نقد رصين لبعض الكتابات المتخصصة في الرد على الإلحاد
أبو جعفر المنصور كتب
في الحقيقة عامة الكتب المذكورة لم أقرأها
وقررت قراءتها للوصول إلى درجة من التخصص
وبدأت بكتاب ميلشيا الإلحاد للأخ عبد الله العجيري ولم أجده وإنما وجدت ملخصاً والكتاب مفيد إلى درجة ما
غير أنه معالجة فيها درجة من البرود والمبالغة في تضخيم مسألة الإلحاد
في الواقع عند كلامه على ظاهرة الإلحاد يستبعد إلى حد كبير وجود الهوى ، ويفوته الربط بين الشهوانية التي تؤصل وسائل الإعلام في غالبها وتصوير الدين على أنه قيود على الإنسان
يعني باختصار هناك إهمال لأمر الإلحاد النفسي والإلحاد الشهواني
وكثير ممن يتكلم في هذا الباب مصاب بعقدة المخبر
بمعنى أن الرجل الذي يعتاد على التعامل مع المجرمين أو المتهمين بحكم عمله يصير يرى كل الناس كذلك ويرى الدنيا كلها جرائم بحكم العمل
وإلا فهذا الأمر ليس بتلك الضخامة التي تصور وذلك لعوامل أهمها كون كثير من الشباب لا يعنى بالقضايا الفكرية كثيراً ، ولو نظرنا إلى ظاهرة كظاهرة المخدرات او الجنس الثالث أو النساء المسترجلات البويات لوجدناها أكثر حضوراً في الواقع مع سوء هذه الظواهر جداً والاتفاق على ذمها
والمجتمع السعودي الذي ركز عليه الدكتور الكلام في بعض مواطن ليس محلاً للقياس فمعلوم أن هناك تياراً ليبرالياً متسلطاً من أماكن القرار في السعودية يدعم وبقوة كل ما يعارض الدين وفتح لذلك قنوات وصحف ودخل في صراع قوي مع التيار الديني الأول بسلطته والثاني بشعبيته وتخاض المعارك كل مدة تارة في أمر الهيئة أخرى في أمر البنك الأهلي
وأمر الابتعاث مخطط له لهذا الاعتبار ويحرص عليه بقوة بل إن ابتعاث الفتيات يقبل بشكل أسرع بكثير من ابتعاث الشباب
ومعلوم أن التيار الليبرالي تيار يمجد الديمقراطية بل المخلصون منهم يرونها غير كافية ومع ذلك الليبرالي السعودي يقف مع ممارسات حكومية غير ديمقراطية إذا كان يراها تضر بالمتدينين
وقد ذكر بعض الأسباب التي تدفع الشباب للإلحاد وهي في الواقع محض حيل وليست أمراً واقعياً كظنهم أن الدين يسوغ للظلمة ما يصنعون ، فالخطاب الطاغي لكثير من الدعاة هو الخطاب الثوري ورواد هذا الخطاب ( وهو ردة فعل مبالغ بها ) مشهورون والوصول إليهم سهل فمثل هذا محض حيلة لا يرتقي إلى كونه سبباً حقيقياً سوى تبرير بارد
وأمر تقليد الغرب وكون كل ما يصير موضة عندهم يحاول عدد من شبابنا تقليدهم فالشيوعية حين كانت قوية والاتحاد السوفييتي يدعمها كان رواد أحزابها في مصر والعراق والشام ألوف مؤلفة ، ولما ظهرت الاشتراكية بقوتها حاول كثير من الإسلاميين التلفيق بينها وبين الإسلام
فهذه ظواهر (إن سلمنا أنها ظواهر ) آنية ولاعتبارات معينة
وإلا فما يسمى بالفكر المتطرف له دولة الآن وتخوض حروب على عشر جبهات دون أي هزيمة تذكر وأتباعه في ازدياد ومعظمهم من الشباب وهذه ظاهرة حقيقية وليست افتراضية يدخلها التحيل واللعب
وتحميلات الكتب المتطرفة _ على حد تعبيرهم _ بالآلاف ومنتدياتهم تسجل مراكز عالمية عالية ومشاهدات المواضيع كبيرة
أذكر هذا لأن بعض التضخيم لبعض الظواهر لو وضعت في مقابله الظواهر المعاكسة لتبين لك القوة والضعف وأمكنك التصور بشكل جيد بعيداً عن عقدة المخبر
وأشكر الدكتور عبد الله على ما بذله من جهد وجزاه الله خيراً على ما أفاد به ووجود ملاحظات لا تعني أن البحث ليس مفيداً بل مفيداً جداً
---
وأود هنا أيضاً التعليق على نقطة ألا وهي قول الدكتور أننا نحتاج إلى من يدرأ التعارض بين العلوم الطبيعية والنقل كما فعل ابن تيمية في درء التعارض بين العقل والنقل
وهذا في تقديري خلط عجيب ناشيء عن ضعف في التصور
يظهر هذا إذا علمت أن العقل يمكنه البحث في وجود الله وعدمه ولكن العلوم التجريبية إنما تبحث فيما يخضع للتجريب ويمكن مشاهدته
فلا يمكن إدخال العلوم التجريبية في مبحث الإلهيات إلا بربط عقلي أصلاً
والعلوم التجريبية بمنزلة بعض المذاهب الفقهية تكون أصولها صحيحة وفيها صواب كثير ولكن يقع الخطأ من نقص في المعطيات أو سوء فهم لها مع تتابع على التقليد
ولهذا قبول بعض المعطيات التجريبية التي لم يقم عندنا مانع من قبولها لا يعني قبولها كلها مطلقاً
واستيائي من تعبير الدكتور سببه أن الذين كان يناقشهم ابن تيمية عامتهم كانوا مؤمنين بوجود الله وإنما كان البحث معهم في صفاته ومعارضة بعض نصوص الصفات في نظرهم لما دل عليه العقل ، على اختلاف عظيم بينهم استغله ابن تيمية استغلالاً بارعاً
والذين لم يؤمنوا بوجود الله إنما كانوا يسعود جاهدين لإثبات قدم العالم فقط
ولهذا أقول لا يوجد عصر نقضت فيه معطيات الإلحاد تجريبياً كهذا العصر الذي أقروا به رغماً ببداية للكون وتمدده وغيره على قوانين ثابتة وكونه منضبطاً بضبط دقيق
فلا يصلح الربط أبداً من التجريب والإلحاد لأن عدم وجود الرب تجريبياً يقتضي اختراق السماوات والصعود إليها حتى تصل إلى العرش ولهذا أعتى الملاحدة لا يمكنه الجزم بوجود إله
الذين ناقشهم ابن تيمية في الدرء كانوا يؤولون النصوص التي تخالف القطعيات العقلية عندهم أو يدفعون الأحاديث بحجة أنها آحادية ، وهذا ما يفعله بعض المتأثرين بالتجريب بشكل مبالغ فيه بحيث ينزلون بعض الفرضيات منزلة القطعيات فهذا التصرف المنطقي
أما الإلحاد لمجرد وجود أي استشكال فهذا تصرف ينم عن وجود أمر في القلب هو الذي يدفع لهذا
الذين اعتمدوا على الفلسفات كانوا شديدي الاضطراب وبعض المخلصين من التجريبيين صاروا كذلك وهذا ما عبر عنه بعضهم بأن أول رشفة من العلم قد تجعلك ملحداً ولكنك ستجد الله في آخر الزجاجة
الذي أريد قوله أن قياس الظاهرة الشهوانية المعاصرة على البحث العقلي العميق القديم قياس فاسد للاعتبارات التي ذكرتها
وما تسمعه من بعض الشباب الذي ألحد خصوصاً التائب منهم في شأن مقدمات إلحاده على تأخذه على محمل الجد في كثير من الأحيان لأنه في معرض اعتذار عن أمر مشين ومحاولة تبرير لما حصل ، وإذا قارنت بين مناقشاتهم حال الإلحاد وبيانات التوبة يتضح لك ذلك جلياً
وأنا شاب وأعيش بين الشباب وما يذكره كثير من الباحثين _ خصوصاً في هذا الباب _ عن أمر الشباب غير مستقريء أبداً وغير واقعي إلى حد كبير
ووصف عبد الله العجيري لأسئلة الشباب بأنها ذكية ، غير صحيح بل كثير من الأسئلة التي تورد في مثل هذه الأبواب تنم عن قلة اطلاع مفزعة ونتاج ظاهر لقلة القراءة وكثرة متابعة التلفاز وبرامج الخيال والأفلام
ومحاولة تحميل أهل العلم أعباء أي ظاهرة تحصل غريب
حتى أن ظواهر متقابلة كظاهرة انتشار الغلو في الشباب ، وظاهرة الإلحاد المزعومة كلاهما يحملان لجهة واحدة وهذا غير منطقي
والظواهر الإيجابية في العالم الإسلامي لو بقي العلماء يحثون عليها طوال حياتهم إذا صارت لا يرجع إليهم الفضل
على أنني فعلاً أنتقد أداء العلماء المعاصرين ولكن ليست على الصورة المذكورة بل رقابتهم على النتاج العلمي ضعيفة ، وكثير منهم لا يتطور
وبما أن الدكتور ذكر ابن تيمية فعليه أن يقتدي ويقوي لغته في الخطاب فلغته ضعيفة إلى حد مزعج ، أعني في وقعها على المخالف
ومما يؤيد قولي في أن الإلحاد العصري مرض نفسي يحاول التمسح بالعلم التجريبي دعوة سام هاريس لتوجيه ضربة نووية للعالم الإسلامي
وهذه دعوة مختل عقلياً لأن ضرب العالم الإسلامي نووياً يعني ضرب العالم الغربي فامتداد الإسلامي جعرافياً يدلك على هذا وأن الآثار ستصل إليهم بقوة ، هذا مع كون كثير من المسلمين يعيشون في العالم الغربي
زيادة على ذلك الموارد الطبيعية في العالم الإسلامي والعربي بالذات ستتضرر بما يقضي على العالم الغربي اقتصادياً فإن العالم العربي إذا توقف عن تصدير النفط لمدة أسبوعين فقط لحصلت كوارث عظيمة في العالم الغربي لتوقف صناعة البلاستيك ثم ترتب بلايا على هذا
وتبرير دوكنز للخيانة الزوجية وكلامه عن التحرش بالأطفال وكلامه عن منكري التطور كله يوحي بأنك أمام حالة مرضية.