الأنوثة الفكرية ومأسيها
للشيخ عبدالعزيز الجربوع
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين واصلي واسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى صلى الله عليه وسلم { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }
إن أمر العقيدة في ديننا عظيم وهائل ، فهي في ذاتها عظيمة شامخة شموخ الجبال الرواسي فضلاً عما يترتب عليها من مصالح جمة لا يعلمها إلا الله ، ولا يقدر قدرها إلا هو .
ولذا لا ينبغي أن تؤخذ إلا بالقوة ، وأن تكون لها جديتها في النفس البشرية تأخذ طابع الصراحة والحسم ، بعيدة عن الرخاوة ، والتمييع والترخص ، بل لا تعرف الرخاوة في الطرح سبيلاً إليها ، ولا الأنوثة طريقاً إليها { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } وهذا ناتج من ضعفها الأنثوي لحكمة أرادها الله ، فمذ تكون طفلة وهي كذلك ، وإذا خاصمت فلا عبارة لها بل هي عاجزة عيية ، أو من يكون هكذا سيرفع لواء الإسلام عالياً خفاقاً ، لو كان لجعل الله النبوة في بعض النساء ، كيف وقد حاول فرعون عيب الدعوة والحط من قدرها على وقت موسى عليه السلام بقوله { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِين ُ} وهي فرية وتهمة استغل هذه العقدة في لسان موسى حال الغضب للحق كما قال المفسرون ، فكيف الآن بالعي العقلي المتمثل في طرح أصحاب " الأنوثة الفكرية " .
في هذا الزمن نجد من يجعل عقيدتنا وديننا في هذه الزاوية الضيقة زاوية الأنوثة في الطرح ، والإسلام في قفص الاتهام ، ونحن ندافع دفاعاً أنثويا هزيلاً لا يزيد على ترسخ الشبهة المطروحة .
لست أدعو إلى التشديد والتعنت والتعقيد والقبض هذا ليس من طبيعة أسلوب الدعوة ، ولكن أدعو إلى الهمة العالية ونبذ همة الكسلان ، أدعو إلى الجد والحسم والصراحة والفصل والمفاصلة فيما تجب فيه .
إننا إذا اعتبرنا كلمة الله هي الحق ـ وهي كذلك ولا شك ـ لم يكن لنا أن نحسب حساباً لأثر المواجهة مع كائن من كان ، وليس بفرض لازم كسب أولئك الناكبين عن جادة الطريق ومحاولة إقناع أنفسنا أن بيننا وبينهم أرضيات مشتركة يمكن أن نلتقي وإياهم في منتصف الطريق أو آخره .
لست أوجه الحديث إلى من لا يؤمن بديننا وإنما إلى المسلمين الذين لا يقيمون ما انزل إليهم من ربهم كما أمر ، حكاماً ومحكومين ، علماء ومتعلمين ، دعاة ومدعويين ، مفكرين ومُفكرٌ عنهم ، فدعوى الإسلام باللسان أو بالوراثة لا تفيد إسلاما ولا تعطي صاحبها إيماناً ، وليس لصاحبها صفة التدين في أي شريعة كانت .
إن الدين عند الله الإسلام نطقاً واعتقاداً وعملاً ، فلا يكون الدين راية ولا شعاراً ولا وراثةً ولا غير ذلك من شعارات كاذبة ، بل هو حقيقة تتمثل في الإعتقاد والعمل والقول .
هذه حقيقة يغفل عنها كثير من دعاة الفكر الأنثوي المحسوبين على الصف الإسلامي ، إنهم يغفلون أنهم وفكرهم ما قاموا بشيء وما بلغوا شيئاً يذكر ، بل ولا معشار ما بلغ من كان قبلهم ، إذ لا يكون تبليغ الدعوة وإقامة الحجة على المدعو إلا إذا بلغناه حقيقة الدعوة كاملة غير منقوصة ، ولا بد من أن يصف الداعية إلى الله ما هم عليه من خلل وتقصير وصفاً كاملاً كما هو في حقيقته بعيداً عن المجاملة والمداهنة ، ونائياً بنفسه عن الدخول في متاهة المصالح الموهمة التي لم يعتبرها الشرع والتي لا وجود لها إلا في ذهنه .
إن النأي عن الكتاب والسنة وتسريح العقول في مجال الدعوة الحاصل من أصحاب " الأنوثة الفكرية " وإحجامهم عن منهج السلف في التبليغ هو في الإسلام ، لا يعبر إلا عن خداع ومخادعة من يدعى إلى دين الله ، بل أذية للمدعو ما بعدها أذية ، لأنهم لم يعرفوه حقيقة الدعوة المطلوبة منه ، فيفاجأ بعد ردح من الزمن أنه يكفر وأن دمه وماله حلال للإسلام والمسلمين ، ناهيك أن الداعية لم يبلغ ما أمر الله به { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } بلغ ما انزل إليك لا ما استحسنه عقلك يا من تدعو إلى الله بزعمك .
وهذا التبليغ المطلوب منا لا بد أن يكون على ضوء { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين َ} وإن لم يكن كذلك فلا بلاغ إذاً وإنما خداع لأنفسنا يذكرني بطائر النعام .
الأنوثة الفكرية ؛
هي تلك الطبقة من العلماء والدعاة والمفكرين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا جانباً واحداً ! جانب اللين والخضوع ، وهم أولئك الداعون إلى اللين والتنازل ليس في الكلمة والفعل فحسب بل في الفكر والفكرة والطرح والبيان ، ليناً تمجه الإناث قبل الذكور .
هم أولئك الذين سرحوا عقولهم وخيالهم بعيداً عن نصوص الشرع ، بل تحرروا منها ومن دلالتها إلا فيما يخدم نحلهم و مصالحهم .
هم المجتهدون في مورد النص الشرعي ، وهم الثائرون على فقه وفهم السلف الصالح فقه الجمود والمحافظة كما يزعمون ، هم المفتاتون على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
هم اليائسون القانطون ، هم الذين نصبوا أنفسهم أولياء على الإسلام وأهله ، هم المضمدون للجراح على صديدها ، هم الحائرون والمنبهرون من هذه الحضارة الغربية وما وصلت إليه ، هم المعجبون برجل الحضارة الكافرة وحسن تعامله ، هم القائلون الغرب أخلاقه إسلام بلا مسلمين ، والمسلمون مسلمون بلا إسلام .
هم الداعون إلى إسلام الدراويش ، هم الذين يرون محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهم باردوا القلوب ، وهم الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورئاساتهم ، فلا مبالاة بما جرى على الدين ، هم من لو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه ، أو ماله بذل وتبذل ، وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة !
لقد دعاني إلى الكتابة عن هذا الفكر المنحط ، هو ما نراه جميعاً على المؤلفات المطبوعة ، وما نسمعه من ، وما نراه في صفحات الصحف ، والقنوات ، وساحات الإفتاء ، وشاشات الإنترنت ، فكل يكتب ، ويفتي في هذه المنتديات ، التي أشبه ما تكون بسوق عكاظ إلا صاحبة المناهج المضيئة ، فهذه حلقة فكرية وأخرى حوار ساخن وثالثة الرأي الآخر ، وليس ثمة شرط أو مؤهل في السماح بالكتابة ! سوي أن تعرف الإمساك بالقلم ، وإن لم تحسن فلتملي ، وليكتب المعتوه الذي عليه الباطل ، فإن كان ضعيفاً أولا يستطيع أن يمل فليملل ربيبه ونظيره في الهبوط !