السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" مقتطف من شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "
وقال تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ) (النحل:92)
حديث عائشة :" وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه " صحيح بخاري
,, الشــــرح ,,
قال المؤلف رحمه الله : باب المحافظة على الأعمال : يعني الأعمال الصالحة .
لما ذكر ـ رحمه الله ـ باب الاقتصاد في الطاعة ، وأن الإنسان لا ينبغي أن
يشق على نفسه في العبادة وإنما يكون متمشياً على هدى النبي صلى الله عليه
وسلم أعقبه بهذا الباب الذي فيه المحافظة على الطاعة ، وذلك أن كثيراً من
الناس ربما يكون نشيطاً مقبلاً على الخير فيجتهد ، ولكنه بعد ذلك يفتر ثم يتقاعس ويتهاون .
وهذا يجري كثيراً للشباب ، لأن الشاب يكون عنده اندفاع قوي أو تأخر شديد ؛ إذ إن
غالب تصرفات الشباب إنما تكون مبنية على العاطفة دون التعقل ، فتجد الواحد منهم
يندفع ويشتد في العبادة ، ثم يعجز أو يتكاسل فيتأخر ، ولهذا ينبغي للإنسان ـ كما نبه
المؤلف رحمه الله ـ أن يكون مقتصداً في الطاعة غير منجرف ، وأن يكون محافظاً عليها لأن
المحافظة على الطاعة دليل على الرغبة فيها ، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ،
فإذا حافظ الإنسان على عبادته واستمر عليها ؛ كان هذا دليلاً على محبته وعلى رغبته
في الخير .
وقد ذكر المؤلف عدة آيات ، منها قوله تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ) (النحل:92) ،
امرأة تغزل ، فغزلت غزلاً جيداً قوياً متيناً ، ثم بعد ذلك ذهبت تنقضه أنكاثاً ، حتى لم يبق
منه شيء ، كذلك بعض الناس يشتد في العبادة ويزيد ، ثم بعد ذلك ينقضها فيدعها .
وكذلك ذكر ـ رحمه الله ـ عن بني إسرائيل قول الله عز وجل : (وَجَعَلْنَا فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ
اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا )
أي ما استمروا عليها ولا رعوها ، ولكنهم أهملوها ،
وقال تعالى : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) (الحديد:16)
يعني طال عليهم الأمد ـ أي الزمن ـ بالأعمال ، فقست قلوبهم وتركوا الأعمال والعياذ
بالله ، فالمهم أن الإنسان ينبغي له أن يحافظ على العمل ، وألا يتكاسل وألا يدعه
بل يستمر على ما هو عليه .
وإذا كان هذا في العبادة فهو أيضاً في أمور العادة ، فينبغي ألا يكون للإنسان
كل ساعة وجهة ، وكل ساعة فكر ، بل يستمر ويبقى على ما هو عليه ما لم يتبين
الخطأ ، فإن تبين الخطأ فلا يقر الإنسان نفسه على خطأ لكن ما دام الأمر لم يتبين فيه
الخطأ ؛ فإن بقاءه على ما هو عليه أحسن ، وأدل على ثباته ، وعلى أنه رجل لا يخطو
خطوة إلا عرف أين يضع قدمه وأين ينزع قدمه .
وبعض الناس لا يهتم بأمور العادة ، فتجد كل يوم له فكر ، وكل يوم له نظر ، وهذا يفوت
عليه الوقت ولا يستقر نفسه على شيء ، ولهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه ، أنه قال :" من بورك له في شيء فليلزمه " ، كلمة عظيمة ، يعني إذا بورك لك في
شيء ، أي شيء يكون ؛ فالزمه ولا تخرج عنه مرة هنا ومره هنا ، فيضيع عليك الوقت
ولا تبني شيئاً ، نسأل الله أن يثنتنا وإياكم على الحق ، وأن يجعلنا من دعاة الحق
وأنصاره .
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18025.shtml
Bookmarks