رسالة م. فتحي عبد السلام القادياني السادسة.
بسم الله الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي إبراهيم وعلآ أل إبراهيم في العالميإ انك حميد مجيد "
...من كرامات الصادقين: فإن تمهيد القرآن يُحرّك الروح إلى عبادة الرحمن، ويحرّك العباد إلى أن ينتجعوا حضرتَه بإمحاض النيّة وإخلاص الجَنان، ويَظهَر عليهم أنه عينُ كل رحمة وينبوعُ جميع أنواع الحنان، ومخصوص باسم الرب والرحمن والرحيم والديّان، فالذين يطّلعون على هذه الصفات فلا يزايلون أهلَها ولو سقطوا في فلوات الممات، بل يسعون إليه ويوطنون لديه بصدق القلب وصحّة النيّات، ويتراكضون إليه خيلَهم ويسعون كالمشوق، ويضطرم فيهم هوى المعشوق، فلا يناقش أهواءٌ أخرى عند غلبة هوى رب العالمين. فثبت أن في تمهيد هذا الدعاء تحريكا عظيما للعابدين، فإن العبد إذا تدبّرَ في صفات جعَلها الله مقدّمة لدعاء الفاتحة، وعلِم أنها مشتملة على صفات كماله ونُعوت جلاله باستيفاء الإحاطة، ومحرّكة لأنواع الشوق والمحبة، وعلِم أن ربّه مبدأٌ لجميع الفيوض، ومنبع لجميع الخيرات، ودافعٌ لجميع الآفات، ومالكٌ لكل أنواع المجازاة، منه يبدأ الخَلق وإليه يرجع كل المخلوقات، وهو منـزه عن العيوب والنقائص والسيئات، ومستجمِع لسائر صفات الكمال وأنواع الحسنات، فلا شك أنه يحسَبه مُنجِحَ جميعِ الحاجات، ومُنجِيًا من سائر الموبقات، فيكابد في ابتغاء مرضاته كلَّ المصائب، ولو قُتل بالسمّ الصائب، ولا يُعجِزه الكروبُ، ولا يدري ما اللغوب، ويجذبه المحبوب، ويعلم أنه هو المطلوب، وييسِّر له استقراءَ المسالك لتطلُّب مرضاة المالك، فيجاهد في سبله ولو صار كالهالك، ولا يخشى هولَ بلاء، وينبري لكل ابتلاء، ولا يبقى له من دون حُبِّه الأذكار، ولا تستهويه الأفكار، وينـزل من مطيّة الأهواء، ليمتطي أفراس الرضاء، ويَضْفِر أَزِمّةَ الابتغاء، ليقطع المسافة النائية لحضرة الكبرياء، ويظلّ أبدًا له مُدانِيًا، ولا يجعل له ثانيا من الأحبّاء، ولا يَعتوِرُ قلبه بين الشركاء، ويقول يا ربّ تسلَّمْ قلبي، وتكفيني لجذبي وجلبي، ولن يُصبِيني حسن الآخرين.
قلت أيها العالم لي : أما وأنت هناك في ركب الباطل، فلن يخرج الأمر – ولابد – عن باطلٍ يخذلك ولا تستطيع إلا أن تخذله! وفزعا من الباطل فقد توجهتُ لرب عظيم أن يهديني للحق وقد استجاب وهداني وهاهي ما أراها هداياته، وهو مجيب الدعاء، وتلك ما أحسبها آياته، فاستقبلها باستقبال حسن ولاتكونن من المكفرين، أو من المفتين بحل الحرام من دماء المسلمين. وقد سمعت أنك دكتور في جامعة أم القرى، تلك التي تمنى حبيبي أن يجعل كحل عينه هذا الثرى، وأرجو أن أنال من جامعتك بهذا الرد (دكتوراه) في البحث الإسلامي، فياهل ترى.
ما ذكرتموه من الأصل الأول وتناول تعقيبي عليه!
موضوع العرش هو الله :
كررت حضرتك الإمساك بالحرف علي، حين كنت أقول بالتعبير بقولي : هو هو أي أن تعبير : في ظله، في ظل عرشه، لاظل إلا ظله يبين أن تجليات رحمة الله هي ظل العرش، وهو ظل ليس من حر الشمس وحدها بل من كل نوع من البؤس، والجنة هي دائما في ظل العرش رغم انتهاء يوم الحساب، وبداية عهود الخلود. وهي الكلمة المعبر عنها بأنها ظل الله يوم لاظل إلا ظله، أي انعكاس صفات رحمة الله التي تسمى ظل الله، فلاتمسك لي على الحرف ذريعة للوم، ولاتستكثر من ذلك. ولا تدع علي أنني ألمز الصفات، ولا تبحث لي عن تهم، ولا تتحدث عن الاستتابات فهذا ليس من شيم العلماء الأجلاء.
رد على موضوع القائلين بصفات الذات بإحكام بلا إسراف:
لااعتراض على التقسيم والتنظيم والتعليم، ولكن بشرط ألا تستقرأ نصوص الشرع بما يؤدي لخطأ عقيدي مثل حشد نصوص متشابهة مع الجوارح المخلوقة وترتيبها مع شرح هيئات فلكية عن الكرسي والأقدام مما يخرج الموضوع عن كونه استقراء ليكون عنفا يضطر عقل المتعلم إلى أضيق الطريق وأشده عوجا.
هم يسرفون عندما يرتبون صفات الذات كما يرونها مجتمعة، ويعلمونها في فصل دراسي، مما يرغم فكر الطالب على تشرب فكرة رسم ملامح الذات الإلهية، وتصور أن هذا هو معرفة وصف الذات، ولكن بطريقة فخمة شفافة هائلة الحجم..
كل شيء هالك إلا وجهه ، أي إلا هو، وأخذ النصوص بحرفية سطحية ينتج عنه أن كل شيء هالك حتى ذات الله إلا وجهه، والله جعل الحجر الأسود بمثابة يمينه في الأرض، وأثبت الله كماله ووجوده بكل ماجاء في وحيه، ولكن القائلين بالقدمين من المدرسين لمناهج : صفات الذات، لم يحكموا، لأن نقد المتن مهم، ومحال أن يكون للذات قدمان، وإلا بررنا لمن يقول : يمشي بهما ويهرول بهما، جريا على طريقة القاضي أبي يعلي بأن لله عينين (يرى بهما)، والباء للاستعانة، كما لايخفى، وحاشا لله أن يستعين بشيء ليرى.. ومن العجيب أن كثيرا منهم يلجأون لتأويل حديث الهرولة ولايؤلون آية الأعين.. ولذلك يجب عليهم نقد نص : أن الكرسي موضع للقدمين، والله تعالى متقدس سبحانه عن ( المواضع) أوأن يكون له جوارح تشعر بالتبعيض، ومن ذلك قولهم بالقدمين ولهما موضع، وقولهم بالكرسي الحسي الذي هو موضع لقدمي الله تعالى الله وحاشاه، وقولهم أن الكرسي الحسي ذو حجم محدود وهو مشمول داخل فضاء العرش العظيم، وبالتالي فهو داخل الكون المخلوق، وكون القدمين متموضعتين على الكرسي فهو تصور يدفع فهوم السامعين من المتخرجين في مدرسة الدعاة إلى ركن ضيق، ويتصورون إن شيئا من ذات الله صار داخل الوجود، وقولهم بالساق، يجعل هؤلاء السامعين يتصورون رغم أنوفهم امتدادا من القدمين للساق، ثم بقية الذات خاج الكون على العرش.. رغم وجود روايات عديدة عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أن الساق هي الشدة والهول، ورغم إطباق القواميس على أن الكشف عن ساق هو مفاجآت الله بالشدة والهول الذي ادخره الله للضالين، وعدم إحكامهم جاء كما يقول ابن الجوزي رحمه الله في دفع شبه التشبيه: ثم لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الأحاديث جملة، وإنما كان يذكر الكلمة في الأحيان، فقد غلط من ألفها أبوابا على ترتيب صورة غلطا قبيحا، ثم هي مجموعها يسيرة والصحيح منها يسير، ثم هو عربي وله التجوز .أهـ
الأصل الثاني وتناول تعقيبي!
لقد بينت لكم الظاهر والسياق من آية الكرسي بما يدعم صحة رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وبما يجزم أن الكرسي هو صفة العلم الرباني، والذي سميت أعظم آية في القرآن باسمه، لأن أسماء العلم وأسماء الرحمة هي الأغلب نسبة أوذكرا في كلام الله، وصفات العلم هي الأكثر ذكرا من صفات الرحمة.
وسؤالك عن من يختلف مع أخيه في حكم وفي تصوره عن ظاهر النص وسياقه، فالجواب هو: فليجلس معه وليحاوره ويبين له من النصوص المجموعة مالم يجمع أخوه، ومن دلائل القرآن على التنزيه مالم يدرك أخوه، ومن روائع ترابط السياق مما ركز هو عليه ولم يستجمع لبحثه أخوه، وإن يريدا إصلاحا هما الاثنان، وفق الله بينهما وأراهما، فإن لله تعالى في هذا الأمر القضاء والهداية. وليس في هذا إبطال لشيء من التحاكم للكتاب والسنن.
إننا لم نلغ شيئا من آثار الصحابة، إلا ماظهر شذوذه واعتلاله، وآثار الصحابة فيها الصحيح والموضوع، ويجب نقدها عندما تتعارض مع الثوابت الإسلامية، كما هو الحال في رواية أبي هريرة أن كل مولود يمسه الشيطان وهو يولد إلا عيسى بن مريم، ثم لاينبغي فهم آثار الصحابة الصحيحة أيضا بطريقة حرفية ونقول بعدها ( هو هكذا) ونحن نعلم أنهم عرب يتكلمون بمجاز العرب ويروي عنهم الراوون بالمعنى كثيرا بما يتعارض مع اللائق بالله.
وخوفك على ماسيبقى بعد هذا لامبرر له، وسيبقى الكثير بعد هذا بحمد الله ولقد بقي كل شيء وأتم الله النعمة وعلم الإنسان مالم يكن يعلم.
الأصل الثالث:
قلت لك فيه :لاخلاف، وتصر أنت على وجود الخلاف هنا، وأحاول بكل الجهد العثور على نقاط اتفاق وهي كثيرة، لكنك تجاهد في تبيان الاختلاف، وأقول لك أن صريح العقل فعلا هو ظاهر النص، ويلزمنا الحوار ليشرح كل منا للآخر وجه الالتباس عن أخيه ليتبين سر التباعد، وليظهر الظاهر الفعلي، لاالظاهر كلاما.
الأصل الرابع وتعقيبي عليه!
في البند الثالث أنت قد قلت فيه جملتين:
جملة 1 ـ الثالث: الخطاب بالمجمل الذي أُحيل بيانه على خطاب آخر، فهذا أيضًا لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي يبينه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون بيانه منفصلًا عنه.
جملة 2 ـ والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة التأويل أن يكون له عدة معان، وليس معه ما يبين مراد المتكلم، فهذا التأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله منه شيء من الجمل المركبة.
ربما لم أفهم جملة 2، مالمقصود وما المجال الواسع، وقد فهمت الجملة الأخيرة: وليس في كلام الله... الخ، أنها تتكلم عن الجملة 1، من خطاب مجمل يحال إلى خطاب آخر، وعندي أن القرآن يكثر من سؤاله أفلا تعقلون، ويحيل للسان العربي أنه تنزل به كلام الله، ويحيل إلى مبدأ تنزيهه عما يصفون، لبداهة استحالة لصوق مالايليق به تعالى، فعذرا لو لم أسألك توضيحا للعبارة وعذرا للخطأ لو كنت أخطأت فهمها.
أصل المبتدعة وتعقيبي عليه.
تسألني عن كلام الرازي (فلو كان الإله في العرش للزم الملائكة أن يكونوا حاملين لله تعالى وذلك محال، لأنه يقتضي احتياج الله إليهم، وأن يكونوا أعظم قدرة من الله تعالى وكل ذلك كفر صريح، فعلمنا أنه لا بد فيه من التأويل)، وقوله (لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لا بد من التأويل)؟! وتقول: أليس هذا من القول بحتمية التأويل بناءً على أمورٍ ليست من الدين وإنما هي من الوهم؟! والجواب أن الرازي في هذا المقام عندما رأى أحدا يجعل الوهم من الدين فيقول أن تأويل النص ليس هكذا، فإنه في النهاية يقصد أنه لايفهم هكذا، وما التأويل سوى حسن الفهم، ولم يرتكب خطأ فيما أرى.
الصفات والعرش:
حديث سجود الشمس .. موافقة أم مفارقة!
لم لم تقل حضرتك بظاهر النص حسب مفهوم الظاهر المتداول ؟؟ ولم لم تقل أن جسم الشمس المحسوس يذهب متحركا منتقلا قاطعا المسافات، صاعدا يعرج في الكون كي يسجد تحت سرير العرش المحسوس، تنتظر الإذن. (وتقول هو هكذا الأمر يجب أن يفهم)، بل قلتم : بدوام الخضوع تحت العرش. فأولتم حركة منصوصا عليها ذهابا وإيابا بأنها تعبير عن شأن دائم من الطاعة، وأرى هذا اتفاقا معي قاطعا لاشك فيه.
رأيك في مخالفتي لما سبق ووافقتك عليه:
الجواب عليكم أنكم لم تلتزموا بإمرار النصوص كما جاءت بل قلتم أن الناس أحدثوا إنكارات فأحدثنا إثباتات الصفات، ولكن كما ترون فقد تبين أن في الإثباتات أخطاء، وأرى أن الوهم الذي يقوم في ذهن العوام إنما جاء من قبل تبسيط الأمر لهم، وكسل المدرسين وضعف تحصيلهم، وإيثارهم مع الناس تطمينهم على كسلهم تجاه القرآن وأنهم مع أنهم أغمار جديرون بفهم الأشياء العليا في القرآن كأسرار استواء الله على العرش، فهذا أدعى للراحة من مشقات الفهم، والمجاهدة في الله لنيل الهدى، ويتخرج الدعاة الآن بالجملة من طريقة خطأ في ترتيب تدريس نصوص تتعلق بالصفات، مع إضافة صفات للذات ليست صفات، ويزول الوهم بإعادة طرق التعليم، ومن واجب العالم أن يبين لهم لا أن يحرّف النصوص كما قلت، وأن يعلمهم التأويل الحق كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبه، وهو التفسير الصحيح نظرا لكل عوامله من تقوى وجمع للنصوص، وصحة استنباط موازين الفهم المحكمة، ولسان عربي له طبيعة بليغة، وكون محيط بنا أحال القرآن إليه لنعقل.
إضافة لفظ الذات!
يجب تنزيه الذات عما لايليق، وتضاف كلمة الذات لما يليق بالذات، فحرفا( أل) في الحمد لله تبين الشمول والسمو والكمال، كما أن أل في قوله تعالى : ذلك الكتاب، تشير إلى كماله الجامع وعظمته الذاتية. والحمد لله بكل معاني أاـ يتنافى مع أقدام توضع على كرسي، كرسي هو جزء حدود في فضاء كوني شاسع يضمه العرش ، قدم توضع في نيران لتحد من شراهتها.
وسؤال لحضرتك : لم لم تعلق عند تطبيقي للأصول على موضوع وضع القدم في جهنم، والنسب الحجمية التي سيعلق عليها أعداء الإسلام ويظهرون فيها للسذج من قومهم أننا مجسمة، ويرفض الكثير تفسير ابن الجوزي للنص أنهم مقدموا الكافرين، من أعاظم أهل النار الذين يتأخرون في دخول جهنم بعد إتمامهم الزج بأقوامهم في النار، وتتغيظ النار عليهم حتى يضعهم الله فيها فتكتفي، وهذا مثال من وجوب استعمال كلمات اللسان بضوابط، فلايقال يضع الله تعالى وتقدس قدم ذاته في النار فينزوي بعضها على بعض، لتنزه الذات عن الأقدام.
هل كلمة الذات تضاف بلا ضابط؟؟ هل قال أحد من الصحابة أننا سننظر لذات الله تعالى؟؟؟ أليس في النصوص أن الله لو كشف الحجب لاحترق الوجود؟؟؟
ومازلنا مع "مصطلح" الصفات:
لاأنفي صفة ولكن لاأرى أبدا لذات الله أقداما وساقا وحقوا، وتساق النصوص وتترك هكذا للعامي والغمر دون تأويل ينزه الله، وأرى ياأخي العالم أن الله قريب من كل شيء خلقه تعالى بنفس الدرجة، فليس الله قريبا من السماء السابعة أكثر من قربه من الأرض، كيف؟؟ لاأدري، ولكن كل من وكل ما خلقه الله فهو على نفس درجة القرب منه القريب، ولاأقول هم على نفس المسافة، فلااعتبار لكلمة المسافة في مفهوم قرب الله من خلقه.
كما أن الله في السماء، اللائقة به، لأن أل هنا = هي الأليق به، وبصرف النظر عن خلق السماء، وهو فوق خلقه حتى دون خلقهم.
ولقد قال الله تعالى عن إدريس : ورفعناه مكانا عليا، ورغم ذلك اللفظ : (مكانا) يتفق الجميع أنه رفعه بروحه ودرجته. والله بلا شك يقصد: أنه (رفعه إليه) فلماذا عيسى عليه السلام ليس كذلك؟؟ .
إذن فالنصوص تفهم برحابة أفق، ولانفي عندي للصفات فلنسترح من هذه التهمة للأبد، ولكننا نسعى لإصلاح الكلام في الصفات، وتعليم الناس أن الله لم يقصد أبدا بقوله: بل رفعه الله إليه أنه يشد جسد نبي بالجسم من الأرض ناحية فوق، حيث يشير الأصبع، ليكون حيا هناك وأقرب جسما إلى ذاته سبحانه فتقل المسافة بينه وبين الله.
تحت عنوانكم : هذا .. ما اسمه؟!
ردا هنا على: سؤال جوابه نعم أو لا : هل تقول إن القرآن الكريم نزل بألفاظٍ يتبادر إلى ذهن العربي عند سماعها معانٍ غير صحيحة؟!
فأقول: لا.
بل الــــ (عربي ) الحقيقي يتبادر لذهنه المعنى الصحيح.
ثم استميحكم فرصة إيضاح أن العربي ليس هنا كلمة مبسطة، بل متسعة المعاني، فالعربي الصحيح يتبادر لذهنه عرش العزة فور سماعه سؤالا: من رب العرش العظيم؟؟؟
ثم إن شيمة تحديد الطلب بنعم ولا ليست من شيم أريحية البحث، بل هي وسائل وكلاء النيابات الذين يبحثون في استجوابهم عن توريط وعن تهمة.
تحت عنوان قولك : تعود إلى "معاني" العرش دون أن ترد على أسئلتي في الرد السابق: سألتم وأجيب:
- آلعرش هو صفة التدبير أم صفة العزة أم مجموع الصفات أم هو أنواع أم هو توجه تجليات الله أم هو فيوضات الربوبية والرحمة والملك أم هو هو الله ذاته؟!
الجواب، هناك عرش مخلوق هو انعكاس العرش الذي استوى الله عليه؟ والعرش الذي استوى الله عليه هو اسم لصفات الله التنزيهية التي ينفرد بها الله جل جلاله، وهي الواردة في سورة الإخلاص، وهو بلا شك عرش العز الأعز، وتنكشف هذه الصفات التنزيهية من خلال الصفات الأربع الواردة في سورة الفاتحة تتجلى على الخلق فيكون، وتقوم مقام القوائم للعرش الرباني، التي يحمل فيوضها الملائكة لمن دونهم، كحمل الناس للأمانة لاحمل سرير مادي، ونحن لاندرك عظمة الصفات الواردة في الإخلاص إلا بفضل الصفات المتجلية الواردة في الفاتحة حين نتأمل تفاصيل الخلق والرحمانيات المنبثة فيه وفي تاريخ الرسل والصالحين وسطوة المالكية .. وهم الآن أربعة رؤساء ملائكة، وينضم لهم أربعة آخرون لمزيد الفيض يوم القيامة. فيكون الحملة ثمانية.
-سؤالكم : لم اضطررتَ نفسك إلى ذلك؟! وما يضرك إن أخذت اللفظ على ظاهره، فقلتَ إن العرش كما هو المعنى المتبادر للأذهان، وأن الله تعالى مستوٍ عليه، بائنٌ من خلقه، غنيٌّ عن العرش وحملته؟! ما يضرك وما يضرنا من هذه العقيدة الصافية التي لم ينقل خلافها عن الصحابة؟
الجواب: قولك السابق صحيح ولم أنكره. غير أن المتبادر للأذهان يختلف، وذلك حسب فراغ الوعي لله، وصحة التركيز في فقه كلام معنون عنه أنه هو كلام الله، وصحة اللسان وصحة الفطرة وصحة العلاقة مع الله.
-سؤالكم إنك تنطلق من هذا الذي ذكرتَه، فتنظر في قول مجاهد (استوى : علا على العرش.)، فتقول ( فالله علا على عرش العزة)، فهل كان مجاهد رحمه الله عيّ اللسان لا يستطيع الإبانة فيقول بمثل قولك "علا على عرش العزة"
- ثم تنطلق منه كذلك، فتنظر في قول ابن مسعود رضي الله عنه (والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم) ، فتقول (فهو يقصد أنه على عرش العزة يحكم الخلق ويدبر الأمر)، فهل كان ابن مسعود رضي الله عنه عيّ اللسان لا يستطيع الإبانة فيقول بمثل قولك (والله فوق عرش العزة) والفرق بين قولكما كلمة "العزة"؟؟! فلمَ لم يذكرها ابن مسعود والحاجة داعيةً إليها؟؟! لم لَم يذكرها فإن ظاهر الكلام يجعلنا نقول بمعنى العرش المتبادر للأذهان؟؟!
الجواب على النقطتين: الله فوق العرش المخلوق وعليه وفوق كل مخلوق لايخفى عليه عملنا، والله مستو على عرش العزلايخفى عليه شيء، وكلام ابن مسعود يؤول لكلامي، والألفاظ تتشابه، ولو كان ابن مسعود معنا الآن ورأى الحوار فسيقف بجانبي بشكل أكثر من وقوفه بجانبك. والله على ما أقول شهيد، وهو ربي يعرف سري وعلني وهو يفصل بين المختلفين يوم العرض.
لقد قال الله تعالى وتقدس ماقال، ورغم ذلك يحدث الفهم الخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال ماقال ورغم ذلك أضيف لقوله أو فهم خطأ، وروي عنه الصحابة فروى الناس عنهم بالمعاني التي رويت بدورها بالمعاني. وليس ابن مسعود وغيره استثناء.
-سؤالكم : هل هناك نصّ في الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة أو القرون الخيرية، هل هناك نصّ فيه صراحة أن العرش هو صفة التدبير أو العزة أو مجموع الصفات؟!
الجواب : العرش بمعنى العز هو عرش يمكن الاستدلال بالفطرة على معناه، والسماع من الوحي يفصله.. والوحي بمعنى السرير يقتصر الإيمان به على السماع من الوحي. ولقد تحدث الله في القرآن عن عرش يمكن الاستدلال عليه، الصحابة جاءوا من الشعب العربي، والله قال لهم في سورة المؤمنون مستفهما عن فهمهم الفطري: قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم؟؟ سيقولون لله . فهل أجابو بسرعة عن عرش عرف من السماع؟؟
الربوبية واضحة للمخلوق، ولكن رب العرش مشتركة المعنى، فلو كان المسئول عنه عرشا سماعيا (السرير) لما أمكنهم القطع بالإجابة، فثبت قطعا من الآية أن المقصود عرش هو صفة، الله ربها، وتليق بالله في الفطرة، ويجيب عنه البشر بسرعة: لله، مساوين له بربوبية الخلق.
لايمكن للصحابة فهم العرش الذي تسجد تحته الشمس غير عرش عزته وسلطانه تعالى.
ولايمكن للصحابة نسبة حقو للرحمان تعالى تتعلق به الرحم إلا أن يكون تعلقا بالرحمانية ، وحضرتك لم تبين لي فهمك لهذا النص، فهل تنسب للذات حقوا ؟؟؟ والحقو معقد الإزار.
- سؤالكم: إنك تميّز بين نوعين من العرش، الأول (العرش الحق وهو صفات الله وتجلياتها على الخلق) والثاني هو (العرش الظلي، الذي تتجلى فيه رحمات الرحمان)، وهذا الثاني هو (عرش الله الجلالي الذي هو ظل للعرش الكريم من صفات الله)، فما دليل هذه القسمة؟! وما أصل هذا التفريق؟؟ ما الدليل من كتاب أو سنة أو لغة الذي استندت إليه في التفريق بين العرش المذكور في ساحة العرض والعرش في سائر النصوص، من كتابٍ أو سنةٍ أو إجماع وفقك الله؟!
الجواب : ذكرت لكم استخدام ذو مع الصفة، وبينت أن الرواية الأليق بالكرسي هي العلم، ومن ثم تكون النسب المذكورة بين الكرسي والعرش نسبة تقرب عظمة صفات، وبينت من الكتاب أن( أل ) تضاف للشأن الأعلى، والأليق باستواء الذات هو العرش الأعلى وهو عرش العز. وتبقى لله ربوبية العز وربوبية العرش الذي هو سقف الجنة. الثابت وجوده من النصوص أيضا.
سؤالكم - ماذا عن احتمال لسان العرب لهذه المعاني؟! ولا يكتفى هاهنا بنقل كلمتين من القاموس المحيط لتقوم بذلك حجة، بل الاحتجاج باللغة في مثل هذا الموضع له أصوله التي لا ينبغي أن تكون خافيةً على مثلك وفقك الله، فهل هناك في كلام العرب وجه لحمل معنى العرش على صفة التدبير وصفة العزة ومجموع الصفات بل على الذات الإلهية؟!
الجواب : العرش السرير والعز، عندما تقترن الكلمة بالله يقضي لسان العرب أن العرش لابد وأنه عرش العز، ودليل ذلك أن الله عندما يسأل : قل من رب السموات السبع ورب العرش؟؟؟ يسأل من لاثروة له غير لسانه وعقله، فيجيب: لله . فإذا جاء السمع بعرش مخلوق صارت إليه العقيدة وخدمتها اللغة أن الله ربه. ورب العزة أيضا.
وأضيف سؤالا : قولك (والفوقية ثابتة قبل أي عرش وبعده) هل هذا يشمل العرش الذي هو "مجموع صفات الكمال" عندك، أم أن هذه "لغة البشر للتفهم"؟!
الجواب : الفوقية هنا هي فوقية الله على المخلوقات من عرش وغيره.
ما زدتَه في "الاستدلال" على معنى العرش
موضوع دلالة : ذو العرش !
ترد علي أيها العالم بأن هذا الكلام قد يصح لو كان 1 ـ يستحيل في اللغة أن تضاف "ذو" إلى مخلوق، 2 ـ أو أن يكون العرش مخلوقًا، ولكنّ العكس هو الصحيح، وأنت نفسك تقول بـ "صحة احتمال وجود عرش مخلوق والله ربه".
والجواب أن ذو تضاف لمخلوق عند الكلام عن المخلوق، وهي تضاف مرة لصفات المخلوق ذاته، ومرة لممتلكاته. فهي إضافة حتمية هنا للمخلوق، فكل ماعدا الله فهو مخلوق، وكل متعلقات المخلوق مخلوقة، فالمخلوق سيكون لامحالة ذا (مخلوق)، الرجل ذو مال وذو أنفة وذو فضل وذو مشاغل.. ولكن اطرد استعمال ذو في القرآن عن الله خاصة لصفاته، أو لممتلكاته من الكمالات، لالممتلكاته المخلوقة.
والردعلى ماورد بنقطتك هنا ( ثانيا) : أن الله لما كان قد استوى على عرش العز والكمال، وكان له عرش خلقه وهو سقف للجنة وهو ربه، وهو فوق كل ماخلق سبحانه، بأعلى معاني الفوقية، وكان الله قد استعمل رب العرش للمخلوق وللصفة، فأراد برحمته فصل معنى العرش الصفة عن العرش المخلوق باستعمال لفظ : ذو..
وقلت:
ثالثًا: أنت أسأت فهم كلامي أو أسأت تطبيقه، فإن قولي في القسم الثاني من الألفاظ من حيث قبول التأويل من عدمه (ما هو ظاهرٌ في مراد المتكلم وإن احتمل أن يريد غيره، فهذا يُنظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضعٍ جاء خارجًا عن نظائره، فيؤول حتى يرد إلى نظائره، وهذا هو المعقول في الأذهان وفي الفطر وعند كافة العقلاء)، فالكلام هنا عن استعمال اللفظ، لا عمّا أضيف إليه اللفظ، وشتان بينهما عند العربيّ!
والجواب
أن معنى كلمة العرش كصفة تحددت من استعماله مع كلمة ذو. كلمة العرش لاتأتي في صحراء، بل في جمل.. فتبين لنا استعمالها على أنها صفة للرحمان، واطرد استعمال كلمة العرش مع ذو دائما كصفة فيصار إليه، والكلمات تتنزل في كلام الله أجزاء من جمل.. مقدمات السور بالحروف المقطعة لها وضع خاص، واطراد استعمال الألفاظ هو اطراد معانيها في علاقتها بما حولها من الكلمات.
عنوانكم : قولك بعرش مخلوق !!
تقول (صحة احتمال وجود عرش مخلوق والله ربه، فيكون الله رب العرش ذا الظل يوم القيامة .. هناك عروش منها عرش ذو ظل ، وهو ظل الجمال والكمال الإلهي أو انعكاس للعرش الرباني ومرآة لأنواره، وهو كما ذكرنا من المخلوقات، هو عرش سمي بالاسم تشريفا. وهو عرش اهتز لموت عبد صالح، ويحمله ملائكة ثمانية تذكرة بحملة فيوض الله للخلق، وتحف به ملائكة مؤمنة بالله مسبحة.)اهـ.
فما يضرك أن تجعل هذا هو معنى العرش في سائر النصوص كما أفعل؟! وما يضرك أن تقول إن الله علا فوق عرشه كما تقول إنه سبحانه علا فوق سبع سماوات؟؟ وما يضرك أن تقول إن العرش فوق السماوات السبع؟!
ثم ما دليلك على التفريق بين العرش تارة وتارة، فإن وجدته "يهتز" لموت عبدٍ صالح جعلته مخلوقًا، وإن وجدته "على الماء" جعلته صفةً!؟!
الجواب السياق يوضح عن أي عرش يتحدث النص. كما يوضح السياق عن أي رحمة في الآية، أهي رحمة صفة الله، مثل ( وربك الغفور ذو الرحمة) أم رحمة مخلوقة.
والله استوى على العرش اللائق بذاته، وهو عرش الصفات المذكورة في سورة قل هو الله أحد، وهو رب عرش العزة والتجليات، وهو كذلك رب كل المخلوقات ومنها نفس العرش الذي يظلل الجنة.. وكما أن الله على صراط مستقيم، والله هو الهادي للصراط المستقيم، وهو صفات الحق والفعل الجميل الصالح الطيب، ولكن هناك صراط ظلي يضرب بين ظهراني جهنم، والمرور عليه هو مرآة لصراط الناس السلوكي. وقد يكتب كاتب كتابا يسميه الصراط المستقيم. وكما هناك بيت معمور في السماء كذلك هناك بيت معمور ظلي وضع للناس ببكة، ليكون الناس حوله مقلدين للملائكة الطائفين بالبيت المعمور.
والله فوق كل خلق من حيث المبدأ.
اعتراضكم بعنوان : الكرسي وطلبكم أدلة!
من الكتاب فقد سقت سياق آية الكرسي، واستشهدت من السنة وفهم الصحابيّ برواية كرسيه علمه ورواية أبي ذر، واستحالة صحة وجود قدمين لله، تساقان في إطار ساق وحقو وجارحة يد وقبضة وجارحة عين، وبينت لكم المحاذير وضرر الإسلام من هذه التصورات، ووفقت لك النصوص مع حديثه صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة!)، والسماوات السبع المخلوقة هما يراد منها علمها، وحذف المعلوم جائزكما لو قلت: زيد، بعد: من عندكما، والنسبة هي نسبة علمهما مع الكرسي الذي هو علم الله؟! والله واسع وتفهم السعة حسب السياق، فهو يسع كل شيء علما أو رحمة أو حكمة أو هو الواسع غنى.
لو كان الكرسي جرما فلكيا لقال الله : وسع كرسيه السماوات والأرض ولايؤوده حفظهم، باعتبار الكرسي محتاجا للحفظ، إلا أن الله تعالى ذكرهما للحفظ، وهوان علم السماوات والأرض بالنسبة لعلم الرحمان هو سبب معقول ليسر حفظهما، فعسر السيطرة يأتي أولا من غياب المعلومات، وشرحكم البديل لآية الكرسي العظيمة شرح بالغ الضعف لايحيي نفسا.
موضوع نجاة عيسى وموته العادي بعد ذلك
قلنا في الأصل الثاني : أن القرآن مبين، والسنة كذلك، كلاهما يهدي للتي هي أقوم، ولذا فالواجب إجراء النصوص الواردة على ظاهرها، إذ جاءت بأوضح وأبلغ وأبين لفظ، وكمالُ علم المتكلم وفصاحته ونصحه يمنع أن يريدَ بكلامه خلافَ حقيقته، وتيسير القرآن للذكر ينافي حمله على غير ظاهره، وظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه لمن يفهم بتلك اللغة، ثم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع، وقد يكون بسياق الكلام.
فلنطبق هذا الكلام على سورتين هما: الأنبياء والمؤمنون. لعلنا نفهم منهما مصير عيسى عليه السلام مرتبطا مع مصير أمه عليها السلام، من واقع ظاهر الكلام الحقيقي الذي يسبق منه أويتبادر إلى العقل السليم السليم، بالوضع أو بالسياق.
المؤمنون:
نوح عليه السلام دعا إلى الله وكذبوه وهددوه وأنجاه الله وهلك الكافرون، ولم ينجه الله بحركة فرار، بل مكنه الله في الأرض ليعبد الله. فالله أنزل السورة ليقول للمؤمنين أن لكم النصر والعز، ومن بعده الرسل تترى على نفس المنوال، ثم قص الله قصة موسى وهارون على نفس النسق، فكذبوهما فكانوا من المهلكين، وبعدها آتى الله موسى الكتاب لعلهم يهتدون، حينئذ يكون السياق الرائع والدور نفسه قد جاء إلى عيسى عليه السلام وأمه. لماذا وأمه؟؟ لأنها شريكة في القضية منغمسة في تفاصيلها وقد عانت كل محنها، ولايناسب روعة السياق أن يترك بيان مآل أمرها، فامرأة مثل هذه في دعوة كهذه لابد من التركيز وتوضيح مصيرها بكل عز وقوة، والمحذوف البليغ هو: ودعا عيسى إلى الله وكذبوه واتهموا أمه، ثم بدأ المكر كما حدث مع موسى، وبالعقل السليم: فمن يبدأ المكر بعيسى فسوف يثني بمريم، إذن لابد لهما من مصير متحد للنجاة وأن يمكر الله لهما معا، ونجى الله الاثنين، حسب السياق المحتوم للسورة، وأما من أرادوا بهما شرا فلاشك أنهم كانوا من المهلكين بنوع من أشد ألوان الهلاك. وفي هذا السياق فلا معنى لقوله تعالى : وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، يرجح معنى أن الله تعالى قد صنع معهما أعجوبة ونجى رسوله وأمه معا بطريقته العجيبة، وذهبا يعبدان الله ويدعوان إلى الله، تحت ظل قول الله : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا.. فقوله: إلى ربوة ذات قرار ومعين، ولاإيواء في لغة القرآن إلا بعد شدة وبلاء، يؤكد أن كشمير كانت إذن فعلا مهجره، كما هو دأب السياق في السورة. والمكان لابد أن يكون أرضا لبني إسرائيل أيضا، لأنه رسولهم جميعا ولافكاك له من دعوتهم.
وفي هذه السورة بدأ الله بذكر عيسى عليه السلام ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية) ونلاحظ الجمال في النهاية بعد قول الله : يأيها الرسل كلوا .. أنه قال : وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، فتقطعوا أمرهم بينهم.
نفس السياق في الأنبياء.
الأنبياء
ما أجمل كلام الله وهو يتقدم من توكيد بشرى العز والنصر لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويشفع بيان الأمر بالتقدم رويدا من أول قصة إبراهيم، حيث يوضح الله تعالى أنه رب مواجهة ويعرف كيف يسل حبيبه من يد العدو سل الشعرة من العجين، ويدعهم محسورين خاسرين، حيث نجا (من النار) بعد القبض عليه، صلى الله عليه وسلم ثم هاجر وبورك له ودعا؟ ولوط عليه السلام أيضا كان له النجاة والهجرة ليذهب ليعبد في أرض الله، ونوح
صلى الله عليه وسلم كذلك دعا الله ونجاه ونصره (من القوم) وكانوا في سنة الإنقاذ من المحنة أمة واحدة . وفي محنة الحكم وتمرد الناس وصعوبة السيطرة أنقذ الله داود وسليمان عليهما السلام بالعلم والحكمة والفهم الخاص، وفي محنة المرض نجا أيوب بالدعاء، ووهبه الله نعمة يستأنف فيها الحياة والدعوة، ثم كان الله مع إسماعيل واليسع وذىالكفل. وفي محنة السقوط في فك الحوت نجى الله يونس لما سبح التهليل ودعا، ونجا (من الغم) إلى حيث يدعو ويعبد الله، وزكريا في محنة العقم وانقطاع الوارث لعلمه، ووهبه الله نجاة من المحنة، على الجميع السلام، وهنا جاء الدور على مريم وعيسى عليه السلام، فهل الظاهر والسياق سوى أنهما وقعا في المحنة، واستغرقا في الدعاء رغبا ورهبا، هو وأمه معه، وبدأ الله تعالى هنا بذكرها أولا ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) ففيم كانت الآية في هذا السياق غير النجاة من محنة التآمر ونيات القتل المبيتة لهما الواحد بعد الآخر، والنجاة كانت إلى حيث السعة والعبادة . وانظر كيف ختم الله القصتين بنفس التاج الرائع : ففي الأنبياء بعد ذلك قال الله الجميل الكامل: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، وتقطعوا أمرهم بينهم. رنين تتجاوب به السورتان لتبينا أنهما يتحدثان عن آية نجاة مريم وابنها معا إلى حيث يعبدان، وتلاحظ أن كثيرا علماء المسلمين لايكاد يعنيهم مصير مريم في شيء، ولايتتبعون مصيرها، مع أن كل تدبر سيستبعد أن يتركها اليهود آمنة، فلم لم يبحثوا الأمر وكيف نجت؟؟؟ ولوحتى في نطاق تصورهم بعد صعود ابنها في هدوء، ولابد لها من قصة كبيرة، والقرآن في السورتين بحمد الله يغطي هذه الفجوة التاريخية.
إن من الصعب على العقل المسلم الآن أن يتجاهل سورة الإسراء وسبي بني إسرائيل بأسباطهم الاثني عشر، وتقطيعهم أمما، أو أن يتجاهل الكرة لما عادوا قبيلتين فقط، وفيهما بعث المسيح أولا عليه السلام، أو أن يتجاهل أن عشر قبائل ظلت تعيش بعيدا ولها حق قرآني في أن عيسى كان رسولا إلى بني إسرائيل، أي جميعا، ترجيحا لمبدأ جدية التعبير القرآني. فكيف نغض الطرف عن كل هذا ولانربطه بسورتي المؤمنون والأنبياء، ونسخر ممن يذكرنا الله والتاريخ ونلوح له بالاستتابة؟؟؟!!! أستغفر الله وأتوب إليه.
وهكذا نحسم مسألة نفي رفع جسد المسيح عيسى عليه السلام بردي على ما ذكرتَه مقابل ما ذكرته لك عن رفع المسيح عليه السلام:
تحت عنوانكم : فأقول كما قال العبد الصالح
سألت عدة أسئلة ممهدا : حين استدللتَ بحديث البخاري "فأقول كما قال العبد الصالح" على تماثل الوفاتين، ذكرتُ أنّ "كما" لا تدل على التماثل من كل وجه، وإنما يكون التشابه في بعض المعاني لا في كل المعاني، وأوردت عليك بعض الإلزامات، فلم ترد عليّ شيئًا من تلك الإلزامات، وقلتَ ( وترى أن التشابه يكون في شيء دون شيء، وفتحت بابا لمناد يقول: يوجد شبه ولكن من يحدد وجه الشبه بالملليمتر والميكرومتر؟؟؟)
فقلت َ أولا: أريد منك سلفًا من أهل العلم يقول إنّ التشبيه في كل المعاني لا في بعض المعاني.
والجواب : التشبيه يكون في بعض ملامح الحالتين فعلا، وإلا لما عقدت المشابهة، وإدراك وجه الشبه من الهدايات الربانية، هداك الله وهداني لوجه الشبه، ولكن اعذرني فقد تبادر إلى ذهني أيضا تشابه الوفاتين من تشابه الموقفين، ومن حرصي على التوحيد وتصوري أن الله لابد أن يعطي المسلمين برهانا مساعدا على موت سيدنا عيسى، وأؤكد، موت سيدناعيسى عليه السلام بالذات، حماية لهم من عقابيل موجات التنصير.
س ثانيًا: أنت نفسك ترى أن التشابه لا يكون في كل وجه، فأنت تقول بتشابه ولادة عيسى ويحيى عليهما السلام، وتقول (كما ولدا ولادة إعجازية، والفرق بين وجود الوالد وعدمه لا ينفي تشابه الولادة) ، فإن كان وجود الفرق بين وجود الوالد من عدمه لا ينفي وجود التشابه، فلماذا ترفض أن عدم تشابه الوفاتين لا ينفي وجود تشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم والمسيح عليهما السلام مع من ارتد من قومهما بعد أن غابا عنهما؟؟
الجواب هل تتصورني أبحث عن أي تشابه غير مافي الآية؟؟ الموقفان هما: كنت شهيدا على الناس مادمت فيهم، ثم حدثت وفاتي، ثم انحرفوا، ثم كنت أنت الشهيد عليهم وعلى كل شيء. وأنت تريد أن تفسر الوفاة في الآية والحديث بمعنى الغياب المشترك، وتجعل الآية : لما غبت، والحديث: لما توفيت.. ودون ذلك مفاوز تنقطع فيها أعناق الإبل، إن القول بتشابه الوفاتين هنا هو أقوى أوجه الشبه، لأن جواب الرسولين الكريمين وضح بجلاء ساطع أن الانحراف حدث ولم يكونا أحياء، فالغياب كان في الآية والحديث بالوفاة، والوفاة هي قبض الروح أو الموت، ولاأخفي تألمي من تبعات القول بحياة عيسى عليه السلام، ونزوله التابع لهذا، يذبح الناس ولايقبل الجزية، واقتناعي بما سيجره ذلك على الإسلام من كوارث مستقبلية، فتصورت أن التشابه موجود بين عموم موت يحيى وعموم موت عيسى خاصة حين عرفت أنهما معا في السماء لهما نفس الحياة.
س ثالثًا: تقول (الله يجمع كل الرسل ولم يستثن، ويسألهم ولم يستثن، والإجابة واحدة : لاعلم لنا ..) فهل تقول بتماثل الوفاة بين جميع الرسل!
الجواب لم أطرق الآية من باب تماثل الوفاة بل من جهة اتفاقهم على: لاعلم لنا.. وأرى أن الله يسألهم عن ماتم بشأن دعوتهم بعدهم، (ماذا أجبتم) وأقول بتماثل جوابهم عن علمهم بجواب قومهم بعدهم، وأنهم كصادقين يوم ينفع الصادقين صدقهم، لامذهولين ولايحزنهم الفزع الأكبر، قالوا أنهم لم يعلموا ماذا كان سير الأمور بالنسبة لدعوتهم.
س رابعًا: أنني لم أفتح الباب لمنادٍ، لأنني أرى أن النصوص تبين بعضها، وأنه ليس ثم خطاب مجمل إلا وهناك خطاب آخر يبينه، بينما:
خامسًا: أنت الذي فتحت الأبواب للمنادين يا سيدي، فأنت تقول أن القرآن والسنة مليئان بخطابات مجملة لم يأتِ ما يبينها، وانظر تعليقك على الأصل الرابع في بداية ردّي هذا!
الجواب سبق ياسيدي بيان ماقلت وبينته في مظنته هناك فارجع إليه تجده.
سادسًا: قالت عائشة رضي الله عنها (والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف "فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون")، أفتقول على وزان قولك عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل ابتلاء عائشة رضي الله عنها بفقد الولد، أو ابتلاء يعقوب عليه السلام كابتلاء الصِّديقة، أيقول بهذا عربي؟!
الجواب لو صنعنا جدولا لكل حالتي تشابه لنرى وجه الشبه لوجدنا التشابه بين بلاءين كانا لعائشة رضي الله عنها ويعقوب عليه السلام: الخبر فظيع، ويخص شيئا خاصا وحاسما، وناقل الخبر منا، والقيام بالتحقيق والتحقق عسير، ولاحل إلا اللجوء إلى الله للتصرف في الموقف، وإلى هنا فأرجو أن أستبقي هويتي العربية.
سابعًا: قال الله تعالى (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده)، أفتقول على نسق ما ذكرت عن "كما" في حديث الرسول، فتجعل نوحًا عليه السلام قد أوحي إليه بالقرآن!؟ أيقول بهذا عالم؟!
الجواب لكن بعض العلماء ياسيدي قد يقول وله دليله إن وحيك ووحي نوح متشابهان في أنهما من الله ويحملان وصية الله بالخير والتوحيد وعناصر الإيمان، وفيهما أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه، ورحمة للناس وصادقان ومقدسان ونوران ودليلان على اجتبائكما ومن أطاعهما دخل الجنة.
ثامنًا: كيف ترى قول نوحٍ عليه السلام فيما جاء في القرآن (قال إن تسخروا منّا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، فهل سخرية نوحٍ عليه السلام من الكافرين كسخرية الكافرين منه تمامًا بتمام؟!! أيقول بهذا مؤمن؟!
متشابهان تماما فقط في الثقة التي تعم كلا منهما بموقفه، مع اختلاف سبب الثقة.
قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب
قولكم:
تقول (يعني أنك ترى أن عيسى عليه السلام هو الوحيد يوم يجمع الله الرسل ويسأله الله ماذا أجبت؟ فسيجيب خلاف الرسل جميعا قائلا: أعلم ما حدث فقد كذبوني ثم كفروا بي وقالوا أني دعوت لعبادتي وأمي، ولقد نزلت لهم بعد أن فاض الكيل، وفعلت معهم وفعلت وأبطلت هذه العبادة. فهل ترى ذلك؟؟؟ !!!)اهـ.
أولًا: كان عليك أن تبين كيف تفهم قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أُجبتم، قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)، فهل تقول إن المعنى أن الرسل يقولون ذلك من هول الموقف كما قال بعض أهل العلم؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا إلا ما علمتنا"؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا"؟ أم تقول إنه يقولون "لا علم لنا بما أحدثوا من بعدنا"؟ أم تقول إنهم يقولون "لا علم لنا بم أُجبنا مطلقًا"؟؟ فذكرك فهمك للآيات أمر ضروري قبل أن تطالب محاورك بالرد!
ثانيًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هناك من سيحدث بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي!، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وقال (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنّ هناك من سيحدث بعده، ولكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا، فإن لم تستشكل ذلك، فلا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام بأنّ هناك من أحدث بعده في الدنيا، لكنه لا يعلم تحديدًا من أحدثوا!
ثالثًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم ببعض ما سيحدث من بعده، فقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة)، فإن لم تستشكل ذلك، فكذلك لا إشكال أن يعلم عيسى عليه السلام ببعض ما أحدث بعده!
وهناك أوجه أخرى للبيان تأتي بعد أن تبين فهمك للآية الكريمة.
الجواب فهمي للآية الكريمة أن لكل نبي دعوة لها من بعده استمرارية، وأن الله لايسألهم عن صدقه في النبوءات في وحيهم، بل يسألهم عن معلوماتهم عن ماتم في الأرض بشأن دعوتهم بعدهم، أي إيمان وكفر ومذاهب أقوامهم (ماذا أجبتم) وأقول بتماثل جوابهم عن علمهم بأخار جواب قومهم بعدهم، وأنهم كصادقين يوم ينفع الصادقين صدقهم، لامذهولين ولايحزنهم الفزع الأكبر، قالوا أنهم لم يعلموا ماذا كان سير الأمور بالنسبة لدعوتهم، وعيسى منهم.
إلزام بما لا يلزم!
تحتج على قولي : ( نحن في أمر عيسى عليه السلام محاصرون بآيات : منها خلقناكم وفيها نعيدكم، وقوله سبحانه: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، وآية الكفات في المرسلات)اهـ.
قائلا : ونحن لا ندعي أن عيسى عليه السلام سيخلد ولن يموت، بل ينزل آخر الزمان، ويموت، ويدفن في الأرض، وتكون الأرض له كفاتًا، فما علاقة ذلك بما نقول من رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزوله آخر الزمان!؟
الجواب أنك جعلت الأرض كفاتا لعيسى ميتا فقط وليست كفاتا له حيا هو بالذات ، وجعلت أرض الله ضيقة عليه هو بالذات ليعبد الله.
تقول (الله شبهه بمثل آدم في الخلق من تراب وهو بيان لأن مصيره يكون كآدم إلى تراب بعد بلوغ السن وحلول الموت)اهـ.
أما أنّ الله شبهه بآدم في الخلق فلا نزاع، وأما أن مصيره كمصير آدم يكون إلى تراب فلا نزاع، وأما أنه يموت بعد أجله فلا نزاع، وأنت الذي تنازع في رفعه عليه السلام ونزوله آخر الزمان، فما علاقة جملتك السابقة بحوارنا؟!
الجواب:
العلاقة هي تصوري أن آدم كانت الأرض كفاتا له حيا وميتا، وقد خلا بعد أن أدى مهمته، والمفترض في من هو مثله كمثل آدم نفس الشيء عموما في أن يكون قد خلا.
تقول: ولقيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم معا في نفس السماء ليلة المعراج، ولا يعقل أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى روح يحيى بالروح ثم يلتفت لعيسى بالجسد.
لماذا لا يُعقل؟! أهو لا يُعقل عند من يقول إن الله بعث أجساد الأنبياء يومها تشريفًا لنبيه وما ذاك على الله بعسير، وهو قول بعض أهل العلم ولهم دليلهم؟! أم هو لا يُعقل عند من يقول إنّ عيسى حضر روحًا وجسدًا ويحيى روحًا ولهم دليلهم؟! أم هو لا يعقل لمجرد أنه لا يناسب قول من يقول إن عيسى ويحيى حضرا روحًا وليس لهم دليلهم!؟
الجواب بل الصواب الوحيد هو ماقلت أنه ليس له دليل في نظرك، الجسد لايرى الروح ونحن لانرى الروح وهي تغادر الجسد، ولكن بالكشف الروحي نرى ذلك، إلا إذا تماديت في سرد الاستثناءات لعيسى عليه السلام بناء على استثناء الولادة، وهي استثناءات لو أحصيت لتبين من كثرتها وعدم ضرورتها: بطلانها جميعا. ويلزمك لو كان عيسى حيا هناك بالجسد 1 ـ أن يحضر لرسول الله
صلى الله عليه وسلم محمد، وأن ينصره طبقا للميثاق الذي أخذه الله عليه لو جاءه مصدق لمامعه وهو حي أن يؤمن به وينصره.. فلا تستثنه، وأيضا 2 ـ أن ينطبق عليه قول الله تعالى بسورة مريم: وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا. فلابد مادام حيا حتما أن يزكي، ولابد للزكاة من مصرف محتاج، وعليه فلابد أن يخلق الله له الفقراء هناك ليتصدق عليهم وهو محال فما أدى للمحال فمحال وهو حياته هناك.
تقول ( رسول قد خلت من قبله الرسل) في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ماتت، وقبضت ولقيت الله اهـ.
وهذه مقابلة لنصوص مخصوصة في عيسى عليه السلام بنص عام، فنحن نقول بتخصيص عيسى عليه السلام من ذلك الحكم وذلك جمعًا بين الأدلة، كما نقول إن قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) لا يمنع أن يكون عيسى عليه السلام وُلد من أنثى دون ذكر جمعًا بين الأدلة وإعمالا لها كلها، وهذا ديدن أهل العلم ولا إشكال فيه.
الجواب أولا ليس معنى الآية أن الله خلقكم أيها الناس واحدا واحدا من ذكر وأنثى، بل المعنى أنكم جميعا لآدم وزوجه. فولادة عيسى إذن لاتخرجه استثناء من الآية. فالله يخاطب الجميع من حيث الأصل العام وعيسى منهم.
ثانيا : وبعد البيان السابق لايبقى لك شيء تجمعه، فليس بين عيسى ورسول الله صلى الله عليه وسلم رسول، وأول من ينطبق عليه الموت الماضي المنقضي من الرسل من قبله صلى الله عليه وسلم هو عيسى عليه السلام . أتريد أن تبطل تطبيق الآية عند أول حركة منها لتنطبق؟
تقول : ثم إن التوفي في القرآن بفعل توفى، ومتوفيك، منسوبا للإنسان، والفاعل هو الله، هو قبض الروح بلا مـحال، والجسد يكون على الفراش أو في الأرض بأرضها ومائها أو في أجوائها، ولاجدا ل.
وهذه الدعوى التي جعلتها أصلا لا جدال فيها ولا محال هي محل نزاع أصلا، فهل تريد فرضها علي بقوة الصراخ أم ماذا؟! لقد أتيتك بالدليل على ما أقول به من معنى أصلي للتوفي، فما دليلك على ما تقول؟!
ـ من الناحية اللغوية : إن التوفي اللغوي الذي زعمته لعيسى عليه السلام هو خطأ ياسيدي حين احتججت بأنه مستمد من قوله سبحانه : فوفاه حسابه، وقوله تعالى : يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وأن منها فعل توفاه. تصورا أن التوفي والاستيفاء بمعنى واحد. فاعلم أن التوفي أو فعل توفي إما من مصدر توفى توفية مثل تولى تولية (من التفعيل) وهو الذي بمعنى الاستيفاء، وإما من توفى توفــّــيا مثل تولى توليا ( من التفعل)، وهو الإماتة .. فيختلف معناه حسب مصدره، فلهذا الفعل إذن شكلان متجانسان لهما مصدران بمعنيين مختلفين، مثل تولى وله معنى تولى تولية أي صار واليا حاكما ومعنى تولى توليا أي هرب وأعرض. فأولهما توفى توفية على وزن تولى تولية وهو المعنى الذي اخترته أنت، ولكن فعلنا في القرآن هو توفى توفيا مثل تولى توليا. وفعل توفى توفيا بمعنى الموت هو الذي جاء في القرآن عن وفاة البشر، ويستحيل وجود سياق واحد يقول أن الله توفى أحدا توفيا من البشر في القرآن ولم يكن قد قبض روحه.
2 ـ نحن بصدد الاستخدام القرآني لفعل محدد وهو توفي الله للبشر وبالاستقراء وجدنا كل المواضع في القرآن الكريم تنص على قبض الروح والجسد في الأرض.
تقول الله صنع مقارنة رائعة بين يحيى وعيسى عليه السلام في الولادة الإعجازية والموت، وهم ذرية بعضها من بعض، فكل منهما قد نص الله عليه بالسلام ( يوم الولادة ويوم الموت ويوم يبعث حيا) فتحتم التشابه وتأكد أن عيسى لقي الله عند أجله كما لقي يحيى الله عند أجله، كما ولدا ولادة إعجازية، والفرق بين وجود الوالد وعدمه لا ينفي تشابه الولادة)اهـ.
أولا: إنك تقول إن الله تعالى ذكر مقارنة بين يحيى وعيسى، ثم تستنتج منها "حتمية التشابه" بين الوفاتين والولادتين، فأي استنتاج هذا وما مقدماته؟!!
الجواب مقدماته أن آية السلام على كل منهما واحدة، وأن أن لو كان عيسى نبي بني إسرائيل قد رفع وسينزل بجسمه شخصيا لصنع هذا فرقا في آية السلام الخاصة بكل منهما، ولقال الله تعالى عن أحوال بدن عيسى عليه السلام المتوالية: والسلام علي يوم ولدت ويوم أرفع ويوم أنزل ويوم أموت ويوم أبعث حيا، لأن حادثة الرفع الجسدي والنزول الجسدي خطيرة كل الخطورة تساوي كل حدث مما يسلم الله عليه من أجله. ولاختلفت أيام السلام بين يحيى وعيسى عليهما السلام. ويؤكد هذا أن السماء التي هما فيها هي نفس السماء. مما يشير للتساوي بينهما عند الله.
ثانيًا: مَن من أهل العلم والتفسير سبقك ورأى أنّ هناك مقارنة بين يحيى وعيسى عليه السلام في الولادة والوفاة، ومن ثمّ قال بحتمية التشابه؟!
الجواب : أصلا هناك من قال أن عيسى قد مات، وأنت لاتعبأ بقوله، وبموت عيسى فقد اقتربت المسافات، وزادت أوجه الشبه بين الحالتين مما لايحوجنا لعالم سبق في المقارنة، وأحس أنه لايفيدني سبق أحد من أهل العلم لي بشيء من التفاسير معك، فأنت تنهال عليهم بالتقريع فورا وتأخذ فتحقق معهم وتتندر عليهم، لذلك فلن أذكر أحدا الآن.
ثالثًا: هل تقيس على قولك وتقول بتماثل خاتمتي السوء بين امرأة لوط وامرأة نوح رغم أن إحداهما ماتت خسفًا والأخرى بالطوفان؟!
الجواب تنهال بالأسئلة كأنه عقاب، رغم أننا انتهينا من موضوع وجه الشبه، فهل تحاول بكل هذه الأمثلة أن تجعلني أعتبر التدبر ذنبا، وأحرم أتتبع وجه شبه في القرآن حتى أموت؟؟
رابعًا: إن كنت ترى أن الولادتين متشابهتان رغم الفرق بين وجود الوالد وعدمه وهو فرق كبير، فكذلك لا بأس عليّ إن قلتُ إن الوفاتين متشابهتان رغم الفرق الزمني بينهما، هذا إن سلمت لك باستنتاجك الذي لا مقدمات له؟!
الجواب: حسنا، إذا كنت لاتسلم باستنتاجي ( وقد ذكرت من مقدماته مايجب أن يغير موقفكم الآن ) وترى إذن أن الولادتين ليستا متشابهتين جدا، وترى الوفاتين إذن لن تتشابها، ويبقى التشابه فقط في البعث حيا فأنت تنزع القدرة على الدلالة من تقابل النصين: أن السلام عليهما في أيام معينة. وتبقى الآيات مفرغة من المضامين العظمى.
خامسًا: المشهور بين أهل العلم وفي التاريخ أن يحيى عليه السلام مات مقتولا، والمجمع عليه بينهم أن عيسى عليه السلام لم يمت مقتولا فكيف تصح الدعوى بتماثل الوفاتين؟
الجواب: أن الله لحكمة عميقة تتجاوز طريقة الموت قد عمم لفظ الموت بينهما عندما سوى بين ألفاظ السلام عليهما، فسوى بين الوفاتين بلفظ الموت، وجعل عقم زوج زكريا مقدمة للولادة المعجزة؛ ليدل بذلك على تقابل الحالتين، فلماذا نتجه نحن لتحطيم هذا التقابل؟؟؟ هل من أجل القول باستثناءات لافائدة منها للإسلام غير أنها تشدد عزم المنصرين، ليثبثوا حقهم في إطراء ابن مريم عليه السلام؟؟ وفضله على نبينا، وتمسكا بحياة نبي أقسم بالله العظيم أنه لقي الله وقبضت روحه؟؟؟
معنى بل رفعه الله إليه
لاتمسك لي بلفظ السخرية اليهودية بل ركز على الجوهر وهو ليس السخرية ولا ضلال اليهود في الزعم، ولا الاستهزاء ولا التهوين من شأنهم.
قولك : وهاك ما لم ترد عليه من استدلالي أعيده عليك مختصرًا:
أولًا: تعقيب قوله تعالى ﴿وَما قتلوه وما صلبوه﴾ بقوله ﴿بل رفعه الله إليه﴾ لا معنى فيه يليق بالبلاغة القرآنية المعجزة في القول إنهم ما قتلوه بل رفع الله روحه إليه.
الجواب : الموضوع موضوع نص: أن المعلق ملعون، عند اليهود، و: ملعون من علق على خشبة، عند النصارى، وكلاهما يقر بميتة معينة، لها هيئة صلدة لا تنازل عنها، وهي الموت على الخشبة، أي القتل صلبا، وكل يبتغي غرضا مختلفا، ليتحقق لليهود أن يصنعوا دعاية ضده، أنه حاز صفة اللعنة النافية للرسالة؟ ويتحقق للنصارى سند لنظرية الفداء حيث صلب وحمل اللعنة ونزل الجحيم لأجل خطاياهم. فالله ينفي حدوث اللعنة بتعبيرين: أنه لم يتم قتله على الخشبة فلم يصلب إذ لم يسل منه صديد الموتى، والثاني يثبت أنه قربه في الصالحين، فينفي أي لعنة حملها، فينفي عقيدة الفداء، ويثير الحسرة في قلب المتكلمين على مريم وولدها.
ثانيًا: هل رفعة المكانة ضد القتل؟!! وهل عيسى عليه السلام لم يكن رفيع المكانة قبل إرادتهم قتله؟! وهل القتل في سبيل الله ليس من رفعة المكانة؟!
الجواب قل رفعة المكانة أمام الناس، أو رفعة الذكر، وقل القتل على هيئة الصلب، أقل لك نعم، رفعة المكانة تشريفا في عيون الخلق ضد السماح بقتله بهيئة معينة مشروطة تظهره في صورة الملعون بمبرر من العهد القديم.. وهو عليه السلام كان رفيع المكانة ولكن الله أراده وجيها في الدنيا قبل الآخرة، حين يعرف حواريوه أنه نجا، وبعد فترة يقولون للناس ماحدث، وهم الذين كانوا تابعين حقيقييين للسيد المسيح. والقتل في سبيل الله من رفعة المكانة، لكن في حق نبي يريد الله له وجاهة وذكرا يسمحان بيسر الدعوة لدينه، فإن صورة معينة للقتل تضرع سيدنا عيسى ألا تحدث له وألا يتشفى فيه عدوه، وطمأنه الله.
وأضيف ثالثًا: ماذا لو لم يقل الله تعالى "بل رفعه الله إليه"، ألم تكن ستفهم أنهم ما قتلوه، وتفهم ما قلتَه أنت قبل ذلك، فمقتضى البلاغة أن تكون زيادة "بل رفعه الله إليه" تحمل مزيد معنى، وهو المعنى الذي أقول به ولا يتحقق إلا بقوله تعالى "بل رفعه الله إليه" أما المعنى الذي تقول به أنت، فيكفي فهمه بدون ذلك؟!
الجواب : بل رفعه الله إليه هي التي نبهتنا لعمق البحث عن كنه سر العملية كلها، وحلت لغز كلمة قتلوه وصلبوه وماوراءهما من عقائد عميقة الغور، ولو لم يقل الله : بل رفعه الله إليه لما عرفنا كيف نحاج أهل الكتاب. ولو اقتصر الله ولم يقل: بل رفعه، لعلمنا مجرد معلومة مبتورة : أنه لم يقتل، ولكن سيستغلق علينا نحن المسلمين فهم سر الفرق بين قتل وقتل، وسر الإصرار على هيئة الصلب، واللعنة المتفق عليها بين الدينين مع اختلاف تسخيرها للغرض.
تشركني الفعل وتفردني بالعجب!
تكلمتَ عن معنى "إلى" في قوله تعالى (بل رفعه الله إليه)، فذكرت لك أنّ هذا لا ينفعك شيئًا، لأنّك لو قلتَ بأن الرفع رفع روح أو رفع مكانة فهنا تكون استعملت إلى بمعنى انتقال الروح أو المكانة، بينما حين أقول إن الرفع رفع جسد فأستعمل إلى بمعنى الانتقال ولكنه انتقال جسد، فاستعمالنا لإلى هنا واحد وليس هو محل التفرقة أصلًا! ويبقى ما أوردته عليك حين تقول برفع المكانة في قوله تعالى "وما قتلوه يقينًا * بل رفعه الله إليه".
الجواب إن جذور المشكلة كلها تكمن في حسن فهم إلى، وأن إلى، منقطعة الصلة بقطع المسافة، وبالتالي منقطعة الصلة برفع الجسم، نحو الله، نحو الذات، نحو العرش، فلو صححنا مفهوم العرش والفوقية والقرب من الله وأن الرسل يرفعهم الله للسماء البرزخية مقربين منه، ويتم ذلك فور الموت دون قطع أدنى مسافة، لأنه عالم غيبي، وقربهم ورفعتهم أي حائزي درجات رضوان عليا، لا أن المسافة بينهم وبين الله قد قصرت، لتم تفسير الرفع إليه بمعنى : جاعلك وجيها رغم أنف من أرادوا تصويرك لعينا.
قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولا؟؟
قال الله تعالى ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجُرَ لنا من الأرض ينبوعًا * أو تكونَ لك جنةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجرَ الأنهارَ خلالها تفجيرًا * أو تُسقطَ السماء كما زعمتَ علينا كِسفًا أو تأتيَ بالله والملائكةِ قبيلًا * أو تكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تُنزلَ علينا كتابًا نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشرًا رسولًا؟ ثم قلتم كلاما كثيرا.
والجواب على كل ماقلتموه دفعة واحدة : قلت لكم وأوضح : إن القضية ليست قدرة الله على انفجار ينابيع وقد تفجرت من قبل، أو حديقة من نخيل وعنب وهي موجودة من قبل، ولكن هيئة من عدة عناصر: لن نؤمن لك حتى... أي لن نؤمن لك نبيا حتى يفعل الله هذا معك ثم تقول : صدقوا إذن، فنصدق أنك منه. والله بقوله سبحان ربي، أي تعالى أن يجيبكم لاقتراحات مع رسول، لن ولم تتم حتى ينتهي زمن الرسل البشر. لم ولن يفجر الله منى الأرض ينبوعا لرسول ليؤمن الناس به، ولم يحدث ولن يأتي الله والملائكة قبيلا من أجلكم مطلقا، ولو تقرحت جفونكم من البكاء أوالدعاء، والطلب والإلحاح، ولن نسقط السماء كسفا عليكم ثم تعطون فرصة للعبادة بعد، ولن يرقى نبي في السماء كما طلبتم . وعيسى بالطبع سوف ينزل بصفة التحدي، حسب التصور الشائع، والدليل معه في عين من ينكره: أنا الذي نزلت من السماء. وبالتالي فالبداهة هي: وأنا الذي صعدت. فالآيات تبين قرار الله البات بحرمان الأرض من هذه الصور المتخيلة طالما هناك تكليف دنيوي. وعلى رأس الممنوعين منها سيدنا عيسى عليه السلام، فالأرض كفاها ماحدث بشأنه من إطراء ولن يزيد الله من وتيرة الإطراء بفعل من عنده أبدا.
وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته
تقول فيها (فمن للتبعيض، وما من جيل من أهل الكتاب إلا يكون منهم قوم يؤمنون بالحق قبل موتهم بعد طول تأملهم وفهمهم وهم سيشهدون على قومهم بما يعلمون من معلومات مشتركة تكبر عليها الذين أصروا على كفرهم.)اهـ.
فليس الشأن في من للتبعيض أو ليست كذلك، ولا تقدير الكلام بهذه المطولات التي ذكرتها بأنه "ما من جيل ....".
"وإن من أهل الكتاب"، فـ "إن" هنا بمعنى ما النافية، وأنت لا تخالف في ذلك، فيكون المعنى "وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به"، فهذا الضمير يعود لمن؟؟ "ليؤمنن به قبل موته" فهذا الضمير يعود لمن؟؟ "ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا" فمن هو ذا الذي يكون شهيدًا؟!
السياق كله عن عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا)، فالضمائر إذن تعود إلى واحد والمخالف لذلك عليه بالدليل، فيكون المعنى: وما من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام، ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدًا.
وهذا هو فهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، إذ يقول كما في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (واقرأوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا.
قال الطبري رحمه الله (وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى)اهـ، وبالمناسبة فلم ينقل الطبري مثل قولك أنه ما من جيل من أهل الكتاب إلا يكون "فيه" من يؤمن بعيسى عليه السلام قبل موت هذا "الجيل"!
الجواب الذي يثبت ماقلت ويوضحه كالشمس:
1 ـ هناك قراءة نصها: قبل موتهم. وهي رد على أبي هريرة رضي الله عنه وأي رواية مشابهة تروى في أجواء تتنازعها الإسرائيليات ، فاسترحنا من الاعتراض على رجوع الضمير، وعلمنا أنه يرجع لأهل الكتاب وبقي علم من هم الذين سيطبقون جميعا على الإيمان به أي بالحق في أمره ؟؟؟ .
2 ـ أهل الكتاب تعني جمهورهم برمته، أو الذين كفروا منهم أو الذين هم أهل الكتاب حقا والراسخون في العلم منهم وعبر عنهم القرآن في النساء بأنهم (والمؤمنون) أي عاجلا أو آجلا ، بصيغة اسم الفاعل الدال على الأزمان الثلاثة.
أ ـ أما جمهورهم فليس من الراجح إطباقهم على الإيمان به عندما ينزل، لأن الله يقول: وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فلابد من كافرين به سيبقون ليوم القيامة، وبالتالي فأين قول الله : وإن من أهل الكتاب إلا ... بأسلوب الحصر؟؟
ب ـ وغير معقول أن يجتمع على الإيمان كل كافري أهل الكتاب الذين يكتمون الحق وهم يعلمون ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ولايبقى منهم أحد إلا وآمن إيمانا.
جـ ـ بقي احتمال وحيد وهو أنه مامن أحد من الذين هم أهل الكتاب حقا، وهم القسس الذين يسلمون كل حين، وهم الراسخون في العلم منهم، إلا سيؤمن، وهم المعبرعنهم القرآن في النساء في آية : لكن الراسخون في العلم منهم، وفي آية ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة ، في آل عمران، وآية الأعراف: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. وغير ماسبق من الآيات.
وحسب قولهم عن وضع الجزية وإصرار عيسى عليه السلام على إسلام النصارى، فكانت الآية ستكون: إلا ليسلمن، لأن الإيمان لايأتي بالإكراه والقهر، ولكن من قوله تعالى: ليؤمنن، ومن أسلوب الحصر علمنا أن إطباق هؤلاء على الإيمان يفتح لنا طريق التفسير الحق.
يخلص لنا المعنى أن في كل جيل منهم من أهل الكتاب بالحق من سيؤمن بالقرآن وصحة خبره قبل الموت وهم شهود الله على قومهم.
تحت عنوانكم المعنى الأصلي للتوفي!! وغضبٌ غير مبرر!!
لقد رفضت ياسيدي تفسير ابن عباس واعتماد البخاري له، واعتبار عدد من علماء المسلمين لنفس الفهم، وذكرت هنا أنك تستمد من الصحابة، وهنا ليس لك أدنى أدنى سند من أحد من الصحابة على تفسيرك واستثنائك، بل هو من وهم الاستنتاجات من مقابلات رفع إليه، ووهم الرفع للسماء، ومقابلات النزول ووهم النزول من السماء. ووهم بقاء النبوة في بني إسرائيل بعد إذ حرمهم الله منها وإلى الأبد. وفكر الأمم غير الإسلامية المتسرب لأمة الإسلام.
والتطهير من الذين كفروا، مثل قوله تعالى ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث. والاستنجاء والتطهير بمعنى. فقد تحقق بالهجرة من فلسطين، إذ خلصه الله من الذين كفروا، ولا إشكال في ذلك!
عنوانكم : ما وردَ في رسالتي السابقة وتركته دون رد!
هاهي الردود:
1- هل يقوم في ذهن العربيّ عندما يسمع ظاهر النص، أن "عرش" الملك هو "الملك نفسه"، وأن "عرشه على الماء" تعني أنه "عمد إلى خلق الأحياء"، أهذا هو لازم الوضوح، ومقتضى التبيان، وموجب البلاغ..؟
الجواب : دعك من تكرار موضوع أن العرش هو الملك نفسه، واعلم أن العربي لو سئل بالفطرة من رب العرش ؟ فسيقول: الله. ويعني من رب تجليات العز، ثم يتعلم أن عرشه كان على الماء فيفهم أن تدبير الله وتجلي صفاته في الفاتحة تجلت على الماء بعد فرش الكون لقدوم الحياة.
2- هل هناك نصّ عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن العرش هو (مجموع الصفات)، أو فيه أن معنى (رب العزة كرب العرش تمامًا)، أو أن العرش نوعان، كما أبنتَ وأظهرت معتقدك وعقيدتك؟؟
الجواب : كانوا على كتاب الله المستفيض شرحا للموضوع، وفهمت من القرآن والحديث كما يبينان، وسبق بيان أنهم لايمكن تخيلهم يفهمون غير ذلك، لأن ثقافتهم هي القرآن والسنة، ولم أتعد شرح ماجاء فيهما.
3- تقول (لو صح قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين قال : "العرش فوق الماء" فهو يقصد ( على ) كما في القرآن، وهي عنده استواء الله إلى الماء ليخلق الحياة) أعجز ابن مسعود عن الإفصاح عن المراد من أنه استواء الله إلى الماء ليخلق الحياة؟!
الجواب: سبقت الإجابة في قائمة الأسئلة السابقة.
4- وقد أجبتك عن سؤالك عن تحكيم العقل على النصوص، بمثالين من كلام الرازي الذي أرودتَه واستدللت به، فلم ترد عليّ بشيء.
سبقت الإجابة.
5- ما تريد من قولك (هي لغة البشر للتفهم)، ألسنا من البشر؟؟ فما يضرنا أن نقول بما يقول البشر، وأن نعتقد ما يتبادر إلى الذهن من ظاهر فعل وكلام البشر، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؟!
الجواب بمعنى أن الاستواء والعرش والصفات الربانية أمور عالية من الغيب، ويستعمل الله إمكانيات اللسان في سبيل التقريب، لتستطيع الأذهان الاقتراب من جمالها.
6- محاولتك جعل البخاري ممن يقول بقولك في تفسير العرش بأنه العزة، بحجة أنه أورد حديثًا عن العرش، تحت باب (قوله تعالى: وهو العزيز الحكيم) ، والبخاري لم يفعل ذلك، لم تعقب على هذا؟!
الجواب حدث عندي خلط في الكتب ، وكلامك صحيح ، وآسف على هذا الخطأ.
7- وكلامك عن "مصطلح" الصفات وأن الله قدس نفسه عن وصف الواصفين، وهذا المصطلح لم يكن له من نصيب إلا كونه "تعبير" صحابي على حد قولك، وأجبتك على ذلك من ثمانية أوجه، ولم ترد بشيء!
الجواب عن الثمانية مرتبة دفعة: لقد تحدثت معك كثيرا عن الصفات، ولكن هنا مقصودي أنه يجب الحذر لوجود تعبير متكرر محذر في القرآن، واعترفت به حضرتك في السؤال الثالث، يفيد أنه سبحانه عما يصفون، وهو وإن لم نفهمه بإطلاق فهو تعبير يسترعي الانتباه، حتى لانسرف في موضوع الوصف، كما حدث مع القول على الله في هذا الصدد مما سبق وأوضحناه. مثل تركيب الكلام متواليا عن قدم وساق وحقو، ووجه به عينان يرى بهما، وهناك من تكلم عن نزول الذات كحركة انتقال مع خلو العرش، ثم العودة بعد ثلث الليل. ولكن لو كنت أنفي الوصف الحق فكيف أناقشك أن العرش داخل في الصفات؟؟؟ لذلك لامانع أن نخلص لله في الاقتراب من موضوع الصفات وأن لاندع العامي والغمر مقياسا لنا لنرضي كسله وإلا انصرف عنا فحزنا.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم مقرا وجهة نظر الصحابي عن قوله عن صفة الرحمان في الإخلاص، يدل على أن الوصف عندما ينسب إلى الله فعلى هذا المستوى من الرقي، وهي جماع الصفات التنزيهية، وليس بمستوى القيام (بوصف الله من قمة الوجه إلى إخمص القدمين)
وهكذا أكون قد رضيت صفة الرحمان بطرق الصحابة لابطرق جنحت عن الصواب بعدهم.
وضمنت فيما سبق إجابة تدرجاتك الثمانية.
8- في قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم"، فقد سألتك عن ملكٍ مبتور اليدين، يقول له شاعر "والمملكة في يديك"، ألا يكون في هذا أقذع السخرية، وأبلغ قولٍ يقال في ضياع شأن المملكة؟!
الجواب لو كان الملك يذهب مذهب السطحيين، ويفهم حرفيا بدون تدبر، ومن حوله مثله في عدم علمهم بروائع البيان، وجاء حظ الشاعر البائس في هذا الجو، فسيعتبر قوله في نظرهم سخرية. لكن سيتغير هذا الحال لو تغير ذاك. ثم إنك تتكلم عن ملك مقطوع اليدين لكن لازالت له في ذاته القدمان والساقان وسائر الأعضاء، ولكن لو كان ملكا من نوع ذو صفات رائعة لكن مختلفة عن شعبه، ويخاطب شعبه عن نفسه بما هو داخل في نطاق تجربتهم وفهمهم فلن يرى الشاعر ساخرا.. وتعالى الله عن تكامل صورته المطابقة للبشر.
9- ثم سألتُ عن قوله تعالى "يد الله فوق أيديهم"، ألا ترى أنه لولا أن جنس الإنسان له يد، لما صحّ أن يكون في لغة الناس "والمملكة في يديه"، وعليه فإن قوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) يدل على ثبوت اليد لله تعالى؟!
الجواب اليد ثابتة لله تعالى ولكن لم أناقشك في هذا، بل في تفسيرها كما فسرها ابن كثير، وفي الفهم الشائع المتبادر، أنها يد جارحة يستعين الله بها على صنع الأشياء، فالله لو أراد شيئا قال له كن فيكون.
10- وسألتك عن "معاني" العرش عندك عدة أسئلة طامعًا أن أجد جوابًا مقنعًا، فلم أجد جوابًا أصلًا.
سؤال مكرر، وقد أجبت عليها جميعا بحمد رب العرش.
11- وقد رددت على ما "استدللت" به على "معاني" العرش، وما فيه من مخالفة الأصل عند العربي، والتقسيم دون وجود دليل، والاستدلال بمحل النزاع على محل النزاع، والاستدلال بالرأي الشخصي، واللجوء للتأويل دون دليل، فتركت أربعة مواضع دون تعقيب، وعقّبت على واحدة وهي المتعلقة بسجود الشمس تحت العرش!
وقد سبق تغطية الموضوع كاملا بحمد رحمان رحيم.
12- وسألتك عن المعيار في رفضك رواية ابن عباس "الكرسي موضع القدمين"، وأخذك برواية أخرى ضعيفة الإسناد، فلم تبين المعيار لا من جهة الرواية، ولا حتى من جهة للدراية تُلزمني بشيء؟!
الجواب حدثتك عن ضرورة رفض كل رواية فيها أن لله قدمين، وأن لهما موضعا تم تحديده، وهو موضع ثابت داخل الكون، وفراغ الكون تحت العرش قادر على استيعابهما، فلزمنا متنا رفض الرواية بسبب التشبيه الواضح، وبالتالي يبقى لنا من الروايات صحة رواية كرسيه علمه، ويعضد الاختيار أن توهم النسبة الحجمية بين الكرسي والعرش تم حلها باعتبارهما صفتين، ويتحد النص: كرسيه علمه مع حديث أبي ذر الذي سقته أنت، من أن النسبة بين العرش والكرسي كحلقة في فلاة، أنها تقرب لنا فهم نسبة بين صفات.
13- ألا ترى أنك جعلت قول ابن عباس "كرسيه علمه" حديثًا عن غيبٍ خالص، فيكون (في حكم المرفوع)اهـ، ولكن لما بينت ضعف الإسناد، وذكرتُ الرواية الصحيحة " الكرسي موضع القدمين"، فهلا ألزمتَ نفسك بما قلتَ من أنها حديث عن غيب خالص، فتكون في حكم المرفوع؟!
الجواب كل حديث يهين الذات الإلهية وينسب إليها ماليس يليق فهو مردود، ومن ذلك أن لله قدمين ذاتيتين، بل وتتموضعان في موضع مهما اتسع فهو محدود محدود.
14- وأوردت لك قول ابن كثير (والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم في مستدركه - وقال إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه - من طريق سفيان الثوري عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل))اهـ فما عقبت بشيء؟!
الجواب: القدم السابقة في الأمر، وقال في القاموس المحيط: حتى يضع رب العزة فيها قدمه، أي الذين قدمهم من الأشرار، فهم قدم الله للنار، كما أن الأخيار قدمه للجنة. أو يأتيها أمر يكفها عن طلب المزيد.انتهى من القاموس. وأرد عليك باقتراح شخصي عن موضوع القدمين لعله خطأ ولعله صواب: لافائدة للإسلام من إثبات قدمين للذات الإلهية تتموضعان في مكان محدد، والأفضل لك أن تبحث عن علاقة عبقرية بين القدمين وبين العلم، مثل أن فلانا له قدم في العلم، أي سبق سابق فيه. فيكون العلم علمان سابقان، فقدم هو قدم سبق علم عوالم الدنيا، وقدم هوسبق علم عوالم الآخرة. وهكذا يكون الكرسي موضعا للعلمين السابقين، حيث أن علم الله هو المحيط بالأمرين.
15- ورددت على كلامك في منع العقل أن تكون نجاة المسيح عليه السلام بالرفع إلى السماء، ونجاة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحركة في الأرض ليلة الهجرة، فما رددت عليّ بشيء!
الجواب: تكلمت عن العقل الشرعي، وهذا العقل يحكم أن الله لما حدد سنة وقال ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) ، وقال في الإسراء : ولاتجد لسنتنا تحويلا، وقرر الهجرة متسعا، ويقدر على نفاذ سننه بمجرد الإبعاد عن المكان، ويعلم سبحانه أن عدوه ضيق العطن محدود الملك والسلطة، وقد سبقت سنته في المرسلين نجاة، فالعقل يقول: لن يغير الله طرقه أبدا.
رددت وأعيد : ربما عقلي المحب للرسول الأكرم، (وفداه أبي وأمي ودمي وتكفيري، والتلويحات باستتابتي) هو السبب في إصراري على القول:
ولو أن إنسانا يطير إلى السما لكان رسول الله أولى وأجدر
واذهب للانترنت وانظر كيف يتكالب علينا المنصرون: أين كرامات ومعجزات وميزات رسولكم؟؟ ويأخذ الأصدقاء يحصون كراماته ومعجزاته، ألم يكن لنا طول الأعناق قائلين واصفين موكبه المهيب وهو يرفع بجسده إلى السماء عندما وافته المنية فيصعد ناعما بالصحة بلا مرض ويعبد الله لايذوق الموت إلا عند القيامة.
16- ورددت عليك استدلالك بـ "كما" لتقول بتماثل الوفاتين، فحدتَ عن جوابي إلى التغبير بقضية ليست من بحثنا في شيء، كما سبق البيان.
17- ورددت عليك منعك رفع المسيح للسماء بحجة أن الموتى لا يعودون، بأننا لا نقول بأنه مات أصلًا، فلم ترد على ذلك بشيء.
الجواب : طيب، آسف، وتكررت ملاحظتكم، ولنؤجل إذن حتى توافق على موته.
18- وذكرت لك أوجه الاستدلال بكلمة "بل" في قوله "بل رفعه الله إليه"، فلم ترد بشيء يلزمني، وتركت ما يلزمك دون رد.
19- وقلتَ إن القرآن يمنع رفع الأنبياء إلى السماء، استدلالاً بما ( في قول الله عمن طلبوا من نبي الله أن يرقى في السماء فقال يعلمه الرد عليهم: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا؟؟؟ الإسراء)اهـ، ورددت على ذلك، ولم ترد علي كما سبق البيان.
الجواب : تم الرد على هذا بحمد الله .
20- ورددت على كلامك عن معنى "إلى" وأنه يلزمك أن تقول بقولي، فلم ترد كما سبق البيان.
الجواب : لو جمعت لك من القرآن المقرونات بحرف (إلى) ولاتدل على تقريب المسافة بين الذوات ولا انتقالات مكانية لجمعت لك كما هائلا ولكنك تستطيعه بيسر.
وهكذا نكون قد وضحنا كل شيء بشأن النصوص التالية:
- قال تعالى (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء)
- وقال (الله الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش.
ـ وقال (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به.
- وقال (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية.
- وقال (وترى الملائكة حافين من حول العرش). الآية.
- وقال ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون؟.
- وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم لجويرية بنت الحارث رضي الله عنها ( لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله مداد كلماته.
- وفي الصحيحين(اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.
- وصحّ قوله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا ذر! ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة.
- وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم (كتب الله مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء.
ونفينا سوء الفهم في شأن المسيح عيسى عليه السلام، ونزوله آخر الزمان.
ووضحنا الإشكالات المطروحة علينا وهي:
- تعقيب قوله تعالى ﴿وَما قتلوه وما صلبوه﴾ بقوله ﴿بل رفعه الله إليه﴾.
- الرد ببيان اختلاف توفى توفيا عن توفية ردا على التوفي المفهوم منه أخذ الشيء وقبضه تمامًا كما في قوله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ وقوله ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ فالتوفي والاستيفاء في اللغة بمعنى واحد كما في مختار الصحاح، لو كان التوفي توفية.
- وبينا كيف أهلك الله عدو عيسى ونجاه بالهجرة وأرسل محمدا ينفي عنه الوصمة أنه دعا لعبادته أو أنه لعن : ردا على شبهة فهم : ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعد قوله ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ وزعم ( أنها دلالةٌ إضافيةٌ على عدم كون معنى توفيه إماتته؛ بظن أن تطهيره من الذين كفروا بإماتته وإبقاء الكافرين لا يكون تطهيرًا يشرفه كما في تطهيره برفعه .
وشرحنا قول الله تعالى:
- (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا) ورددنا على ماروي عن ابن عباس قوله: قبل موت عيسى عليه السلام، وعن أبي هريرة وأبي مالك والحسن البصري وابن زيد، وما اختاره الطبري وابن كثير وغيرهما.
فيلزم إعادة فهم أحاديث:
- في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويقبض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (واقرأوا إن شئتم "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا").
- في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).
- وفي صحيح مسلم قوله (والذي نفسي بيده ليهلَّنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنينهما).
- وفي مسند أحمد بإسناد حسن قوله (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه ...) وذكره وصفه.
- وفي مسند أحمد قوله (إني لأرجو إن طال بي عمرٌ، أن ألقى عيسى بن مريم، فإن عجل بي موتٌ فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام) وهو حديث صحيح.
فلو كان حيا بالجسد لما حال بينهما شيء أن يلتقيا، بل لوجب نزول عيسى ليتبع وينصر رسول الله .
-
صياغة المختار من قولك : تفكر في هذا فإني والله لك ناصح!
لامانع من وجود عرش مخلوق، وهذا العرش المخلوق موجود الآن، وقد اهتز لموت عبد صالح، وأن هذا العرش المخلوق يأتي يوم القيامة، ويكون له ظل، ويكون له حملة من الملائكة، ولا يكفي هذا العرش المخلوق لفهم جميع النصوص، ولو سألت عن مكان هذا العرش المخلوق، أيضر أن نفهم أنه فوق السماوات!؟ لا يضر.. ولو سألت أيضر أن أعتقد أن الله تعالى فوق العرش كما أعتقد أنه تعالى فوق السماوات السبع وهو بائن من خلقه؟ لا يضر.. ولو سألت أيضر أن يكون هذا العرش عظيم الخلق حتى تكون السموات السبع والكرسي فيه كحلقة في فلاة؟؟ نعم، هو عظيم الخلق، وهو سقف الجنة، والعلاقة مع كرسي موضع قدمين يضر من ناحية، لأن الكرسي قصة أخرى وهو علمه، ونسبة الحجم تدخلنا في نص القدمين، وهذا يضر، ويقلل الإيمان بعظمة ذي العرش.