الأخ أبو مريم تسأل عن منهجي ، لقد بينته في أول الشريط ، إذ قلت إن الهدى هو مخالفة تصرف آدم عليه السلام قبل أن يهبط إلى الأرض ، فآدم لم يقدم العقل على نص المخلوق (إبليس) ولم يقدم النص الإلهي (إن هذا عدو لك ولزوجك) فضل، كذلك نحن إن لم نقدم العقل على النصوص البشرية فتلك مجازفة قد تضلنا عن الهدى، وضربت المثل بالأمم السابقة ضلوا لأنهم تعاملوا مع الفتنة بعواطفهم مثل آدم وليس بعقولهم.
كلام الله هو الهدى لا يقدم عليه العقل ، والنص البشري لا يؤخذ على أنه حق إلا إذا كان حكيما ، ولذلك وصف الله كتابه ب (الحكيم) ووصف السنة ب (الحكمة) . أي نهتدي بالنص القرآني الحكيم وبالنص النبوي الحكيم (الحكمة).
أما قولك بأني آتي بالحكايات ، أقول إنها ليست حكايات بل هي أمثال لشرح مقصود كلامي ، فالله يضرب الأمثال في السورة الواحدة بقصص الرسل لنهتدي إلى فهم مقصود كلامه.
مثلا : ذكرت أن ولادة المسيح عليه السلام كانت شبهة للناس لأنها شبيهة بولادة أي إنسان ، وحيث أنه لم يسبق لامرأة أن ولدت بدون تلقيح من رجل فإن الحكمة تقتضي أن يبين الحق للناس فكان رد الشبهة بإنطاق الصبي في المهد.
لو عبرنا عن حالة اليهود مع المسيح حين ولادته قبل أن يتكلم في المهد فإننا نقول :
ما كان عيسى ابن رجل ولكن شبه لهم.
هل (شبه لهم) في هذا التعبير تعني أنه كان هناك طفل آخر شبيه بعيسى؟
لو كان التعبير يحتمل افتراضين (شبهة أو شبيه) فإن تعبيري لا يعتبر مبينا، فلكي يكون مبينا فإن علي أن أبين المشبه به فأضيف : ولكن شبه لهم بفلان.
أما لو وقفت عند كلمة (شبه لهم) ولم أذكر المشبه به فذلك يعني (شبهة) وليس (شبيها).
إذا طبقنا هذا المثل على الآية وقلنا إن (شبه لهم ) تعني وجود شبيه فإننا نكون قد اتهمنا القرآن بعدم البيان في حين أن الله يصفه بالبيان وبالكتاب المبين.
فهل نصدق الله أم نصدق كلام بشر يزعم بغير علم أن كلام الله غير مبين؟.
بل نصدق الله تعالى فكلامه مبين واضح ، فإذا لم يذكر المشبه به في الآية فإن ذلك لا يعني وجود شبيه وإنما هي شبهة فقط، وبهذا يكون الكلام مبينا.
مثل آخر: لو أن شخصا وضع على صليب ثم جاء جندي بدون أن يراه أحد فوضع في فم المصلوب حبة سم ، فابتلعها فمات بعد دقائق، هل يعتبر قتل مصلوبا؟
بالطبع لا يعتبر قد قتل صلبا، فإذا جاء الطبيب الذي شرح جثة الرجل فهو الذي عنده النتيجة اليقينية فإنه سيخبرنا عن أولائك الذين شاهدوا عملية الصلب فيقول : ما قتل فلان صلبا ولكنه شبه لهم أما الحق اليقين فقد مات بحبة سم.
أما عن سؤال ناصر :
لماذا تأخذ شرطا واحدا دون الشروط الأخرى ، الآية 3 من سورة الفرقان لم تذكر فقط الموت كحجة بل ذكرت عدة حجج :
1) الآلهة الباطلة لم تخلق شيئا بل هي مخلوقة ، فلكي أتخذه إلها فإنه يجب أن يكون هو الذي خلقني.
2) الإله الباطل لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. فكيف يكون إلها!!
3) الإله الباطل لا يملك الموت فيستطيع أن يميت من يشاء.
4) الإله الباطل لا يملك الحياة بحيت يستطيع منع الموت عن نفسه أو عن غيره.
5) الإله الباطل لا يملك النشور بحيت يستطيع إعادة الحياة للإنسان بعد أن يصير عظاما ورفاتا.
إذن لا تأخذ حجة واحدة فقط هي الموت، فحتى لو كان مدعي الألوهية ما زال حيا فهناك الحجج رقم1 و2 و3 و5 ، والله تعالى يقيم كل هذه الحجج .
لقد أقام الحجة على فرعون في الخلق بآية خلق ثعبان من عصا ، فلم يستطع فرعون الإتيان بمثلها ، فكيف يكون إلها وهو لا يخلق شيئا!!
وأخذه الله بالسنين ونقص من الثمرات والقمل والضفادع والدم، فلم يستطع أن يدفع عن نفسه الضر بحيث يمنع القمل والضفادع والدم، ولم يستطع أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره بحيث يزيد الثمرات التي نقصت أو يوفر لنفسه الماء النقي فيمنعه من تحوله إلى دم.
وفي الأخير لم يستطع فرعون أن يمنع عن نفسه الموت ، فإن كنتم ترتابون في ذلك هاهي جثته أمامكم سليمة لترونها فتعرفونها. لو كانت جثته مشوهة فلم تتعرفوا عليه لارتبتم في موته.
فكيف يكون إلها وهو لا يملك الحياة فلا يموت، وكيف يكون إلها وهو لا يستطيع نصر نفسه!!
إذن فالموت هو آخر حجة ، والمسيح صلى الله على نبينا وعليه وسلم أماته الله كحجة على من يتخذه إلها ، وإذا كان الأعداء قد قبضوا عليه فتلك أيضا حجة تعني : كيف يكون إلها وهو لم يستطع نصر نفسه فلا يقع في أيدي أعداءه!!
يتبع إن شاء الله.
Bookmarks