{ وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }
غالبا ما يرتكز منكري السنة على هذه الآية الكريمة في التأسيس لمذهب الأباطيل والدعوة إلى الإقتصار على ما جاء في القرآن. فلا تكاد تجد حوارا هم طرفا فيه إلا وذُكرت الآية تلبيسا على الناس ..والحق أن هؤلاء هم أشد الناس كفرا بما يحتجون به وأن الآية على خلاف ما يظنون تأتي على مذهبهم من القواعد.
يقولون بما ان القرآن نزل تبيانا لكل شيء -وهذا حق- إذن فلا حاجة لنا بالسنة. وهذا باطل وبيانه من وجهين :
أولا :
أن الله قد ذكر اتباع الرسول وأمر به في آيات كثيرة وبيّنه سبحانه في كتابه وهو مصداقا لقوله تعالى " تبيانا لكل شيء "..وإنكار منكروا السنة لهذا البيان وإخراجه من دائرة " كل شيء " هو كفر صريح بالآية الكريمة وما يدعونه من كون الآية من أقوى الحجج لديهم ما هو إلا تلبيس على الناس وما هي إلا من أقوى الحجج على كفرهم بكلام الله كما سبق ذكره..فانقلب السحر على الساحر وصدق فيهم بن خلدون بقوله " الحق لا يُقاوم سلطانه والباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه ".
ثانيا :
جهل هؤلاء القوم بأساليب البيان في القرآن وقصره على البيان العيني للشيء كقول الله " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ " أو " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ " ( الآية )..وغيرها من الآيات التي يبين فيها الله الأشياء بعينها وبأسلوب مباشر وهو أحد أساليب البيان في القرآن واقتصار منكروا السنة على هذا الأسلوب تلبيسا على الناس للإكتفاء بما ورد فقط في القرآن يلزمهم مثلا أن يحوي القرآن أقدار البشر وكل ما كان وما يكون وما سيكون !
وهذا بالطبع غير ممكن ويلزم منكروا السنة أن يعتبروا القرآن ليس تبيانا لكل شيء أو ان يعترفوا بأسلوب القرآن في البيان ألا وهو الإشارة إلى موضع البيان..فأقدار البشر وأرزاقها بينها الله تعالى بأن أحالنا إلى علم آخر غير القرآن في قوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " وقوله تعالى " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ "
فكان البيان بالإشارة إلى موضع العلم وهو موضع منفصل عن القرآن وهو بلا شك من بيان القرآن.
نفس الأسلوب نجده يتكرر في مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " فبين لنا سبحانه مفتاح العلم بالأشياء بأن نسأل أهل الذكر بها أي أهل العلم بها وهذا من بيان القرآن بلا شك فالإحالة على من يحصل بهم العلم هي فتح للعلم..
وقوله " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "
وقوله تعالى " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً "
" فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً "
وغيرها من الآيات التي تحيلنا إلى سؤال أهل العلم وهو بلا شك من بيان القرآن فلو لم توجد الإحالة إلى مواضع البيان لكان القرآن مجلدات حتى يحوي دقائق أحداث الأمم الغابرة وتفصيلات الأحكام والتشريعات.
إذا فالقرآن لم يترك شيئا إلا وقد بينه من سنة نبية إلى أهل العلم حتى أقدار البشر إذا هو تبيان لكل شىء.. فصدق الله وكذب منكر السنة.