دوران الشمس حول الأرض و ظاهر القرآن و الأحاديث
كثيرا ما أطالع لدى تصفحى لمواقع التواصل الاجتماعى أو المنتديات مواضيع أو مادة مرئية متداولة تتناول فرية ينسبها البعض للشيخ عبد العزيز بن باز المفتى السابق للمملكة العربية السعودية مفادها أن الرجل يفتى بكفر القائلين بكروية الأرض و بدورانها حول الشمس، وأنا وإن كنت لست من مريدى الشيخ، فإن الحق أحق أن يتبع ونفى هذه الفرية عن الرجل واجب، وهو بنفسه قد رد عن نفسه هذه الفرية إلا أن الرد ليس متداولا بقدر تداول الفرية ذاتها وأنا أذكر رده ههنا إحقاقا للحق ومنه انطلق إلى موضوع المقال ، فيقول الشيخ رحمه الله و غفر له (نقلا عن الموقع الرسمى للشيخ) : أما ما نشرته عني مجلة " السياسة " نقلا عن البيان الذي كتبه كتاب وأدباء التجمع التقدمي في مصر من إنكاري هبوط الإنسان على سطح القمر وتكفير من قال بذلك، أو قال إن الأرض كروية، أو تدور، فهو كذب بحت لا أساس له من الصحة، وقد يكون الناقل لم يتعمد الكذب ولكن لم يتثبت في النقل، ومقالي مطبوع ومنشور وقد أوضحت فيه الرد على من أنكر هبوط الإنسان على سطح القمر، أو كفر من صدق بذلك، وبينت أن الواجب على من لا علم لديه التوقف وعدم التصديق والتكذيب حتى يحصل له من المعلومات ما يقتضي ذلك. كما أني قد أثبت في المقال فيما نقلته عن العلامة ابن القيم رحمه الله ما يدل على إثبات كروية الأرض، أما دورانها فقد أنكرته وبينت الأدلة على بطلانه ولكني لم أكفر من قال به، وإنما كفرت من قال إن الشمس ثابتة غير جارية؛ لأن هذا القول مصادم لصريح القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة الدالين على أن الشمس والقمر يجريان. اهـ
و اذا افترضنا جدلا أن ظاهر القرآن أو السنة يشير إلى جريان الشمس حول الأرض كالحديث الذى فى صحيح البخارى عن أبى ذر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم. وكذلك الإشارة لها فى القرآن بأنها تطلع و تغرب ونحو ذلك فهل حقا يعتبر هذا مناقضا لحقيقة الأمر أو حتى ما انتهى إليه علم البشر؟ و الجواب على ذلك قطعا بلا و ما يلى تفصيله.
"كل شىء فى السماء يتحرك بالنسبة لكل شىء آخر . فالأرض تدور حول الشمس، و الشمس بدورها تجرى بشكل أسرع بكثير من القطار فائق السرعة نحو نقطة ضمن كوكبة هرقل، و النجوم " الثابتة " تهرول ذهابا و جيئة .... فعندما تسافر من مكان لآخر على سطح الأرض فأنت تقول بأن القطار هو الذى يتحرك و ليس محطات القطار لأن الأخيرة تحافظ على علاقاتها الطوبوغرفية إحداها بالأخرى، و بالبلاد المحيطة بها.أما فى علم الفلك فمن التعسف أن تحدد أيهما القطار وأيهما المحطة : ولا تتحدد هذه المسألة إلا بالاتفاق المحض و لمجرد الاصطلاح.
و من المثير للاهتمام بهذا الخصوص أن نعقد مقارنة بين أينشتين و كوبرنيكس. فقد كان الناس قبل كوبرنيكس يعتقدون أن الأرض ساكنة و أن السماء تدور حولها مرة كل يوم، و ذهب كوبرنيكس إلى أن الأرض تدور حقا مرة كل يوم وأن الدوران اليومى للشمس و النجوم دوران ظاهرى فحسب، و تبنى جاليليو و نيوتن هذا الرأى .... أما فى النظرية الحديثة (نظرية النسبية) فإن الخلاف بين كوبرنيكس و أسلافه مجرد اختلاف اصطلاحى. فكل حركة نسبية ولا خلاف ثم بين الأمرين : "الأرض تدور مرة كل يوم" و "السماء تدور مرة حول الأرض كل يوم" . هذان الأمران يعنيان شيئا واحدا بعينه، تماما مثل القول بأن شيئا ما طوله ستة أقدام أو ياردتان. وعلم الفلك أيسر إذا أخذنا الشمس على أنها ثابتة بدلا من الارض. أما أن ندعى لموقف كوبرنيكس أكثر من ذلك فهذا يعنى أن نفترض أن الحركة مطلقة و هذا من جملة الأوهام. فكل حركة هى حركة نسبية و النظر لجسم ما باعتباره ساكنا هو أمر يأتى بالاتفاق و كل هذه الاتفاقات مشروعة على حد سواء وان لم تكن على نفس القدر من اليسر". ( ما بين علامات التنصيص نقلا عن كتاب برتراند راسل ABC of Relativity صفحة 14).
فاستنادا لما سبق فسيان أن نقول بأن الشمس تشرق و تغرب و القول بأن الأرض تدور حول محورها وما ينشأ عنه من تعاقب الليل و النهار و أن العبرة فى نهاية الأمر بمناسبة هذه الصيغة أو تلك لحال المستمع وغرض المتكلم وأيهما من الأيسر القول به . والذى يحاوله من يطعنون فى القرآن أو السنة بدعوى مخالفتهما للعلم فى هذا الشأن هو فى حقيقته محاولة لتحكيم مفاهيم بالية عفى عليها الزمن، ويريد أن يحيلنا لا إلى ما انتهى إليه علم البشر فى عصرنا بل ما انتهى إليه علم علماء عصر النهضة الأوروبية باعتباره حقيقة لا يتسرب إليها الشك!
