دلالة قوله تعالى:
{وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
[سورة النحل: 44]
و((الذِّكْر)) المقصود في الآية الكريمة هو القرآن الكريم.. أنزله الله عز وجل على نبيِّه (ص) وطلبَ منه تبليغه للناس وتبيينه لهم عند إبلاغهم إيَّاه.. ولو كان المراد مجرد التبليغ لم يكن ليأمره ببيانه.. لأن التبليغ غير البيان.. فالتبليغ كالبريد تماما.. رجل ينقل رسالة من مكان إلى مكان.. ولا شأن له بما في داخل الخطاب.. ولا يجلس للمرسل إليه يُفسر ويبين له ما بداخل الرسالة.. وإنما يبلغه إياها .. ثم ينصرف... ويقوم المرسل إليه بعد ذلك بفتح الخطاب الذي أعطاه إياه ساعي البريد.. والاطلاع على ما فيه.. وفهمه.. فإن عجز عن فهم بعض ما فيه استدعى من يقدر على ذلك.. أو اتصل بالراسل ليستفهم منه.
وهذا شبيهٌ بمن تسلم خطابا من ساعي البريد وهو لا يجيد القراءة.. فربما طلب من الساعي قراءة الخطاب له.. وربما أخذ الخطاب وذهب لبعض الجيران المجيدين للقراءة ليفسروا له المكتوب... فقراءة الجيران له تقوم مقام البيان.. وهي كما نرى في هذا المثال العامي البسيط جدا غير التبليغ.
الآية التي معنا في هذه المرة تتحدث عن بيان قام به النبي (ص) يأمره الله عز وجل أن يبين القرآن للناس.. والمقصود أن يبين لهم معاني القرآن.. وأحكامه وحدوده.. وحلاله وحرامه.. وغير ذلك من التشريعات والأحكام الموجودة بالقرآن الكريم.. لأنه أعلم الخلق به.. فعليه نزل.. وهو وحده الذي التقى بأمين الوحي جبريل عليه السلام.. وفهم منه المعنى المراد من آيات الله عز وجل.. فهو وحده القادر على فهم القرآن الكريم.. وبيانه وحده أتم البيان وأكمله.
وبيان النبي (ص) هو سُنَّتُه.. فهي التي بيَّن فيها النبي (ص) القرآن .. وفسَّرَه لهم.. بأحسن تفسير .. وأكمل بيان.
قال الطبري في (تفسير) 1: 73 – 75:
((قال الله جل ذكره وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [سورة النحل: 44]، وقال أيضًا جل ذكره: { وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [سورة النحل: 64]، وقال: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ } [سورة آل عمران: 7].
فقد تبين ببيان الله جلّ ذكره:
أنّ مما أنزل الله من القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، ما لا يُوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه ونَدْبِه وإرْشاده-، وصنوفِ نَهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعضَ خَلْقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آية، التي لم يُدرَك علمُها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمَّته. وهذا وجهٌ لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويلَه بنصٍّ منه عليه، أو بدلالة قد نصَبها، دالَّةٍ أمَّتَه على تأويله.
وأنّ منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار. وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقاتٌ لا يعلم أحدٌ حدودَها، ولا يعرف أحدٌ من تأويلها إلا الخبرَ بأشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه. وبذلك أنزل ربُّنا محكم كتابه فقال: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [سورة الأعراف: 187]. وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئًا من ذلك، لم يدلّ عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجّال: إنْْ يخرجْ وأنا فيكُم، فأنا حَجِيجُه، وإن يخرجْ بعدي، فالله خليفتي عليكم" وما أشبه ذلك من الأخبار -التي يطُول باستيعابها الكتاب- الدالّةِ على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده علمُ أوقاتِ شيء منه بمقادير السِّنين والأيام، وأن الله جل ثناؤه إنما كان عرَّفه مجيئه بأشراطه، ووقَّته بأدلته.
وأن منه ما يعلم تأويلَه كلُّ ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامةُ إعرابه، ومعرفةُ المسمَّيات بأسمائها اللازمة غيرِ المشترَك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإنّ ذلك لاَ يجهله أحدٌ منهم. وذلك كسامعٍ منهم لو سمع تاليًا يتلو: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ } [سورة البقرة: 11، 12]، لم يجهلْ أنّ معنى الإفساد هو ما ينبغي تركهُ مما هو مضرَّة، وأن الإصلاحَ هو ما ينبغي فِعله مما فعلهُ منفعةٌ، وإنْ جَهِل المعانيَ التي جعلها الله إفسادًا، والمعانيَ التي جَعلها الله إصْلاحًا. فالذي يعلمه ذو اللسان -الذي بلسانه نزل القرآنُ- من تأويل القرآن، هو ما وصفتُ: مِنْ معرفة أعيان المسمَّيات بأسمائها اللازمة غيرِ المشترَك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيآتها التي خص الله بعلمها نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فلا يُدرَك علمُهُ إلا ببيانِه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه)).
وقال الطبري 1: 89:
((إنّ من تأويل القرآن ما لا يُدرك علمُه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جُمَلِ ما في آيه من أمر الله ونَهْيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمَلٌ في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرَك علمُ تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك مما تحويه آيُ القرآن، من سائر حُكْمه الذي جعلَ الله بيانه لخلقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا يعلم أحدٌ من خلق الله تأويل ذلك إلا ببيان الرّسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتعليم الله إيَّاه ذلك بوحْيه إليه، إما مع جبريل، أو مع من شاء من رُسله إليه...
ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثرَ بعلم تأويله، فلم يُطلعْ على علمه مَلَكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
فأما ما لا بُدَّ للعباد من علم تأويله، فقد بيّن لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له بوحيه مع جبريل. وذلك هو المعنى الذي أمره الله ببيانه لهم فقال له جل ذكره: { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [سورة النحل: 44].
ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنه كان لا يفسر من القرآن شيئًا إلا آيًا بعَددٍ- هو ما يسبقُ إليه أوهامُ أهل الغياء، من أنه لم يكن يفسّر من القرآن إلا القليل مِن آيِهِ واليسير مِن حروفه، كان إنما أُنزلَ إليه صلى الله عليه وسلم الذكرُ ليَترك للناس بيانَ ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أُنزل إليهم)).
وقال الإمام ابن كثير في (تفسيره) 1: 4
((فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن قال الله تعالى: {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء :105].
وقال تعالى: { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [سورة النحل: 44].
وقال تعالى: { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل :64].
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يُتْلَى القرآن.
وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى [الرسالة 85] وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك)).
وقول الشافعي السابق: ((كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن)) يعني به: ما لم يرد في القرآن الكريم ولم ينزل به الوحي قبل فِعْله.. فهذا أيضا في الحقيقة مأخوذٌ من القرآن بالدلالة والإشارة.. فهو بهذا مما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.. وليس مخالفا لكتاب الله.. وهذا القسم وإن لم ينزل به الوحي قبل فِعْله إلا أنه صار في حكم الوحي بإقرار الوحي له.. ولو كان خطأ لنزل الوحي بتصحيحه.. كما حدث ذلك في واقعة أسارى بدر وغيرها.. بخلاف واقعة تأبير النخل التي أشرت إليها في مقال سابق فهي من أمور الدنيا.. ولذلك لم ينزل الوحي بتصحيح حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وقال القرطبي في تفسيره 10: 98:
(({ وأنزلنا إليك الذكر } يعني القرآن { لتبين للناس ما نزل إليهم } في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك فالرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة وغير ذلك مما لم يفصله وقد تقدم هذا المعنى مستوفى في مقدمة الكتاب والحمد لله)).
وقال الشوكاني في (فتح القدير) 2: 164:
((قوله : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } أي ما أغفلنا عنه ولا ضيعنا فيه من شيء والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث وقيل إن المراد به القرآن : أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين إما تفصيلا أو إجمالا ومثله قوله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } وقال : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله : { ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل حكم سنه الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز بهذه الآية وبنحو قوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } وبقوله : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ومن في { من شيء } مزيدة للاستغراق قوله : { ثم إلى ربهم يحشرون })).
وقال الشوكاني أيضا 3: 234:
(({ وأنزلنا إليك الذكر } أي القرآن. ثم بَيَّنَ الغاية المطلوبة من الإنزال فقال : { لتبين للناس } جميعا { ما نزل إليهم } في هذا الذكر من الأحكام الشرعية والوعد والوعيد {ولعلهم يتفكرون } أي إرادة أن يتأملوا ويعملوا أفكارهم فيتعظوا)).
وقال البغوي في تفسيره 1: 21:
(({ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } أراد بالذكر الوحي وكان النبي صلى الله عليه مبينا للوحي وبيان الكتاب يطلب من السنة)).
وفي (الوجيز) للواحدي 607:
(({ وأنزلنا إليك الذكر } القرآن { لتبين للناس ما نزل إليهم } في هذا الكتاب من الحلال والحرام والوعد والوعيد)).
وقال ابن الجوزي في (زاد المسير) 4: 450:
((قوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر وهو القرآن بإجماع المفسرين لتبين للناس ما نزل إليهم فيه من حلال وحرام ووعد ووعيد)).
ونجد معاني البيان في (مفردات القرآن للراغب الأصفهاني)170:
((بان - يقال : بان واستبان وتبين نحو عجل واستعجل وتعجل وقد بينته . قال الله سبحانه : { وقد تبين لكم من مساكنهم } [ العنكبوت / 38 ] { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } [ إبراهيم / 45 ] و { لتستبين سبيل المجرمين } [ الأنعام / 55 ] { قد تبين الرشد من الغي } [ البقرة / 256 ] { قد بينا لكم الآيات } [ آل عمران / 118 ] و { لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } [ الزخرف / 63 ] { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل / 44 ] { وليبين لهم الذي يختلفون فيه } [ النحل / 39 ] { فيه آيات بينات } [ آل عمران / 97 ] وقال : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات } [ البقرة / 185 ] . ويقال : آية مبينة اعتبارا بمن بينها وآية مبينة اعتبارا بنفسها وآيات مبينات ومبينات.
والبينة : الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة وسمي الشاهدان بينة لقوله عليه السلام : ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) ( الحديث أخرجه البيهقي 8 / 279 والدارقطني 3 / 111 ولمسلم : ( البينة على المدعي ) وليس فيه : ( واليمين . . . ) ( انظر : صحيح مسلم رقم 1171 ) وقال النووي في أربعينه : حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا وبعضه في الصحيحين وأخرجه الدارقطني بلفظ : ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة ) وفيه ضعف وله عدة طرق متعددة لكنها ضعيفة انظر : كشف الخفاء 1 / 289 ) وقال سبحانه : { أفمن كان على بينة من ربه } [ هود / 17 ] وقال : {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة } [الأنفال / 42 ] { جاءتهم رسلهم بالبينات} [الروم / 9 ]
والبيان : الكشف عن الشيء وهو أعلم من النطق لأن النطق مختص بالإنسان ويسمى ما بين به بيانا . قال بعضهم : البيان على ضربين :
أحدهما بالتسخير وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار الصنعة
والثاني بالاختبار وذلك إما يكون نطقا أو كتابة أو إشارة
فمما هو بيان الحال قوله : { ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين } [ الزخرف / 62 ] أي : كونه عدوا بين في الحال . { تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين } [ إبراهيم / 10 ] . وما هو بيان بالاختبار { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ... بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل / 43 - 44 ] وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاله نحو : { هذا بيان للناس } [ آل عمران / 138 ]
وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا نحو قوله : { ثم إن علينا بيانه } [ القيامة / 19 ] ويقال : بينته وأبنته : إذا جعلت لهه بيانا تكشفه نحو : { لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل / 44 ] وقال : { نذير مبين } [ ص / 70 ] و { إن هذا لهو البلاء المبين } [ الصافات / 106 ] { ولا يكاد يبين } [ الزخرف / 52 ] أي : يبين { وهو في الخصام غير مبين } [ الزخرف / 18 ])).
فإذا كان معنى البيان يستلزم الشرح والتفسير وتفصيل المجمل.. وغير ذلك من معانيه.. التي دَلَّ عليها القرآن الكريم .. كما مضى في كلام الراغب الأصفهاني في (مفردات القرآن).. فهذا كله يعني أن بيان النبي (ص) الذي قام به: هو شرح وتفسير آيات القرآن الكريم وتفصيل مجملها.. وبيان أحكامها.. والمراد منها.. والكشف عن معانيها... إلى آخر ما دلَّتْ عليه معاني البيان في القرآن الكريم.
وهذا كله يستلزم أن يكون هذا البيان للمعنى المراد.. وهذا التفصيل للمجمل.. وغير ذلك من أنواع البيان.. التي لابد وأن تكون معصومة... لأن الله عز وجل قد أمر نبيه (ص) بالبيان للناس.. كما أمر الناس جميعا بطاعته (ص) كما سبق الكلام عليه في فيما سبق في هذا الموضوع... وهذا كله يستلزم أن يكون بيانه r معصوما من الخطأ.. ولا معصوم من الخطأ إلا الوحي الإلهي الذي أنزله الله عز وجل من لدنه على من شاء من عباده... فدلَّ هذا أيضا على كون السنة النبوية جزء من الوحي الذي أوحاه الله عز وجل لنبيه r لكنه وحيٌ غير متلوٍّ.. بخلاف الوحي المتلوّ والمتعبد بتلاوته وهو القرآن الكريم.