موقف الإلحاد وتناقضه مع مبادئ العقل
الراقصون على النار
تحت عنوان الرقص على النار قرأت فى جريدة الأهرام قصة طريفة وقعت فى بعض الأسواق بمصر منذ حوالى عشر سنوات :
اخترق الشاويش حلق الجموع وركل الصفيحة بقدمة فى وجه النصاب ليظهر الموقد الكحولى و ليكتشف الجميع حقيقته الكتكوت التركى الرقاص الذى كان ينادى عليه ويبيعه بخمس جنيهات فى أحد الأسواق !!
لا بد لكل فكر من موقف يرتكز عليه إن أراد صاحبه أن يجعل له البقاء ضمن زمرة العقائد والمذاهب الفكرية لكن هل يمكن أن يوصف الإلحاد بأنه فكر له موقف ؟
لندع صغار الملاحدة وهباشيهم ممن يستدل على إنكار وجود الله واليوم الآخر بزواج النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة ، أو أن المتدينين أشكالهم غير عاطفية !! فهؤلاء مثلهم كمثل من يستدل على أن زيدا ليس موجودا بأن النملة تسير على ستة أرجل ، وأن المش حلو المذاق لأن العسل قىء حشرة شبيه بالصديد !!كل ما فى الأمر وما يمكن أن نستنبطه من فعل هؤلاء الهباشين أن الإسلام من وجهة نظرهم هو البديل الوحيد عن الإلحاد .. لنترك ذلك ولننتقل مباشرة إلى أدلة بعض ملاحدة الغرب المتمرسين يقول رسل: (( لا يوجد دليل على وجود إله أو عدم وجوده غير أننى على يقين من أنه غير موجود )) منتهى الدقة فى وصف موقف الإلحاد ؛ ففضلا عن إلغائه لكل أدلة السابقين له واللاحقين ومن لا علم له بأدلتهم بجرة قلم كنوع من وضع الرأس العنيد فى الرمال فهو يعترف بجلاء أن ليس للملحد دليل وأنه فى أحسن الأحوال يتبع انعدام الدليل لكنه مع ذلك موقن فبماذا نفسر ذلك إلا إذا كان نوعا من الكذب بدوافع الكبر أو أن الله تعالى قد طبع على قلبه وإلا فما الذى يمنعه من سوق ما تحصل له به ذلك اليقين (حاول رسل فى بعض كتبه تبرير إلحاده ولكنه لم يخرج فيه عن تبرير رفضه لدين النصارى ووقع فيه فى الكثير من الأخطاء المنهجية لا تليق برجل مثله ).
لندع الآن مسألة الكذب بدوافع الكبر أو الطبع على القلب نتيجة لارتكاب جريمة الكفران وإنكار الحقيقة الكبرى ودعونا نسأل الملحد هذا السؤال : هل أنت موقن بإلحادك أم شاك فيه ؟
وقبل أن يتسرع ويقول إننى لا أعترف بوجود اليقين أصلا ولا عقيدة لى ولا مذهب على طريقة الملاحدة فى التهويش والسفسطة سنقول له إن من يعادى أحد المرشحيْن للرئاسة ويسبه ليل نهار ويؤلب الناس عليه ويسعى لتصفية أوليائه وموالاة أعدائه... لمجازف بكل ما تحمله كلمة المجازفة من معنى فكيف بمن يجازف بمصيرة وبالخلود فى نار لا يموت فيها ولا يحيا ومن لا محيص له حينئذ ولا مفر ولا منجى ولا نصير مع عدم وجود الدافع فليست تكاليف الإيمان ولا ثمرات الإلحاد حتى عند أشد الناس انحرافا عن الفطرة بتلك التى تجعل الإنسان يجازف بكل ذلك ولا حتى بلحظة واحدة فى نار جهنم .. هذا طبعا مع التسليم بأننا نتحدث عن أناس عقلاء يدرون لكلمهم معنى وأسوياء لا يسعون عامدين لتدمير أنفسهم .
فلم يبق إذن إلا أن يكون الملحد موقنا ، وعليه أن يكون كذلك، لكن اليقين ليس بالتمنى وله ثمن هو الدليل ولا دليل لدى الملحد ؛ فأى موقف هذا الذى يقفه الملحد لا يقين والشك يأباه !! إنه أشبه بالكتكوت التركى الرقاص الذى يرقص على النار لا قدم له تستطيع الوقف لا قدم اليقين ولا قدم الظن لا لشىء سوى أنه اختار تلك الأرض المصطنعة التى أرادها له النخاسون الخناسون من شياطين الإنس والجن .