مع د.عمرو الشريف في نظرية التطور!!
(وليعلم من يريد أن يعلم: من رجلٍ أسلسَ للعصبيةِ المذهبيةِ قيادَه، حتى ملكت عليه رأيَه، وغلبته على أمرِه، فحادت به عن طريق الهدى، أو من رجلٍ قرأ شيئًا من العلم فداخَلَه الغرور، إذ أعجبته نفسُه، فتجاوز بها حدّها، وظنّ أنّ عقله هو العقل الكامل، وأنه الحكم لتُرضى حكومته، فذهب يلعب بأحاديث النبي، يصحح منها ما وافق هواه وإن كان مكذوبًا موضوعًا، ويكذّب ما لم يعجبه وإن كان الثابت الصحيح، أو من رجلٍ استولى المبشرون على عقله وقلبه، فلا يرى إلا بأعينهم، ولا يسمع إلا بآذانهم، ولا يهتدي إلا بهديهم، ولا ينظر إلا على ضوء نارهم يحسبها نورًا، ثم هو قد سمّاه أبواه باسمٍ إسلاميّ، وقد عدّ من المسلمين أو عليهم في دفاتر المواليد وفي سجلات الإحصاء، فيأبى إلا أن يدافع عن هذا الإسلام الذي أُلبِسه جنسيةً ولم يعتقده دينًا، فتراه يتأول القرآن ليخضعه لما تعلّم من أستاذِيه، ولا يرضى من الأحاديث حديثًا يخالف آراءهم وقواعدهم، يخشى أن تكون حجتهم على الإسلام قائمة!! إذ هو لا يفقه منه شيئًا، أو من رجلٍ مثل سابقِه إلا أنّه أراح نفسه، فاعتنق ما نفثوه في روحه من دينٍ وعقيدة، ثم هو يأبى أن يعرف الإسلام دينًا أو يعترف به، إلا في بعض شأنه، في التسمّي بأسماء المسلمين، وفي شيءٍ من الأنكحة والمواريث ودفن الموتى، أو من رجلٍ مسلمٍ عُلم في مدارسَ منسوبةٍ للمسلمين، فعرف من أنواع العلوم كثيرًا، ولكنه لم يعرف من دينه إلا نزرًا أو قشورًا، ثم خدعته مدنية الإفرنج وعلومهم عن نفسه، فظنّهم بلغوا في المدنية الكمال والفضل، وفي نظريات العلوم اليقين والبداهة، ثم استخفّه الغرور، فزعم لنفسه أنّه أعرف بهذا الدين وأعلم، من علمائه وحفظته وخلصائه، فذهب يضرب في الدين يمينًا وشمالًا، يرجو أن ينقذه من جمود رجال الدين، وأن يصفيه من أوهام رجال الدين!! أو من رجلٍ كشف عن دخيلة نفسه، وأعلن إلحاده في هذا الدين وعداوته، ممن قال فيهم القائل "كفروا بالله تقليدًا"!، أو من رجلٍ ممن ابتليت بهم الأمة المصرية في هذا العصر، ممن يسميهم أخونا النابغة الأديب الكبير كامل الكيلاني "المجددينات" .. أو من رجلٍ أو من رجلٍ ..
ليعلموا هؤلاء كلهم، وليعلم من شاء من غيرهم، أن المحدِّثين كانوا محدَّثين ملهمين، تحقيقًا لمعجزة سيد المرسلين، حين استنبطوا هذه القواعدَ المحكمة لنقد رواية الحديث، ومعرفة الصحاح من الزّياف، وأنّهم ما كانوا هازلين ولا مخدوعين، وأنّهم كانوا جادّين على هدى وعلى صراطٍ مستقيم، فكانت تلك القواعد التي ارتضوها للتوثق من صحة الأخبار، أحكم القواعد وأدقها، ولو ذهب الباحث المتثبت يطبقها في كلّ مسألة لا إثبات لها إلا صحة النقل فقط، لآتته ثمرتها الناضجة، ووضعت يده على الخبر اليقين، وعلى ضوء هذه القواعد سار علماؤنا المتقدمون في إثبات مفردات اللغة وشواهدها، وفي تحقيق الوقائع التاريخية الخطيرة، ولن تجد من ذلك شيئًا ضعيفًا أو باطلًا، إلا ما أبطلته قواعد المحدثين، وإلا فيما لم ينل العناية بتطبيقها عليه).
(مقدمة أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه الله لتحقيق سنن الترمذي).
يتبع إن شاء الله..