الزميل الفاضل محي الدين هداك الله..
ما سألت عنه حول عدم تعريف لفظ (أحد) في سورة الصمد ورأيك في فقدانها عنصر الاستغراق ليس بصائب، ذلك أن الاستغراق المستفاد من دخول لام التعريف محله في الجنس لا العين، كما في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وقوله (ومن شر النفاثات في العقد) وقوله (قل أعوذ برب الناس) وقوله (إن الفجار لفي جحيم)، فالتعريف هنا أفاد الكثرة والاستغراق لأنه تعلق بالجنس، وهو جنس الرجال والنساء والناس... إلخ.
أما الآية الكريمة فهي تتحدث عن عين وهو الله عز وجل، فلو جاء لفظ (أحد) معرفًا لما أفاد الاستغراق، بل أفاد التعيين، كما في قوله: (وهو السميع البصير) وقوله (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول).
أما عن سؤالك عن رد الآية على النصارى المثلثين فإن الرد عليهم موجود في الآية دون دخول لام التعريف، وهذا الرد ماثل في انتقاء كلمة (أحد) بدلاً من (واحد)، فلم يقل (قل هو الله واحد)، ولو قالها لرد على المشركين والوثنيين، أما في قوله (قل هو الله أحد) فقد شمل هذا اللفظ المسيحيين أيضًا، يقول ابن سينا في تفسير كلمة (أحد): (إن (أحد) دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلاً، لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول، ولا كثرة حسية وهي كثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة. والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم، وذلك متضمن لكونه سبحانه منزها عن الجنس والفصل، والمادة والصورة، والأعراض والأبعاض، والأعضاء والأشكال، والألوان، وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل على أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء. وتبيينه: أما الواحد فمقول على ما تحته بالتشكيك، والذي لا ينقسم بوجهه أصلاً أولى بالواحدية مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي لا ينقسم انقسامًا عقليًا أولى بالواحدية من الذي ينقسم انقسامًا بالحس بالقوة ثم بالفعل، فأحد جامع للدلالة على الواحدية من جميع الوجوه وأنه لا كثرة في موصوفه).
فالأحد منزه عن الأبعاض والأجزاء، وهذا رد على النصرانية القائلة بالتثليث الأقنومي.
لاحظ كيف اختلف اللفظ في سورة الصافات عندما قال: (إن إلهكم لواحد)، ولم يقل: (إن إلهكم لأحد)، لأن سياق الكلام يتحدث عن كفار مكة وليس النصارى، كما أنه قام بتأكيد الكلام مرتين بـ(إن) واللام، لأن الكلام في سياق الإثبات والاحتجاج، فأتبعه بقوله (رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق)، حيث استدل على وحدانيته بدليل العناية والانتظام، ولو كان هناك إله واحد لفسدت السماوات والأرض.
أما في سورة الصمد فليس هناك داع لتأكيد الوصف في حق الله لأن السورة نزلت جوابًا لسؤال قريش للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قالوا: صف لنا ربك.
فإن كنت تبحث عن رد الآية على النصارى ففيها رد قائم، ولا علاقة له بالتنكير والتعريف، وإنما في اللفظ. فلفظ (أحد) صفة مشبهة مثل حسن، وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتي، فلذلك أوثر (أحد) هنا على واحد لأن واحد اسم فاعل لا يفيد التمكن. وهذا من إعجاز اللفظ في الآية الكريمة.
واستمكالاً للموضوع نتكلم عن جانب النظم، وهو تنكير لفظ (أحد) بدلاً من تعريفه، فالفائدة الزائدة التي خرجت بها الآية هو تفخيم الله وتعظيمه، ذلك أن التنكير يفيد التفخيم والتعظيم إذا كان الموصوف معروفًا، كما في قوله (هذا بيان للناس)، ولو قال: (قل هو الله الأحد) لسقط هذا التفخيم.
ثم إن أصل الكلمة هو التنكير، ولا تُعرَّف إلا لسبب، وقد سُبقت كلمة (أحد) بمبتدأ وخبر معرفين هما (هو الله)، فلا حاجة لتعريفها، ها قد جاءت على أصل الكلام.
أما تعريف الصمد في قوله (الله الصمد) فقد تناسق مع المبتدأ والخبر المعرفين في الآية السابقة (هو الله).
Bookmarks