لم ينته الجواب .. وهكذا هو الجواب الذي اقتصصت منه اغلبه .. وساكمله من حيث انت انتهيت :
هذه خلاصة حكم المسبية من النساء، على خلاف في بعض مسائلها بين الفقهاء.
إذاً فالحديث الذي في البخاري (2542)، ومسلم(1438) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- الذي سأل عنه السائل في السبايا خاصة، لا في مطلق نساء غير المسلمين. والسبي لا يكون إلا للمحاربين ومن معهم في دار الحرب من النساء والأطفال، أما غير المحاربين من غير المسلمين، فلا سبي عليهم.
وبهذا تعلم أن هذا السبي خاص بمن حارب المسلمين وبمن كان معه من النساء والأطفال. ولا شك أن من سعى في قتلك ومحاربتك، فقد سعى في الاعتداء عليك بأكثر من سجنك له فيما لو قدرت عليه، ولو كان حكماً بالسجن المؤبد. كيف والسباء أقل ضرراً وأهون على النفس في منع الحرية من السجن، خاصة في الإسلام، الذي له في أحكام الرقيق ما لا يعرفه الغرب أو الشرق من غير المسلمين، ولا أظنهم يتصورونه من إيجاب حسن المعاملة للرقيق والرفق بهم، وأن يطعموا مما نطعم وأن يكسوا مما نكتسي، وأن لا يكلفوا من الأعمال إلا ما يطيقون. مع حث الله –تعالى- ورسوله – صلى الله عليه وسلم- على العتق، وإيجابه في أحوال، وترتيب عظيم الأجر عليه.
وخطأ الغرب لما حارب الرق، أنه ظن أن أحكام الرقيق عند المسلمين مثل أحكامه عندهم، وهذا بعيد كل البعد عن الحق والواقع. مع أن كثيراً من دول الغرب (أو بعضها) تحرم استعباد الأفراد، ثم هي تستعبد شعوباً بأكملها: باحتلال أوطانها (بغزو عسكري صريح، أو بوضع حكومات تنفذ رغباتها)، وباستنزاف ثروات بلادها، وبتعمد منع الشعوب من كل ما قد يرتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة حضارياً في مجال العلوم الكونية والصناعة، لكي تبقى سوقاً لبضائعها. إن هذه الصور من الاستعباد للشعوب، لم يزل الغرب يمارسها بأبشع صورة في بلاد المسلمين.
وهنا أذكِّر السائل أن الحديث الذي ذكره، والخبر الذي ورد فيه، كان في زمن السبي والاسترقاق فيه قانون معمول به لدى جميع الشعوب على مختلف الديانات. فالسبي جائز لا عند المسلمين وحدهم، بل هو جائز عند اليهود والنصارى أيضاً، فقد امتلأ الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى بذكر سبي أنبياء بني إسرائيل لأعدائهم، بل فيه تسخير شعوب بأكملها، كما في سفر الملوك الأول(9/15-23).
وعلى هذا فقول السائل: نحن لا نحب أن يحدث ذلك لنا، فكيف نحب أن يقع لغيرنا؟! سؤال في غير محله؛ لأن الذي وقع في ذلك الحديث وقع مع قوم كانوا يسبون النساء وينكحوهن بذلك ولو قدروا- وقد قدروا مرات أخرى – على نساء المسلمين بالسبي، وبغير السبي، لاعتدوا عليهن. فلو لم يكن في نكاح نسائهم إلا المعاملة بالمثل، لكفى بذلك جواباً على السؤال الذي طرحه الأخ السائل.
وأنا أنصح الأخ السائل بنصيحتين:
الأولى: أنه ما دام مسلماً، فعليه أن يعلم أن الحكم الشرعي، ما دام أنه حكم شرعي، فهو حكم الله –تعالى-. فلا يعترض عليه، ولا يكون في القلب منه حرج؛ لأننا خلق الله –تعالى-، وهو بنا أعلم وأرحم وأحكم.. سبحانه وتعالى. قال الله –تعالى-: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36].
وعليه أن يستحضر في علمه وقلبه أدلة صدق نبوة خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-، فما دام أنه -صلى الله عليه وسلم- رسول الله –تعالى-، فأحكام الدين الذي بلغه للناس هي أحكام الله –تعالى-. وما دامت أحكام الله –تعالى-، فالله –تعالى- أعلم وأحكم وأعدل من أن يجري في أحكامه غير الخير كله والعدل كله.
الثانية: أنه على كل عاقل حصيف، أن يتَّسع أفق أحكامه على الأمور، ولا يسمح لبيته ومجتمعه وحضارته وتقاليده وزمنه أن يضيِّقوا عليه ذلك الأفق. فإنه لا يفعل ذلك إلا قليل العقل، مغرور ببيئته ومجتمعه وحضارته وتقاليده وزمنه، فلا يظن إلا أنها هي وحدها موازين الحسن والقبح والقبول والرد، وكأنها خالدة إلى الأبد. أَوَما درى هذا المسكين أنه قد سبقه أناس في عصور بعيدة كانوا يظنون كما يظن، فبادوا، وبادت بيئتهم وحضارتهم وتقاليدهم، واستقبح الناس بعدهم ما كانوا يستحسونه، وردُّوا ما كانوا يقبلونه. وستبيد هذه البيئة وتقاليدها وحضارتها، وسيتبدل كثير من موازينها.
فلا يحق لأحد أن يستهجن أمراً (كالسبي والرق)، دامت عليه البشرية كلها، لألوف السنين؛ لأنه أصبح من قرن واحد أو قرنين فقط أمراً مستهجناً عند بعض الشعوب التي كانت لا تعرف في الرق إلا السخرة والتعذيب والاحتقار وانعدام جميع الحقوق.
لا يحق له ذلك؛ أولاً: لأنه ضيق أُفق تفكيره وأحكامه (كما سبق)، وقد يأتي اليوم الذي تستهجن فيه الناس استهجانه هذا، كما وقع له هو مع البشرية كلها لألوف السنين الماضية. وثانياً: لأنه قاس على صورة الرق عند غير المسلمين صورته وحالته عند المسلمين، وهذا قياس غير صحيح، كما تقدم ذكره باختصار بالغ. وإلا فالفرق كبير جداً، يحتاج بيانه إلى بسط أحكام الرق في الإسلام بصورة كاملة، مع بيان أوضاع الرقيق البغيضة عند غير المسلمين. وإذا كان الأخ السائل على غير اطلاع بذلك، فعليه أن يطلع على ذلك كله. فهو – أعني الاطلاع- شفاء صدره، وريُّ ظمئه. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
http://www.islamtoday.net/questions/...t.cfm?id=40114
للحق وجه واحد
ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"
Bookmarks