أعتقد - والله أعلم - أن الموضوع هو عاطفي أكثر منه أي شئ أخر. وللأسف هذا لا وزن له في التقييم الموضوعي. وأعتقد أن للموضوع محاذير عظيمة سقط فيها صاحبه كنتيجة للتخلي عن الموضوعية.
أولا: لم يُعرف صاحب الموضوع ماذا يقصد بــ "الحقيقة المطلقة". ومادام الأمر كذلك كفى هذا لوحده أن يهدم الموضوع برمته، وننتهي في هذا المكان.
===***===
ثانيًا: هل "الحقيقة" تشمل الغيب، والإجابة هي (نعم) فهذا موضع الإختلاف، وطالما هي مطلقة وجب أن تشمله كله، ويكون قد كفر بصريح القرآن - حيث قال - جلّ ذكره:
(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا)
إلا بإستثناء كمي (فالإطلاع يكون جزئيا) ونوعي (في غيب دون آخر) مع التخصيص (للرسل).
وكذلك العلم بالغيب كله يتطلب علم إحاطة وإحصاء، وعندها يعارض قول الحق عزّ وجلّ:
(وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إِلَّا بِمَا شَاءَ)
وهنا يكون كلامه "نحن ندعي امتلاك الحقيقة المطلقة وإن رغمت أنوف!!" فيه تطاول على مشيئة الله، الذي إشترط سبحانه أن الإحاطة (حتى بالعلوم الجزئية) لا تتم إلا بمشيئته.
وسيدنا إبراهيم عليه السلام لوكان عنده العلم المطلق لما طلب من ربه ما يطمئن قلبه:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
فقبل إحياء الطيور كان عليه السلام يؤمن وبعدها أصبح يعلم. إلا إذا كان صاحب الموضوع قد نال من العلم ما لم ينله الخليل عليه السلام، وهذا ما لا أؤمن به.
كذلك العلم المطلق ينفي حقيقة الإيمان؛ فعندما نقول على شئ إننا نؤمن به فهذا يعني وصلنا خبره دون حقيقته، بمعنى أننا (((نعتقد))) في حقيقته فنصدقها .. ولا نحيط بها فنعلمها. وبالعكس لا نقول على شئ نعلمه يقينًا أننا "نعتقده" أو "نؤمن به". إلا أنه وجب الذكر أنه هناك إعتقاد مبني على جهل وكذب (وهذا دأب أهل الضلال) وإعتقاد مبني على علم وتحرٍ للحق (بهذا المنطوق ننسب العلم المطلق لله سبحانه ولأنفسنا الإعتقاد والإيمان، وللإسلام الرسالة .. وشتان بين المنطوقين). وهنا وجب التذكير بقول الحق عزّ وجلّ:
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
وفي هذه الآية الكريمة مدح الحق عزّ وجلّ عباده الذين يؤمنون بالغيب - أي الذين وصلهم خبره فصدقوه (وليس الذين يعلمون الغيب وخبروه).
ولا نقول إلا كما قال ربنا - (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
عموما كما ذكرت آنفًا - عليه أن يعرف معنى "الحقيقة المطلقة" وأن يُعرف معنى "الإمتلاك" الذي لا ينفي الإيمان!
والله سبحانه أعلم.
Bookmarks