خاطرة حول العلم والعلمانية..
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحببت الحديث عن الربط العجيب بين "نمو العلم وازدهاره" وبين "إقصاء الدين" وهذا الفهم "العبيط" منتشر في أذهان كثير من العلمانيين والملاحدة العرب على أنه حقيقة غير قابلة للجدل ، وأن الدين هو عدو العلم والعائق لتقدمه ، والعلمانية هي الكفيلة بتقدم العلم..
طبعا قد يطول نقاش هذا لكن سأنقل لكم نصا للدكتور عزيز العظمة (وهو مفكر علماني معروف) يرد فيه هذه الرؤية السقيمة، يقول:
(..نستنتج من ذلك أن الكنيسة لم تكن على صورة منهجية ولا كانت بالضرورة عائقا في وجه البحث العلمي ، وأن العلمانية ليست بالشأن المرتبط ضرورةً بالفاعلية العلمية).! كتاب "العلمانية من منظور مختلف ص 28"
فدعوى ضرورة إقصاء الدين لنمو العلم غير صحيحة ، وأضيف أنها دعوى متأثرة بالسياق التاريخي الغربي المسيحي بالذات ، فلا يصح إسقاطها على الإسلام..
وإذا تأملنا في الإسلام سنلاحظ أن علمائه ومتكلميه قد قدموا شيئين تميزوا بهما هنا عن الجمود الكنسي بالذات:
1- نقد للمضمون العقدي الديني المسيحي واليهودي (مثلا: التثليث ، التجسد ، التجسيم..الخ) ، وهذا مهم جدا فالدين
هنا يبرر وجوده بالحجة والبرهان لا بمجرد أنه دين ، في مقابل الجمود والتناقض في العقيدة المسيحية المحرفة التي مجرد تأويلها قد يقود صاحبه إلى حتفه..
2- تكامل العلاقة بين الدين والعقل (الفلسفة) والعلم ، فكلها تشترك في التأكيد على تكامل المعارف لا التنافر بينهما ، ولاحظ أن هذه المجالات لم تكن تعاني من مشكلة "حتى في العصور الوسطى"..!
أضف إلى ذلك أن باب "الاجتهاد" في صياغة العلاقة بين الدين والفلسفة والعلم في الإسلام مفتوح "بشروطه" للإبداع إلى هذا اليوم ، كما أن باب "الاجتهاد" في نقد "الاجتهادات" وتصحيحها كذلك ، لأن الميزان هو القرآن لا مجرد الرأي والاستحسان.
مثال ذلك انتقاد ابن تيمية لما قبله من المناهج كـ(توفيقية ابن سينا ، الأسباب عند المعتزلة والأشاعرة..الخ) وغير ذلك فكل مدع للاجتهاد عليه أن يأتي به بشروطه.
والمراد من ذلك بيانُ سعة الإسلام مقابل ضيق الفهم الكنسي..
لذلك أعتقد أن تعميم على كل دين لمجرد فشل الكهنوت المسيحي هو مغالطة كبيرة إن لم تكن تزويرا ، وأعتقد أن الإسلام والعلم ليس بينهما مشكلة بقدر ما تكمن المشكلة في المسلمين..
والله أعلم..
تحياتي للجميع ولا تحرموننا ملاحظاتكم وتصويباتكم :)
