"من بين الصلب والترائب" ..بين دعاوى الإشكال والاقتباس والإعجاز العلمي!
"يخرج من بين الصلب والترائب!"
بين دعاوى الإشكال والاقتباس والإعجاز العلمي!
كتبه: حسام الدين حامد
"وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)"
إنّها تلك السماء الوسيعة المظلمة الغامضة يمر بها النجم الثاقب فيكشف وينير ويدل، وإنّها هذه النفس البشرية المتشعبة المبهمة المستترة يكون عليها حافظٌ فيكشف ويرتّب ويكتب .. وإنّه ذلك الماء الجاري الذي خرج من بين العظام الصلبة الثابتة فتكون منه الحياة، فلا تعجب أن يُرجع الله الإنسان يسعى بعد أن دُفن ميتًا في بطن الأرض، ولكن لا تخلط فقد كان في الدنيا قويًّا بعقله يخطط ويحفظ الأسرار، وقويًّا ببدنه، وقويًّا بجماعته وبني جنسه، لكن في الرجعة الآخرة، ستبلى السرائر، وليس ثمّ قوةٌ ولا ناصر .. وإنّها تلك السماء التي ينزل منها المطر، وهذه الأرض التي تنشق للنبتة الضعيفة، ومع ذلك فالسماء منيعة تقطع أمل النفس في الإحاطة بها، وحقيقة التعرض لها والإحاطة بها هي حقيقة النادر الذي يثبت القاعدة، والأرض صلبة تمد صلابتها نفوس البشر بطول الأمل في البقاء، يستعمرها الإنسان ويبني ويحفر ويشق لكنّه يعلم أنّ بقاؤه مرتهنٌ ببقائها، فكذلك هذا القول وهذا الكتاب، وما به من غياث الرحمة، وآمال الرجاء، وحلاوة اللفظ، والاقتراب من النفس، إلا أنّه قولٌ فصل، ليس بهزل، لا قِبل لكيد هؤلاء به، والوقت بيننا وبينهم! الوقت بيننا وبينهم ليعلموا نبأ الحافظ على النفس، ونبأ البعث، ونبأ القول الفصل! فأمهلهم رويدًا!
فمن ذا الذي لا يبكي انقطاعَ الوحي من السماء؟! الوحي الذي يختصر ويُبيّن، ويوضّح ويمثّل، ويعِد ويتوعّد، ويشبِّه ويحترز، ويردُّ ويعلِّم، في لفظٍ أخّاذ، ووقعٍ جذّاب، يأسر الفكر ليعتقه، ويملك العاطفة ليطلقها، ويشد السمع فلا يتركه، من ذا الذي لا يبكي انقطاع الوحي من السماء!؟