سأنقل الآن ملخصًا - جزى الله من قام به خيرًا - يساعد في فهم موقف السلف من أهل البدع و المخالفين :
الجزء الأول :
إن الانحرافات البدعية إنما تكون – في الغالب – من باب الشبهات، والشبهات أمراض معدية يجب التوقي من الإصابة بها فـالقلوب ضعيفة والشُبَه خطافة.
وليس من دأب المسلمين الموقنين بما أنزل الله على رسوله، الذين هم على بصيرة من أمرهم أن يتتبعوا الشبهات وأن يجعلوها همّهم، وإنما المنهج الصحيح هو عرض حقائق الإسلام ابتداءً لتوضيحها للناس لا ردًّا على شبهة، ولا إجابة على تساؤل في نفوسهم .. وإنما من أجل البيان الواجب .. ثم لا بأس – في أثناء عرض هذه الحقائق – من الوقوف عند بعض النقاط التي يساء فهمها أو يساء تأويلها من قبل الأعداء أو الأصدقاء سواء.
ويكون حال السائر إلى الله والدار الآخرة مع الشبه حال المسافر تعرض له الآفات من العقارب والحيات وغيرها، فما عرض له منها في طريقه قتله، وما لا فلا يتّبعه ولا يبحث عنه إذ لو فعل ذلك لانقطع عن سفره وضل الطريق.
ثم ليُعْلم أن هذا غير مختص بأحد دون أحد، بل هو متناول لمن كمُل علمه واستنارت بصيرته ولمن كان دون ذلك. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع بالدجال فليَنأَ عنه، فوالله إنّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به الشبهات) وهذا عام.
قال الإمام ابن بطة معلِّقا على هذا الحديث: (هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق. فالله الله معاشر المسلمين، لا يحملنَّ أحداً منكم حسنُ ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول أُداخله لأناظره، أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجَرَب، وأحرق للقلوب من اللهب. ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبُّونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم) أ.هـ.
لقد كان موقف السلف موقفاً متشدداً تجاه مجالسة ومخالطة أصحاب البدع بل ومناظرتهم، وقد كانوا – رحمهم الله – يكرهون المراء مطلقاً، حتى ولو لم يكن معه شيء من فساد المعتقد. أما إذا خالط المراءَ والجدالَ بدعةٌ فكان فرارهم من ذلك أشد الفرار.
وكان لبواعثهم على اتخا ذ هذا الموقف أسباباً نورد أهمها وهي:
1) حرص الإنسان على سلامته في دينه، وخوفه على نفسه من الشبهات والوقوع في البدع أو القرب من أهلها. وذلك أنهم عرفوا مقدار نعمة الله عليهم بما تفضل عليهم من توفيقهم للإسلام والسنة فشحوا بدينهم من أن يناله أي نائل، ولم يأمنوا مكر الله، ورجوا السلامة و السلامة لا يعدلها شيء.
قال الإمام مالك بن أنس: الداء العضال التنقُّل في الدين، وقال: قال رجلٌ: ما كنتَ لاعبا به فلا تلعبَنَّ بدينك.
وقال عبد الرزاق: قال لي إبراهيم بن أبي يحي: إني أرى المعتزلة عندكم كثيراً. قال: قلت: نعم، ويزعمون أنك منهم!. قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك. قلت: لا. قال: لِمَ؟. قلت: لأن القلبَ ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب.
وقال أيوب: قال أبو قِلابة: لا تجالس أصحاب الأهواء، فإني لا آمن عليك أن يغمسوك في ضلالتهم، ويلبسَوا عليك ما كنت تعرف، وكان والله من القراء ذوي الألباب.
وقال سلام وقال رجل من أصحاب الأهواء لأيوب: يا أبا بكر أسألك عن كلمة ! قال: فولَّى أيوب، وهو يقول: ولا نصف كلمة !! مرتين وهو يشير بإصبعه.
وحدث عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: كان ابن طاووس جالساً، فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم. قال: فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: أي بُني أدخل إصبعيك في أذنيك واسدد لا تسمع من كلامه شيئاً. قال معمر: يعني أن القلب ضعيف.
فينبغي على من أراد المناظرة أن يرجع إلى نفسه ويقول لها: إني لو نجوتُ وعطب أهلُ الأرض من أهل الأهواء ما ضرني ذلك. ولو عطبتُ ونجَوا ما نفعني. فإقامتي الحجة عليهم وتركي أن أقيم الحجة على نفسي - في تضييعي أمره حتى أؤدي ما أمرني به ربي، وأنتهي عمَّا نهاني عنه، وأربح أيام عمري ليوم فقري وفاقتي - أولى بي فقد شغلوني عن نفسي وعن العمل لنجاتي ...
ومن أضرار هذه المناظرات على المشتغل بها في دينه كونها شاغلة له عما هو أولى به منها من خلوّ القلب لذكر الله، وتذوق حلاوة مناجاته، والاشتغال بقراءة القرآن، وتعلّم وتعليم العلم النافع فإن أهل الاشتغال بهذه الأعمال الجليلة في شغل عن هذه المماحكات، ولم يولّد المماراةَ والجدلَ في الدين إلا قومٌ فرغوا عن العمل النافع فانشغلوا بما هو دونه بمراتب، بل بما يكون ضرره على الواحد منهم - وعلى سائر المسلمين - أكثر من نفعه.
قال جعفر بن محمد: إياكم والخصومة في الدين؛ فإنها تُشغل القلب، وتورث النفاق.
وعن وهب بن منبّه قال: كنت أنا وعكرمة نقودُ ابنَ عباس بعد ما ذهب بصره حتى دخلنا المسجد الحرام؛ فإذا قومٌ يَمترون في حلقةٍ لهم مما يلي باب بني شيبة، فقال لنا: أُمَّا بي حلقة المِراء. فانطلقنا به إليهم فوقف عليهم فقال: انتسبوا لي أعرفْكم. فانتسبوا له – أو من انتسب منهم – قال: فقال: ما علمتم أن لله عباداً أَصَمَّتهم خشيته من غير عِيٍّ ولا بَكَم!! وإنهم لهم العلماءُ الفصحاءُ النبلاءُ الطلقاء، غير أنهم إذا تذاكروا عظمة الله – عز وجل – طاشت لذلك عقولهم، وانكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استفاقوا من ذلك تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية. فأين أنتم منهم؟!. قال: ثم تولَّى عنهم، فلم ير بعد ذلك رجلاً.
وقال مصعب بن سعد: لا تجالس مفتوناً، فإنه لن يخطئك منه إحدى خصلتين: إما يُمرض قلبك لتتابعه، وإما أن يؤذيك قبل أن يفارقك.
فقد سأل عمرو بن قيس الحَكَم بن عُتَيبة فقال له: ما اضطر المرجئةَ إلى رأيهم؟. قال: الخصومات.
2) أن العقل السليم يدل على ذلك فإن الشريعة مبناها على التسليم والانقياد، ولا أحد أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته رضي الله عنهم، ولا أحد أعلم بالصحابة من التابعين رضي الله عن الجميع وهم كلهم كانوا أصح الناس عقولاً، وأقومهم هدياً وطريقة، وأحدثهم عهداً بالشريعة فمنهم يُسْتَمد، وعلى التسليم لرب العالمين المعوَّل. وأما التعويل على غير هذا فما هو إلا خبط في العماية يورث التشكك والتنقل والحيرة والاضطراب وفساد الأمر.
قال محمد بن علي: لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله.
وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يعيب الجدال ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أردنا أن نرُدَّ ما جاء به جبريلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم !!.
وجاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين.
فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرتُ ديني، فإن كنتَ أضللتَ دينَك فالتمِسه.
وحدث حماد بن زيد عن محمد بن واسع عن مسلم بن يسار أنه كان يقول: إياكم والِمراء فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلّته.
وقال الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شرّاً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.
3) قصد حفظ المجتمع من البدعة فالمبتدعة في ذلك الزمان قليل مقموعون لا شوكة ولا ظهور لهم. وأئمة العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم هم الشموس والأقمار المضيئة للناس في الظلماء.
قال الإمام اللالكائي رحمه الله: (فهم – أي المبتدعة – "كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" .. ثم إنه من حين حدثت هذه الآراء المختلفة في الإسلام، وظهرت هذه البدع من قديم الأيام، وفشت في خاصة الناس والعوام، وأُشربت قلوبهم حبها حتى خاصموا فيها بزعمهم تديناً أو تحرجاً من الآثام، لم تَرَ دعوتَهم انتشرت في عَشْرةٍ من منابر الإسلام متوالية، ولا أمكن أن تكون كلمتهم بين المسلمين عالية، أو مقالتهم في الإسلام ظاهرة بل كانت داحضة وضيعة مهجورة؛ وكلمة أهل السنة ظاهرة، ومذاهبهم كالشمس نايرة ، ونصب الحق زاهرة، وأعلامها بالنصر مشهورة، وأعداؤها بالقمع مقهورة، يُنطق بمفاخرها على أعواد المنابر، وتُدَوَّن مناقبها في الكتب والدفاتر، وتستفتح بها الخطب وتختم، ويفصل بها بين الحق والباطل ويحكم، وتُعقد عليها المجالس وتبرم، وتظهر على الكراسي وتدرس وتُعَلَّم .. ) أ.هـ .
وعليه فمجالسة أئمة السنة للمبتدع قد تغرُّ به مَن سَلِم من هذه البدعة ولم يعلم بها، أو قد تعطي لهؤلاء شيئا من الاعتبار والمكانة التي لا يستحقونها، وقد تؤدي إلى انتشار البدعة وعلم الناس البراء منها بها.
قال الغزالي: فإن العامي ضعيف يستفزه جدل المبتدع وإن كان فاسداً، أي وإن كان جدله فاسداً.
وقال يحيى بن يسار سمعتُ شَريكا يقول: لأن يكون في كل قبيلة حمار أحب إليَّ من أن يكون فيها رجلٌ من أصحاب أبي فلان (رجلٌ كان مبتدعا).
وقال أبو حاتم: سمعت أحمد بن سنان يقول: لأن يجاورني صاحب طنبور أحب إليَّ من أن يجاورني صاحب بدعة؛ لأن صاحب الطنبور أنهاه وأكسر الطنبور، والمبتدع يُفسد الناس والجيران والأحداث.
وذكر أبو الجوزاء أهل الأهواء فقال: لأن تمتلئ داري قردةً وخنازيرَ أحب إليّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء.
قال أبو القاسم الأصبهاني في كتابه (الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة) وهو يذكر فصولا مستخرجة من السنة: وترك مجالسة أهل البدعة ومعاشرتهم سنة؛ لئلا تعلق بقلوب ضعفاء المسلمين بعضُ بدعتهم، وحتى يعلم الناس أنهم أهل بدعة ، ولئلا يكون في مجالستهم ذريعة إلى بدعتهم.
فكان الحزم في توقي استفادة هؤلاء من التعلق بأذيال أهل السنة والاتباع.
4) قصد زجر المبتدع عن بدعته، وذلك بهجره وقمعه. والهجر عقوبة شرعية قد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في ذلك الزمان من أبلغ العقوبات إذ السنة ظاهرة، والبدعة وأهلها مخذولة محتقرة فبالتالي تجد أن أكثر الناس يكون هاجراً للمبتدع فلعله أن يتأثر بذلك فينقمع عن بدعته، ويفيء إلى السنة، أو لا أقل من أن يَطْفَأ نشاطُه، ويقل شره وكلتا الحالتين خير له من التمادي في البدعة.
قال أيوب السختياني: لست برادٍ عليهم بشيءٍ أشد من السكوت.
وقال ابن هانيء: سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعته، أيجالس؟. قال: لا يجالَس ولا يُكلَّم لعله أن يرجع.
قال اللالكائي: (فلم تزل الكلمة مجتمعة، والجماعة متوافرة على عهد الصحابة الأول ومن بعدهم من السلف الصالحين حتى نبغت نابغة بصوت غير معروف، وكلام غير مألوف في أول الإمارة المروانية تنازع في القدر وتتكلم فيه .. ثم انطمرت هذه المقالة، وانجحر من أظهرها في جحره، وصار مَن اعتقدها جليسَ منزله، وخبَّأ نفسه في السرداب كالميَّت في قبره؛ خوفاً من القتل والصلب والنكال والسَّلب، ومِن طلبِ الأئمة لهم لإقامة حدود الله عز وجل فيهم – وقد أقاموا في كثير منهم، ونذكر في مواضعه أساميهم –. وحثَّ العلماءُ على طلبهم، وأمروا المسلمين بمجانبتهم، ونهوهم عن مكالمتهم، والاستماع إليهم، والاختلاط بهم لسلامة أديانهم. وشهّروهم عندهم بما انتحلوا من آرائهم الحديثة، ومذاهبهم الخبيثة خوفاً من مكرهم أن يُضلوا مسلماً عن دينه بشبهة وامتحان، أو بَرِيق قولٍ من لسان. وكانت حياتهم كوفاة، وأحياؤهم عند الناس كالأموات. المسلمون منهم في راحة، وأديانهم في سلامة، وقلوبهم ساكنة، وجوارحهم هادية. وهذا حين كان الإسلام في نضارة، وأمور المسلمين في زيادة).
ثم ذكر بداية أمر مناظرة أهل البدع ثم قال: (فما جُني على المسلمين جنايةٌ أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قَهر ولا ذُلٌّ أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمداً ودرداً، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلاً؛ حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطَرَقَ أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة..) أ.هـ.
5) الحذر من كون المناظرة داعية للمبتدع إلى الإيغال في البدعة أكثر، مع التعصب لها التعصب الذي لولا المناظرة لم يكن بهذه المنزلة.
وقد تقدم عن عمرو بن قيس قال: قلت للحكم: ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات.
وبالتالي فمن ضرر الخصومات: (تأكيدُ اعتقاد المبتدعة للبدعة وتثبيتُه في صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل؛ ولذلك نرى المبتدع العامي يمكن أن يزول اعتقاده باللطف في أسرع زمان، إلا إذا كان نشوؤه في بلد يظهر فيها الجدل والتعصب، فإنه لو اجتمع عليه الأولون والآخرون لم يقدروا على نزع البدعة من صدره. بل الهوى والتعصب وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولي على قلبه ويمنعه من إدراك الحق، حتى لو قيل له: هل تريد أن يكشف الله تعالى لك الغطاء ويعرِّفَك بالعيان أن الحق مع خصمك لكره ذلك خيفةً من أن يفرح به خصمُه !! وهذا هو الداء العضال الذي استطرد في البلاد والعباد وهو نوع فساد أثاره المجادلون بالتعصب) أ.هـ .
إن هذه البواعث الشريفة يختلف تحققها من زمان إلى زمان، ومن شخص لآخر، ومن بلد لغيره وهكذا. وبالتالي فإن هذا الموقف الذي اتخذه السلف رحمهم الله وإن كان هو الموقف العام لهم – كما سبق الإفاضة في ذلك - إلا أنه لم يكن هو موقفهم الوحيد، ولم يكونوا رحمهم الله آلاتٍ صمّاء يرون رأياً ثم يطبقونه بعنف وابتسار وعدم تفقه لدواعيه، وإنما كانوا فقهاء نفسٍ وأهلَ حكمةٍ يضَعون الدواءَ المناسب في مواضعه، ويقدرون لكل أمر ما يستحق ولذلك فعند عدم وجود المقتضي للحكم، فإن الحكم يزول بزوال هذا المقتضي.
ومسألة اتباع السلف يتعلَّق جزءٌ منها بسَعة العقول والأفهام، والقدرة على تصوُّر الموضوع من جميع جوانبه، وهذه المواهب كان للسلف منها القدر الأكبر – رحمهم الله - وقد يتبعهم بعضُ من يحبهم في مواقفهم الظاهرة دون تفَقُهٍ منه لمنهجهم وطريقة تفكيرهم، فيكون على خيرٍ إلا أن هذا الخير ناقص، ولربما تمسَّك - بظاهريته - بشيءٍ من أقوالهم وأفعالهم في مواقف وظروف يجزم المتبع لهم على بصيرة أنهم لو عايشوها لقالوا فيها بغير ما قالوه في ظروف أخرى.
ولكنَّ الله يقسم بين الناس الفهوم والعقول كما يقسم بينهم معايشهم وأرزاقهم.
ولذلك فإن أبا العباس ابن تيمية ذكر في كلام له بدعة قالت بها طائفة من الطوائف ثم قال عن طائفة أخرى قابلت أولئك: (وطائفة رأت أن ذلك بدعة فأعرضت عنه ، وصاروا ينتسبون إلى السنة لسلامتهم من بدعة أولئك، ولكن هم مع ذلك لم يتبعوا السنة على وجهها ولا قاموا بما جاء به الرسول من الدلائل السمعية والعقلية. بل الذي يخبر من السمعيات مما يخبر به عن ربه وعن اليوم الآخر غايتهم أن يؤمنوا بلفظه من غير تصور لما أخبر به الرسول).
يتبع إن شاء الله ..
Bookmarks