إنَّ الخلود في هذه الحياة الدُنيا ليس هدفاً للمسلم، وليس غاية يُسعى لتحقيقها، فالمسلم يعتبرها دار امتحان ومعاش وعبادة؛ وهي دار ممر إلى حياة الخلود التي لا يموت الإنسان فيها ولا يشقى، فعقيدة المسلم أنَّ الإنسان قد وُجدَ في هذه الحياة الدنيا فترة من الزمن ليعبد الله ويُقدسه، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[ 1]
أمّا فكرة "الصراع" فهي فكرة استعمارية كافرة نشأت وأنشأت في عصر النهضة الاستعمارية، تلك النظرية التي تعتمد على القوة كوسيلة لغلبة القوي على الضعيف، فهي شريعة الغاب التي سادت في الحروب الاستعمارية وانطبعت فيها العقلية الجاهلية.
والصراع لغلبة القوي على الضعيف هي فكرة مادية لا أخلاقية، تهدف إلى الاستيلاء على موارد الغير بالقوة والعنف، وبسبب حمل المجتمعات الجاهلية لتلك الفكرة كانت الحروب العالمية والثورة الفرنسية، كما كانت السبب في ظهور الفاشية والنازية والشيوعية والقومية؛ ولنفس السبب قامت الحروب الصليبية وغزواتها على بلاد المسلمين. وبهذا المنطق احتلت روسيا الشيوعية أفغانستان المسلمة.
وما الحرب التي دارت رحاها حديثاً، ولا تزال آثارها ومصائبها إلى اليوم وفي هذه اللحظات على أرض الإسلام من أراضي الخليج العربي والتي أسموها "حرب الخليج" أو "عاصفة الصحراء" أو "حرب تحرير الكويت"، والتي قادتها قوى الكفر والشر بقيادة رأس معسكر إبليس الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصليبية الكافرة مثل رؤوس الكفر والحقد بريطانيا وفرنسا، إلا صراع لتحقيق غلبة القوي المتغطرس المتمثل في الدولة العظمى الأولى وحليفاتها، على الضعيف المحدود القوة المتمثل في العراق، للاستيلاء على خيرات وموارد بلا د المسلمين، ولإجبار المسلمين على الخنوع لصلف وغطرسة الكفرة. ومما يعزز هذا ما نراه من تصرفات حاقدة بعد أن وضعت الحرب أوزارها، المتمثلة في استغلال اسم "هيئة الأمم" و "مجلس الأمن" وما يسمى بِ "الشرعية الدولية" لتركيع وتجويع شعب العراق المسلم وإذلاله، وقتل الشيوخ الرّكع والأطفال الرّضع والبهائم الرّتع، وإهلاك الزرع والحرث والنسل. يُساندهم في ذلك كل قوى الشر والكفر والعدوان في شرقي العلم وغربيه على اختلاف مللهم ونحلهم وعقائدهم!!!!
وعلى إثر تفجيرات يوم الثلاثاء المشهود 11/09/2001، في مدن نيويورك وواشنطن الأمريكيتين، هذا الحادث الذي أظهر عجز الدولة العظمى عن حماية بلادها ورعاياها، وكشف البرقع الشفاف من الجبروت والخيلاء الذي يخفي هوان وعوار تلك الدولة العظمى وقلة حيلتها، فقام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "بوش الإبن" بالسير على نهج وسلف وجبروت أباه، وبأسلوب رعاة البقر الشائع في أمريكا Cowboy، فأعلنها حرب صليبية حاقدة كافرة ضد الإسلام والمسلمين، بادعاء محاربة الإرهاب، فجَيَّشَ الجيوش وحَشدَ الحُشود، وجمع دول "أصحاب الفيل" في تحالف آثم حقود ضمّ دول الصليب الحاقد جميعاً من بريطانيا إلى فرنسا إلى إيطاليا ألذي استعرض حاكمها عضلاته واستغلها فرصة لمهاجمة حضارة الإسلام، وبقية دول الصليب بلا استثناء، كما ضم هذا التحالف الكافر دول الكفر الأخرى كروسيا الأرثوذكسية واليابان الوثنية، وقد قام هذا التحالف أيضاً باسم "الشرعية الدولية" وضم فيه معظم الدول القائمة في العالم الإسلامي عرباً وعجماً بمن فيهم حاكم السودان صاحب العمامة البيضاء والذي أوهم سذج ورعاع الأمة يوماً أنّه إمام المسلمين وخليفتهم!!! ومن شابه منهم أبو جهل وأبو لهب وأبو رغال وأرناط وشاور، والهدف المُعلن كان مكافحة الإرهاب ولقتل الشيخ أسامة بن لادن رئيس تنظيم القاعدة، للشك بلا دليل ثابت في اشتراكه في تدبير الحادث اللهم إلا الظن والهدف الحاقد، ولمعاقبة دولة أفغانستان لحمايتها له. ومما يثبت كذب ادعائهم هذا إعلان كبرائهم استمرار الحرب لمدة طويلة، وإعلانهم أنها ستطال شعوب ودول ومنظمات وجمعيات عدة كلهم عرب ومسلمين، وتهديدهم كل دول العالم بأسلوب هوليودي بأن من لم ينضم معنا فهو مع الإرهاب!!!
وصب أصحاب الفيل جام غضبهم على أصحاب العقيدة والمبدأ، وأمطروهم خلال مدة تقارب الشهرين بل تزيد، بوابل من حمم النار والقنابل المدمرة على اختلاف أنواعها، المحرمة في قوانينهم وغير المحرمة على السواء، تصبها عليهم أحدث الطائرات الحربية، والمنطلقة من مطارات وقواعد حربية في بلاد المسلمين، فدمروا البلاد، وهدموا المساجد والمصحات، وقتلوا الأطفال والشيوخ والجياع العراة، وشردوا الناس الذين هاموا على وجوههم في الفيافي والقفار هاربين من البلاء إلى الضياع، وارتكبوا كل أنواع المنكرات، وقاموا بأبشع أنواع الإرهاب الذين يدعون محاربته، وكشفوا عن مكنون الغل والحقد الذي تخفيه نفوسهم. حتى امتد غلهم وحقدهم إلى مواطنيهم من حملة الجنسية الأمريكية من المسلمين فاعتدوا عليهم بالقتل والسجن والتعذيب ومصادرة الأموال وتحريق البيوت وكشف عورات النساء، وكل ما يعد مخالفاً لقوانينهم ومبادئهم، وداسوا الحرية الشخصية للأفراد أمام صنمهم المعبود "تمثال الحرية".
والهدف الحقيقي لهذه الحملة الصليبية الحاقدة الكافرة والتي قادها رعاة البقر، هو بسط سيطرتهم وجبروتهم على مدن العالم الإسلامي، لاستغلال مواردهم ونهب خيراتهم، وسرقة أموالهم، (وقد فعلوها علانية بتدخلهم في ودائع الأشخاص والهيئات في بنوك العالم، ومصادرة ما يشاءون منها خلافاً لقوانينهم وتشريعاتهم، قوانين الصليب والغاب وقوانين رعاة البقر، واعتداءا ًصارخاً على الملكية الفردية). وللحيلولة بين هذه الأمة الكريمة وبين نهضتها وبعثها من مرقدها. إنّه الصراع بين الحق والباطل.
وأخيراً قيام إمبراطورية الشر "الولايات المتحدة الأمريكية" وحليفاتها بتاريخ 20/3/2003م بشن حرب صليبية غاشمة على العراق ومن ثم احتلاله بالكامل يوم 9/4/2003م واستعماره بعد معركة صبوا بها جميع أنواع وحمم الأسلحة المتطورة الفتاكة من قنابل إنشطارية جهنمية وصواريخ محتوية اليورانيوم المنضب والغير منضب على السواء، فدمروا البلاد وقتلوا العباد ومثلوا بجثثهم، ونهبوا الخيرات وأهلكوا الحرث والنسل، وروعوا الناس، وهتكوا الأعراض، وعاثوا في البلاد الفساد، يساندهم سراً وعلانية جميع دول الصليب الأوروبية بما في ذلك فرنسا وألمانيا وروسيا علاوة على بريطانيا وأسبانيا واستراليا... كما شاركهم وساعدهم في ذلك صراحة كل المحافل السياسية العالمية ومنها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسكرتير عام الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ووفود الدول العربية في الأمم المتحدة، وحجتهم في ذلك عن "أسلحة الدمار الشامل" التي ليس لها وجود!!!!
لم تعتمد صراعاتهم مبدأ عدل يسعون لنشره، أو إصلاحاً يعملون لتحقيقه، أو دعوة حق يحملون لوائها، بل من أجل المادة والاستعمار والتسلط، والتحكم في مصائر البشر ومصادر رزقهم وعيشهم، واستغلالهم ونهب أموالهم وموارد بلادهم وخيراتها.
[وأصل فكرة الصراع هي نظرة التفكير الرأسمالي بالعيش، وما صاغ به الحياة الإنسانية كلها من صياغة معينة، تُري ما جلبت هذه الصياغة للحياة الإنسانية كلها من شقاء وتعاسة، وجعل الإنسان يقضي حياته كلها يركض وراء الرّغيف. وكيف جعلت العلاقات بين الناس علاقات خصام دائم، هي علاقة الرّغيف بيني وبينك آكله أنا أو تأكله أنت، فيستمر بيننا الصراع حتى ينال أحدنا الرّغيف ويحرم منه الآخر، أو يعطي أحدنا ما يبقيه ليوفر باقي الرّغيف للآخر ويزيد من خبزه. فنظرة واحدة لهذه الصياغة التي صاغها التفكير الرأسمالي للحياة تُري كيف جعلت الحياة الدنيا دار شقاء وتعاسة، ودار خصام دائم بين الناس. وذلك بأنّ التفكير الرأسمالي بالعيش، وإن كان قد بناه على فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، أي وإن كان بناه على فكرة كلية أي نظرة معينة في الحياة، فإنّه وإن حقق نهضة الشعوب والأمم التي سارت على هذا الطراز من التفكير بالعيش، فإنّه أشقى تلك الشعوب والأمم، وأشقى الإنسـانية بأجمعها. فهو الذي خلق وأوجد فكرة الاستعمار والاستعباد والاستغلال. وهو الذي أتاح لأفراد أن يعيشوا في مستوى هيأ لهم أن يأخذوا الرسائل التي تأتيهم على طبق من ذهب يقدمه إليهم الخدم، أي العبيد، وحرم أفراداً حتى من أن يكونوا خدماً وعبيداً لأبناء عائلاتهم أو عشيرتهم أو أمتهم يستطيعون أن ينعموا بفضلات العيش وفتات الموائد. وفي أمريكا الغنية المتغطرسة، وإنجلترا التي لا تزال تحلم بأمجاد الإمبراطورية المتناهية الأطراف، وفي فرنسا التي يسبح خيالها بسراب العظمة والمجد، نماذج عديدة من تلك الحياة، فضلاً عما فعلته فكرة الاستعمار والاستغلال في غير أوروبا وأمريكا من استعباد ومص دماء. وكل هذا إنّما كان لأنّ التفكير بالعيش ليس تفكيراً مسؤولاً، أي ليس تفكيراً فيه المسؤولية الحقيقية، حتى وإن كانت تظهر فيه أحياناً المسؤولية عن العائلة والعشيرة أو القوم أو الأمة، ولكنه في حقيقته خالٍ من المسؤولية، لأنه ليس فيه إلا ما يضمن الإشباع][2 ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[*]منقول: موسوعة الخلق والنشوء، حاتم ناصر الشرباتي، الصفحات ( 355-361)
http://www.sharabati.org
[1 ] الذاريات: ( 56 ).
[2] النبهاني – الشيخ تقي الدين، كتاب " التفكير " صفحه ( 78 - 79 ).
يتبع بحول الله >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>