خواطر عن حادث مروّع .. و الأقاويل حوله لا تقل ترويعاً
على إثر مراسلة لي قبيل زوال البارحة مع أحدهم حول موضوع يكسر الرأس من فرط شذوذه الفكري بلغني وقوع حادث مروّع على الشارع المحادي لمقر عملي و على مقربة مني بأمتار ، فتاة بعمر الزهور و لما تبلغ الرابع عشرة اسمها وصال حملَ عليها أحد المراهقين بدراجته النارية من نوع تي ماكس بما يشبه التفحيط عند المشارقة فكسر رأس الفتاة المسكينة و قتلها على الفور .. خرجت مسرعا إلى مكان الحادث أتقصى لأجد العشرات ملتفين حول الفتاة المقتولة و المصاب الذي تسبب في الحادث برعونته و دراجته التي لا تكاد ترى معالمها من قوة التصادم. و ما إن مرت دقائق على انتظار سيارة الإسعاف التي ستقلهما معا حتى بدأت الشائعات تنتشر كالنار في الهشيم عن إسم الفتاة و الولد و عن طبيعة الحادث و تفاصيله و هنا راعني حجم التناقضات بين المعلومات التي لا تَطابُق بينها مع أنني لم أجاوز مكان الحادث بعد و لم تمر عليه ربع ساعة، فقد اختلفوا في الفتى المتسبب في الحادث و الذي لم أره من شدة الزحام اختلفوا في حاله بين ثلاثة أقاويل : منهم من قال مات و من قال مغمى عليه و من قال فرّ هارباً ... !!
كما اختلفوا في إسمه و هكذا الفتاة التي رأيتها بأم عيني فمن قائل بيضاء البشرة و من قائل سمراء !
و بعد أن جاءت الإسعاف و حملت الفتاة التي يبدو بوضوح أنها فارقت الحياة اختلفوا فمن قائل ماتت بأرضها و قائل ماتت في الإسعاف و قائل ماتت في المستشفى. و هكذا الولد فقائل مات و قائل به إعاقة و قائل لا شيء به، كما اختلفوا في السبب الذي جاءت من أجله الفتاة إلى موطن الحادث فقائل كانت عند صويحباتها من بنات الإعدادية عند إحداهن لإجراء ساعات إضافية للدعم و قائل جاءت إلى المدرسة لأجل نشاط رياضي خاص بالملاعب ... !!
احترت فعلا في هذا السيل العرم من الأقوال المتضاربة و لم أدري أيها أصدّق و أيها أكذّب و كيف تضاربت إلى هذا الحد مع أنني في موقع الحدث فكيف لو جاوزته و ابتعدت أو كنت في مكان قصي !!
الخلاصة بعد أن بلغنا الخبر اليقين بموت الفتاة و راحت ضحية عبث و لهو مراهق على الطريق و بعد الدعاء بالرحمة لها و لأهلها بالصبر و السلوان، الخلاصة و المستفاد من هذه الفاجعة و توابعها أن من السذاجة بل من الحماقة اتباع الشاذ من الأخبار و ما لم يتفق الناس على خبره و تصديق عوام الناس للوهلة الأولى حتى و لو لم يكونوا فاسقين لنتبين من أخبارهم فهذا أول من يتضرر منه المصاب في الحادث نفسه قبل غيره،
و عامة الناس في هذا الزمان إذا ما استثنينا مخترع الكذبة و صانع الشائعة و هو بالتأكيد كذاب في ميزان الجرح و التعديل تجد هؤلاء العامة حمقى و مغفلين في تداولهم لأخبار عارية تماما من الصحة و تناقلها بكل ثقة و لما يستيقنوا منها ، فوجب لذلك التحقق من كل خبر يشاع على أرض الواقع بين الناس و من باب أولى في هذا العالم الإفتراضي المليء بالمجاهيل الذين لا تعلم بحالهم فضلا عن نواياهم و في زمان قلّ أن تتبين فيه حال أحدهم إلا بعد طول عشرة إلا ما رحم ربّي.
اللهم ارحم وصال و أسكنها فسيح جناتك و اهد بنات المسلمين و أولادهم سواء السبيل