سيد محتكم هداك الله وعافاك ،، لا أريد أن يتحول الحوار إلى جدال خال من الفائدة والمعنى يسوده التعصب والانتصار للنفس... وجدت عندك أربع أو خمس مداخلات جديدة تتجاهل فيها مناقشة الأدلة وتتهرب من الجواب ، لهذا هذه المداخلة سوف تكون جامعة لما جاءت به مداخلاتك الجديدة .
من قال أنه ليس بيننا أساس للنقاش ؟؟ بيننا القرآن الكريم ، إلا أن الفرق بيني وبينك أني أعتمد في تفسير القرآن الكريم على علوم اللغة وما تشمله من دلالات الألفاظ وقواعد النحو والاشتقاق وعلوم البلاغة ... وقد سبق أن بينت ذلك في عدة مداخلات واعطيت الأدلة والبراهين على صحة قولي من تفسير لطاعة الرسول وغيره ... لكنك للأسف لم تنقد ما اتيت به ولم تناقش صحة ماذهبت إليه ،، كان كلامك مجرد تفسيرات أراها عشوائية لا دليل عليها .سبق ان قلت لك يا اخ (فخر الدين) ان محاولة خلق اساس فكري مشترك تغنينا عن جدال عقيم
بيننا المنصفون والمراقبون هم الحكم ،، وفرق بين شخص له منهج في تفسير القرآن وبين شخص يعطي رأيه بدون حجج.تتهرب كما تراني افعل ,وارى منك انطلاقا واسهابا في الحديث من دون اي رغبه جديه في تبادل وجهات النظر ,ومشكلتك يا أخ فخر الدين انك تنظر لكلامي فلما تعجز عن الرد عليع تجزئه وتفتته كي تضيع مقاصد الكلام ثم تمسك كل كلمه وتبني عليها موضوعا وداخل الموضوع الفرعي تجزئه هو الآخر وتشتق منه مواضيع اخرى وهكذا والموضوع المستقل الذي تفتحه غرضه التشتيت والتباهي
إذا عليك نقد حججي .لا بالمضمون فتسترسل في حججك التي لا تستقيم الا على من من مثل فكرك وقد جئتك بالحجة القائمه على الجميع .
الآن نتكلم في السنة وقلت لك مرارا وتكرارا ان السنة هي وحي من الله تعالى ... وصراحة أحس انني أضيع وقتي في هذا لعدم تخصصك في امور القرآن الكريم وتفسيره...سبحان الله : عندما يقول الله (لا يشرك في حكمه احدا) هل هذا يلغي صفة الحكم عن من يعدل بين الناس ؟ لا يلغي ولكنه يحكم بما انزل الله ,كذلك الشريعه مصدرها ذات الله وحده وتبليغها وتطبيقها مسؤلية العباد فيما بينهم بتدبير من الله ولا يسمح الله بأي تدخل بشري في شريعته الالهيه لا بالفظ ولا بالمعنى وباقي المداخلة ...
فيجب التمسك بما يدل عليه قوله تعالى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فكلمة "ينطق" في لسان العرب تشمل كل ما يخرج من الشفتين من قول أو لفظ ، أى ما يخرج نطقه عن رأيه، إنما هو بوحي من الله تعالى ، ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفى والاستثناء، وهذا واضح فى إثبات أن كلامه محصوراً فى كونه وحياً لا يتكلم إلا به، وليس بغيره ، فيثبت بذلك حجية قوله فى حق القرآن : "هذا كلام الله "، وقوله فى الأحاديث القدسية : "قال رب العزة كذا"، أو نحو هذه العبارة، وقوله : "ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، متكئ على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا كل ذى مخلب من الطير، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"
فهذه كلها أخبار، معصوم عن الكذب : فتكون حججاً دالة على أن الوحي قسمان :
القسم الأول : الكتاب المعجز المتعبد بتلاوته ، والقسم الثاني ما ليس بكتاب
أما ما نزل معناه، وعبر عنه النبى ، بلفظ من عنده ، فقد أشكل عليك هذا القسم لعدم معرفتك أن هذا الأخير تمت الإشارة إليه و لقبه رب العزة بالحكمة في آيات كثيرة، منها قوله تعالى : {… وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وقوله تعالى : {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
ومما هو جدير بالذكر أن رب العزة قد بين فى كتابه العزيز أن نوعي الوحي المعبر عنهما بالكتاب والسنة ليسا من المسائل الخاصة بالنبى وإنما هى سنة عامة فى الأنبياء جميعاً قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ويقول رب العزة في حق آل إبراهيم : {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} ويقول عز وجل فى حق عيسى عليه السلام : {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وهذا فيه رد على ماتفوهت به في مداخلتك الأخيرة
ومن الأدلة على أن السنة النبوية وحي منزل من عند الله تعالى قوله : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} فهذه الآية-من سورة النساء-تدل على أن الحكمة نزلت من عند الله تعالى مثل القرآن الكريم، وفي سورة الإسراء يقول رب العزة: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } والآية واضحة في أن الحكمة وحى من الله تعالى مثل القرآن الكريم ، ومن دقة الأداء القرآني في التعبير عن هذين النوعين من الوحي (الكتاب والسنة)؛ أنه فصل بينهما بواو العطف إذا اجتمعا، ليبين أن هذين النوعين مختلفين لضرورة التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه، فالمنطق يقتضي أن الشيء لا يعطف على نفسه وصاحب العقل الفصيح يلمح الإشارة فى قوله تعالى : {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} حيث فرق رب العزة، بين الكتاب والحكمة بحرف العطف ليدل على تغايرهما، وأفرد الضمير العائد عليهما، ليدل على وحدة مصدرهما وأن المشكاة واحدة ، وأنت تستطيع أن تتأمل في أية الأحزاب، كما تأملها الإمام الشافعي من قبل، يتضح لك أنها أوضح مما ذكر فى الدلالة على أن المراد بالحكمة السنة المطهرة، قال تعالى : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} فالتلاوة هنا المرة بعد المرة، والمتلو هنا شيئان، أولهما : آيات الله فى كتابه، وثانيهما : الحكمة وهي صنف آخر من الوحى المتلو، ولا يكون ذلك إلا السنة النبوية المطهرة.
ولو شغبت على تفسير "الحكمة" بالسنة المطهرة، واعترضت على ذلك قلنا لك : ماذا تقول في آيات تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة ؟؟ قال تعالى : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فهذه الآيات الكريمات تدلنا على أن التوجه إلى بيت المقدس كان مشروعاً من قبل، وكان ذلك التوجه حقاً وصواباً واجباً عليهم قبل التحول إلى الكعبة، فأين ذلك كله فى القرآن الكريم؟
ألا يدل ذلك على أن النبي وأصحابه كانوا عاملين بحكم لم ينزل به القرآن، وأن عملهم هذا كان حقاً وواجباً عليهم؟!!
وباقي مداخلاتك لا أجدها سوى مجرد كلام مرسل سبق وأجبت عليه في المداخلات السابقة ، كما أجاب عليه الأخ ناصر التوحيد الذي أجاد والذي تتجاهل مشاركاته ...
القرآن الكريم به تفصيل وبيان كل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] فقاعدة وجوب اتباع الرسول والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا في كتابه العزيز كما فى الآية السابقة وقوله تعالى : [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى[ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ]عن ابن مسعود قال : قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء وقال مجاهد : كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعى : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أي بالسنةاما فهم ما هو بيان القرآن من القرآن وما هو تبيين القرآن في القرآن فقد جئتك يا أخ فخر الدين بحجتي فيها من الآيات في ذلك وكذلك
ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعي - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالي الشامل، والأوزاعي يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالي
ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شيء قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالى السابق ولكن الفساد فيما بنيته عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن لتأولوه حسب أهوائكم وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : [وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(38)لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ]
وقال تعالى : [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] وقال تعالى :[أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية[وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبي صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة - البيان، التى هي من مهام الرسل جميعاً كما قال [أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ] وقال : [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ] ويوقع التناقض بآية [الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ] إنك و كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن تلتزموا بهذه النتيجة التي تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقررتم بلسانكم بهذا النقض أم لا، وتنبهتم إلى ذلك أم لا؟!!
ويجدر بنا أن نشير إلى نصوص لبعض العلماء تؤكد الذى قلناه فى معنى البيان الوارد فى بعض الآيات يقول الإمام الشاطبي: "تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي ويدل على هذا المعنى - بعد الاستقراء المعتبر - أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هي بيان للكتاب كما سيأتى شرحه إن شاء الله تعالى
وقد قال الله تعالى :[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ] وإذا كان الأمر كذلك فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات لأن الشريعة تمت بتمام نزوله؛ لقوله تعالى :[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة، وكذا تفاصيل الشريعة من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود، وغير ذلك" اهـ
فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور كلية كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص عن النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك،فبيان الرسول بيان صحيح لا إشكال فى صحته؛لأنه لذلك بعث،قال تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]ولا خلاف فى هذا البيان النبوي
ويقول الدكتور إبراهيم محمد الخولى : "التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى قال تعالى :[يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ]، و"التبيين" و "التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن العظيم" عبر عنه فى آية "التبليغ" بهذا اللفظ : "ما أنزل إليك" وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف : "ما نزل إليهم" وبينهما فروق لها دلالتها، مردها إلى الفروق بين الوظيفتين "فالتبليغ" تأدية النص؛ تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير …
و "التبيين" إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح
و "التبليغ" مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير : "وأنزلنا إليك" حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبي ، المخاطب
و "التبيين" : مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به، وبُلَّغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً
ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة … "ونزل إليهم" … حيث عدي الفعل "نزل" بـ (إلى) مضافاً إلى الضمير "هم" … أي الناس، وعُدِّي الفعل "لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحي بقوة أن رسول الله ، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين، ولعمري إنه لكذلك…، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان" و "المبين" معاً، وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين : وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء …، واختلاف الناس فى فهم القرآن ما بين مصيب ومخطئ واختلافهم فى فهم درجات الإصابة، ودركات الخطأ … برهان بين على حاجتهم إلى "تبيين" لكتاب ربهم، ينهض به إمام الموقعين عن رب العالمين"
ويقول الإمام الشافعي : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله لخلقه فى كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :
1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً"
2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التى أنزلها فى كتابه عز وجل
3- ومنها ما سن رسول الله مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله ، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل."
مما سبق من قول الإمامين الشاطبي والشافعي يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد في الآيات التي استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها وبينها ربنا عز وجل؛ وجوب اتباع نبيه، والتحاكم إلى سنته المطهرة، ففي تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها فى كتاب الله -وليس ههنا المقام لذكر هذا الأخير-
فهاهي حججك نقضت بحمد الله تعالى ، فأجبنا عن حججنا بلا لف ولا دوران.
Bookmarks