الاخوة: بن حيان ومحب القرآن وريوم, شكرا لكم وأهديكم اليومية الجديدة.
عرض للطباعة
الاخوة: بن حيان ومحب القرآن وريوم, شكرا لكم وأهديكم اليومية الجديدة.
إبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداع ورائع جدا أخي ، بل الشكر لك :)):
نرو أن تعود إلينا قريباً :)
ممتاز شكراً لمن رفع الموضوع وصدقاً انت تشرح الحالة النفسية للملحد تماماً فعلاً شذرات نبراسية وذهبية زادكم الله من فضله كمان وكمان
وهل لي ان اسئل اسئلة ان تكرمت غير اريد ان اسألها في موضوع فضفضة وهي في ما يخص ما لديكم من مواهب فانا اريد بهذا ان استجلب ما لديكم من خبرات.
فأتمنى ان يكون الامر متاحاً.
وشكراً لكم.
اشتقنا إلى الأخ هشام ، لعل غيابه يكون خيراً :39:
اللهم اهدي أبآ الإلحآد
وبآركـ الله بككـ أخي هشآم موضوع مآتع ومميز
الإخوة ريوم و الماسة قرطبة وهمة ملوك ومسلم أسود, شكرا لجميل ثنائكم وأهديكم جميعا اليومية التالية...
39- رسالة بين الأمواج (1)
مشى أبو الإلحاد على الرمل حافيا وهو يغرق في شروده, شعر أنه بدأ يغوص في مستنقع الاكتئاب الكريه, كان صوت هدير الموج يكاد يختفي وراء هدير هواجسه وأفكاره, أحس بشيء يرتطم بقدمه, إنها زجاجة بلون بني داكن, انحنى فرأى بداخلها شيئا, أزال سدادة الفلين فرأى ورقة ملفوفة بعناية, أخرجها بيد مرتجفة, نظر حوله, هل أعد له أحدهم مقلبا؟ هل سيصبح غدا أضحوكة في أحد البرامج الترفيهية؟ دس الورقة في جيبه بإحكام ومضى بعيدا وبدأ يقرأ:
أبا الإلحاد, -كاد يغشى عليه من هول المفاجأة, التفت مرة أخرى ثم جلس ليكمل القراءة-
إني أراك توسطت بحر الشكوك, تتقاذفك أمواجه, ويملأ فاك زبده, ولما رأيت نفسك ما زالت تطفو أخذك الزهو بالالحاد ولما يصْفُ لك, فتعال نقس ما نلته بما بذلته, وننظر لِمَ تركت أرض الايمان وقد كان لك فيها موطئ قدم, وهجمت على بحر الشبهات فما زلت تغوص في الوحل.
وإني محدثك عن مؤمن خرج إلى أرض نائية يدعو إلى الله فتبعه هناك فتى يافع من بيت ثراء ونعمة, فما لبث أن جاء أبوه تعلوه حمرة الغضب يقول: "أيها الدجال, كيف تدعو إلى الإيمان بإله لا يُسمع ولا يُرى, ولا يقاس بطول ولا عرض, لا يعلم له شكل ولا لون, فلا أرى هذا كله إلا صفات العدم."
فنظر إليه الداعية في هدوء وقال: "عجبتُ لسكينتك وحلمك, وإني أظن أنك لا تحب ابنك هذا"
ازداد الرجل غضبا وحيرة وصرخ بأعلى صوته: "بل إن غضبي بلغ منتهاه, وليس في الدنيا أحب إلي من ولدي هذا الذي تسعى في إفساده."
عندها حرك الداعية رأسه قائلا: "لن أصدق حرفا مما تقول حتى تخبرني عن غضبك هذا وحبك ولدك الذي تدعيه, كم وزنه وطوله وعرضه, وكيف لي أن أقبل دعواك في شيء لا قِبل لي بقياسه؟"
استمع الرجل لهذا الكلام فبدأ غضبه يخف ثم قال: "إن لغضبي منك ولحبي ولدي آثارا تعرف بها."
فأجابه الداعية مبتسما: "وكذلك ربي فإن لصفاته آثارا يعرف بها هي هذا الكون علويه وسفليه."
ولم تمض إلى ساعة حتى فهم الرجل أن العالم الذي نحيا فيه أرحب من اللغة التي نسعى لنصفه بها, فما بالك بخالق الأكوان كلها؟ إن العالم بأسراره العجيبة أغنى من أن يحيط به اللسان.
إن اللغة تنقلب سجنا قضبانه الحروف والرموز والصور والكلمات إذا حُرم المرء نور البصيرة.
إن لكل حادث بداية ونهاية. فقصتك أيها الانسان تبدأ بالولادة وتنتهي فيما يظهر للناس بالوفاة. إنها الحياة التي يدرك معناها الناس كلهم, لكن هناك ولادة أخرى تمنح الانسان صفاء الروح وسكينة النفس. أو ليس هذا مطمح كل نفس بشرية؟
ألسنا نطمح للسعادة والطمأنينة والأمن؟ أليس سلوكنا وسعينا في هذه الحياة ترجمة لهذا السعي الحثيث لتحقيق هذه الغاية النبيلة؟
السعادة تقتضي السلام والأمن, ولا يزول الخوف والاضطراب إلى باليقين والعلم, ففي العلم جواب عن الأسئلة الكبيرة والصغيرة وحلل للعقد الظاهرة والباطنة.
السلام والطمأنينة والسعادة: يالها من كلمات كبيرة, لكن هل نملك أن ندعي شيئا من ذلك لأنفسنا في هذه المجتمعات المعاصرة؟ هل تمنحنا الحياة اليوم هذا السلام المنشود؟
فلأضع بين يدي الجواب عن هذا السؤال مشاهد ثلاثة:
المشهد الأول:
في مكان ما في صحراء قاحلة لا حياة فيها ولا بنيان لا يقطع هدوءها إلا هدير محرك سيارة, خلف عجلة القيادة شاب بدأ يشعر أنه تائه. الطعام والشراب والوقود قد يكفي لستين ساعة أو سبعين على الأكثر, مضى شطرها قبل أن يتنبه صاحبنا لما يحدق به من أخطار. إنه يسير بلا خطة واضحة ويغير الوجهة المرة تلو الأخرى وهو يتأمل الكثبان الرملية من حوله كأنها أمواج بحر متلاطم. إن احتمال اهتداء من هذه حاله إلى طريق الخلاص بدون دليل أو خريطة أشبه بالمعجزة.
المشهد الثاني:
في بقعة ما من قبة السماء الزرقاء تخترق طائرة ركاب ركاما من السحب الفضية تحمل على متنها عشرات المسافرين. إنهم يقطعون زمن الرحلة لاهين غافلين عما يوشك أن يحل بمركبهم. كل ما يعلمونه أنهم سيهبطون بعد ساعات في وجهتهم حسب البرنامج المحدد ليستمروا في رحلة حياتهم الأرضية.
ما لا يعلمونه أن طاقم الطائرة بأجمعه بمن فيهم الربان ومساعده قد قضوا جميعا بعيد تناولهم شرابا مسموما. ولسبب غير معروف تعطل الربان الآلي أيضا. لكن الطائرة استمرت بالطيران كأن شيئا لم يكن لتحط في المطار رغم كل تلك العوائق.
المشهد الثالث:
في نقطة ما من الفضاء البعيد تتجه سفينة فضائية صوب المريخ تحمل طاقما من ثلاثة أفراد: صيني وياباني وأمريكي, وعند هبوطهم على سطح الكوكب الأحمر, اكتشف رواد الفضاء قاعدة مجهزة بكل ما يلزم لحياة البشر من هواء وماء وطعام ولباس وأثاث, كما وجدوا مائدة عليها طبق سوشي, و طبق أرز بالصويا, وشريحة بورجر بالبطاطس المقلية. بعد تناولهم الطعام الطازج اللذيذ أجمع العلماء على أنهم يدينون للصدفة بذلك المكان المريح الذي يوافق احتياجاتهم من كل الوجوه, فإنهم يقطعون بأن أحدا لم يضع قدمه على المريخ من قبلهم, وهم لم يصادفوا أي نوع من الحياة الذكية, وما دامت كل المواد التي تتكون منها القاعدة الفضائية متوافرة في الطبيعة بوفرة, وما دامت القوانين المادية تفسر عملية التحولات اللازمة للحصول على ذلك المأوى الآمن الذي يوفر شروط الحياة, فإن العقل لا يحيل أن تتظافر كل تلك العوامل مجتمعة لتنتج ما يشبه المعجزة.
والآن: هل سيهتدي المسافر التائه يوما لسبيل النجاة, وهل سيحصل على تذكرة عودة للحياة, هل ستكفيه ساعاته الستون لينال الأمن والطمأنينة وليصل سالما إلى وجهته؟
هل تملك طيارة صماء عمياء بكماء أن تعيد المسافرين إلى الأرض سالمين ونحن نرى أن أدنى خلل تقني أو خطإ يرتكبه الربابنة يعني الدمار الأكيد والموت المحقق؟
وهل يعقل أن تحدث مثل تلك القصة يوما ما على سطح المريخ, ثم يجمع العلماء أن كل ذلك ثمرة صدفة؟
أما عن السؤالين الأولين فإني أترك جوابهما لذكائك, أما الثالث فإني أؤكد أن العقول العبقرية لعلماء الزمان الذين افتنت بهم تجيب بنحو من ذلك حين يتعلق الأمر بحقيقة العالم الذي نحيا فيه.
إنهم يخبروننا أن وجودنا ووجود الكون الفسيح من حولنا ثمرة للصدفة. إنهم يقولون إن المجرات بما فيها مجموعتنا الشمسية, السماء والأرض, الشمس والقمر, الجماد والشجر, الحيوان والبشر, الماء والهواء, البحار والأنهار, الليل والنهار, الزمان والمكان, الحُسن والجمال, العلم والحكمة, العقل والقلب, الموت والحياة, كل ذلك وغيره مما يحير العقول ويحرك القلوب ما كان ليوجد لولا الصدفة!
إنها إحدى آلهة الحضارة المادية المعاصرة وقطب دينها الجديد, أفلا يحق لنا أن ننادي هذه الصدفة العجيبة عرفانا بفضلها: "يا أيتها الصدفة العظيمة, نحن أبناؤك لا أبا لنا سواك, لك ندين بكل هذا العالم الذي نبصره وذاك الذي لا نبصره, ورغم فضلك الباهر فإن أحدا لم يؤد لك بعد حق الشكر والتبجيل الذي تستحقينه."
ترى لماذا يبخس الملحد الصدفة حقها؟ ربما لأن لها شركاء في الأمر, أعظمهم أمه الطبيعة وأبناؤها اللقطاء وأنجبهم ولدها البكر "الانتخاب الطبيعي".
أبا الإلحاد, أيجدر بنا أن نطرح هذه الأسئلة, أم أنها ترف فكري لا مكان له في حياة الإنسان التائه المُعَوْلم؟ أيملك هذا الإنسان خيار السؤال أم أن قدره أن يعيش حياة المسافر التائه في الصحراء أو الغافل اللاهي في طائرة بلا ربان؟
أين يجد مثل هذا الإنسان سكينة النفس وبرد السلام؟ أنى لنا أن نحيا بمثل هذا الاعتقاد العجيب؟ إني أعرفك جيدا وأعلم كم يصعب أن أجد اللغة الصالحة لطرق باب عقلك, لكني أمَلك الأخير فلا تستخف بهذه الرسالة, فأنا أعلم أن القناع الذي تخفي وراءه تعاستك وضياعك أشبه بالواجهة الزجاجية, وأنا أنظر إلى حقيقة حالك من خلفه, وأكتب إليك لأصرخ في أذنيك صرخة استغاثة أقرأها في ملامح وجهك كلما رأيتك, إني أعرفك جيدا, وأراك تتخبط كالغريق فهذه يدي تمتد إليك فلا تقابلها بالتعنت الذي أوصلك إلى هذا النفق المسدود. ما زال لدي الكثير, لكني أود أن أنتظر فعلك, واعلم أني أهتم لأمرك.
فرصتك الأخيرة
أطرق صاحبنا متفكرا في هذه الرسالة المحيرة, كان عقله يعدو في كل اتجاه ليكشف عن سر هذا اللغز, من الكاتب, ولماذا اختار هذه الوسيلة؟ عاد إلى بيته وهو يعيد قراءة الرسالة في الطريق.
أختي الماسة, لم أنتبه لسؤالك إلا الآن, ماذا أقول: أنا أكتب على سجيتي, ربما كان أصل ذلك موهبة نميتها منذ صغري, لكني أظن أن قوة الملاحظة ودقة الوصف وحسن اختيار الألفاظ دون تكلف مما يساعد في إتقان الكتاب الأدبية.
عاد إلينا الأستاذ هشام بما يسر ^^ و ننتظر منه الجديد المفيد
40- شلقفوط الزبال
قضى أبو الإلحاد أياما وهو يفكر في صاحب الرسالة دون أن يصل لشيء, تمنى أن يعرفه كي يريه أنه ما زال راسخ القدم في الإلحاد رغم نكساته المتتالية,
تمدد في فراشه يشاهد برنامجا صباحيا, فراعه مرأى شيخ ذي لحية بيضاء يحف به عدد من الأطفال, وهو يحدثهم عن قصة خلق آدم عليه السلام, نظر إلى عيونهم الصغيرة وهي تتبع حركات الشيخ الوقور وتركز على كل كلمة يتلفظ بها, فشعر صاحبنا بالحزن الشديد على جَلَد المتزمتين وعجز المتنورين. أطفأ التلفاز مغضبا وشرد بعيدا وتخيل نفسه بين يدي أحد وعّاظ الإلحاد.
رأى نفسه طفلا يجلس إلى أحد مشايخ الإلحاد, كان أبيض الرأس محدودب الظهر قد سقط حاجباه على عينيه, نظر إلى الصبية من حوله و تنحنح ثم بدأ يحدثهم:
كان يا ما كان في سالف العصر والزمان, مليحيد اسمه شلقفوط الزبال, لم يكن هذا اسمه لكنه حين شب واشتد عوده شك في كل شيء وأنكر كل ما ورثه من والديه, وأحب أن يشق طريقه بنفسه فقرر أن يغير اسمه, وضع أسماء الحروف في ظرف, وبدأ يسحبها حرفا حرفا حتى حصل هذا الاسم الفريد. كان شقلفوط يخرج من المدرسة فيذهب إلى المزبلة ويتأمل الساعات الطوال كيف تقوم شاحنات البلدية ببناء تلك التلال الملونة الفاتنة, وذات يوم رأى كيف بدأ بعض الدود يخرج من كومة من الأرز المتعفن, فأخرج كراسا صغيرا يحتفظ به, وكتب فيه: "في البدء كانت المزبلة" عاد شلقفوط إلى البيت وهو يحمل في جيبه بعض الدود.
وفي المدرسة سأل المدرس: "لماذا يتحول الأرز إلى دود؟" فنظر إليه المدرس مستغربا وقال: "هذا غير صحيح, إن الذباب يضع بيضه في الطعام المتعفن, فمنه يخرج الدود." حرك شلقفوط رأسه موافقا وهو يقول في نفسه: "لن أصدقك وأكذب عيني" عاد إلى بيته وقد قرر أن يمشي في طريق الحقيقة إلى آخره.
ترك المدرسة و بدأ يقضي ساعاته وأيامه وهو يتجول بين تلال المزبلة, يدرس سر الحياة, وبينما هو يمشي بين أكوام القمامة إذ رأى شيئا يتحرك, بدأ يزيح أكياس البلاستيك وبقايا الطعام حين رأى عددا من الفئران تطل برؤوسها وأسنانها البيضاء, عاد إلى بيته وهو يقول: "الأرز ثم الدود ثم الفئران" ومرت سنوات حصل فيها شلقفوط على منحة من البلدية ليتفرغ لمشروع حياته, فعين زبالا مساعدا فبدأ رحلته لاكتشاف أسرار المزابل, لأنه كان يعتقد أن الحياة نشأت أول الأمر في مزبلة ثم تطورت وارتقت.
ارتقى شلقفوط سلم النبوغ درجة درجة حتى بلغ القمة, ونشر سيرته الذاتية التي تعد مرجعا للأجيال الصاعدة من المتنورين: "ذكريات من قمة المزبلة" لكن كتابه الأعظم بلا منازع هو: "الدود دليل الالحاد". وحين رأى القطط تتغذى على الفئران والفئران تتغذى على الحشرات وضع قانون "البقاء للأشرس" لكن اللغز المحير الذي لم يجد له بطلنا جوابا هو من أين جاء الإنسان, فإنه لم يصادف له شبيها في بعثاته الاستكشافية تحت أكوام النفايات, إنه لا يشبه أي نوع من الديدان أو الفئران أو الوزغ أو الصراصير, نعم إنه يشبه القرود, لكنه لم يرها في المزابل قط رغم سنوات من التنقيب المضني. لم ييئس شلقفوط ولم يستسلم رغم تهكم المتزمتين بل استمر يشق طريقه الطويل في انضباط تام, و لم يذهب صبره سدى, فقد وجد يوما رضيعا مغمورا في النفايات, فازادا يقينه أن المزبلة تفسر لغز الحياة, وأن المؤمنين مجانين.
اشتغل صاحبنا بجد وإخلاص, و ارتوى من "ترعة" الإلحاد الآسنة ووضع نظريات فريدة وخلف تراثا علميا فريدا مكتوبا بعصير المجاري, وحصل على ما لا يحصى كثرة من الأوسمة التقديرية وشهادات الدكتوراه الفخرية, لكنه كان متواضعا لا يحب أن يدعى إلا شلقفوط الزبال, وحين مات أمر أن يُكتب على قبره:
الرِّكْسُ والأزبال تعرفنى *** والدُّودُ والفئران والقِمم
ارحمنا يا رجل ستقتلنا من الضحك ;):اقتباس:
الرِّكْسُ والأزبال تعرفنى *** والدُّودُ والفئران والقِمم
41- ظلام في نفق التنوير
اشتاق أبو الالحاد إلى الأيام الخوالي وسئم المستنقع الراكد الذي أفضى به إليه مذهبه. ألا يفترض أنه اعتنق مذهب التنوير, فما باله لا يكاد يبصر أرنبة أنفه من حلكة الظلام؟ حنّ إلى أيام صفا له فيها إلحاده, على الأقل هذا ما يخيل إليه الآن, ومن يدري فلعلها كانت حماسة الصبا وفورة الشباب وشِرة الفتوة, لقد كان الإلحاد شيئا جديدا وكلمة براقة تنطق بالتحدي, لقد بدت كأنها كلمة السر لولوج عالم يحفل بالعباقرة الأفذاذ الذين كفروا بكل موروث ليشقوا طريق الخلاص بعقولهم الألمعية. كانت أياما شعر فيها بأن لحياته معنى. أما اليوم فقد صار أشبه بالسيارة العالقة في الرمال, تدور عجلاتها بأقصى سرعتها ثم لا تبرح مكانها, لقد كان يرجو أن يجد في آخر النفق بعضا مما يبشر به أهل الإلحاد من تحرر وانعتاق ورقي ورفاهية, ألم يخبروه أن انسلاخه من الدين سيكسر الأغلال المصطنعة التي تقعد به عن بلوغ ما يرجوه كل عقلاني متنور؟ فما باله يحس أن حريته المزعومة لم تزده إلا خبالا وعذابا؟
آه كم صار يكره رفقة الجرب والجذام من حدثاء الأسنان الذين يحلو له أن يسميهم باليرقات الإلحادية, إنهم يملئون المنتديات و الفيسبوك و التويتر بلغطهم وتهريجهم, إنهم يستمتعون بسويعات المراهقة الإلحادية الخادعة ليصطدموا عم قريب بجدران المتاهة القاتلة التي يتخبط فيها منذ سنين, فلينعموا بمتعة السفسطة قليلا فإن لكل جديد لذة, لكن للتباهي بالإلحاد والتبختر بالفجور والتيه في بيداء الخواء الفكري والتفنن في الفحش والبذاء حلاوة عابرة تعقبها غصص بمرارة العلقم, بلع ريقه وهو يتخيل كيف صارت منتديات الزملاء كالمواخير, يا لهم من مغرورين, تجد الموقع تتصدره شعارات رنانة: منتدى العقلانيين التنويريين الطبيعيين المتحررين اللادينيين, تبا لهم, إنها بضاعة النوكى, كلام لا حقيقة له, لقد خبرهم سنين عجافا اجتثت السكينة من نفسه , إنهم يبشرون بالإلحاد ولما يكتووا بشواظه, إنهم يرتشفون من نقيعه قطرات وقد احتسى كأسه حتى الثمالة فصارت حياته بلقعا من كل شيء جميل.
ماذا يصنع بمنتديات الزملاء و قد تبوأ الغباء من عقولهم مجلسا واتخذ الطيش وزيرا لا يبث في أمر إلا بمشورته؟ إنهم شوكة في خاصرة التنوير ووصمة عار في جبين الالحاد. إنهم يكتبون عن كل شيء مهما كان ساقطا ممجوجا تافها , يكتبون بلغة القذارة والغباء والفشل والإفلاس الفكري والنفسي.
خطر له أن ليس للبشر علاقة بتلك المنتديات البتة, من يدري, فربما جمع أحد علماء الشمال المتنور جيوشا من القرود ووضعها أمام مئات الآلاف من الحواسيب المحمولة ليثبت صواب نظرية الصدفة بالمنهج التجريبي, ربما كانت تلك المنتديات الدليل العلمي الدامغ على أن الصدفة تنتج نظاما وأن القرود قد تؤلف مواضيع حوارية توحي بأنها نتاج مجهود عقلي بشري.
لم ينته التفكير بصاحبنا إلى شيء فخرج ليقضي بعض الوقت في مقهى حيه, رأى إعلانا ملونا لسيرك عالمي عليه صورة فيل يرفع قوائمه الأمامية, تخيل نفسه يركب فيلا في شوارع بانكوك يتأمل المارة كأنه يطل من عمارة, إنك مجرد حيوان آخر يا أبا الإلحاد, نعم قد تطورت قليلا لكنك حيوان, فما الداعي لكل هذه الهموم الفكرية؟ ما حاجة الحيوان إلى هذا الحديث الداخلي الذي لا ينقطع؟ نعم إنك حيوان, فلتكن حيوانا جيدا يملأ جوفه بالعلف ويكف عن طرح الأسئلة الفلسفية والأفكار الوجودية.
كلمة رائع لا تصف هذه المواضيع بما فيها من أدب بليغ وتأمل ووصف دقيق لهذا الصراع النفسى المرير لكن أود أن تتحول إلى مقاطع فيديو كما فعل الأخ عيضه سواء بالتنسيق معه أو أن نوكل هذا لمن عنده الموهبة من الأعضاء هنا فما رأيك؟
شكرا لك أخي الكريم, لا مانع عندي من إخراج هذه اليوميات في قالب آخر لتصل إلى عدد أكبر من الناس.