لهفي على ابن الأكرمين :

قال الله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"

تذكرتُ ديوجين اليوناني و هو يمشي في رابعة النهار - حاملًا شعلة نار – يقول: (أفتش عن إنسان) !!

تذكرته و أنا أُحَدِّث صاحبي إذ أتاني على وعدٍ قد مضى بلقاءٍ قد حضر ..

أتاني ..

ألقى التحية ، فرددتها ..

قال : أتذكر إذ حدثتني عن الإسقاط ، و كيف يرى الكافر كل فعل و إن نبل - خبيثًا لخبث طبعه ؟

قلت : نعم ..

ثم دفعني صمته إلى السؤال : هل عرض لك عذر لهم تريد إسقاطه ، أم عرضت لك حجة لهم تريد إبطالها ؟

لكنه سكت سكتة قال في مثلها الشيخ محمود شاكر رحمه الله: (سكتة ظننت معها أن أنفاسه قد أبت عليه أن يتنفس بها ، لقد كان يجاهد نفسه ، كان يأبى أن يتكلم ، و كان الذي يجده من الضيق في صدره يأبى عليه إلا أن يتكلم ........ كان راسخًا شامخًا وطيد الإيمان و لكني كنت أنفذ إليه أحيانا فأجد الزلزلة التي في قلبه قد جعلته يتزعزع و يتطامن و يضطرب بعضه في بعض اضطراب الموج في تياره).

قلت محاولًا نزعه من خضم التفكير : ما الأمر أيها الحبيب ؟

استعبر صاحبي ، و تلألأت في عينيه دمعة يعدها الشعراء رقراقة و لكني كنت أراها سوداء ، يعد مثلها العشاق شفافة و لكني في عين صاحبي رأيتها كئيبة حائرة ، رأيتها قطرة حزن تلف جسدًا بأكمله في ثوب لا أدري أهو ثوب ألم أم ثوب راحة !!
فيا الله ما أشد أثرها قطرة !! و يا الله ما أشد بؤسه من جسد راحته في دمعة !!

همَّ بالكلام فانتبهتُ ..

قال : صرت مثلهم !!
صرت أنظر للأمور كما ينظرون ...

قلتُ : لكن .........

أكمل قائلًا : خالطتهم لأعرف كيف يفكرون فصرت بعقلهم أفكر ، صرت أقرأ القرآن متشككًا بعد أن كنت أقرأه بتدبر ، كنت أقرأ سيرة الحبيب عليه الصلاة و السلام مؤمنًا برسالته فصرت أرى أكبر ما أرى من سيرته بشريته !!
ألم أقل لك إني صرت مثلهم ؟

قلتُ : اسمع .......

قال : قرأتُ لهم لأرد عليهم ، كنت أعظّم الله في قلبي ، فلما رأيت تطاولهم على ربي قفَّ شعري ، فلما استمر التطاول هدأ أمري ، و بعد حين ما عدت أرى في فعلهم ما كنت أراه من خطر !
ألم أقل لك صرت مثلهم ؟

قال : قرأت عنهم فأردت عين اليقين فقرأت ما كتبوا ، فكلما قرأت مقالًا تافهًا بحثت عن رد عليه و قد أجد ، فإن لم أجد خزنته في قلبي حتى صار الدين عندي شبهات أنتظر الردود عليها !!
ألم أقل لك صرت مثلهم ؟

قال : لقد أصبحت أنظر إلى الأمور بعين كعينهم ...

قلت مقاطعًا : و لكن قلبك ليس كقلوبهم ...

سكتَ سكتةَ من بغته شيء مُنتَظَر !!

حينها تذكرت ديوجين اليوناني و هو يفتش عن إنسان في زحام الظهيرة !! لا هو كشف عن مراده !! و لا هو أحسن البحث عنه !! لا هو دل الناس على مراده فأعانوه !! و لا هو أحسن البحث إذ استخدم شعلة نار باحثًا عن أخلاق إنسان !!

رأيت صاحبي خالط الكفرة مخالطة لا يعرف هو سببها ، و لا يضبط السبب فيذكره ، و لا أحسن الاستعداد للمخالطة ، فصار شرًّا من ذلك اليوناني في هذه المسألة .

حينها تذكرت قول الشاعر و كأنه يخاطب صاحبي :
ومنتك نفسك ما لايكون *** وبعض المنى خلبٌ يكذب

آآآآه ..

لهفي على ابن الأكرمين !

لكن ..

لهفي عليك وما يرد تلهفي *** قصرت يداي وعز وجه المطلب

فعزمت أن أصدقه : اسمع يا صاحبي ..

اسمع فالأمر يستحق السمع ، و اعلم أني لن أجاملك في كلمة الحق ، أنت أخطأت يا أخي حين خالطتهم .

قال : عجبًا !! لو غيرك قالها !! أليس هذا من الانغلاق ؟ أليست معرفتنا بالباطل تزيد معرفتنا بالحق ؟

قلت : بل العجب منك إذ تشكو أثر الباطل عليك و لا تدري من أين أتاك الأثر !!

قال : حدِّثني بما أحطتَ به من الخبر ..

قلت : لو أنك عرفت الحق معرفة صحيحة لهان عليك أمر الباطل حتى ما يعلق بقلبك منه شيء .. أما تدري ؟

قال : و ما أدري – كتب الله لك أجري ؟!

قلت : أما تدري أن شبهات القوم قد ذُكِرَت منذ القدم ، و أن من يرد نادرًا ما يأتي بمستجد ، فترى في كتب الأوائل ما يجتره هؤلاء الأراذل ، غير أنهم يرددون – خلف أسيادهم – الشبهات و يتعامون – كما أسيادهم - عن جوابها في كتب العلماء الأفاضل ، فلو أنك قرأت ما بسط في الكتب لعلمت الحق مع رد الباطل ، و لو استرشدت بمجالس أهل العلم لانجلى عنك الضباب العاطل ، و لكنك تعجلت فذهبت تبحث عن الحق في ثنايا الباطل !! فعز المطلب و حُقَّ له أن يعز !! ثم انقلب الأمر عليك و لا غرو أن انقلب !!

قال : فهبني حصَّلت العلم ، فهل هناك من ضرر في الذهاب إليهم لنصحهم ؟!

قلت : إنك إن تذهب إليهم بلا علم ، كنت كغريق يحاول إشعال عود ثقاب في قاع المحيط !! فلا العود سيشتعل ! و لا هو إن اشتعل سينجيه من الغرق !

و إن حسن حالك و ذهبت إليهم على علم صرت كمن يشعل عود ثقاب في قاع المحيط لينير لأعدائه ليضربوه !! فلا العود سيشتعل !! و لا هو إن اشتعل يجلب له خيرًا !!

فما مثلك و مثلهم إلا كمثل أهل الكهف و قومهم حين قالوا – و قد رشدوا في قولهم: "إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً "

فدعهم و إلى الهدى ائتنا !

قال : فإن تركنا منتدياتهم و نواديهم فلم يأتوا إلينا ، أنتركهم ؟!!

قلت : ألم تقرأ ما قاله الله عز و جل لرسوله: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ"

قال : و لكن فيهم ذوي أدب ! يبحثون عن حوار يقوم على العلم مع الأدب !!

قلت : هذا الحوار إن كان ، فمهما يأتِ فيه من كلام فليس فيه كلام المنصف ، و مهما يكن فيه من أدب فليس هو أدب الطبع بل أدب زائل قال فيه الأقدمون :

كلُّ امرئٍ راجعٌ يومًا لشيمته *** و إن تخلَّق أخلاقًا إلى حين

فما تلوَّنَ إلا لتنخدع بلونه ، و يستدرجك لحواره و كلامه ، فإن دخلت في الفخ ، اجتمعوا عليك حتى تترك حوارهم من المَلَل ، و من اليقين بعدم قدرتك على بيان الحق وسط كومة من البطالين ، فإن تركتهم أطاروا الأخبار أنك قد هزمت و تراجعت منسحبًا !!

وما نصروه عن يد سلفت له *** وقد قتلوك يوم ذلك عن حقد
وإنه الغدر الصراح وخفة الـ***حلوم وبعد الرأي عن سنن القصد

فيا لهفي عليك يا ابن الأكرمين !

قال : لكنهم ليسوا كلهم يتلونون للغرض !! بل فيهم كما قلتُ ذوو أدب !!

قلت : هبه حَسِنَ الأخلاق ! أفليس من حُسن الخلق أن يأتي ليسأل المسلمين لا أن يسأل في أرض الكفار و يأتيه المسلمون ليجيبوه !!؟

و إن ترد أن تعجب فتعال أقص عليك نبأ عجبًا إن كنت تريد أن تسمع ..

رجل يبحث عن أخيه فقابله اثنان من الثقات ، فقال أحدهما : إني رأيت أخاك مر من هنا ، و قال الآخر : لم أره هنا ، فأيهما يصدق إن كان كلاهما من الثقات ؟

يصدق الذي رآه لأنه معه زيادة علم و هو صادق غير متهم بريبة .

قلت : فكيف لو أعطاه المُثْبِت على ذاك علامة ، فلنقل أعطاه وصف هندامه ؟

قال : فذاك أحق أن يصدق بلا ارتياب !

قلت : فالعجب من أحدهم يدعوك ليثبت لك عقيدته ، و عقيدته كلها نفي لوجود الإله أو نفي للنبوات أو نفي للديانات أو نفي أو نفي … ، ثم يدعوك للمناظرة هناك !!

و ما العجب ؟!

العجب أننا نثبت وجود رب السماوات ثم النبوات و الديانات ، نحن نثبت و هم ينفون ، و لو كان المثبت و النافي من الثقات فالمثبت مقدم على النافي .

فكيف و نحن نثبت بالحجة و البيان !! و هم ينفون بالجهل و البهتان ؟!!
فكيف بمن يقول: (لا نثبت و لا ننفي) كما يزعمون بأفواههم و أفعالهم تنفي ؟!!
فكيف و هم ليسوا من العدول الثقات !!
و أغلبهم نقول فيهم صدقًا : وخير أخلاقك اللواتي *** تعاف أمثالها الكلاب ؟!

قال : فكيف العمل مع من كان منهم صادقًا في طلب الحوار ؟!

قلت : أول علامة على صدقه أن يطرح سؤاله على المسلمين و إلا فإن من يسأل عن الإسلام في منتديات الكفار و نواديهم ، كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فما أحمقه !! و أحمق منه من صدقه !!

يا أخي ..

مكاننا معلوم ، و قولنا منشور ، و معتقدنا لا لبس فيه ، فإن التبس في ذهنه أمر فليأت ، و عندها يجد جواب ما سأل ، و حل ما التبس ، فإن كان صادقًا في البحث صدق فيه المثل "على الخبير سقطت" ، و إن كان مجادلًا عنيدًا و أتى المسلمين يسألهم فقد صدق فيه المثل "شر أيام الديك يوم تُغْسَل رجلاه "!

قال : فحاصل الأمر إذن أنه لا قيمة لوجودي عندهم ، بل في وجودي الضرر ، و كذا لا قيمة لوضعهم السؤال عندهم ، فوضعه فيه الكذب ..

أعدتُ مؤكدًا : لا تحاورهم هنالك ، لا تقرأ لهم هنالك ، لا تسمع لهم هنالك ، فهنالك لا رقيب عليهم ، هنالك الرقيب معهم عليك ، هنالك يتطاولون بلا ملام ، يتكلمون بلا ردع ، هنالك الاستهزاء و الخوض ..

قال تعالى: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً"

قال صاحبي : سمعنا و أطعنا ! غفرانك ربنا ! و أقتصر على مجالس المسلمين .

قلت : وألطف قومٍ بالفتى أهل أرضه ...

أطرق برأسه هنيهة ثم رمقني ببصره سريعًا : فهل رد الشبهات حرام ؟

قلت : هذا قول يخالف الإجماع ، و لا أدري من أين استنتجته !!

قال النووي رحمه الله: (و أجمع السلف و الخلف من أئمة الهدى الذين هُدوا و اهتدوا علي حكايات مقالات الكفرة و الملحدين المائلين عن الحق من الزنادقة و المنافقين في كتبهم التي صنفوها و مجالس وعظهم و محادثتهم ليبينوها حتي يعلموا ما فيها من الفساد فيجتنبوها و ينقضوا شبهها و يردوها عليهم).

قال : جميل !! كنتُ أعلم و لكن أردت اليقين ؛ فأردُّ عليهم في أرضنا .

قلت : و لكن هذا ليس لأحد إلا لمن أوتي العلم ..

اسمع قول الإمام السجزي رحمه الله: (أما العامي و المبتدي فسبيلهما ألا يصغيا إلي المخالف ، و لا يحتجا عليه ، فإنهما إن أصغيا إليه أو حاجاه خيف عليهما الزلل عاجلًا و الانفتال آجلًا).

و ليست كل شبهة تستحق الرد ، و اسمع قول الشيخ بكر بن عبد الله نفعنا الله بعلمه حين يقول:

(و كان الإمام أحمد رحمه الله يكره التصدي لمجادلة المبتدعة ، حكي عنه الغزّالي في كتابه "المنقذ" أنه أنكر علي الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد علي المعتزلة ، فقال الحارث : الرد علي البدعة فرض .
فقال أحمد : نعم ! و لكنك حكيت شبهتهم أولًا ثم أجبت عنها ، فلا يُؤمَن أن يطالع الشبهة من تعلق بفهمه و لا يلتفت إلي الجواب أو ينظر إلي الجواب و لا يفهم كنهه .
قال الغزّالي : و ما ذكره أحمد حق و لكن في شبهة لم تنتشر و لم تشتهر أما إذا انتشرت فالجواب عنها واجب و لا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية)


و اسمع كلام العلماء في بيان الحكمة من الرد :

قال الإمام مسلم رحمه الله:
(و قد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد و تسقيمها بقول - لو ضربنا عن حكايته و ذكر فساده صفحًا – لكان رأيًا متينًا و مذهبًا صحيحًا .

إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته و إخمال ذكرقائله ، و أجدر ألا يكون ذلك تنبيهًا للجهال عليه ، غير أنا لما تخوفنا شرورالعواقب و اغترار الجهلة بمحدثات الأمور ، و إسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء ، رأينا الكشف عن فساد قوله ، و رد مقالته بقدر مايليق بها من الرد - أجدى للأنام و أحمد للعاقبة إن شاء الله
).

و قال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله:
( و إن لمن المؤسف حقًّا أن نضطر إلى الخوض فيما كان الأصل أننا في غنى عن الخوض فيه ، إذ إن ردع المبتدع بالبيان واجب حتى لاتتوالى القطرات التي يزخرفها بدعوى الاجتهاد و التجديد فتكون سيلًا على توالي الغفلات ، و لو كان هناك سلطان شرعي يقوم على حراسة الدين فيزع الله به ما لا يزع بالقرآن ، لما كان لمثل هذا المبتدع من جزاء إلا التعزير و الحجر عليه استصلاحًا للديانة ، و أحوال الجماعة المسلمة ، فهذا ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.

و المبتدع إذا زجر و هجر بات كالثعلب في جحره ، أما ترك تحسيسِه ببدعته فهذا تزكية له و تنشيط ، و تغرير بالعامة إذ العامي مشتق من العمى ، فهو بيد من يقوده غالبًا .

و لعل في هذا تذكرة و إقناعًا للذين ينزعجون لهذه الردود ، ويتمنون أن لو صرفت مثل هذه الجهود إلى نواحٍ علمية مجردة من المناقشة و الأخذ والرد ، مع أن غالب هؤلاء قد يلتبس عليهم – نتيجة نشاط المبتدعة و إفساح وسائل الإعلام لهم – الحق ، فلا يتبينون حقيقة ما اختلف فيه الناس فضلًا عن التمسك به والدعوة إليه ، كما أنهم ينسون أن هذه سنة الله التي مضت في خلقه ، فما من الناس إلارادٌّ و مردود عليه ، فمحقٌّ و مبطل ، قال تعالى "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"
)

قال صاحبي : فيرد على الشبهة التي انتشرت من عنده علم بردها ..

قلت : نعم ! ليكن لها من يردها من أهل العلم و ليضع نصب عينيه قول ابن تيمية رحمه الله ( فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ، ولا وفى بموجب العلم والإيمان ، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ، ولا أفاد كلامه العلم واليقين )

قال : فهمت عنك !! فلن أذهب إليهم حيث يتسابقون في قول الباطل و السخرية من الحق !! و أبقى في مكانٍ يحرسه الرقيب المسلم ! و إن عرضت شبهة فأرد عليها إن كان عندي علم ...

قلت : إن اضطررتَ .

قال : و ما ذاك أيضًا ؟!!

قلت : إن انتشرت شبهة و كان عندك علم يكشفها و يردها فلترد عليها إن لم تجد من يردها غيرك ، و ذاك أدب السلف ..

قال عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله ( أدركت عشرين و مائة من أصحاب النبي صلي الله عليه و سلم ، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ، و لا مفتٍ إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا ) .

بل كان أحدهم يقول لرفيقه ( ارم بعينك إلي مجلس يكفينا الكلام نجلس فيه ) .

قال صاحبي : لكن ما المانع من كثرة الردود عليه ؟!

يا صاحبي ..

صمت الملحد خيرٌ له من كلامه ، و كثرة الردود عليه خير له من كلامه و صمته .

فإن كان الملحد اختار لنفسه الأسوأ ، فكيف نرضى أن نختار له الأفضل ؟!!

فإن ردَّ غيرك و كفى فلا ترد ! فكثرة الردود تتيح للغويّ الفرصة للبحث عن التناقض الموهوم !! و طول الردود يتيح للضال الفرصة للبحث عن موضع يحيد منه عن المطلوب !! فكيف نرضى أن نختار له الأفضل إن كان اختار لنفسه الأسوأ ؟!!

قال : فهمت عنك !!

فلن أذهب إليهم حيث يتسابقون الباطل و السخرية بينهم !! و أبقى في مكان يحرسه الرقيب المسلم ! و إن انتشرت شبهة و كان عندي علم يكشفها و يردها فأرد عليها إن لم يردها غيري ، و إن ردها غيري و لم يكف رده أضفت ما عندي ، و إن ردها و كفى فالصمت حينها خير ما آتي !

قلت : و إن كان لك في نصيحة من أخٍ لأخيه أصابت مخالطة القوم قلبه حتى صار ينظر بعين كأعينهم ...

قال : لقد أصابت مخالطتهم قلبي لقلة علمي ، فاسرد النصح سردًا فكُلِّي آذان صاغية ..

قلت : لا تطل الاطلاع على الشبهات و ردودها ، و خذ من الردود كما يأخذ المريض من الدواء ، و اجمع قلبك بعيدًا عن الشبهات ، و أطل البعد عنها قدر المستطاع ..

اطلب العلم ، و تعلم دينك فما يكون العلم بالاطلاع على الشبهات و الردود ، تعلم عقيدة أهل السنة و الجماعة ، تعلم فقه الطهارة و الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج ، تعلم أحكام النكاح و الجهاد و البيع ، تعلم سيرة النبي صلى الله عليه و سلم ، تعلم التجويد و اقرأ القرآن ...

تعبد لربك بالليل و الناس نيام ، حافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، عليك بالتطوع المطلق و المقيد ، صم النوافل مع رمضان ، أكثر من الصدقات ، اقرأ القرآن و تدبره ..

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و في المسلمين ألوف بل ملايين يحتاجون من يأخذ بأيديهم ، و المسلم لين في يد أخيه ، فادع إلى سبيل الله في تلك الأرض الخصبة قبل الخروج إلى ساحة الوغى ..

جاهد نفسك و جاهد الكفار و المنافقين و اعدد لهم ما استطعت من قوةٍ لترهبهم ..

حينها لن تضرك شبهات و لا شهوات بإذن الله .

قال : ذاك كل ما عندك لي ؟!

قلت : قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ).

قال صاحبي : فهمت عنك !! و سأفعل ، فأعنِّي على نفسي بكثرة الدعاء !

قلت : أفعل بإذن الله .

قال : استفتحت بقول الله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، فهل لي في التمام كما عودتني ؟

قلت : أدعك لتتدبر قول الله تعالى بعدها ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ * قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.