عون الودود في بيان الأدلة العقلية على وجود الله واجب الوجود
عون الودود في بيان الأدلة العقلية على وجود الله واجب الوجود
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فقد يخطر على بعض من أمنوا خطرات كفرية ، و هو لا يشعر ، وهذا من علامات الإيمان فالشيطان إنما يدخل القلوب المؤمنة كي يفسدها عن إيمانها من نشكيك المؤمن في ربه وهل فعلا الله موجود أم لا ؟ و إذا كان الله موجودا فمن أوجد الله فلكل موجود موجد ؟ و ربما يواجه المسلم بعض الملاحدة فيشوشون عليه إيمانه إذا كان قليل البضاعة في العلم بشبه كالجبال في عين الجهال ، و لو أعمل العقل قليلا لبان له ضعفها و فسادها عن إفسادها فحتى لا يغتر أحد بها ، و يتضح له عوجها كان هذا السفر الذي أسميته : عون الودود[1] في بيان الأدلة العقلية على وجود الله[2] واجب الوجود سائلا الله التوفيق والسداد .
[1] - الودود من أسماء الله عز وجل ، و الودود مأخوذ من الود ، وهو خالص المحبة ، وهي بمعنى : واد ، و بمعنى : مودود ؛ لأنه عز وجل محب و محبوب .
[2] - الله اسم علم يطلق على الذات الإلهية ، ومعناه المألوه أي المعبود محبة وتعظيما
الأدلة العقلية على وجود الله
الأدلة العقلية على وجود الله
الأدلة العقلية على وجود الله كثيرة جدا و أول هذه الأدلة حدوثك أيها الإنسان فكل حادث لا بد له من محدث فهل أوجدت نفسك أيها الإنسان بنفسك أم هناك من أوجدك أخلقت من غير شيء أم خلقت نفسك بنفسك ؟ أما كونك خلقت من غير شيء فغير الشيء هو العدم ؛ لأن العدم لا شيء و ما دام العدم لا شيء فكيف يخلق اللاشيء شيئا أي كيف يخلق العدم شيئا ،و هو عدم وفاقد الشيء لا يعطيه ؟ !!! ، وكيف تكون خلقت نفسك بنفسك ، وأنت كنت عدما و العدم لا يخلق شيئا وفاقد الشيء لا يعطيه ؟!! فلا بد أن يكون هناك خالق خلقك كي تنتقل من العدم للوجود ، و الانسان الذي هو في غاية الكمال والتمام ، كان نطفة ثم علقة ثم مضغه ثم لحما ودما ، و الدليل الثاني على وجود الله : هذا العالم الذي أنت فيه تجده في تغير بمعنى أن العالم يكون في حالة و ينتقل إلى حالة أخرى و عندما ينتقل العالم من حالة إلى أخرى فإما أن تنعدم الحالة الأولى أو أن لا تنعدم ، وإذا لم تنعدم الحالة الأولى لزم أن تكون الحالة الأولى باقية فيلزم أن لا يكون في العالم تغير فتتعين أن تنعدم الحالة الأولى لذلك العالم ممكن الوجود ، فلو كانت الحالة الأولى واجبة الوجود لما انعدمت فتعين أن تكون ممكنة الوجود ، وممكن الوجود مفتقر إلى واجب الوجود ؛ لأن الممكن يفتقر إلى مرجح و لو كان المرجح ممكن كذلك لأفتقر إلى مرجح مما يفضي للتسلسل ، والتسلسل باطل لإفضائه لنفي الصانع فلابد من وجود موجود واجب الوجود هو الخالق لهذا العالم هذا العالم الممكن الوجود ، وتغير العالم لابد له من مغير ، وهذا المغير هو خالق العالم ، هذا العالم لم يكن فكان وله نقطة بداية فلابدله من مبتديء ؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه و العالم لم يكن أي كان عدما فكان أي أصبح موجودا فمن الذي جعل العالم من حيز اللا وجود للوجود إذ لا بد لتحويل العالم عن حاله السابقة من محول و مؤثر يفرض عليه هذا الوضع الجديد و ينسخ حاله القديمة ، وأنت أيها الإنسان لم تنقل نفسك من حال إلى حال ؛ فأنت في حال كمال قوتك وتمام عقلك لا تقدر أن تحدث لنفسك سمعا ولا بصرا ولا أن تخلق لنفسك جارحة فدل ذلك على أنه قبل تكاملك واجتماع قوتك وعقلك كنت عن ذلك أعجز لأن ما عجزت عنه في حال الكمال ففي حال النقصان تكون أعجز ،و ليست الذي نقلت نفسك من الطفولة للشباب للكهولة فلا بد أن يكون لك ناقلا نقلك من حال إلى حال ودبرك على ما أنت عليه لأنك لا يجوز أن تنتقل من حال إلى حال بغير ناقل ولا مدبر ، و الدليل على أن الإنسان لم ينقل نفسه من حال الشباب إلى حال الكبر والهرم أن الانسان لو جهد أن يزيل عن نفسه الكبر والهرم ويردها إلى حال الشباب لم يمكنه ذلك فكيف يقال أنه هو الذي نقل نفسه من الطفولة للشباب للكهولة ، لا تستطيع نقل نفسك من حال إلى حال فكيف بانتقال هذا العالم من حال إلى حال ألا يدل انتقال العالم من حال إلى حال على وجود الله الخالق القدير ؟!!! ،و إن قيل سبب هذا العالم أن هناك ذرات ساكنة ثم تحركت وتكثفت واتحدت فنتجت هذا الكون نقول و من الذى أوجد هذه الذرات ؟ ومن الذى حركها من السكون؟ ومن الذي جعلها تتحد ؟و هل شهدت خلق السماوات و الأرض كي تقول هذا الكلام ؟ و إن قيل إن الكون بدأ بخلية واحدة فى الماء نتيجة تفاعلات كيماوية نقول ومن الذى أوجد هذه التفاعلات لتصنع هذه الخلية ؟ و هل شهدت خلق السماوات و الأرض كي تقول هذا الكلام ؟ و الدليل الثالث على وجود الله : انتظام هذا لكون فتجد المطر لا يستطيع أن يمتنع عن الأرض فتنعدم الحياة ويهلك الناس ،و الأرض لا تستطيع أن تمتنع عن إنبات الزرع و ما رأينا يوما اختلال نظام الكون و ما رأينا يوما تعطل الشمس أو سقوط نجم من السماء على الأرض كل هذا يدل على وجود خالق قدير يحفظ نظام هذا الكون ، ولهذا التنظيم من منظم ،و إذا كان العقل يحيل انتظام عمل مصنع من المصانع دون منظم لهذا المصنع فكيف بهذا الكون الشاسع ؟!! و مثال آخر هذا القطن لا يجوز أن يتحول غزلا مفتولا ولا ثوبا منسوجا في غاية الجمال بغير صانع ولا ناسج ومن اتخذ قطنا فانتظر أن يصير غزلا مفتولا ثم ثوبا منسوجا في غاية الجمال بغير صانع ولا ناسج كان مجنونا فكيف بمن يقول أن هذا العالم بما فيه من الجمال أزهار في غاية الروعة و حيوانات في غاية الجمال و سماء في غاية الصفاء ليس له خالق بل الصدفة ،و لا يمكن أن يكون الخالق هو الصدفة فالصدفة لا يمكن أن تصنع طيارة ورقية فكيف بهذا العالم ؟!! ، هل الصدفة يمكن أن تفتح بابا مغلقا فكيف بهذا الكون الشاسع ؟ ، و الدليل الرابع على وجود الله : اتقان العالم فنحن نرى الكون سماءا و أرضا , وما بين السماء والأرض من مخلوقات ابتداءا من المجرة إلى الحشرات. نرى أجزاءها وجزئياتها مخلوقة بأحسن اتقان , وأتقن تدبير و أحسن صنع , وأبدع تصوير , و لابد لهذا التدبير من مدبر فكل اتقان لابد له من متقن ، و متقن هذا العالم هو الله الخالق القدير و هل يصدق العقل وجود كرسي متقن في صنعته غاية الاتقان بغير صانع حاذق ؟!! ، وإن قالوا الصدفة هي سبب هذا الخلق المبدع نقول لهم المصادفة لا تنشىء نظاما دقيقا كنظام الكون الذى لم يختل رغم مرور ملايين السنين .
بطلان قول الملاحدة الله غير موجود لعدم رؤيتنا له
بطلان قول الملاحدة الله غير موجود لعدم رؤيتنا له
قول الملاحدة الله غير موجود لعدم رؤيتنا له قول في غاية السقوط إذ لا يستلزم عدم رؤيتنا لله عدم وجوده فلا يشترط وجود الفاعل مع الفعل في نفس المكان كي يبقى الفعل فالإنسان قد يستطيع التحكم في الفعل و إنشاء الفعل عن بعد فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق سبحانه من باب أولى ، أيضا لا تشترط الرؤية الحسية للأشياء للحكم على الأشياء بالوجود فهذا الهواء لا تراه مع أنه لازم لححياتنا و إذا انعدم الهواء متما ، وهذا العقل الذي نفكر به لا نراه و إذا فقد منا صرنا مجانين و هذه الأرواح التي فينا لا نراها و إذا نزعت منا متنا ،و أيضا العجز عن رؤية الشيء لا تستلزم عدم وجوده ، وليس كل ما لا يدرك يصح نفيه فالجاذبية لا نراها مع أننا إذا رمينا شيئا من مكان مرتفع وقع على الأرض و المغناطيسية لا نراها مع أنا إذا قربنا حديدة من مغناطيس أو مغناطيس من مغناطيس رأينا الانجذاب بينهما ،و لم نر المغناطيسية و هذا المصباح يضيء و الكهرباء فيه مع أننا لم نرها فإذا انقطعت الكهرباء انطفأ المصباح .
الله موجود و المخلوق موجود
الله موجود و المخلوق موجود
الله موجود أي متصف بصفة الوجود التي تختص بما هو كائن ثابت لا بالمعدومات ، والمخلوق موجود أي هو كائن ثابت لكن المخلوق سبقه انتفاء الوجود أي سبقه العدم أي كان بعد أن لم يكن ، والمخلوق كما أنه سبقه العدم فأيضا يلحقه العدم فالمخلوق بعدما يكون موجودا يموت وينتفي عنه صفة الوجود أي بعدما كان أصبح لم يكن ، والله كان ولا شيء قبله أي ليس قبله عدم و هو كائن ولا شيء بعده أي لا يلحقه عدم ، وبذلك لا يشبه الله جميع الموجودات فجميع الموجودات سبقها العدم ويلحقها العدم .
لكل موجود موجد أوجده إلا الله
لكل موجود موجد أوجده إلا الله
لكل موجود موجد أوجده إلا الله ،و مقولة كل موجود يحتاج إلى موجِد هذه المقولة في حق المخلوقات لا في حق خالقها ؛ لأن الوجود نوعان :
وجود ذاتي : يوصف الشيء بأنه موجود ، ولم يوجده أحد ، وهذا هو الوجود الذي يوصف الله تعالى به ، ولا يكون لأحد سواه .
وجود غير ذاتي : أي وجود الشيء بغيره أي الشيء موجود ، ولكن أوجده غيره ، وهذا هو الوجود الذي يوصف به جميع المخلوقات ، فالله تعالى هو الخالق وحده ، وكل ما سواه مخلوق .
و قد يتردد على الذهن بعض الوساوس ألا و هي مادام لكل موجود موجد فمن أوجد الله ؟ ، وهذه الوسوسة يغني فسادها عن إفسادها إذ فيها جمع بين نقيضين كون الله خالق خلق الأشياء من عدم أي وجود المخلوقات مفتقرة إليه فهو واجب الوجود و ما دونه ممكن الوجود و كون الله مخلوق يحتاج وجوده لوجود غيره ، وما كان وجوده مفتقر لغيره فيستلزم أن يكون واجب الوجود ممكن الوجود ،و النقيضان لا يجتمعان ،و الخالق لو كان له من أوجده فكيف يكون مخلوقا وخالقا ؟ !!! ، و هذا السؤال يفضي إلى التسلسل ، وهو محال عقلا ؛ لأننا إذا أجبنا على سؤال من خلق الله ؟ بالقول : إنه خالق آخر، فسوف يرد نفس السؤال على الخالق الآخر، فيقال من خلق الخالق الآخر ، ثم هذا الخالق الآخر من خلقه ثم هذا الخالق خالق الخالق الآخر من خلقه و هكذا إلى ما لا نهاية، و بهذا نكون قد نفينا الخالق، و قلنا بتسلسل علل لا نهاية لها ، و قلنا بالدوران[1] ، و العقل يبطل مثل هذا السؤال إذ أن العالم ممكن الوجود ؛ لأن العقل يتصور وجود هذا العالم و عدم وجوده أي يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد و ممكن الوجود مفتقر إلى واجب الوجود ؛ لأن الممكن يفتقر إلى مرجح و لو كان المرجح ممكن كذلك لأفتقر إلى مرجح مما يفضي للتسلسل ، والتسلسل باطل فلابد من وجود موجود واجب الوجود ،ومادام الله واجب الوجود فلا يكون له من أوجده بعد أن لم يكن فالله كان و لم يكن شيء معه ، و أيضا لا يصح أن يقاس العالم الحادث على الله خالق العالم القديم الأزلي الذي لا أوّل له ، فلا يصح أن يشتركا بناءً على ذلك في حكم هو من خصائص أحدهما ، و أيضا العدم لا يخلق شيئا ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، و العالم مخلوق فلا بد له من خالق قبله و لابد أن يكون الخالق موجودا ولا يصح في العقل تصور عدمه إذ العدم لا يخلق شيء وأي تساؤل عمن أوجده لا يكون إلا بتشبيه الخالق الأزلى القديم بالمخلوقات ؛ لأن المخلوقات أصلها العدم ثم الوجود ، وكيف نشبه الخالق كمال الصفات بالمخلوق ناقص الصفات ، و أيضا الخالق واجب الوجود بذاته لا يمكن بحال من الأحوال أن يتصف بصفات تستلزم أن يكون حادثاً ؛ لأن واجب الوجود لا يكون ممكن الوجود .
[1] - الدوران توقف الشيء على ما يتوقف عليه .
لا يليق سؤال من خلق الله بالله
لا يليق سؤال من خلق الله بالله
لا يليق سؤال من خلق الله بالله إذ الخالق لا يخلق ، فكونه خالقا يستلزم ألا يكون مخلوقا ، و كيف نشبه الخالق كمال الصفات بالمخلوق ناقص الصفات و هل المصنوع يوافق الصانع في الصفات ، هل كاتب القصة يشبه القصة ، و هل صانع الكرسي يشبه الكرسي و هل صانع الكوب يشبه الكوب ؟!!! ،وكون الله واجب الوجود يستلزم ألا يكون ممكن الوجود ،فوجوب الوجود و إمكان الوجود نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ؛ لأن وجوب الوجود يستلزم الوجود دائما، و إمكان الوجود تستلزم احتمالية الوجود و احتمالية العدم ، والوجود والعدم نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ،و كون الخلق يفتقرون إلى الله ، و لو كان الله يفتقر إلى غيره للزم التسلسل إلى ما لا نهاية و بالتالي لا يوجد خالق للخلق ، و الخلق فعل و الفعل لا بد أن يكون له فاعلا ،و عدم وجود خالق للخلق يستلزم ألا يوجد فاعل للفعل وهذا باطل .
العلاج النبوي الشافي من مرض السؤال عمن خلق الخالق
إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا يقربنا إلى الله إلا و أمرنا به ، و لم يجد شيئا يباعدنا عن الله إلا ونهانا عنه ، و لأن الوساوس يمكن أن تبعدنا عن الله فقد دلنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن العلاج الشافي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله و لينته[1] ، و قال أيضا : لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله[2]و أما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فليستعذ بالله ولينته ) فمعناه : إذا عرض للإنسان هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك حتى لا يقع في شبهة توقع في نفسه شيئا ، ولا يستطيع ردها ، و ليعلم الإنسان أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها ؛ لأن وسوسة الشيطان ليس لها انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليقل آمنت بالله ورسله ) فمعناه إذا عرض للإنسان هذا الوسواس فليقل أنه مؤمن بالله وبما أخبر به الرسل عن الله بأنه الأول فليس قبله شيء ، و الآخر فليس بعده شيء ، وكيف يقال من الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله ، ومن هو الذي بعد الشيء الذي لا شيء بعده قال تعالى : ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[3]
[1] - رواه البخاري في صحيحه .
[2] - رواه مسلم في صحيحه .
[3] - الحديد الآية 3