أن الله عز وجل من فضله الزائد لا يعذب حتى يبعث رسولاً بل لا يميت عند تكذيب الرسول رأساً بل يعطي فرصة واثنين وثلاثة
ولو حوسب عامة اليهود والنصارى اليوم بمقتضى ما في كتبهم لم يكن يستحق النجاة منهم إلا قليل
وقد فصل ابن القيم حال الكفار في الآخرة في كتابه طريق الهجرتين
فذكر أن منهم قسماً بلغته الدعوة فهذا معذب في الآخرة
وقسم تمكن وأعرض وهذا كسابقه وفي مثل هذا ورد قوله تعالى ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)
وقسم عاجز عن السماع للوحي
وهذا القسم على قسمين
قسم متشوف للحق مستعد لقبوله فهذا هو الذي ينجو في الاختبار في الآخرى
وقسم مؤثر للباطل موطن لنفسه عليه وهذا حتى لو جاءه الحق لرده وهذا الذي يفشل في اختبار الآخرة
وكما قلت لك الله عز وجل لو أراد محاسبة المشركين على مقتضى الفطرة فحسب من كون هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر أو يحاسب اليهودي والنصراني على ما في كتابه لهلك عامتهم ولكنه تفضلاً ربط الأمر ببلوغ الدعوة ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) ثم جعل أمد الدعوة موت الإنسان ولم يجعل هناك عدد معين من الفرص إذا استنزفه انتهى الأمر