من سيربح الغليون؟
لقي أبو الإلحاد أثناء سفره شابا متوقد الذكاء من عفاريت الشبيبة الإلحادية, إنه أحد الذين نغصوا عليه إقامته في العالم الإلكتروني, مع فارق ظاهر, فأولئك مجرد معرفات رقمية تسبح في عوالم افتراضية, لكنه يرى أمامه الآن مليحيدا حقيقيا غض الإهاب, من لحم ودم, فتملكه الفضول للتعرف على الزميل الصغير. وجده في القطار منكبا على حاسوبه الصغير, كانت أصابعه النحيفة تنقر الأزرار كأنها طير يلتقط الحب في خفة, أمهله حتى فرغ ثم استدرجه في الحديث في مكر بالغ, وحين أفضى إليه أخيرا بحقيقة معتقده داعبه قائلا: "مرحبا بك على الجزيرة المتنورة أيها الزميل" نظر إليه الشاب في استغراب فبادر أبو الإلحاد إلى انتهاز الفرصة الثمينة, وبدأ يستفسر رفيق سفره عن خبايا تصميم البرامج الإلكترونية, فهو وإن كان قد تدرب على بعض برامج التصميم فإنه لم يفلح قط في ردم الهوة السحيقة بين معلوماته النظرية وبين تطبيقاتها العملية.
خطر له شيء قد ينهي أيامه العجاف كملحد منبوذ, لقد قرر أن يطور مهاراته التقنية حتى يثبت لزملائه أنه رقم صعب في معادلة التنوير الافتراضي. بدأ حلم وردي يداعب خياله السوداوي, راودته فكرة تصميم برنامج يكون مفتاحا لعودته إلى عالم المنتديات اللادينية, يجب أن يكون برنامجه قنبلة بكل المقاييس تفتح له الطريق من جديد إلى منتديات "الجرب والجذام", إنه يريد شيئا مبتكرا فريدا, فماذا يكون ياترى؟ هل يصمم شجرة التطور بتقنية ثلاثية الأبعاد بحيث كلما نقر على فرع منها خرجت منه الحيوانات المتفرعة التي تطورت منه؟ كأن ينقر فتخرج الديناصورات تتبعها التماسيح ثم تتلوها القوارض والقرود. ربما استعان بالمؤثرات الصوتية التي اقتبسها من سلسلة "مغامرات السحلية والسعدان" التي يدمن مشاهدتها ولا يمل منها أبدا. إنه يعدها من روائع الفن الكرتوني العالمي.
لعل موضوع التطور أصبح يثير الملل, فليصمم برنامجا تثقيفيا حول منجزات أباطرة الإلحاد من لينين إلى بول بوت, تخيل بول بوت بملامحه الصفراء القاسية يعتلي جبلا من الجماجم البشرية, فتخلى عن هذه الفكرة, إنهم يعيروننا بأمثال هذا الزميل المتهور, لقد بالغ في سعيه لتسريع وتيرة التطور, هذا كل ما في الأمر, لقد أتعبه الانتظار ملايين السنين, فقرر اختصار المدة بوسائله الخاصة, لو نظرنا إلى القضية بتجرد علمي بعيد عن الرومانسية, لوجدنا أنه قام بتقديم بعض المساعدة لأمنا الطبيعة, فأخذ على عاتقه القيام بعملية تجميلية لوجه المجتمع بإزالة بعض العناصر الدنيا ليفسح المجال بعدها للانتخاب الطبيعي ليواصل عمله. إن الخصوم يبالغون في التشنيع علينا بإرث الزميل المتحمس, فهلا نظروا إلى مقاصده النبيلة, عجبا إنهم صدعوا رؤوسنا بكلامهم عن النيات والمقاصد, فليتأملوا برهة في مقاصد الزميل الكامبودجي. لكن المتغيرات الكونية لا تسمح الآن بتبجيل هذا الرفيق المناضل, فلنصبر ريثما تهدأ النفوس.
استرسل في تأملاته ثم نظر إلى الشاب فوجده غائصا في لعبة إلكترونية, فانفرجت أساريره وفغر فاه كمن عثر فجأة على شيء يفتقده, فربت على كتفه سائلا: "هل لديك خبرة في تصميم الألعاب" فأجابه دون أن يلتفت إليه:" طبعا ومن تظن صمم هذه اللعبة التي تراها؟ انظر إنها لعبة "بيغ بانغ سوبر دي لوكس تاور" لقد صممت عمارة من مائة طابق, في كل طابق مائة شقة, في كل شقة عشر غرف, في كل غرفة عشر أرائك, فضلا عن المطابخ والحمامات والمسابح, طبعا لك أن تتخيل كم تفننت في تصميم الأثاث الإيطالي الفاخر, كل ما يخطر على بالك موجود في عمارة "سوبر دي لوكس تاور", لو قدر لعمارتي أن ترى النور لخطفت الأضواء من برج العرب, ومن أبراج كوالا لومبور, لكني صممتها لغرض آخر, انظر هذا الزر الأحمر, تأمل الحروف اللاتينية "بانغ" أشار إليه ثم ضغط عليه ضغطة سريعة فسمع دوي انفجار, ثم قال: "هل رأيت كيف تستحيل "سوبر دي لوكس تاور" سديما كونيا متناثرا؟ انظر بنفسك." حدق أبو الإلحاد فإذا سحابة سوداء داكنة تملأ الشاشة, وتلاشت المكونات الإلكترونية للبنيان الافتراضي الباهر كأنها بهارات هندية ضلت طريقها بين أسنان مطحنة كهربائية صينية, "بهذه الضغطة تكون اللعبة قد بدأت, ويبدأ العداد الإلكتروني يحصي عليك المدة, عندها عليك أن تبدأ بضغط الزر الأخضر باستمرار, انظر إليه وإلى حروفه الجميلة: "بيغ", لقد صممت اللعبة حسب آخر داراسات نظرية "البيغ بانغ" وجعلت فرص الفوز متقاربة مع أدق الحسابات الفيزيائية لنشأة الكون, يعني, فوزك في هذه اللعبة أشبه بالمعجزة, ويعادل احتمال تكون جزيء بروتين بمحض الصدفة, لكن اللعبة لها هدف تربوي إلحادي, فمهما ضعف الاحتمال, فإنه حقيقة لا يتطرق إليها الشك والاحتمال." نظر إليه أبو الإلحاد بإعجاب وسأله: "لكن كيف تستمتع بلعبة لا يرجى فيها فوز؟" فأجابه الشاب في ثقة: "الفوز يحتاج إلى صبر ومثابرة أيها الزميل, ثم إنني حصلت على نتائج مشجعة وإن كانت نادرة, فقد ضغطت مرة "بانغ" فاندثر كل شيء, ثم عدت فضغطت "بيغ" صحيح إن العمارة لم تعد كما كانت, لكن المرحاض الفاخر كان هناك بكامل تفاصيله شامخا فوق كومة الغبار المتناثر كأنه يقول: "هائنذا أيها الزملاء!", هل تعي المغزى أيها الزميل, انفجار يعيد الحياة إلى مرحاض حديث بكامل أجهزته, حتى المرآة كانت هناك بدون خدش, طبعا أنابيب المجاري كانت تسيل, لكن ألا ترى معي إلى قيمة هذا النجاح الجزئي؟
نظر إليه أبو الإلحاد وتخيل أنه ينظر إلى نفسه قبل عشرين سنة, نظر إلى بريق عينيه وإلى حرارة الحماسة تسري في كلامه, فسأله: "عندي فكرة لعبة إلكترونية تضاهي لعبتك, لكني أحتاج لبعض التوجيه..." قاطعه الشاب: "هات فكرتك" فانطلق أبو الإلحاد كأنه يقرأ من كتاب: "إنها لعبة تجمع بين المحتوى التنويري وبين البعد الترفيهي, أريد أن أدخل البهجة إلى قلوب الزملاء في هذه الظروف العصيبة, وفي هذه المجتمعات الرجعية, حيث يتغلغل الإيمان, إنها لعبة من طراز: "من سيربح المليون" سأسميها "من سيربح الغليون" وتكون الجائزة الكبرى غليونا من عاج الماموت الأوكراني النادر المطعم بالذهب الأحمر, هذا لو قامت إحدى الشركات الإلحادية العظمى باحتضان المشروع, أريد أن تكون الأسئلة جولة لطيفة في أنحاء الفكر الإلحادي المتنور, يلعبها الصغير والكبير والمثقف والعامي والرجل والمرأة, لعبة تنير ظلمة البيوت الإلحادية, وتصلح لقضاء ليالي الشتاء الباردة, وتكون بديلا لبرامج القنوات الدينية, لعبة تحفز المجتمع المتنور على تنمية الثقافة العامة الإلحادية." قال له الشاب: "هذا من أهون الأشياء, لكن كيف تتصور الأسئلة؟" اعتدل أبو الإلحاد في مقعده, ومد بصره خارج النافذة كأنه يستلهم الأفكار من منظر أشجار الأكالبتوس الممتدة على طول الطريق, ثم أغمض عينيه وقال:
أيها الزملاء مرحبا بكم جميعا مع اللعبة الإلحادية الأولى: "من سيربح الغليون" أمامكم أحد عشر سؤالا, ولديكم ثلاث وسائل مساعدة: 1. تجاهل السؤال 2. القص واللصق 3. الاتصال بجوجل
السؤال الأول: واحدة من أكثر الأشجار انتشارا في أستراليا:
1.كلى البسوس, 2. أكالبتوس, 3. آكلة التيوس, 4. شجرة التطور.
السؤال الثاني: ما هي كنية الزميل الراحل جوزيف ستالين؟
1. أبو مطرقة, 2. أبو منجل, 3. أبو شنب, 4. أبو الهول.
السؤال الثالث: ما هو معرف مؤسس أكبر صفحة إلحادية على الفيس بوك؟
1.أبو حنتمة الملوخي, 2. التنين القطبي 3. العلامة اللاأدري 4. كلكامش الحكيم.
السؤال الرابع: الطبيعة أم الملاحدة فمن أبوهم؟
1. الصدفة 2. الطاقة 3. مجهول لا يعرف 3. لا أبا لهم فالطبيعة تلقح نفسها.
السؤال الخامس: ما اسم الحلقة المفقودة بين الشمبانزي والإنسان؟
1. سمك السلمون 2. ذبابة الليمون 3. البوكيمون 4. أبو قشة السعدان.
السؤال السادس: ما هو الشيء الذي لا يقدر عليه الإله الإلحادي وحش السباجيتي الطائر؟
1. أن يطير فوق بلاد السوشي 2. أن ينقلب إلى طبق محشي 3. أن يتصرف بشكل وحشي 4. أن يدنو من ديك حبشي.
السؤال السابع: ما هي هواية البروفيسور ريشارد "دونكي" المفضلة؟
1. مطالعة روايات هاري بوتر 2. التواصل مع الكائنات الفضائية 3. جمع الحلقات المفقودة 4. رتق الثقوب السوداء.
السؤال الثامن: فيم كان يفكر زميل "دونكي" صانع الساعات الأعمى طوال تلك السنين؟
1. متى سينتهي ليذهب إلى بيته؟ 2. كيف سيواجه المنافسة الصينية؟ 3. كم ستكلف الحملة الإشهارية؟ 4. أين سيقضي عطلته السنوية؟
السؤال التاسع: كم قردا نحتاج لكتابة "أصل الأنواع" في عشرين سنة؟
1. تريليون قردا 2. بليون قردا 3. مليون قردا 4. نحتاج قردا واحدا متطورا.
السؤال العاشر: ما هي أهم الحفريات التي تنقض نظرية التصميم الذكي؟
1. مشط آردي 2. خلخال لوسي 3. شظايا الانفجار الكمبري 4. حذاء إنسان بلتداون.
عندها فتح عينيه, فلم يجد أمامه أحدا, لقد جمع الزميل أغراضه واختفى, شعر أبو الإلحاد بضيق في صدره, لقد كان يهم أن يسأل زميله عن سؤال الغليون, أراد أن يسمع رأي غيره, فلا بد لسؤال كهذا أن يكون مدروسا بعناية, لكن الزميل رحل دون أن ينبس بكلمة, ربما اضطر لذلك حتى ينزل في المحطة التالية, وربما كان إلحاد أبو الإلحاد نسخة أثرية لا مكان لها في عالم الملاحدة الناشئين من الجيل الثالث أصحاب الهواتف الذكية, عندها وصل إلى مقصده فنزل من القطار يجر أذيال الخيبة...