عندما خلق الله الإنسان على صورته ومثاله وضع بداخله حقيقة وجوده ولذلك نجد الإنسان يسعى دائما نحو الله والإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه الشعور الخفي بوجود الله ودائب البحث عنه ولذلك أرتبط بالعبادات منذ فجر حياته وقد تجد مجتمعا بدائيا يعيش في الجبال أو الغابات بدون مدارس ولا مستشفيات ولا محاكم ولا مسكن مستقر ولا أية وسائل حضارية تساعده على تنظيم حياته، ولكن لن تجده بدون التعبد لإله معين، وما الديانات الوثنية إلاّ هي محاولات بحث الإنسان عن الله ولا تجد أي قبيلة بدائية ليس لديها ميول دينية ولن ترى قردا يقف منتصبا يصلي فالشعور الخفي بوجود الله شعور عام بين جميع الأجيال على مر التاريخ هو شعور دفين داخل النفس البشرية وهنا نسأل أنفسنا: هل يعقل أن يغرس الله في الإنسان اعتقادا مثل هذا لو كان باطلا
ومن الطريف يقول "وورمبلاند": "إني أعرف مُلحدًا وظيفته إلقاء المحاضرات الإلحادية، ومنها كان يكسب عيشه، كان قبل كل محاضرة يرفع وجهه إلى الله مُصليًا طالبًا إنجاح مجهوده" (74) ويقرُّ العلامة " كلارك" (1675-1729) تلميذ وصديق داروين في كتابه " إثبات وجود الله " قائلًا: لأجل أن أُثبت وجود الله أستلفت نظر القارئ إلى أننا نحمل أنفسنا فكرة عن الأبدية اللانهائية، وهي فكرة يستحيل علينا أن نلاشيها أو نطردها من عقولنا، وهي صفات يجب أن يكون موصوفًا بها كائن موجود
ويقول "ريتشار وورمبلاند": "أن النفس البشرية في هذا الوجود بدون الله هي أشبه ما تكون بجبل من الجليد في وسط محيط العالم، وما أغبى أن يظن الإنسان في نفسه أنه لا يزيد عن نتيجة تفاعلات بعض العناصر الكيماوية
وقال الفيلسوف الفرنسي " ديكارت" (1596-1650) " إني مع شعوري بنقص ذاتي أحس في الوقت ذاته بوجود ذات واجبة كاملة. وأراني مضطرًا للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال وهي الله.. إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلاَّ كنتُ أعطيتها سائر صفات الكمال التي أدركها. إذًا أنا مخلوق بذات أخرى، وتلك الذات يجب أن تكون حائزة على جميع صفات الكمال