المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مالك مناع
هذا هو منشأ الإشكال عندك أختي ليندا والذي أدى إلى كل هذه التصورات الخاطئة، وهو أن ابتلاء آدم وارتكابه المعصية ومن ثمّ إنزاله إلى الأرض لا يكون إلا بوجود إبليس ووسوسته، وعلى هذا فلا بد من خلقه ليضل الله به الناس ويقع الابتلاء عليهم، والصحيح أن كل ليس بلازم فقد يتم ذلك به وبغيره، كما هو حاصل الآن في الدنيا فما كل ابتلاء فيها لبني آدم سببه إبليس؛ فالله تبارك وتعالى يبتلي عباده بما شاء، فقد يبتليهم بالعافية والمرض، وقد يبتليهم بالفقر والغنى، وقد يبتليهم بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وغير ذلك كثير مما لا يخفى عليك.
ثم تذكري أيتها الفاضلة أن نفس الإنسان أمّارة بالسوء فما كل معصية يرتكبها الإنسان سببها وسوسة إبليس، وانظري حال المسلمين في رمضان الذي تُصفّد فيه الشياطين والَمَردة، لتدركي ذلك جلياً، ومن الناس من تتعاظم ذنوبه وتتوحش صفاته الغضبية حتى تصبح قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً فهل تظنين أن أمثال هؤلاء بحاجة لإبليس ؟!
المقصود أن ابتلاء آدم وارتكابه المعصية ومن ثمّ إنزاله إلى الأرض قد يتم بإبليس أو بغيره، ولكن إبليس اللعين قد اختار بنفسه أن يستكبر ويأبى أمر الله تبارك وتعالى له بالسجود فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليها، وخاصم ربه - عز وجل - فيه، وادّعى أنه خيرٌ من آدم، فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه . وقد أخطأ في ذلك، وخالف أمر الله ، وكفر بذلك فأبعده الله وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحلّ أنسه وحضرة قدسه، وسماه " إبليس " إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة، وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض، فسأل الله النّظرة إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه . فلما أَمِن الهلاك إلى يوم القيامة تمّرد وطغى وقال : ( لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين ).
وهذا كله تمّ باختيار إبليس وإرادته، ولم يجبره الله تبارك وتعالى على ذلك حتى يبتلي عباده به، لأن الابتلاء قد يكون به أو بغيره كما سبق.