الحيلة الدفاعية الثانية : تُرَاهُ مِثْلَ الْفَأْرِ يَا أَبِي ؟!!

قال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ )


ذكر أنّ رجلًا سُجِن و معه طفله الرضيع ، و مع تعاقب الأيام ومعها بعض أعوام صار الرضيع كالغلام ، و بينا والده يتكلم إذ ذكر فيما ذكر الأسد ، الغلام لم يرَ حديقة حيوان ، لم يرَ رائيًا ، لم يرَ بيتًا ؛ فسأل الغلام ( و ما الأسد ؟!!) ، فاستعبر والده ، و أخذ يصف له الأسد ، يصف قوته ، يصف بنيته ، يصف ... و بعد طول وصف قاطعه ولده قائلًا ( تراه مثل الفأر يا أبي ؟!! )

هو لم يرَ إلا الفئران ، هو يقيس على الفئران كل حيوان ، هو مسكين !!

كذاك الملحد لم يرَ إلا زبالات الأفكار ، و سوءات المشاعر ، فظن كل تصرف – و لو نَبُل – فِعلَ سوءٍ !!

هو لم يرَ إلا القمامة ، هو يعتبر كل الناس مثله من هواة جمع القمامة ، هو مقزز !!

يري في الناس عيوب نفسه ، و هم براء من تلك العيوب ، و أفعالهم براء من كل سوء .

قال صاحبي : و لكن حسن الظن لا يصلح دائمًا .. فهناك فرق بين حسن الظن و الغفلة ..

قلت : و ما لنا و للغفلة ؟!!

إن كان الفعل فعلًا خبيثًا في ذاته ، فلا عليك أن تعتقد في فاعله العيب ، فلو رأيت رجلًا وُدُّه للمنافقين فاعتقدت فيه حب النفاق فأنت معذور بلا ريب ..

لكنْ لو كان فعلًا محتملًا – كمعظم الأفعال - فعليك بحسن الظن إلا إن تكرر من صاحب الفعل ما يدل على خبث الطوية و سوء النية فلك أن يغلب ظنك بعيبه لكنك لا تستطيع الجزم .

أمَّا أن ترى فعلًا من فاعلٍ عُرِفَ بحسن السيرة و نبل المسيرة ، فتفسره بأخبث ما أنت راءٍ من تفسير ، فهذا يدل على خبث طويتك و سوء نيتك إن أنت فعلت !! و أي خبث !! و أي سوء !!

و ليس حمل الأفعال على أسوء تفسير يحتاج إلى عبقرية إلحادية خاصة بل هو أمر يسير ، كما قالوا عن الشهد:
تقول هذا مجاج النحل تمدحُهُ ... وإن تَعِبْ قلت ذا قيءُ الزنابيرِ

سأل : و ما اسم هذه الحيلة التي تجعلك تفسر تصرفات الآخرين من خلال ميولك و دوافعك ..

قلت : هي الإسقاط قولًا واحدًا .. و ما أدراك ما الإسقاط ؟!

أردفتُ قائلًا : أرأيت خسة نفس ، و انحطاط همة ، و قلة عقل ، و سفاهة فكر أكثر من هذا الأقرع ؟

أي أقرع ؟!!

الأقرع الذي حكى عنه الجاحظ أنه لما قيل له : ما تتمنى ؟ قال : أن يكون الناس مثلي حتى أنظر إليهم بالعين التي ينظرون إليّ بها .

أرأيت خسة نفس ، و انحطاط همة ، و قلة عقل ، و سفاهة فكر أكثر منه ؟

و لم أنتظر جوابًا فأضفت :

أنا رأيت ..

رأيت كافرًا ..

(وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء )

و رأيت أشد الكفار صفاقة وجه ، و سماكة جلد ، و تبلد حس ، و خبث طوية ..

قَبُحَتْ مناظرُهم فحين خبرتهم ... حَسُنَتْ مناظرُهم لقبحِ المخبرِ.

رأيت ملحدًا ..

هذا الأقرع عرف عيبه ، عرف أن الناس ليسوا مثله ..

لكني رأيت ملحدًا لا يرى عيب نفسه ، و يرى في غيره عيب نفسه ..

هذا الأقرع فقد شعره ، و لا ملام ..

و ذاك الملحد فقد شعوره ، و عليه الملام ..

إذا ما كانت الهمم المعالي ... فهمُّك ما يكون به الملام.
قُبِّحْتَ ولا سقاك الله غيثاً ... وجانبك التحية
والسلام!

هذا الأقرع لم يعير أحدًا بما لم يره ..

ذاك الملحد عير ببجره غيره !! و نسي خبره !!

لسان حاله : أبت شفتاي اليوم إلا تكلماً ... بشرٍّ فما أدري لمن أنا قائله!!

رأيت ملحدين أسقطوا عيوبهم على أشرف المرسلين .. على صحبه الميامين .. على جماعة المؤمنين .. بل على رب العالمين !!!

رأيتهم شهوانيين يتهمون سيد الورى صلى الله عليه و سلم بما ملأ قلوبهم من أسقام !! يفسرون كل فعل من خلال قذارتهم !! يفهمون كل تشريع من خلال زبالتهم !! تجدهم هكذا يجمجمون و يروحون و يأتون فإن صرحوا فهي الشهوة !!

فالتعدد مسألة شهوة !! و ما تفتق ذهنهم ففهموا أن لو كانت المسألة مسألة شهوة لما حُرِّمت النظرةُ و اللمسةُ و الخلوة !! بل كان يكفي أن يسكت الشرع عن مسألة التعدد بأربعة فيبقى الأمر على إباحة التعدد بأكثر من أربعة !!

الغنائم شهوة مال !! و ما خطر ببالهم أن السرقة أسهل من تعريض النفس للقتل في الجهاد لتحقيق الثروة !! و طبعًا لو تعمقت معهم في فقه المسألة و فقه الخُمْس من فقه المسألة فستجد خشبًا مسندة مكسورة مهشمة !!

الخلافة و الطاعة شهوة سلطان !! و قد قال صلى الله عليه و سلم ( إنكم ستحرصون على الإمارة وإنها ستكون ندامة وحسرة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ).

إن سمعوا خبرًا من نوع ما يفعل الزوج مع زوجته ، فسروه تفسير قوّادٍ أنساه إلفُ المهنة عفةَ النكاح ..

فإن قلت " ذاكَ فعلُ جِبِلَّةٍ !! " ، قالوا موهومين بالظفر " لكنه ... لكنه رسول الله .. رسول الله " !!

فلله كم من أحمق في نعمةٍ !!

و لأنه رسول الله تفسر أفعاله الجبلية بأسوأ تفسير - لا أقول يُحْتَمَل - بل بأسوأ تفسير لا يغتفر ؟!!

و لأنه رسول الله يدع الأمة لا تدري في شأن من شؤون حياتها ما تأتي و ما تذر ؟!!

و لأنه رسول الله يترك أمته لا تدري في نهار رمضان ما يجوز ، و ما يمتنع !!؟

صرختكم هذه " لكنه رسول الله " عين حجتنا ، و شمس أدلتنا ، و لكنكم تذكرونها كالحُمُر .. حُمُرٌ لا تفر من القسورة لكنها تقف تستفزه تحسب حلمه ضعفًا ، حُمُرٌ تقيس القسورة على الفأر .. فإن زَأَر !! خَارَتْ حُمُر !!

أيها الملحد ..
اعرف حدك !! و اعلم أنَّا نعلم أنك تلقيت زبالات أفكارك من على موائد البراغيث في عوالم الانحطاط ، فإن أردت أن تستقيء هذه الزبالات فافعل بعيدًا وحيدًا و إلا فأمسك حتى نمسك عنك !!
كأنك قملة لقحت كشافاً ... لبرغوث ببعرة أو صواب.


فمالك و أفعال الكرام !!؟
مالك و أفعال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير أفعال من خير إنسان !!؟

قال صاحبي : اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

تابعتُ :
لأنهم يحبون المؤامرة ، و لو احتاجوها لحاكوها ، و ما تلبثوا فيها إلا يسيرًا ، ظنوا في الصحابة رضوان الله عليهم المؤامرة ..

المؤامرة على التاريخ فقالوا " يكتبه المنتصر !! "
و ما علموا أن تاريخنا منقول بالسند و فيه خارجي و رافضي بل كذاب أشر !!
فأتونا بحدثٍ قد قُطِع أو حقٍّ قد بُتِر !!

المؤامرة على الخلافة فقالوا اتفق أبو عبيدة مع أبي بكر و عمر !!
و ما علموا أن الثلاثة لا تخيل مؤامرتهم على ألوف غير من ذُكر!!
و ما علموا أن الثلاثة من خير البشر بعد الأنبياء و الرسل !!

المؤامرة على القرآن فحذفوا ما استقر !!
و ما علموا أن الأمر عند العرب إن أذيع فقد حُفِظَ و انتشر !!

يفعلون مع الصحابة ما أتاه أصحاب الدرك الأسفل من النار ..

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

المنافقون عندما أرادوا تفسير فعل المؤمنين حين تصدقوا قالوا : إنهم تصدقوا رياءً !

و هكذا يتآخى الإلحاد و النفاق !! أخوة في الشيطان ستفكها النيران !!

بل هم أقذر من المنافقين ..

هم عبثيون ...

عبثيون رأوا في الكون بما حوى ، رأوا في الإنسان بما وعى ، رأوا في الموت و البلى ، رأوا في الأفلاك الجارية ، في الرياح السارية ، في أسرار القلوب ، في خفايا الصدور ، في خبايا النفوس ، في الآفاق البعيدة ، في الآيات العديدة ...

رأوا في كل هذا عبثية !! و نداء الله يعلوهم :

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )

قال صاحبي : (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ).

فلا عجب أن يأتونا بالأذى ، فنحن في صراط سبقنا فيه الرسول صلي الله عليه و سلم و الأصحاب عليهم الرضوان ، و هم في سلسلة سبقهم فيها المنافقون ، و الأرواح جنود مجندة ، و الطيور على أشكالها تقع ..

أتونا بالأذى ، و لن يضرونا إلا أذى ..

لأنهم جهلة يتهمون الموحدين بالجهل ..

لأنهم عاجزون عن بيان مذهبهم – و لا مذهب و لا بيان و لا شيء إلا الخواء - ، اتهمونا بالعجز عن فهم قولهم !!

لأنهم متكاسلون عن الوصول لحقائق الإيمان بعقولهم و قلوبهم ، اتهموا الموحدين بأنهم مثلهم ، ثم أرادوا التمويه فقالوا ( أنتم تقلدون آباءكم ) !! هكذا !! أفكل تشابه يكون عن تقليد !! فضلًا عن السؤال : ما الفرق بين التقليد و الاتباع ؟!!

فاحذر أخي ثم احذر .. !

احذر أن تجاريه في تفسيراته لأفعال أحد بدوافعه !! فخذ الأفعال مع أخلاق الفاعل و سجاياه فإن استطعت فأضف الظروف المحيطة!! لكن إياك أن تضع في حسبانك نفسية الملحد !! اضرب بها عرض الحائط و لا تهتم !! فهم :
أناس إذا الهيجاء شبت رأيتهم ... أذل على وطء الهوان من النعل.

لكن عليك بالحكمة مع ذلك في آن !! فحدث الناس على قدر عقولهم !! لكن إن كان المخاطب أهلًا للحديث فحاججه بالعلم !! فإن مال للتفسير بالدوافع فلا تمل معه !! فإلزامنا بدوافعه ما صح في الأثر و لا النظر !! فلا تأس على من كفر !!

قال صاحبي : استفتحت بقول الله تعالي ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ) فأين العاقبة ؟

قلت :

( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ )
و لهم من عاقبة الذين يلمزون المطوعين نصيب (سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

فإن تك قد أصبت نعيم دنيا ... فلا تفرح فقد دنت القيامه
قال صاحبي : فالتالية في التالية إن شاء الله ..

قلت : هو ذاك ، سلام عليك سأستغفر لك ربي ، و لا تنسني من دعائك ..

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .