إضاءة طويلة نسبيا :
من أفضل اللحظات أن تمشي في عبق الفجر متوجها إلى بيت الله سبحانه في سكون الليل وطمئنينة الإيمان، من غرائب البلاد أن مسجد الحي لا يبعد أكثر من 200 متر عن حانة، ففي حيّنا أربع حانات، وأربع محلات لبيع الخمر، وأربع مقاهٍ لتدخين الشيشة !! أسميها رباعيات الهلاك، فهي بلوى يعانيها كل من سكن في حي راقٍ وسط المدينة !! والحمد لله أن الكل موصدٌ عند الفجر، أبصرتُ أمامي في طريقي إلى المسجد من بعيدٍ فتاة ليل راجعةً إلى بيتها، هي الرابعة صباحا، ليس سوانا في الرصيف من أحد !! لمحتني قادماً فاختبأت وراء مخدع هاتفٍ، حالةٌ نفسيّة قد تأتي العاصي إن أبصر من يتوسّم فيه الصلاح، أو تنوي إخراج سكّينٍ وتقطع الطريق على أبي عبد الرحمن، فالمؤمن كيّس فطن، ولستُ بضحيّة سهلة المنال .. مررتُ من جنبها وقلتُ بالعاميّة : هداكِ الله وأصلحك، إنها طريقُ شرّ وتهلكةٍ ! فقالت : آمين، قد استحيتُ من أن أن تبصر مخمورةً وأنت في طريقك لصلاتك ! فقلتُ : الله أحق أن تستحي منه ! ومضيتُ في طريقي : فعقّبت إنها لقمة العيش !
فأجبتها - مواصلاً - : تبّاً للقمةٍ تقودني إلى النّار، مغموسةٍ بذلّ معاشرة الفسّاق وإرضائهم، فقرٌ وطاعةٌ لله خير من غنىً في غضب الله ولعنته، وتذكّري أن من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه، عفا الله عنك يا أختاه ما خُلقتِ لمثل هذا . ومضيتُ ولم تعقّب !
عسى أن تخلخلها الكلمات، فمضيتُ وأنا أفكّر : يا ترى كم من إنسانٍ سأل نفسه أخلقتُ لمثل هذا ؟ هل أنا سائرٌ في الطريق الصّحيح ؟ ماذا لو متُّ قبل أن أتوب ؟ أسئلةٌ بسيطةٌ تهزّ ضمير العاصي هزّاً لو تأمّل فيها بصدق .. فما هي إلا لحظاتٌ ووصلتُ المسجد، كفاك يا أبا عبد الرحمن تفكيرا وسرحانا، فأنت في بيت الله تعالى، فأقبل على الله فهذا مقام ذكرٍ .