افتتاحية العدد

الـحَمدُ للهِ مالكِ المُلكِ ، باعِثِ رُسُـلـهِ لـخَلقِهِ بالحَقَِ ، الحمد للهِ على وافِـر نِـعَـمِهِ وعـطاياه ، وعـلى كثير مِننِهِ وسَجَاياه . اللهم صَلِّ على مـحمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعـلى آل إبراهيمَ ، إنك حميدٌ مجيدٌ ، اللهم باركْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركْتَ على إبراهيمَ وعـلى آل إبراهــيمَ إنكَ حـميدٌ مـجـيدٌ .

ثمَّ أمَّا بعد أيـها الأحباب الكرام : فها هي أمتنا الإسلامية قد دخلت راغِبة أو مُرغَمة في عصر الانترنت وتبادل المعلومات ، العصر الذي يتسم بالسّرعةِ في كل مناحيه ؛ حتى لقد أوشكَ المرءُ مِنا ألا يجدَ وقـتاً يُقلمُ فيه أظفارَه ، وما سأجعله مقدمةً بين يديْ هـذا العـددِ من المجـلةِ - التي أسأل الله أن يجعلها نافِعـةً مباركة ً- ليس من باب التهويل ولا دَرباً من دروبِ تضخيم الأمور وإخراجها من دائرة حجمها الحقيقيّ ؛ وإنما هو من باب أنَّ الرائدَ لا يَكذبُ أهلَهُ ، فنحن اليوم - معشر الملتزمين - محاطون ومحاصرون ، بل ومقيدون بألفِ قيدٍ وقيدٍ من أواصِرِ وأغلال الفكر الشاذ المنحرف والأفكار الجاهزةِ المُعلبةِ التي تأتينا ونحن لا نعلم عنها شيئا .. فابتداءً نجهلُ مصدرَها وانتهاءً نجـهلُ مُبتغاها ، فالإعلامُ مِنْ جـانبٍ يأتي بالقبيح ويُزين العفاناتِ ، ويكسُو الترُهاتِ والسخافاتِ أبهى حللها ، والناسُ ترَوجُ ما تتقاذفه الألسنة دون تمريرٍ على الأفئدةِ والألبابِ .
والإنترنت مِن الجانبِ الآخر ما هو إلا كالسيارة المتنقلة التي تسير في طريقها مـسـرعة ، وكلما نادى مُنادٍ حملته على ظهرها وأكملت مسيرتها ، فباتت تحمل بين جنباتها الغث والثمين والصالح والطالح ، واخـتلط هـذا بذاك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فكان كلاهـما كطرفي السِّندان الذي يهوى على الرأس ليدمرَ العظامَ ويقطعَ الأوصال ، عظـام مَنْ ؟ وأوصال مَنْ ؟ إنها عظام وأوصال الملتزم الذي آثر طاعة ربه على ما سواها . حـروبٌ فكـرية وعقـدية شعـواءٌ لم يَكفِـها أن تحيط بالمسلمِ من كل جَنباتِ الأرض فأحاطتهُ أيضا من خلال أسلاكِ الحاسوبِ .
وأمام هـذا لم يكن بوُسْعِ المسلم أن يقفَ مكتوفَ الأيدي وأن يكتفيَ بالمطالعةِ دون تدخـل ، فـوَلـجَ إلى هـذا العالمِ الجـديد يُمَنِّى نفسَهُ بالدفاع عن دين الله وعن ثوابت شِرعتِه ، فدخل وتحدث وكتبَ وناظرَ واستقى معلومـةً من هنا والأخرى من هناك ، وفى وسط هذا التتابع المرحلي ، أدركَ بعضَ الحقائق المهمةِ !
فمِنَ الملتزمين مَنْ وقفَ مع نفسهِ في لحظة مُصارَحةٍ وتبين له أنه قد أصابه ما أصابه من تَسَرْبل الأفكار الهدامة وجريانها على رأسه مجـرى الماء ببطن الوادي ،كيف لا ؟ وهـو قد تمر عليه الساعة الواحدة يكون قد تحدث فيها مع المرجيء والشيعي وغيرهما فضلاً عما قد يلاقيه ممن ليسوا على ملة الإسلام أصلا ، والكثير مِمنْ تلبسَ بشبهةٍ أو حَـارَ ودخل بوتقة التيه بعض الوقت استكشف أنه قد دخل الإنترنت بعاطفةٍ غير مصحـوبةٍ بعلم يصونها ويذود عـنها ، وتبين له أنه يوم أن تصدى لأمر الدعوة إلى الله لم يكن مدركاً حقيقة الإدراكِ قـول الله تعالى : {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُـو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}يوسف108 .. فوقف وقال لنفسه : كيف أعلِّمُ الناسَ ما أنا جاهِلُهُ ، أيَجُودُ الدَّلوُ الفارغ بقطرةِ ماء ؟ كلا بالطبع فالفارغ لا يقطـر أبدا .
والحـقيقة الأخـرى التي اسْتبْيَنها بعض الملتزمين في نفسه أنه تركَ الواقعَ تركاً مطلقا ، فصار لا يعلم شيئاً عـن إخـوانه في شتى بقاع الأرض ، فضلاً عن إخوانه في القطر والمُصر الذي يحـيا به . ومِنَ المعلوم أنَّ المسلمَ في حاجةٍ ماسَّةٍ لمعرفةِ ما يدور حوله من أحوال الناس وأخبارهم ومن معاينةٍ لِما يعاصره ؛ ليكون قد رسَّخَ قدميْهِ على أرض الواقع فينفتح البصرُ وتتسع المداركُ ، ويستشعر المرءُ حـجـمَ الخـطر قـبـل أن يصلَ إليه .
وهـذه الغفلة عن الواقع كما نلمسها في وقتنا الحالي تضر بالالتزام نفسه مثلما تضر الملتزمين .
ومن هنا جاء تفكير إخوانكم بالموقع في الجمع بين العـلم المتمنهج بمنهج السلفِ أهـل السنةِ والجـماعةِ ، ومعايشةِ الواقع ومطالعةِ أخبار الدنيا وما يهمُّ المسلمَ مِنها ؛ لنكون قد جمعنا بين ضرورة من ضرورات الحـياة ؛ ألا وهى الواقع ، وبين ما تستقيم به ديانة الملتزم ويشبع به حاجته في معرفة دينهِ .
فكان العدد الأول مِنْ مجلةِ (القارئِ الصغيرِ) التي تم التخطيط لها أن تكون مجلة أسبوعية ، تنقل فى كل عددٍ ما يتيسر من الحديث ، والتفسير ، والحِكَمِ ، والعِظاتِ ، وأصول الدعـوة وكيفيتها ، وفتـاوى أئمةِ أهل العلمِ أصحابِ المنهج القويم .
وعلى الجانب الآخر لا تغفل ما يهم المسلمَ من الجوانبِ الحياتيةِ كأخبار المسلمين ، وأخـبار الاقتصادِ ، والإفاداتِ الطبيةِ ، ونقل المفيد من مقالات الكُتَّابِ في أعمدتهم المعـروفة . وأيضا لم تغفل المجلة الاهتمامَ بما يهمُّ الأسرةَ المسلمة من تدبير شئون البيت المسلم ورعايتهِ .
ويأتي حَقُّ قارئنا الحبيب في التواصُلِ والتقارُبِ كَمِسْكِ الخِتامِ لكلِّ عَدَدٍ من أعدادِ مَجلتِنا ، بأن يُخـْـتـتمَ العـددُ ببابِ القلبِ الصغـيرِ لكل من لديه مشكلة تؤرقه ويبحث لها عن حـل فما عليهِ إلا أن يُراسِلَ إخوانه في المجلةِ ويُخبرَهم بما يُواجهه وسيجد إن شـاء الله قلوباً له مخلِصَـةً وآذاناً له صاغـية ، كل شغلها الشاغل أن تقـوم بإفادتهِ وإزاحـةِ ما يعترض طريقه من عقباتٍ .
هذا ونسألُ اللهَ العظيمَ أنْ يوفقنا وإياكم جميعـاً لما يحبه ويرضاه ، وأن يديم التآخي بيننا ، إنه سبحـانه وتعالى ولي ذلك ومولاه .
سبحانكَ اللهم وبحمدكَ ، نشهدُ ألا إلهَ إلا أنتَ ، نستغفرُكَ ونتوبُ إليكَ .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .