الملاحظات العامة:
أولا: تضمن أسلوب الزميل ما لا يرضى من ألفاظ وتعبيرات في الحديث عن الله تعالى، كأقواله هذه:
اقتباس:
ألم يجد الله طريقة أفضل من أن يخلق بشراً
وهذه عبارة غاية في القبح والشناعة، وكان يسعه أن يقول: أليس الله بقادر على كذا وكذا.
اقتباس:
المسلمون يدافعون بضراوة عن ربهم
كان يسعه أن يقول: المسلمون يدافعون بضراوة عن إيمانهم بربهم.
فإن الرب جلَّ وعلا هو الذي يدافع عن المؤمنين، والمؤمن يدافع عن إيمانه ودينه.
اقتباس:
و لكن الله ليضمن أن هذا لن يحدث
ومثله قوله:
اقتباس:
هكذا يضمن الله أن هذا العبد لن يدخل مكاناً لا يستحقه
استعمال كلمة (يضمن) في هذا السياق يوهم أن الله يخشى أن يحصل شيء بخلاف إرادته، وهذا لا يليق، وإنما تستعمل كلمة (يضمن) منسوبة إلى الله في معنى تكفل الله بالوعد بالجزاء على الأفعال لا سيما الصالحة.
اقتباس:
الله عندما أدرك أن عبده الفلاني
هذه العندية توهم أن الله لم يكن علمه ذلك أزليا، وهو لا يليق في حق الله تعالى، وكان يسع الزميل أن يقول: (ولما كان الله بعلمه الأزلي يعلم كذا وكذا) ونحو ذلك من التعبيرات الكثيرة التي لا يعجز عن معرفتها عاقل.
اقتباس:
الله اختار كون واحد، أو "سيناريو" واحد فقط من بين كل هذه الأكوان و "السيناريوهات" الأخرى
هذا التعبير الركيك عن سعة مشيئة الله تعالى مما لا يليق في حق الله تعالى، فإن هذا التعبير يستخدم في مجالات بشرية لا تخلو من المكر والخديعة والإسفاف، كما أنها توهم في هذا السياق نفي الاختيار عن المكلفين عند الحديث عنهم وكأنهم دمى لا إرادة لها أصلا.
وكان يسعه أن يعبر بأن الله قادر على أن يخلق هذا الكون على صور شتى ومختلفة، وهذا كاف في عرض فكرته بدون ركاكة التعبير.
اقتباس:
لأن الله لو كان يعرف من الأصل أنه
لا يصح استخدام لفظة (يعرف) في حق الله تعالى، وإنما يستخدم لفظ العلم، لأن المعرفة توهم سبق الجهل عليها، بينما العلم لا يلزم منه ذلك، ولهذا لم يرد في القرآن ولا السنة وصف الله بأنه يعرف، وأما حديث (تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) فهو على سبيل المقابلة والمجازاة لا على سبيل الابتداء، وليس كل ما جاز عند المقابلة يجوز عند الابتداء.
اقتباس:
أعرف أن ما يدور ببال كل من يقرأ هذا الكلام: أن الله حكيم عليم و قادر و يستطيع فعل المستحيل.
مع ما في هذا الأسلوب من تهوين العلم بكمال صفات الله تعالى كما هو واضح من سوقها مساق الشيء الذي لا جديد فيه رغم أصالتها في الرد على كلامه، إلا أنه خلط بها المستحيل بقوله (ويستطيع فعل المستحيل) فهذا لا يصح إطلاقه على الله، لأن المستحيل ليس بشيء حتى تتعلق به قدرة الله تعالى، ومهما كان قصده فإن عبارته باطلة ومتناقضة مع كلامه الكثير عن المستحيل واللامنطقي، مع أن تفريقه بين المستحيل واللامنطقي هو نفسه تفريق لا منطقي، إذ المستحيل نفسه لا منطقي.
اقتباس:
و يقوم بدور القاضي و يعاقب
القيام بدور يقال في حق الإنسان الذي يوضع في دور، وهذا الدور يكون له أو لغيره، والله لا يصح أن يعبر في حقه بمثل هذه التعابير البشرية التي لا تخلو من ركاكة اللغة أيضا.
اقتباس:
و أن مسئولية الله عنا
لا يليق أن يوصف الله بالمسؤولية بل تنفى عنه، لأن المسؤولية تعني الخضوع للمحاسبة والمسائلة، والله منزه عن ذلك، وكان يسع الزميل أن يقول: (وأن عناية الله بنا أو رحمته) ونحو ذلك.
اقتباس:
و يعتبر نفسه غير مسئول عما يفعلون
قوله (يعتبر نفسه) غير لائق في حق الله تعالى، وكان يسعه أن يقول: (والله في المعتقد الإسلامي غير مسئول عما يفعلون)
اقتباس:
و لكن الله متأكد أكثر من هذا المرء ألف ألف مرة أن خلقه للكافر
هذا التعبير الركيك فيه ما لا يليق في حق الله تعالى، فإنه لا يقال أن الله متأكد، لأن علم الله الأزلي لا يحتاج إلى مؤكدات حتى يتأكد الله من شيء، فضلا عن أن يكون متأكدا ألف ألف مرة!
وكان يسعه أن يقول: (لكن الله يعلم علما أزليا مطابقا للواقع أن كذا كذا ...)
ولو تتبعت من كلام الزميل من أول الحوار أمثال هذه التعابير غير اللائقة لأخذ وقتا طويلا، والذي أطالب به الزميل أن يراعي التعبير اللائق عند الحديث عن الله تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ومما لا يليق من كلام الزميل تمثيله على الكافر باسم (أحمد أو محمد) وهما من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء أهل الإسلام، ولا أدري هل ضاقت به الأسماء، أم أنه لا يبالي بدلالاتها في الحوار أو ما ترمز إليه عند القراء أم ماذا؟ والذي نطالب به الزميل أن يستعيض عن ذكر اسم نبينا صلى الله عليه وسلم في تمثيله على الكافر بغير ذلك من أسماء أهل الكفر والعناد، ودونه أسماء الكفار كأبي جهل وأبي لهب، أو معرفه هو (المفتري) إن شاء.
ثانيا: يلجأ الزميل إلى عرض بعض النقاط المهمة بأسلوب عامي يناسب أحاديث المقاهي لا النقاشات العلمية، فإن كان لا يقدر على الحوار بدون عامية الأسلوب فنعذره لعجزه، وإن كان يقدر على المحافظة على جدية الحوار وعلميته بدون تفاصح ولا تقعر ولا ضدها من ميوعة العامية وركاكتها فنطالبه حينئذ بما يقدر عليه، وليس القراء شماعة لتصير لغة الحوار ركيكة بعاميتها وضعفها، فأقل ما يطالب به هو سلامة التعبير وصحة الأساليب، ولا شك أن لذلك أثرا في وضوح الفكرة واحتراما لعقلية القراء وعدم الاستخفاف بهم، ولا نطلب منه أن يكون نحويا كسيبويه، أو لغويا كخالويه! وإنما شيئا من الجهد في الحرص على جودة لغة الحوار.
وأمثلة ما وقع فيه الزميل من ذلك كثير جدا منذ أول الحوار، ولكن أذكر على ذلك مثالا من آخر مشاركة له وهو قوله:
اقتباس:
هو أن الله يريد أن يبين المؤمن الحق من المنافق. باختصار: يُظهر كل إنسان على حقيقته.
فهذا الاختصار فيه تمييع واضح بأسلوبه العامي للجملة السابقة، فلا اختصار فيها وإنما تمييع للفكرة، كما يؤدي إلى استفسارات من قبيل: ما هي هذه الحقيقة المراد إظهارها؟ أهي حقيقة أخلاقه؟ أصله؟ نسبه؟ غناه وفقره؟ أم إيمانه وكفره؟ أم جميع ذلك حتى يشمل صفات أبدانهم؟
ولا شك أنه يقصد تمييز الناس من حيث الإيمان والكفر، فانظر كيف يصير الاختصار تعمية لِما اختصره أصلا.
فلو قال: (باختصار: يظهر حقيقة كل إنسان من حيث الإيمان والكفر) لكان أوضح وأسلم في التعبير، ولا أقصد بالتعبير هنا الإنشاء المدرسي، وإنما اللغة العلمية السليمة لعرض الفكرة.
ثالثا: يطيل الزميل رده بكثرة المسافات الفارغة بين الأسطر، مع كون كثير من أسطر الكتابة لا تحوي فقرة كاملة بل حتى جملة تامة، فهل يظن الزميل أن الكتابة العلمية لا تكون إلا بكثرة الفراغات بين الأسطر وطول شريط التمرير عند تصفح الرد، أو أن وضوح فكرته لا يكون بغير هذا، والذي أطالب به الزميل أن يجعل الإطالة لما يستحق من النقاش لا لغير ذلك.
رابعا: يذكر الزميل أحيانا ما لا علاقة له ببحثنا مطالبا بالجواب عليه، كقوله:
اقتباس:
كما قلت من قبل، الحكم المخفية شيء لا ينبغي أن يعلم بوجوده من لا يستوعبه. فإذا كان ثابتاُ أنه لن يستوعبه، فهذا لا يمكن إلا أن يتسبب في الإضرار بالناس. و في رأيي، لا يصح أن يكون هناك أي شيء متعلق بالبشر في الدين و لا يفهموه.
يعني قوانين الله و حكمته في عقوبة الزنا مثلاً و شرب الخمر و غيره، كلها من اللازم و الواجب أن تكون مفهومة و مستوعبة، و من هذه الأشياء الحكمة من خلقنا و لماذا نتعذب و كل شيء يمت لنا بصلة من قريب و من بعيد.
و الأسباب كثيرة و منها على سبيل المثال لا الحصر، أن الدنيا أصبحت زاخرة بالديانات و المعبودات و الأنبياء الكاذبين الذين يقولون أنهم جاؤوا من عند الله أو... أو... مثل المعدي: غلام مرزا القادياني الذي ادعى أنه مسلم و نبي جاء من بعد محمد.
ما الذي يجعلك كمسلم لا تتبع هذا الشخص؟ لا بد أنه المنطق و العقل و التفكير. هناك أسباب واقعية و منطقية تمنعك من اتباعه لأنه -مثلاً- يقول أشياء غير منطقية.
فكيف تكون هناك أمور في الإسلام مخفية لا يمكن أن نفهمها و غير منطقية و مع ذلك تطلب من الناس أن يؤمنوا بهذا الدين؟
كيف تتميز عن غيرك من الديانات الكاذبة إذا لم يمن كل شيء واضح أمامك و صريح؟
و كما قلت من قبل، ليس ما أطلبه هو: كيف يبدو الله و أين مكانه؟ و إنما كل ما أتكلم عنه أمور تخصنا نحن البشر.
هذا بخلاف أن العلم بوجود الحكم المخفية يسبب الضلال كما قلت من قبل و أنا مثال حي على ذلك. فأنا إن استمريت على حالي هذا من وجهة نظر الدين الإسلامي، سأدخل النار. و السبب في هذا هو أنني لم أستطع أن أعقل بفكري الحكم المخفية التي تفوق التصور.
فإذا كانت الحكم المخفية سبباً في دخولي النار، فكيف نقول بوجوبها؟
فرغم عدم المعنى في قوله: ( الحكم المخفية شيء لا ينبغي أن يعلم بوجوده من لا يستوعبه) لأن خفاء الحكمة غير العلم بوجود حكمة مخفية، فيصح أن تخفى الحكمة وأن يعلم الإنسان بأن هناك حكمة مخفية، ولا يكون صحيحا أن يقال إنه لا ينبغي لمن خفيت عليه الحكمة أن يعلم بوجود الحكمة المخفية! فهذا تناقض لا معنى له، ولا شك أن الزميل ضعفت عبارته عن مراده وهو عدم معرفة الحكمة لا عدم معرفة أن الحكمة مخفية عنه، وكان يمكنه أن يقول: ( الحكم المخفية شيء لا يستوعبه الإنسان الآن)
رغم ذلك فإنه قفز للحديث عن أمر آخر وهو خفاء ما نحتاج معرفته في الإسلام، فادعى ذلك مع أن الإسلام واضح جدا، وكل ما نحتاجه لنسلك طريق الهدى معلوم لنا، وأما أن يطلع الزميل على حكمة الله تعالى التي أخفاها على عبده ويقول لن أؤمن حتى أعرف هذه الحكمة المخفية فهذا عناد وكفر واضح ككفر اليهود حين قالوا لموسى {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} !
بل قفز الزميل إلى شيء آخر وهو المقارنة بين الإسلام والوثنية! والأنبياء والدجالين! والحديث عن المنطقية والأدلة والحجج في جميع ذلك وكأننا نتكلم عن مقارنة الأديان، أو دلائل النبوة، فهل خفاء الحكمة من تعذيب هذا المعين في النار عذر لكل هؤلاء ليكفروا بالله وليدعي الدجالون النبوة، ولتعبد الأصنام والأوثان؟
هل في خفاء الحكمة من كون هذا المعين في النار وذلك المعين في الجنة شيء يخالف العقل ويجعل الإسلام ألغازا وطلاسم لا يفهمها العقل؟! هذا تهويل لا مصداقية له ولا حقيقه له، وبعد كل ذلك لا علاقة أساسية له بالموضوع، والعقل له أن يتدبر ما يقدر عليه، وما عجز عنه فهو معذور فيه، بشرط أن لا يقر بمستحيل ولا يقول به.
هذه بعض الملاحظات التي لعل الزميل يتقبلها بصدر رحب فتعين على استمرار الحوار علميا أدبيا خاليا من ركة التعبير وما لا يليق ذكره في حق الله عز وجل الغني الحميد، مع وضوح الأفكار وتنظيم المقالة دون حشو زائد ولا اختصار مخل، وإنما إطناب في موضع الإطناب، وإيجاز في موضع الإيجاز، وخير الكلام ما قلّ ودلّ.
ولعلي أضيف تعقيبا أرجو أن يكون به توكيد على أهم مسائل الحوار بما ينقذ الزميل من عصف الإشكالات في ذهنه لعدم تصوره الصحيح للموضوع بالنسبة للمعتقد الإسلامي، ذلك المعتقد الذي لا يعاني المؤمن فيه من هذه الإشكالات الوهمية المتناقضة لصحة المنهجية الإسلامية في تناول القضايا ودراستها.