القرآن بالنسبة للمسلمين هو الخطاب الإلهي الذي حوى المنهج الرباني وأي منهج نظري إلهيا كان أو غير إلهي يظهر أثره بتطبيقه.
ولأتجاوز معك ولأسم هذا الافتقار إلى التطبيق حاجة قرآنية فهل تطبيق النظرية ينقص من قدرها أم يظهر كمالها وصحتها أو بتعبير آخر هل التمنهج بالقرآن وإنزال مبادئه على واقع الناس ينقص من قدره أو هو دليل على حاجته إلى غيره ؟
دعوى لا تستساغ عقلا فمتى كان تطبيق النظرية دليلا على نقصانها وما فائدتها بلا تطبيق ؟
فالقرآن كامل من حيث كونه نظرية ومنهجا ودستورا ونظاما إلهيا.
والسنة النبوية هي المثال الحي والأنموذج الأمثل لتطبيق المنهج القرآني على حياة الناس وواقعهم ، فما قامت به السنة هو التطبيق للمنهج الرباني تعبدا وسلوكا.
ظهر ذلك جليا في الصلاة وأركانه وهيئاتها ، والحج ومناسكه ، والزكاة وأنصبائها ن وفي الصوم وكيفيته.
وبدون السنة محال معرفة ذلك.
وظهر ذلك جليا في الاستشكالات التي وقعت للصحابة في فهم النص الكريم على حقيقته في بعض المواضع.
فعندما ينزل قول الله سبحانه:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82
يفزع الصحابة قائلين: وأينا لم يظلم نفسه ؟
فالصحابة فهموا أن المقصود مطلق الظلم الذي يعني مجاوزة الحد بما يشمل صغير الذنب وكبيره.
ومن لكشف الحقيقة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال لهم:
ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح:{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13 فبين لهم أن الظلم المقصود هنا هو الشرك بالله – والعياذ بالله –
وتتبدى الحاجة إلى السنة من قبل المجتمع في نزوع الصحابة رضي الله عنه إليه صلى الله عليه وسلم سائلين إياه عما يعتريهم في حياتهم من جزئيات تفرضها الحياة اليومية وكان يتسع صدره لأسئلتهم ويراعي ظروفهم فيعلمهم برفق ويرشدهم بحب وإن تجاوز بعضهم معه في هيئة السؤال كما كان يفعل الأعراب.
فالشاهد أخي الحبيب أن السنة هي رمز تفاعل الوحي مع المجتمع
ولك أن تقول أن ما بين دفتي المصحف هو القرآن النظري
والرسول صلى الله عليه وسلم بسلوكه وأخلاقه وتعبده وتفاعله مع الناس وتعايشه معهم وصبره عليهم وحلمه معهم وإرشاده المستمر لهم هو القرآن العملي.
وقد أجملت السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك كله في وصفها للمصطفى صلى الله عليه وسلم فقالت: " كان خلقه القرآن "
فكان صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض.
أخي الحبيب:
إن معايشة المنهج واقعا ضرورة تفرضها حياة الناس وتفاعل المنهج مع واقع الناس يحسب له لا عليه.
دعني أذكر لك شيئا يدني منك مفهوم تفاعل المنهج مع حياة الناس
القرآن الكريم كلام الله الأزلي وهو قديم غير حادث وهو كتاب مسطور في لوح محفوظ كامل غير منقوص ورغم هذا لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة.
بل نزل منجما وكثير من آياته كانت تنزل جوابا لسؤال أو بيانا لحكم في واقعة فيما يعرف – تجاوزا - بأسباب النزول وفي الواقع ما هي إلا مناسبات للنزول أو بتعبير آخر هي الظروف الملائمة للنزول رغم قدم النص وحدوث الظرف أو المناسبة أو السبب.
لكن تخيل أنك في مشكلة فتنزل آيات من الكتاب العزيز حلا لهذه المشكلة ن هكذا يتم التفاعل بين النص الكريم والمجتمع المخاطب بهذا النص.
وكيف يتم ذلك كله إلا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الذي يمشي على الأرض ؟
أنظر على النصارى مثلا لوقوعهم في مازق ألوهية المسيح البشر ادعوا أن ما نزل على الأرض هو أحد أقانيم الإله المكون من ثلاثة أقانيم ويسمونه أقنوم الابن الذي نزل وأكل وشرب مع الناس وعذب وصلب ومات وقام
كل هذا الفلم الأسطوري ليظهروا أن إلههم قد تفاعل معهم فبذل ابنه الوحيد وأذاقه ما يذوق البشر ليحس بآلامهم وأحاسيسهم
دعاهم ذلك إلى يرتفعوا بالمسيح عليه السلام درجة الألوهية ويهبطوا بالألوهية درجة البشر.
هل أدركت الفرق؟
أكتفي بهذا في هذه المداخلة حذرا من الإطالة والإملال
Bookmarks