أردت أن أؤكد على بعض الأمور الحائرة بين "ألسنة" المواطنين الإنترنتيين و "آذانهم" ..
كى لا يظن القارئ أننا ارهابيون ندعو إلى الله عن طريق قلة الأدب وسوء الخلق
أو أننا لا هدف لنا إلا التنفير وضرب البعير وكسر الزير


مقدمة
نحن لا نمارس فى هذا المكان قمعاً فكرياً على الملحدين والكافرين الذين يطرقون باب المنتدى طلباً للسؤال أو الحوار ، أو حتى على أولئك الذين يسعون لإشاعة روح القرف والغثيان على المسلمين ، ودليل ذلك أن زبائننا من أهل الإلحاد الإنترنتى محتفظون بعضويتهم طيلة سنين على نحو باهر ، ولا يملون -بكل صدق- من كثرة الحوارات التافهة حول قضايا تتعلق بالأساس بقدرتهم على التفكير والإستيعاب ، أى أنها من النوع الذى يتوجب عليهم أن يناقشوها ممددين على شازلونج فى عيادة أحد العارفين ، ولا علاقة لها فى حقيقة الأمر بدين أو خلق أو كوانتوم فيزيائى !!

الكثيرون يأتون هنا ويفلحون فى إقامة حوار تفاعلى بناء مع المحاورين المسلمين ، ودائما ما اقول أن التلبس بالإلحاد حماقة غير مبررة ، أما الدفاع عنها دون دليل إلا من هوى نفس أو قناعة ذاتية فهو غباء طبعى فطرى مستحكم ، وحين يعلم المنصفون منهم والباحثون عن الحقيقة بتجرد أنهم كانوا على خطأ فإنهم لا يبقوا على إلحادهم طرفة عين أبداً .. ودليل ذلك جموع العائدين إلى الإسلام بعد محاورات وتناظرات طويلة فتح الله لهم بها طريقاً للخير !

وهؤلاء القوم الصادقون لم يُسجل فى حواراتهم أى انتقاص أو استهزاء أو سخرية بحق المؤمنين أو مقدساتهم ، وكذلك لم يُسجل على المحاورين المسلمين أى تطاول أو سب أو ماشابه ، لأن الحوار يدور حول قضية محددة ، وإن كانت شائكة إلا أننا نسمح للملحد بعرض وجهة نظره الكفرية إن التزم فى عرضها بالتأدب دون لمز أو همز ، حتى وإن كان مفهومه ساقطاً يناطح الفطرة والعقل السليم .. لكن لا بأس .. لأنه جاهل بحكم القانون الإنسانى قبل الشرعى ، وله الحق فى أن يعرض خرابيطه كى يجد لها جواباً ، وما علينا إلا أن نعض على حجرٍ حتى ينتهى ونخلص!!

أما زمرة المشوشين والناعقين والمشاغبين .. فهؤلاء كُـثر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لا يأتوننا إلا بهدف واحد وحيد لا شريك له ، التطاول والسخافة وتوزيع القرف بالمجان على كل قاعد ونائم فى هذا المنتدى ، ولا أقول هذا الكلام لأننى اخترعه لغرض ديبلوماسى لتقبيح الزملاء الملحدين الكويسين ، ولكن أقوله لأن هذه هى الحقيقة ، ولا أنتظر من أخ كريم يشاركنا ببضع مشاركات ولا يعلم شيئاً عن الواقع أن يمارس رياضة الإنتقاء ، ويفترض فينا أننا متوحشون ننابز هؤلاء المساكين بالألقاب ونصدهم عن طريق الدين ، وقد ندفعهم أحياناً للإنتحار ، ولكن يبقى الشاهد أن هناك من يعلم لأنه يعلم .. وهناك من يظن لأنه لا يعلم !!

المشكلة
القضية أننا لا نجلس هنا فى دفء الشاشات لنشتم الملحدين ونسب آبائهم وننكر عليهم خفة ظلهم وحبهم الجارف للعلم والعلماء ، ولم يحدث أن فتح أحد المفتحين موضوعاً كما تُـفتح علبة السردين ، وشخبط فيه كلاماً طولياً وعرضياً أو مقصقصاً كعروسة البحر ليجدنا فى انتظاره بالساطور ، ولأننا نواكب عصر العولمة فإننى أقر هنا وأعترف بأن من مقتضيات "الإخوة الإنسانية" التى يدعو لها شخص -غير محترم- كالقديس بوش ، أن ينال الملحد أو -ما شابه- حقه كاملاً فى إخراج كافة الفضلات التى تعج بها رأسه ، وقد نهى النبى الكريم -فى الحديث الصحيح- الصحابة أن يقطعوا على أحد الناس بوله حين اتخذ من مسجد الرسول خلاءً ، وتركوه حتى انتهى ، ثم وضح له الرسول أن هذا الفعل شائنٌ ولا يصح فى المسجد ، وكذلك فنحن لا نقطع على الملحدين والتائهين أفكارهم ، ونتركهم حتى يستطيع أحدهم أن يكون من زخم أفكاره جملة مفيدة تصلح للرد أو يمكن فهمها ، فإذا فعل .. ولا يفلح أكثرهم .. ووصل لمحطة الإستقرار النفسى ، فإننا نراجع المادة الملطوعة داخل الموضوع ونحللها كى نفهم مخرجها على وجه الدقة !!

هناك ظاهرة حاضرة لا يعلمها إلا من عايشها ولبس سروالها .. وهى ظاهرة ملحدى الإنترنت !
هم طائفة عجيبة من البشر يمارسون أقصى درجات الإستهبال فى تناول قضايا مصيرية ، وعلى الرغم من أن الإستهبال تطور شيئاً فشيئاً بفضل الشبهات المتناثرة على فضاء الإنترنت ليتحول إلى لون من ألوان الجريمة المنظمة لامتهان الذات وانتهاك عقول الآخرين ، إلا أننا مازلنا نعانى بين حيرتين : بين حرصنا على إيصال الخير لهذا البنى آدم بشكل يسير غير ممتنع ، وبين جهالة تصدم الذوق والعقل فتدمغهما وتقلب الحليم حيراناً ، فالمصادر العلمية مجرد مجموعة من القصاصات الفضائية .. والفكرة التى ينقلها ليست من مؤرقات بنانه بل هى من منقولات كيبورده .. والحوار العلمى يتحول إلى معجنة فى طابونة .. والمنهجية ليست إلا كرسى فى الكلوب .. أما الدليل فهو كل ما يمشى على أربع وله ذيل طويل .. وهكذا ، لا مجال لتأصيل شئ ولا لحوار له معنى ولا تجد بين يديه ولا من خلفه أى قضية محورية يدور حولها نقاش علمى أو اصطدام فكرى !

القضية المطروحة دوماً عند هؤلاء تتلخص فى شيئين : اتباع الهوى والإيمان به .. ثم خواء الجعبة !
ثم إن إشكاليتهم المزمنة أنهم لا يقدمون أنفسهم إلا بصورة عقلاء الزمان وحكماء الكون .. وجهلهم المركب يدفعههم بصورة مكررة لاقتراف الحماقات والدفاع عما يريدون أن يؤمنوا به ويقدموه لنا بأساليب مختلفة ، تتراوح بين الإزدراء للآخرين وبين الإصرار على التطاول واتهام الجميع -بمباشرة فجة- أنهم متخلفون حجريون زلطيون ، مما يجعل المحاور المسلم فى حيرة من أمره .. أيمسكه على هون أم يمرغ أنف هذا الجاهل فى التراب ، ولا نملك أن نمسك ازدراءً واحتقاراً وتسفيهاً للإيمان والمؤمنين على هونٍ أبداً ، لا من أجل دعوة ولا من أجل حياد ، لأنه فى الأصل لا حياد بين إيمان وكفر ، وغاية ما يمكننا تقديمه لأى ملحد هو حقه فى الإحترام المتبادل ، ولقد كانت قريش تصيح فى البوادى والسهول أن محمداً سفه أحلامهم وسب آبائهم وفرق عشيرتهم .. ويقصدون بذلك دعوته إياهم للحق .. فهذا هو السباب المبين الذى لم يرض عنه الكافر ، ولم يُعرف عن النبى أنه تبرأ من هذه السبة أو تملص من هذه المنقصة ، بل هى حق ولو كره الكافرون !!

العلاج
وعلاج هؤلاء -بكل موضوعية- ليس فى أن أتودد لهم إذ يستهزؤون .. ولا فى أن أعرض عنهم إذ هم لا يخسؤون ، بل فى ردود قاسية وتعامل صارم وصفع على القفا إن استلزم الأمر ، لأن من الناس من تصلحه الكلمة .. ومنهم من لا يزجره إلا خرق العيون ، وبين هذا وذاك تستبين الفروق ، ولنعلم المفسد من المصلح ، إذ لا يستوى الفاسق ولا المؤمن ، ولا يستوى الغبى الحريص على الحق مع الذكى المراوغ ، فقد يصل الغبى بحرصه للصواب رغم ضيق أفقه .. ويهلك الأذكياء تحت مقصلة الهوى واللجاجة ، ونحن لا نبحث من خلال هذا الأسلوب عن عاهات مستديمة نترك أثرها على وجوههم ، بل هو واجب مؤدىَ .. ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيى عن بينة !

وقد يقول قائل : لماذا لا توقفون هؤلاء وتطردوهم شر طردة وينتهى الصداع !
فنقول أن هذا الفعل -أى طردهم- ليس إلا عملية ساذجة لتحويل السفهاء إلى شهداء الكلمة وصرعى حرية الرأى !!
هذا مع استفزازهم المنظم الذى يبتغون به تلك النهاية السعيدة لينتهى الحصار وتزول الخنقة من رقابهم ، ثم إن الإشكالية فى أن من السفهاء من لا يريدنا أن نصفعه بالإيقاف لتنتهى المسألة ، بل هم يريدون الحوار والرغى ونشر الغثاء فى محاولة منهم لاسكات هذه الذبابة التى تدور وتدور فى عقولهم ، وفى الوقت نفسه تجد أنهم يطالبون المحاورين بالموضوعية والتجرد !! ولقد وصل الأمر ببعض المحاورين المسلمين أنهم قد تجردوا حتى من ثيابهم غضباً وكمداً ولم يك ينفعهم ذاك ولا ذلك !! ولكنه ديدن السفيه ولا أمل فى تغييره ، فالإشكالية الكبرى أن مفهوم الحوار بمعناه الصحيح مفقود تماماً ، وفى الوقت نفسه لا يقوم أى تائه بعرض فكرته أو شبهته إلا بما يستلزم الحسم والحدة أحياناً !

من أتانا يبحث عن حق فلن يجد سواه بإذن الله .. ومن جاء ليفسد فى الأرض ويهلك الحرث والنسل فلن يجد هاهنا متكئاً أو مصطبة يبث من خلالها سفالاته ، الكل مطلوب منه أن يحافظ على حوار علمى منهجى خال من المهاترات ، سواء كان مسلماً أم غير ذلك من الكائنات الحية ، أما من جاءنا بتردد وتشابك ولخبطة لا مجال لها من الإستيعاب ، فهؤلاء مخيرون بين حوار مخفى لا يراه إلا أنفسهم والمحاورون المخصصون لنوع الشبهة ، لتتم عملية الإفراز الفكرى على آخرها ولا يتبقى من درنهم شئ ، بشكل يستر العورات ويحفظ الهيبات ، والله من وراء القصد فى هذا الأمر ! .. أو أن يكون الحوار علانية بانضباط وتحديد للقضية المطلوب اثباتها أو نفيها ، مع الإلتزام الكامل بمنهجية الكلام كى لا يتحول الحوار إلى مولد أبو حصيرة !

من الواقع العملى
لم نر أحداً يلتزم بهذه المفاهيم الكويسة الجميلة سوى القليلون ، وأقل من هذا القليل من خرج بفائدة يمكن تحويلها لعمل أو سلوك جديد ، ولأننا لسنا مغسلين وضامنين للجنة فى هذا الدكان الحوارى ، فإننا نقول أن من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ، ومن أراد أن ينتعل عقليه ويفكر بحنجرته فليفعل ذلك ولا حرام على كافر ، والله هو المقدم والمؤخر ولا تبديل لكلماته !

ما نتمناه
أن يقدم الملحدون نموذجاً لهذا الكائن الوهمى الذى لا يراه سواهم فى المرآة .. أن يقدموا لنا أطروحات فكرية وعقلانية تعتمد على خرافة اسمها "الدليل" .. وأسطورة بائدة اسمها "البرهان" ، أن يملكوا القدرة على تقعيد الفكرة وعرضها بانتظام يقبل النقد ، أن يملكوا الشجاعة والجرأة لمواجهة حقيقية مع الذات ، وأن يتمتعوا بقابلية لتغيير الأفكار إن بلغت القناعة منهم مبلغاً .. لا نريد إلا مفردات طبيعية تبنى حواراً ولا تفقع مرارة المحاورين ، نريد أن نختفى نحن كمراقبين يقفون بالمقص والخيرزانه .. ولا نظهر إلا كمشاركين بأفكار ، أو لندلى بتصريحات صحفية حمراء لوكالات الأنباء حول تحسن أحوال الإلحاد العربى الإنترنتى ، ومن باب الإنصاف الإنسانى فإنى على استعداد لتغيير القناعة وتغيير ألوان المنتدى وتعليق الزينة والبالونات احتفالاً باليوم الذى سيصل فيه ملحدو الإنترنت لمستوى التحاور العقلانى دون تشتيت أو تهرب أو ازدراء !

وشكراً للجميع ..