عجبا ألا زال هناك من يؤمن بالصدفة ؟!
السلام عليكم و رحمة الله بركاته
ما يدعو للعجب حقا أنه لازال هناك من المخالفين هنا في المنتدى ـ خصوصا الملاحدة ـ من يؤمن و يدعي نشوء الكائنات صدفة و بآلية مادية إعتباطية بحثة ! و بأننا معشر المؤمنين هواة منطق ال wow و نرى تعقيدا يراه القوم بسيطا و سهل التفسير بطريقة طبيعية :13: ...طبعا بعد أن طمس على قلبه و عينيه و سفه عقله فلم تقنعه الآيات و البراهين المتنوعة المبثوثة من حوله و في كل مكان عن ضرورة وجود خالق عظيم خبير ..فيلجأ الإخوة الكرام لفصل الجدال بحساب الإحتمالات الرياضية لنشوء خلية حية واحدة فقط صدفة ..و حتى إن واجهوا الملحد العنيد برقم كهذا 10 أس 950 يضل مكابرا أم متغابي لست أدري ؟!..
لكن ما يدعو للعجب أكثر هو تبجحه بالعلم و المنطق ..والمصيبة أنه غالبا لا يفقه شيئا لا في كيمياء عضوية و لا في بيولوجيا و يأتي "بشبهات" نابعة عن جهله هو وهذا ما يلاحظ في الأسئلة التي قام بالرد عليها الأستاذ الفاضل أبو حب الله في موضوعه عن التطور , شبهات يحسبها على شيئ فيتحدى بها المؤمن و يعلق كل آماله على نظرية الإفك " الداروينية " التي أصبحت تدرس عن إستحياء و خجل من طرف أساتذتها في الجامعات أو يكون عزائه في عالمه دوكينز خاطف أضواء الإعلام المدلس الذي لو إلتزم بتخصصه و أبدع فيه فقط لقدم للعالم و العلم خدمة كبيرة ...
يجدر الذكر أن هذا 10 أس 950 ليس رقما دقيقا و نهائيا عن حجم تعقيدات الحياة في أبسط أشكالها إذ يشير فقط لإحتمالية تكون كل الأحماض الأمينية اليسارية لتكوين البروتينات الوظيفية في الخلية الحية صدفة ..و الكثير من المخالفين يعتقد أن كل مكونات الخلية قد تم إكتشافها و معرفة وظائفها بالتمام.. حتى أصبح يحلم بصناعة خلية حية مخبرية ما زال العلم تائها في فهم تعقيداتها و دقتها ..أو يطبل لتجربة طالب الشهرة العالم و رجل الأعمال Craig Venter عن بكتيريا Mycoplasma genitalium و لو فقه ألف باء علم البيولوجيا المعلوماتية Bioinformatique و البيولوجيا الجزيئية biologie moleculaire لفهم ماقام به الرجل حقيقة ...و لما تجرأ على دعوى مماثلة..لا زال يروج لها في المنتديات اللادينية و تجد من يصفق لها ببلادة و جهل ..
سأقوم هنا بالإشارة إلى بعض التفاصيل الصغيرة التي غالبا ما يتم تجاوزها عنذ ذكر بعض الظواهر البيولوجية المعروفة في الخلية كعملية ترجمة أو نسخ الأحماض النووية و التي عادة ما يمر عليها الزملاء الملاحدة عنذ النقاش فيها مرور الكرام إما تجاهلا أو جهلا و يصفونها بالبسيطة و بأن الإنتخاب الأعمى المتدرج كفيل بتفسيرها جميعها ... و ستكون إشارات صغيرة و رمزية فقط عن حجم التعقيدات و التفاصيل في الخلية و عظيم خلق الله فيها..وعذرا لركاكة اللغة ..
عملية ترجمة الARNm :
قبل حضور الحمض الأميني الصحيح على الARNt جاهزا , لتكوين سلسلة الببتيد للبروتين المراد إنتاجه في الريبوزوم , يقوم أولا أنزيم Aminoacyl-Arnt synthétase بعملية معقدة و دقيقة شبيهة بالعملية الرئيسية "الترجمة "و هي إلصاق الحمض الآميني الصحيح بالARNt المناسب عن طريق فك ما ترمز إليه شفرته Anti-codant و هي ما سيعتمد عليها لفك شفرة الARNm فيما بعد إذن فعملية فك الشفرة و الرمز الوراثي الواحد يحدث في الحقيقة مرتين و بشكل تكاملي /إنسجامي و دقيق جدا على مستويين إثنين على مستوى الARNt بواسطة Aminoacyl-Arnt synthétase و الذي يعتمد بدوره على المستوى الثاني الARNm بواسطة الريبوزوم ....ما يضاعف التعقيد !
و هذه صورة توضيحية لعمل الأنزيم Aminoacyl-Arnt synthétase الذي يفك شفرة ARNt و يلائمه بالحمض الآميني الذي يرمز إليه بالتحديد ...و لا تقل أهمية دوره أبدا عن ما يقوم به الريبوزوم ..
و كي تتم عملية ترجمة بروتين واحد لابد لنا من قائمة طويلة جدا من العناصر أن تكون حاضرة في المكان و الزمان المناسبين و بالتتابع و التسلل الصحيح ..نذكر منها ضرورة رصد التوليفة Shine -Dalgarno 5' AGGA 3 و تتكون من عشر نيكلويتيدات و بروتينات متخصصة لافتتاح عملية الترجمة تسمى Facteurs d'initiation IF- 1,2,3 / و بروتينات الربط و منها CBP " CAP Binding Protein /و أخرى للإطالة و نقل ال ARNt : EF Tu / EF Ts / EF Tg / وأنزيمات للمراقبة و جزيئات GTP و كل ذلك يتم و سرعة عملية الترجمة : ستة عشر حمض آميني تتم إضافته لبناء السلسلة الببتيدية خلال ثانية واحدة فقط أي 960 حمض آميني في الدقيقة الواحدة 96on/min !
المراقبة الحازمة للبروتينات الجديدة :
ماذا لو نجحت كل المراحل المعقدة السابقة للترجمة و تم بالفعل إنتاج البروتين الصحيح تبعا لتعليمات الرمز الوراثي ..لكن حصل خطأ و لو طفيف في الشكل الثلاثي الأبعاد 3D و طريقة طي البروتين ؟! ..تفصيل صغير لكنه جد مهم لأنه يهدد نجاح وظيفته و هذا ما تم حسابه بوجود المعقد الأنزيمي Protéasome الذي يقوم بقطع البروتين الخطأ و تخريب روابطه البيبتيدية و فصل الأحماض الأمينية ..و ذلك لا يتم إلا بعد تمييز ثم وسم البروتين الخطأ " بوضع إشارة كيميائية عليه " بواسطة مجموعة من أنزيمات أخرى متخصصة Ubiquitine تتعرف بسهولة على سلامة أي بروتين في الخلية من عدمه حسب الوظيفة المنوطة بكل واحد منها ..فإن كان ضارا تتفاعل معه كيميائيا ملتصقة به و متجهة به نحو Protéasome !!
لنلقي نظرة على المعقد الأنزيمي Protéasome الذي لا يعد إحدى عضيات الخلية بل مجرد مجموعة أنزيمية تجوب فضاء الخلية ! تدمر البروتينات اللاوظيفية و التالفة ..و لم يتوصلوا لإكتشاف طريقة عمله حتى عام 2007 ..
تتراص أنزيمات هذا المعقد على شكل برميل مقعر و مغلق جزئيا في الأسفل مع فتحة علوية لتوفير مكان و فضاء لدخول البروتين ..حيث يتخصص أربعة عشر أنزيم داخلى من نوع βبيتا في تدمير الروابط البيبتيدية بشكل كيميائي صحيح لتحرير الأحماض الأمينية سليمة لإعادة إستعمالها ..فهي ليست عملية تدمير كما نفهم من كلمة تدمير أي عشوائية مخربة بل دقيقة و مضبوطة ..كما تتخصص الأربعة عشر أنزيم خارجي أخرى من نوع α ألفا في ضمان فتحة لدخول البروتين و في التعرف و التفاعل كيميائيا مع Ubiquitine التي تشير إلى البروتين الهدف ..
صورة المعقد الأنزيمي Protéasome :
عملية نسخ سلسلتي الحمض النووي الريبي :
كما هو معروف أن إحدى سلسلتي الحمض النووي تسمى بالسلسلة المتأخرة لأنها تستنسخ بشكل أبطئ نظرا لإتجاهها 3' إلى 5' و هو عكس إتجاه عمل الانزيم الرئيسي المسؤول عن تصنيع سلاسل الدنا الجديدة "دنا بوليميراز" 5' إلى 3' ..لذلك فطريقة نسخ هذه السلسة أعقد و أبطئ نسبيا من السلسلة 5' إلى 3' ...لكن أكتشف حديثا ظاهرة عجيبة ترافق نسخ " السلسلة المتأخرة " و هو إستدارتها 180 درجة كاملة موازية بذلك السلسلة المقابلة المتقدمة ..و ذلك لتكوين حلقتين متوازيتين من معقد دنا بوليميراز و رفع تركيزه على طرفي السلسلتين لضمان رفع السرعة و الفعالية لعملية نسخ كلتيهما .
نحن نتحدث عن جزيئات و ذرات كيميائية فقط فكيف علمت ضرورة هذه الإستدارة و في الإتجاه الصحيح تماما ؟ بل كيف تفهم أصلا معنى الإتجاه و علاقته بعمل أدنا بولوميراز ؟
و مجموعة الأنزيمات المسؤلة عن تحقيق هذه الإستدارة فقط كثيرة و دقيقة بشكل يدهش العقل يجعل حساب
الإحتمال الرياضي لتكونها صدفة شكلا ووظيفة و موقعا خرافي لأبعد الحدود و الأمر كله يتعلق بتفصيل صغــــــــــــــــير فقط بالخلية !
لماذا يمر ARNm بعملية Epissage أو RNA splicing؟
كان وجود الأنترونات Introns الغير حاملة لتعليمات جينية للبروتين على وحدفها في عملية epissage دليل لدعاة الداروينية على بقايا تطور أو طفرات لجينات ألغاها الإنتخاب ..و أنها ظاهرة لا جدوى لها و عبثية ..هكذا في تسرع يتعسفون الأحكام و يصفون كل شيء بالصدفة و العبثية و في الحقيقة لا وجود للعبث إلا في عقولهم و نشاز تفكيرهم ...الآن و قد فاجئنا العلم عن دور و حقيقة هذه التوليفات الغير مشفرة لبناء أي بروتين لكنها مسؤولة عن تحديد هويته و هذا لا يقل أهمية !
إكتشف العلم أن جين واحد لا يرمز لبروتين واحد فقط بل للعديد من البروتينات في نفس الوقت ! باختصار بعد نسخ ARNm الذي يضم الأنترونات و الإكسونات ـ و هي التي ستترجم ـ معا تتم معالجة معلوماته الوراثية من جديد لتعديلها و تحديدها بدقة أكثر و ذلك بالإعتماد على نوعية حدف أنترونات التي تختلف من بروتين لآخر لنفس الجين ..أي أن هناك بروتينات لهما نفس الشفرة الوراثية الواردة من نفس الجين و كل ما يفصل بينهما هو طريقة حذف الأنترونات التي تعيد ترتيب الكود أو الشفرة بإعادة ترتيب النكليوتيدات فقط فتتغير المعلومة كليا محددة بذلك نوع البروتين ! ...أما كيف يمكن التنبأ بأي عملية حذف ستحدث و بالتالى كيف تحدد الخلية أي بروتين ستتنتج حتى لو رصدنا الجين الذي سيستنسخ ..هذا مالم يستطع العلم تحديده و فهمه حتى الآن ..و يكتفي بملاحظة عملها الدقيق ...
و يجدر الذكر أن هذه الخاصية هي من أعطت لفيروس الإيذز القوة و الفعالية فجيناتها المسؤولة عن إنتاج البروتينات المستقبلة و التي تتفاعل معها الأدوية أساسا لإبطال و قتل الفيروس كثيرة جدا و ذلك لأن كل جين واحد يرمز لعدد كبيييير من هذه البروتينات المستقبلة المتنوعة ...فما إن يصنع لأحدها دواء حتى ينتج الفيروس سلسلة جديدة من البروتينات عن طريق ترجمة جين واحد فقط ..و ذلك عن طريق عملية حذف مختلفة أخرى للأنترونات...و تسمى هذه الظاهرة ب : Epissage alternatif
ظاهرة التواصل بين الخلايا La communication et la Signialisation cellulaire
و هي الظاهرة المعقدة و المدهشة و مجال البحث الخصب في حقل البيولوجيا حتى أنه يعول على أبحاثها لإيجاد علاج نهائي للسرطان ...و فيها يتم تتبع الإشارات و الرسائل الكيميائية الواردة للخلية إلى حين وصولها لنواتها مخلفة شلالات من التفاعلات المقننة لنأخذ مثال قد سبق وأوردته في مشاركة سابقة عن الإشارات التواصلية بين الخلايا و التي تنتج إستجابة نوعية ..
التواصل المذهل بين الخلايا و بالأخص " خلايا النسيج الطلائي"
عندما تبدأ هذه الخلايا في الإنقسام تحدث ظاهرة جميلة ..لنأخذ مثلا خلايا الجلد ..عندما يقع به تمزق أو جرح تبدأ خلاياه في الإنقسام بمعدل وسرعة معينة من كل ناحية موضع الجرح لتأخذ مكان الخلايا التالفة و تستمر في ذلك حتى تتلامس مع بعضها و تلتقي مع بعضها البعض ..فمجرد التلامس بين خلية جديدة و أختها يعطي إشارة لكل منها بضرورة وقف الإنقسام و عدم إنتاج خلايا أخرى لأنه و بكل بساطة إنغلق مكان الجرح ! تلك الإشارة تكون بواسطة جزيئات خاصة تستثير أ د ن الخلية لإعطاء أوامر تكوين بروتينات خاصة تكبح الإنقسام و تراقب جودة النسيج الجديد من الخلايا ! و يتدخل نوع من البروتينات les cadhérines و sélectines كذلك و هذه الظاهرة تسمى : Contact inhibition الكبح عبر التلامس.
و تعول الأبحاث على الإستفادة من هذه الظاهرة و محاكاتها Contact inhibition بشكل طبيعي لوقف الإنقسام المجنون للخلايا السرطانية الفاقدة لهذه الخاصية و الحد من الورم ...
و أخيرا أقول أن هذا الإحتمال الرياضي 10 أس 950 لنشوء الأحماض الأمينية للخلية الحية صدفة و الذي لم ينجح في إقناع مدعي الصدفة المجنونة يضل صغيرا جدا أمام الإحتمال الرياضي لنشوء خلية حية كاملة صدفة عنذ الأخذ بعين الإعتبار كل مكوناتها المعقدة و الظواهر التي تحدث فيها التي إكتشفها العلم و لا زال ينقب عن أسرارها .....
و ما قدرو الله حق قدره *** و في الأرض آيات للموقنين و في أنفسكم أفلا تبصرون *** إن في خلقكم و ما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون