السلم عليكم هذا مقال رائع لشيخنا طارق الحمودي تلميذ العلامة بوخبزة حول حدود الله وتطبيقها وضعته هنا لغزارة فوائده :
http://www.aldahereyah.net/forums/sh...6857#post16857

لكِ الله ...يا حدودَ الله


بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فهذه نفثة مصدور ناله مما يراه ويسمعه نصيبه من الغم والهم. وشكوى مظلوم بلغت منه عواصف النفاق مبلغها . واعتراف مشتاق على أمل اللقاء .
وما صبابة مشتاق على أمل من اللقاء كمشتاق بلا أمل
لك الله... يا حدود الله. كنت حامية حمى الملة والدين. ورافعة لواء الحق اليقين, واليوم غبت غياب مفارق لا يعزم على عودة.ولا يحرص على ثوبة. بعُد طَوله, وصعب نَوله.
ولو كان الشتم طبعي,أو كنت جعلت السب تطبعي, لحشوت هذه الورقات منهما ما يروي غليل بغضي ممن حرموني رؤيتها, والتباهي بإقامتها. ولكنني عازم على ترك هذا إلى حين.ومخاطبة أهل الإنصاف والدين.
*روى الإمام أحمد في مسنده (2/362و402) والبخاري في التاريخ الكبير (2/212) والنسائي(4904) وابن ماجه (2538) وأبو يعلى (6111)وابن حبان ( 4398 / ذكر الأمر بإقامة الحدود في البلاد إذ إقامة الحد في بلد يكون أعم نفعا من اضعافه القطر إذا عمته) وابن الجارود في المنتقى (801) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حد يقام في الأرض خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحا)
وروى بحشل في تاريخ واسط (1/121) ثنا القاسم بن عيسى قال ثنا هشيم عن الأصبغ بن زيد عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( حد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين يوما)
والحديث مرفوعا حسنه الشيخ الألباني بالشواهد في السلسلة الصحيحة (231)وذكر هناك شاهدا له من حديث ابن عباس مرفوعا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (28/301و302): (وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة, فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله تعالى فحصل الرزق والنصر)
وقال الطيبي في شرح المرقاة : (ذلك لأن في إقامتها زجر للخلق عن المعاصي والذنوب وسبب الفتح أبواب السماء بالمطر وفي القعود عنها والتهاون بها انهماكهم في المعاصي وذلك سبب لاخذهم بالسنين والجدب واهلاك الخلق وخص الليلة تتميما لمعنى الخصب)
وقال المناوي في فيض القدير (2/56): (لأن في إقامتها زجرا للخلق عن المعاصي وسببا لفتح أبواب السموات للمطر وفي العفو عنها والتهاون بها انهماكا لهم في الإثم وسببا لأخذهم بالجدب والسنين ولأن إقامتها عدل والعدل خير من المطر أو المطر يحيي الأرض والعدل يحيي أهلها ولأن دوام المطر قد يفسد, وإقامتها صلاح محقق وخوطبوا به لأنهم لا يسترزقون إلا بالمطر( وفي السماء رزقكم وما توعدون)) وهذا جيد جدا.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ج(/275): (وحديث أبي هريرة فيه الترغيب في إقامة الحدود وأن ذلك مما ينتفع به الناس لما فيه من تنفيذ أحكام الله تعالى وعدم الرأفة بالعصاة وردعهم عن هتك حرم المسلمين)
* وروى الإمام أحمد في مسنده (2/70) وأبو داود (3597) والحاكم في المستدرك وصححه (2/32)وغيرهم عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله عز وجل فقد ضاد الله في أمره)
وله شاهد عند الطبراني في الأوسط(8552) بلفظ (فقد ضاد الله في ملكه) قال الهيثمي في المجمع (4/201): (فيه رجاء السقطي ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان)
ورواه ابن أبي شيبة (5/437)موقوفا على ابن عمر وهو صحيح أيضا .والحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (437)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/29و30): (وولي الأمر إذا ترك إنكار المنكرات وإقامة الحدود عليها بمال يأخذه كان بمنزلة مقدم الحرامية الذي يقاسم المحاربين على الأخيذة وبمنزلة القواد الذي يأخذ ما يأخذه ليجمع بين اثنين على فاحشة وكان حاله شبيها بحال عجوز السوء امرأة لوط التي كانت تدل الفجار على ضيفه التي قال الله تعالى فيها (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) وقال تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم ) فعذب الله عجوز السوء القوادة بمثل ما عذب قوم السوء الذين كانوا يعملون الخبائث وهذا لأن هذا جميعه اخذ مال للأعانة على الاثم والعدوان وولى الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذا هو مقصود الولاية فاذا كان الوالى يمكن من المنكر بمال يأخذه كان قد أتى بضد المقصود مثل من نصبته ليعينك على عدوك فأعان عدوك عليك وبمنزلة من أخذ مالا ليجاهد به في سبيل الله فقاتل به المسلمين)
وقال في كتاب الاستقامة (ص320و321و322) : (فإذا كان هذا في الشفاعة بالكلام فكيف بالذي يعظم المتعدين لحدود الله ويعينهم على ذلك ويجعل ذلك دينا لا سيما التعظيم لما هو من جنس الفواحش فإن هذا من شأنه إذا كان مباحا ستره أو إخفاؤه وأهله لا يجوز أن يجعلوا من ولاة الأمور ولا يكون لهم نصيب من السلطان بما فيهم من نقص العقل والدين فكيف بمن هو من جنس هؤلاء ممن لعنه الله ورسوله فإن من يعظم القينات المغنيات ويجعل لهن رياسة وحكما لأجل ما يستمع منهن من الغناء وغيره عليه من لعنة الله وغضبه أعظم ممن يؤمر المرأة الحرة ويملكها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )
فالذي يعظم المخنثين من الرجال ويجعل لهم من الرياسة والأمر على الأمر المحرم ما يجعل هو أحق بلعنة الله وغضبه من أولئك فإن غناء الإماء والاستمتاع بهن من جنس المباح وما زال الإماء وغيرهن من النساء يغنين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأفراح كالعرس وقدوم الغائب ونحو ذلك بخلاف من يستمعون الغناء من المردان والنساء الأجنبيات ويجتمعون معهم على الفواحش فإنما يكون ذلك من أعظم المحرمات فكيف إذا جعل ذلك من العبادات وقد كتبنا في غير هذا الموضع مما يتعلق بذلك ما لا يحتمله هذا الموضع)
قلت: وقد صار تعظيم المخنثين اليوم من شعائر الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأصبح لهم من الحظ ما جعلهم حديث المحافل الدولية والمؤتمرات والمؤامرات العالمية. وأضحوا جنسا ثالثا بين الناس أحدثت له حقوقه.وأمسوا يزاحمون الأصحاء في كل مكان.وباتوا آمنين على أنفسهم من العار والمذلة.فلك الله... يا حدود الله.
وأما طريقة أهل العلم والإيمان مع المخنثين فنفيهم أو حبسهم, فقد قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية المروزي وابن منصور : (والمخنث يتفى,لأنه لا يقع منه إلا الفساد والتعرض له.وللإمام نفيه إلى بلد يأمن فساد أهله,وإن خاف به عليهم حبسه) اهـ من إعلام الموقعين (4/457/مكتبة ابن تيمية)
*وروى مسلم في صحيحه (1691) عن عبد الله بن عباس قال : قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف)
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (11/191): ( هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم كما سبق بيانه وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه)
قلت: وقد وقع أيضا من العلمانيين اليوم.فضلوا وأضلوا, وهم شر من الخوارج .فالخوارج ردوها لأنها لم ترد في كتاب الله تعالى, وهؤلاء ردوها لأنها لم ترد في قوانين الأمم المتحدة! فهم يعتبرونها معارضة لحقوق الإنسان, وهمجية لا تليق بالإنسان المتحضر اليوم. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
قال ابن قدامة في المغني (9/39): (روينا أن رسل الخوارج جاؤوا عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم وقالوا ليس في كتاب الله إلا الجلد وقالوا الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد فقال لهم عمر وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله قالوا نعم قال فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها أين تجدونه في كتاب الله تعالى وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها فقالوا انظرنا فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن فقالوا لم نجده في القرآن قال فكيف ذهبتم إليه قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفعله المسلمون بعده. فقال لهم فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصلاة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه)
ومثل حديث ابن عمر هذا ما رواه البخاري (3288) ومسلم (1688)عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)
فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم : (إنما أهلك الذين من قبلك) ليعلم أن ترك إقامة الحدود من أكبر أسباب الهلاك. فإن كانوا أهلكوا بسبب التفرقة في الحدود فكيف الحال فيمن تركها كلية!؟ وانرظ كيف أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة حبه وحبيبه. فإن كان هكذا إنكاره شفاعته لإيقاف حد على أحد, فكيف بمن سعى في رده والمنع من العمل به , بل فيمن يسخر من حد أو يعيبه؟!
وتأمل قوله (أهمهم شأن المرأة المخزومية) أي أحزنهم. ومع ذلك أقيم الحد. فلا عبرة بحزن أحد, ولا رأفة في إقامة الحد على أحد. كما قال تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) فجعل إقامة الحد علامة من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر! ولا تجعل رحمة المحدود مانعة من حده, كما لا تجعل رحمة الشاة مانعة من ذبحها يوم العيد كما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم : (يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها؟ فقال: ولك في ذلك أجر) روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/) 535بإسناد صحيح عن كيع عن سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قال: ( في إقامة الحد يقام ولا يعطل) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/158): (المراد بتعطيل الحد تركه أصلا أو نقصه عددا)
قال ابن كثير في تفسيره (3/262): (أي لا ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة الحد وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك) وهذا قول أهل التفسير . قال أبو عمر ابن عبد البر المالكي في التمهيد (5/332): (إنما أريد به أن لا تعطل الحدود وأن لا يأخذ الحكام رأفة على الزناة فيعطلوا حدود الله ولا يحدوهم وهذا قول جماعة أهل التفسير) وقال القرطبي المالكي في الجامع (12/165): (أي لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود, وهذا قول جماعة أهل التفسير ) وقال النسفي في تفسيره (3/134): ( المعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا فى دين الله ولا يأخذهم اللين فى استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود)
وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (3/334): (اختلف السلف فيها, فمنهم من قال (ولا تأخذكم بهما رأفة ) فتسقطوا الحد ومنهم من قال (ولا تأخذكم بهما رأفة ) فتخففوا الحد وهو عندي محمول عليهما جميعاً فلا يجوز أن تحمل أحداً رأفة على زان بأن يسقط الحد أو يخففه عنه)
ومن متين العلم قول المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/571و572) : ( فإن الله عز وجل أوجب على الزانيين الحد وأمر بإقامته عليهما ونهاهم أن يأخذ بهما رأفة فيعطلوا عنهما الحد الذي أوجبه الله عليهما رأفة منهم بهما فالرأفة على وجهين رأفة تدعو إلى تعطيل الحد وهي المنهى عنها ورأفة تدعو إلى إقامة الحد عليهما شفقة عليهما من عذاب الآخرة فهذه غير منهى عنها فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كان بالمؤمنين رؤفا رحيما وكانت رأفته بهم لا تحمله على تعطيل الحدود عنه فالرأفة التي تدعو إلى تعطيل الحد منهية عن النبي صلى الله عليه وسلم والرأفة التي وجبت للمؤمنين بالإيمان هو موصوف بها ألا تراه كان يقيم الحدود عليهم مع ظهور شدة ذلك ومشقته عليه ولولا رحمته ورأفته لما شق عليه) وهذا كلامه يفوح عبق إيمان وريح علم راسخ. بل إن أهل العلم اشترطوا في الإمام أن يكون ممن لا تلحقه رقة في إقامة الحدود ولا فزع من ضرب الرقاب ولا قطع الأبشار والدليل على هذا كله إجماع الصحابة رضى الله عنهم لأنه لا خلاف بينهم أنه لا بد من أن يكون ذلك كله مجتمعا فيه. قاله القرطبي في تفسيره (1/270)
ووما يحسن عرضه هنا ما نقل عن الحسن البصري في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) قال : (أكثر ما كان يصيب الحدود في ذلك الزمان المنافقين فأمر عليه الصلاة والسلام أن يغلظ عليهم في إقامة الحدود)
وقال ابن أبي زمنين المالكي في تفسيره (2/30)في قوله تعالى (فلا تخشوا الناس) في إقامة الحدود على أهلها من كانوا (واخشون) في ترك إقامتها.
وروى أبو عبيد في الأموال (518)حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا حدثنا الليث ابن سعد قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهابمرفوعا في كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه بين المسلمين من اهل يثرب ومسلمي قريش, وفيه: ( وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة أو آمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا أو يؤويه فمن نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه إلى يوم القيامة لا يقبل منه صرف ولا عدل)
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموالل (ص265): (المحدث كل من أتى حدا من حدود الله عز وجل فليس لأحد منعه من إقامة الحد عليه)
فصل
ومن الأمور التي يشاغب بها العلمانيون أهل المشاكسة والتدليس, أن في إقامة الحدود تكثيرا لأصحاب العاهات والمعوقين. وجعلوا يزينون هذا الباطل اللجلج في عيون واسماع الناس بما وجدوه عندهم من ألوان التلبيس والتزوير والتهويل.وصاروا لا يخلون محاضراتهم ومؤلفاتهم وصحفهم المعدة للنيل من سمعة الإسلام وأهله من وسوسة في قلوب ضعفاء المنتسبين للإسلام وتزوير لحقائق الأمور الواضحات عندما يريدون كف الناس عن تسليم قلوبهم لله رب العالمين من سكان نصف الكرة الأرضية الشمالي.
فمما ينبغي أن يعلم ويرفع به الصوت في مجامع الناس ونواديهم,أن للحدود أثرا عظيما جدا في استقرار الحكم.وتشييد بنائه, فإن إقامة حد واحد من حدود الله تعالى له من الأثر العظيم ما يخفى على أمثال هؤلاء العمي, فهي زواجر مصلحة, ووسائل تأديب ومنفعة. وشعيرة من شعائر الشريعة وصمام أمان وأمنة.
قال الشاطبي في الموافقات (1/237): (إقامة الحدود والقصاص مشروع لمصلحة الزجر عن الفساد وإن أدى إلى إتلاف النفوس وإهراق الدماء وهو في نفسه مفسدة ) وقال (2/149): (وإنما قصد الشارع جلب مصلحة أو درء مفسدة كالقصاص والعقوبات الناشيءة عن الأعمال الممنوعة فإنها زجر للفاعل وكف له عن مواقعة مثل ذلك الفعل وعظة لغيره أن يقع في مثله أيضا) وقال (2/54): (إن المصلحة ليست الازدجار فقط بل ثم أمر آخر وهو كونها كفارة لأن الحدود كفارات لأهلها وإن كانت زجرا أيضا على إيقاع المفاسد) وقال (2/191): (فإن الشارع لم يضع تلك الحدود إلا لتجري المصالح على أقوم سبيل بالنسبة إلى كل أحد في نفسه)
والذي يقرأ كلام هؤلاء النتنى يحسب ـ وقد صرحوا بذلك مرارا ـ أن من لوازم تطبيق الحدود الاجتهاد في رفع كل مقترف لما يوجبها إلا السلطان أو نوابه, فيوظف الموظفون لتتبع الناس والتجسس عليهم والبحث عن مرتكب منهم لكبيرة توجب حدا, وهذا ظلم للشريعة وكذب, فإن من مقاصد الشريعة عند تطبيق الحدود الستر على مرتكبي هذه القاذورات والحرص على عدم رفع أخبار الناس إلى الأئمة والأمراء .فقد روى أبو داود والنسائي عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم , فما بلغني من حد فقد وجب) بل حض الشرع على محاولة إيجاد مخرج لمن رمي بشيء مما يوجب حدا .فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن المقر بالزنا ما يدفعه عنه كما قال لماعز: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت, وفي رواية أنه استنهكه فلم يجد منه ريح الخمر وسأل الناس: أبه جنون. يحاول أن يدفع عنه الحد.وحاول درأ الحد عن الغامدية فدفع عنها ذلك تارة بدعوى انتظار وضعها وتارة بانتظار فطام الولد حتى قال حينما وضعت : (إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله , فرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم.بل لاحظ أنه قد أوجب الله شهادة أربعة شهداء لإثبات الزنا فهيهات أن يصل شيء من هذه القاذورات إلى الإمام إلا نادرا, وإلا إن جاء الزاني معترفا, بل إن الشرع لا يقبل اعترافه إلا بعد أربع. ولا يقبل شهادة الزاني المعترف على المزنية بها !فسبحان الله, ألا يستحي أولئك الذين يحاولون الإساءة إلى الشريعة بزعم أن تطبيقها سيجعلنا في مجتمع ممتلئ بأصحاب العاهات.كما قال عبد السلام ياسين الصوفي في الإحسان (فصل:تطبيق الشريعة): (ويلٌ لمن ينظر إلى الخلق وينسى الله! الجلد حق والقطع والرجم وسائر حدود الله عز وجل. لكن التطبيق لابد فيه من التدَرّج. وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من التدرج سنّة عملية. يقول القائل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفذ الحدود فَوْرَ نزول الوحي بها، فتطبيقُها يبدأ من أول يوم أمسك فيه الزمام. وهكذا يمكن للقائل أن يغلق أبناك الربا ويرجم ثلث الناس ويقطع واحدا من عشرة.) وهذا مبالغة لا تحمد ولا يشهد لها ما ذكرناه وسنذكره,سبحانك هذا بهتان عظيم.
ولعل قائلا يقول: (لم قرنت ذكره ب1كر العلمانيين؟ والجواب : إنني وجدته قال ما يقولون, فذكرته معهم.
ومن تلك المسائل أيضا أنه لا تقام الحدود في أرض الحرب , قال جنادة بن أبي أمية :كنا مع بسر بن أرطاة في البحر فأتي بسارق يقال له مصدر قد سرق بختية فقال: (قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تقطع الأيدي في السفر ),ولولا ذلك لقطعته)
رواه أحمد (4/181) وأبو داود (4408) وهذا لفظه والترمذي (1450) دون ذكر القصة.وبه استدل الأوزاعي وغيره على أنه لا تقام الحدود في السفر قاله القرطبي في الجامع (6/171/دار الشعب) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود, وكذلك فعل سعد بن أبي وقاص في قتاله للفرس مع شارب الخمر الفارس.
والقاعدة في هذا كما قال ابن مسعود : (ادرؤوا الحدود والقتل عن المسلمين ما استطعتم)
هذه أمور لو تأملها القارئ لعلم أنه لا ضير في تطبيق الحدود على هذا الوجه, ولن يكون في ذلك أي ضرر أو مفسدة من جهة التعسير على الناس أو تنفيرهم, بل إن في إقامتها إقامة لحقوق الناس والمجتمع, ففي تطبيق حد الزنا طمأنينة لقلوب النساء على أنفسهن, والآباء على بناتهم, وفي تطبيق حد السرقة طمأنينة للناس على أموالهم وممتلكاتهم,وفي إقامة حد الحرابة طمأنينة الناس كلهم على أرواحهم, وفي إقامة حد شرب الخمر حسم لمادة الفساد والعدوان.وفي تطبيق حد رمي المحصنات حماية لكرامة العفيفات.فالرحمة بالمجتمع أهم بكثير من الرحمة بالفرد , قال الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة (2/365و366) : (وهذه العقوبات بجانب كونها محققة للمصالح العامة وحافظة للامن العام فهي عقوبات عادلة غاية العدل.إذ أن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها,وعدوان على الخلق والشرف والكرامة.ومقوض لنظام الاسر والبيوت.ومروج للكثير من الشرور والمفاسد التي تقضي على مقومات الافراد والجماعات، وتذهب بكيان الامة، ومع ذلك فقد احتاط الاسلام في اثبات هذه الجريمة، فاشترط شروطا يكاد يكون من المستحيل توفرها.فعقوبة الزنا عقوبة قصد بها الزجر والردع والارهاب أكثر مما قصد بها التنفيذ والفعل.وقذف المحصنين والمحصنات من الجرائم التي تحل روابط الاسرة وتفرق بين الرجل وزوجه، وتهدم أركان البيت، والبيت هو الخلية الأولى في بنية المجتمع، فبصلاحها يصلح، وبفسادها يفسد.
فتقرير جلد مقترف هذه الجريمة ثمانين جلدة بعد عجزه عن الاتيان بأربعة شهداء يؤيدونه فيما يقذف به، غاية في الحكمة وفي رعاية المصلحة، كيلا تخدش كرامة إنسان أو يجرح في سمعته.
والسرقة ما هي إلا اعتداء على أموال الناس وعبث بها.والأموال أحب الأشياء إلى النفوس.
فتقرير عقوبة القطع لمرتكب هذه الجريمة حتى يكف غيره
عن اقتراف جريمة السرقة، فيأمن كل فرد على ماله، ويطمئن على أحب الأشياء لديه وأعزها على نفسه، مما يعد من مفاخر هذه الشريعة. وقد ظهر أثر الأخذ بهذا التشريع في البلاد التي تطبقه واضحا في استتباب الأمن وحماية الأموال وصيانتها من أيدي العابثين، والخارجين على الشريعة والقانون.
وقد اضطر الاتحاد السوفيتي ـ وقد صارت أثرا بعد عين ـ أخيرا إلى تشديد عقوبة السرقة بعد أن تبين له أن عقوبة السجن لم تخفف من كثرة ارتكاب هذه الجريمة، فقرر إعدام السارق رميا بالرصاص وهي أقسى عقوبة ممكنة .
والمحاربون الساعون في الأرض بالفساد المضربون لنيران الفتن، المزعجون للأمن، المثيرون للاضطرابات، العاملون على قلب النظم القائمة، لا أقل من أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.
والخمر تفقد الشارب عقله ورشده، وإذا فقد الإنسان رشده وعقله ارتكب كل حماقة وفحش، فإذا جلد كان جلده مانعا له من المعاودة من جانب، ورادعا لغيره من اقتراف مثل جريرته من جانب آخر)
فأين هؤلاء اللائكيين من هذا كله, ومع هذا كله فإنني أنبه إلى أننا لسنا ننكر مبدأ التدرج في الدعوة إلى الله تعالى فنبدأ بالأهم فالمهم إذا تزاحمت الأمور التي ندعو إليها أو نريد تطبيقها.وحسبنا أن الدين كمل .
قلت: وفي زماننا استبدل هؤلاء العلمانيون الذي هو أدنى بالذي هو خير زاعمين مرة أنه ما شرعوه هو الأنسب لزماننا, والأوفق في لعوائجنا, ومرة يزعمون أن الإسلام دين رحمة ورأفة.قاصدين بذلك عكس الحق, وتشويه الحقيقة. والأمر وراء ذلك كله كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الطرق الحكمية(): (هذا موضع مزلة أقدام ، ومضلة أفهام ، وهو مقام ضنك ، ومعترك صعب ، فرط فيه طائفة ، فعطلوا الحدود ، وضيعوا الحقوق ، وجرءوا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد ، محتاجة إلى غيرها ، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له ، وعطلوها ، مع علمهم وعلم غيرهم قطعا أنها حق مطابق للواقع ، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع .
ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم ، والذي أوجب لهم ذلك : نوع تقصير في معرفة الشريعة ، وتقصير في معرفة الواقع ، وتنزيل أحدهما على الآخر ، فلما رأى ولاة الأمور ذلك ، وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة ، أحدثوا من أوضاع سياساتهم شرا طويلا ، وفسادا عريضا فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه ، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك ، واستنقاذها من تلك المهالك .
وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة ، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله ، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله ، وأنزل به كتابه .
فإن الله سبحانه أرسل رسله ، وأنزل كتبه ، ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات .) وكأن ابن القيم ينظر إلى عصرنا من طرف خفي!
وأطال,وبالغ وأبلغ رحمه الله في رد له طويل على هؤلاء المعطلين لحدود الله ـ سأنقله كاملا لنفاسته وقوته ـ , والمعترضين عموما على أحكام الله تعالى بالعيب والتعيير. فقال رحمه الله تعالى في (2/120إلى 128) : (من شرع هذه العقوبات ورتبها على أسبابها جنسا وقدرا فهو عالم الغيب والشهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالمين ومن أحاط بكل شيء علما وعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيها وظاهرها ما يمكن اطلاع البشر عليه وما لا يمكنهم وليست هذه التخصيصات والتقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة كما أن التخصيصات والتقديرات الواقعة في خلقه كذلك فهذا في خلقه وذاك في أمره ومصدرهما جميعا عن كمال علمه وحكمته ووضعه كل شيء في موضعه الذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلا إياه كما وضع قوة البصر والنور للباصر في العين وقوة السمع في الأذن وقوة الشم في الأنف وقوة النطق في اللسان والشفتين وقوة البطش في اليد وقوة المشي في الرجل وخص كل حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن يعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره فشمل إتقانه وإحكامه لكل ما شمله خلقه كما قال تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء ) وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان وأحكمه غاية الإحكام فلأن يكون أمره في غاية الإتقان والإحكام أولى وأحرى ومن لم يعرف ذلك مفصلا لم يسعه أن ينكره مجملا ولا يكون جهله بحكمة الله في خلقه وأمره وإتقانه كذلك وصدوره عن محض العلم والحكمة مسوغا له إنكاره في نفس الأمر وسبحان الله ما أعظم ظلم الإنسان وجهله فإنه لو اعترض على أي صاحب صناعة كانت ممن تقصر عنها معرفته وإدراكه على ذلك وسأله عما اختصت به صناعته من الأسباب والآلات والأفعال والمقادير وكيف كان كل شيء من ذلك على الوجه الذي هو عليه لا أكبر ولا أصغر ولا على شكل غير ذلك يسخر منه ويهزأ به وعجب من سخف عقله وقلة معرفته هذا ما تهيئه بمشاركته له في صناعته ووصوله فيها إلى ما وصل إليه والزيادة عليه والاستدراك عليه فيها هذا مع أن صاحب تلك الصناعة غير مدفوع عن العجز والقصور وعدم الإحاطة والجهل بل ذلك عنده عتيد حاضر ثم لا يسعه إلا التسليم له والاعتراف بحكمته وإقراره بجهله وعجزه عما وصل إليه من ذلك فهلا وسعه ذلك مع أحكم الحاكمين وأعلم العالمين ومن أتقن كل شيء فأحكمه وأوقعه على وفق الحكمة والمصلحة
وقد كان هذا الوجه وحده كافيا في دفع كل شبهة وجواب كل سؤال وهذا غير الطريق التي سلكها نفاة الحكم والتعليل ولكن مع هذا فنتصدى للجواب المفصل بحسب الاستعداد وما يناسب علومنا الناقصة وأفهامنا الجامدة وعقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة فنقول وبالله التوفيق
أما قوله كيف تردعون عن سفك الدم بسفكه وإن ذلك كإزالة النجاسة بالنجاسة سؤال في غاية الوهن والفساد وأول ما يقال لسائله هل ترى ردع المفسدين والجناة عن فسادهم وجناياتهم وكف عدوانهم مستحسنا في العقول موافقا لمصالح العباد أو لا تراه كذلك فإن قال لا أراه كذلك كفانا مؤنة جوابه بإقراره على نفسه بمخالفة جميع طوائف بني آدم على اختلاف مللهم ونحلهم ودياناتهم وآرائهم ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضا وفسد نظام العالم وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش أحسن من حال بني آدم وإن قال بل لا تتم المصلحة إلا بذلك
قيل له من المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم ويجعل الجاني نكالا وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة ومن المعلوم ببدائه العقول أن التسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن بل مناف للحكمة والمصلحة فإنه إن ساوى بينهم في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة الزجر وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة والحكمة إذ لا يليق أن يقتل بالنظرة والقبلة ويقطع بسرقة الحبة والدينار وكذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفطر والعقول وكلاهما تأباه حكمة الرب تعالى وعدله وإحسانه إلى خلقه فأوقع العقوبة تارة بإتلاف النفس إذا انتهت الجناية في عظمها إلى غاية القبح كالجناية على النفس أو الدين أو الجناية التي ضررها عام فالمفسدة التي في هذه العقوبة خاصة والمصلحة الحاصلة بها أضعاف أضعاف تلك المفسدة كما قال تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون فلولا القصاص لفسد العالم وأهلك الناس بعضهم بعضا ابتداء واستيفاء فكأن في القصاص دفعا لمفسدة التجري على الدماء بالجناية وبالاستيفاء وقد قالت العرب في جاهليتها القتل أنفى للقتل وبسفك الدماء تحقن الدماء فلم تغسل النجاسة بالنجاسة بل الجناية نجاسة والقصاص طهرة وإذا لم يكن بد من موت القاتل ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته والموت به أسرع الموتات وأوحاها وأقلها ألما فموته به مصلحة له ولأولياء القتيل ولعموم الناس وجرى ذلك مجرى إتلاف الحيوان بذبحه لمصلحة الآدمي فإنه حسن وإن كان في ذبحه إضرار بالحيوان فالمصالح المرتبة على ذبحه أضعاف أضعاف مفسدة إتلافه ثم هذا السؤال الفاسد يظهر فساده وبطلانه بالموت الذي حتمه الله على عباده وساوى فيه بين جميعهم ولولاه لما هنأ العيش ولا وسعتهم الأرزاق ولضاقت عليهم المساكن والمدن والأسواق والطرقات وفي مفارقة البغيض من اللذة والراحة ما في مواصلة الحبيب والموت مخلص للحي والموت مريح لكل منهما من صاحبه ومخرج من دار الابتلاء والامتحان وباب للدخول في دار الحيوان
جزى الله عنا الموت خيرا فإنه أبر بنا من كل بر وأعطف
يعجل تخليص النفوس من الأذى ويدني إلى الدار التي هي أشرف

فكم لله سبحانه على عباده الأحياء والأموات في الموت من نعمة لا تحصى فكيف إذا كان فيه طهرة للمقتول وحياة للنوع الإنساني وتشف للمظلوم وعدل بين القاتل والمقتول فسبحان من تنزهت شريعته عن خلاف ما شرعها عليه من اقتراح العقول الفاسدة والآراء الضالة الجائرة
وأما قوله لو كان ذلك مستحسنا في العقول لاستحسن في تحريق ثوبه وتخريب داره وذبح حيوانه مقابلته بمثله
فالجواب عن هذا أن مفسدة تلك الجنايات تندفع بتغريمه نظير ما أتلفه عليه فإن المثل يسد مسد المثل من كل وجه فتصير المقابلة مفسدة محضة كما ليس له أن يقتل ابنه أو غلامه مقابلة لقتله هو ابنه أو غلامه فإن هذا شرع الظالمين المعتدين الذي تنزه عنه شريعة أحكم الحاكمين على أن للمقابلة في إتلاف المال بمثل فعله مساغا في الاجتهاد وقد ذهب إليه بعض أهل العلم كما تقدم الإشارة إليه في عقوبة الكفار بإفساد أموالهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا أو كان يغيظهم وهذا بخلاف قتل عبده إذا قتل عبده أو قتل فرسه أو عقر فرسه فإن ذلك ظلم لغير مستحق ولكن السنة اقتضت التضمين بالمثل لا إتلاف النظير كما غرم النبي صلى الله عليه وسلم إحدى زوجتيه التي كسرت إناء صاحبتها إناء بدله وقال إناء بإناء ولا ريب أن هذا أقل فسادا وأصلح للجهتين لأن المتلف ماله إذا أخذ نظيره صار كمن لم يفت عليه شيء وانتفع بما أخذه عوض ماله فإذا مكناه من إتلافه كان زيادة في إضاعة المال وما يراد من التشفي
وإذاقة الجاني ألم الإتلاف فحاصل بالغرم غالبا ولا التفات إلى الصور النادرة التي لا يتضرر الجاني فيها بالغرم ولاشك أن هذا أليق بالعقل وأبلغ في الصلاح وأوفق للحكمة وأيضا فإنه لو شرع القصاص في الأموال ردعا للجاني لبقي جانب المجني عليه غير مراعي بل يبقى متألما موتورا غير مجبور والشريعة إنما جاءت بجبر هذا وردع هذا
فإن قيل فخيروا المجني عليه بين أن يغرم الجاني أو يتلف عليه نظير ما أتلفه هو كما خيرتموه في الجناية على طرفه وخيرتم أولياء القتيل بين إتلاف الجاني النظير وبين أخذ الدية
قيل لا مصلحة في ذلك للجاني ولا للمجني عليه ولا لسائر الناس وإنما هو زيادة فساد لا مصلحة فيه بمجرد التشفي ويكفي تغريبه وتعزيره في التشفي والفرق بين الأموال والدماء في ذلك ظاهر فإن الجناية على النفوس والأعضاء تدخل من الغيظ والحنق والعداوة على المجني عليه وأوليائه مالا تدخله جناية المال ويدخل عليهم من الغضاضة والعار واحتمال الضيم والحمية والتحرق لأخذ الثأر مالا يجبره المال أبدا حتى إن أولادهم وأعقابهم ليعيرون بذلك ولأولياء القتيل من القصد في القصاص وإذاقة الجاني وأوليائه ما أذاقه للمجني عليه ما ليس لمن حرق ثوبه أو عقرت فرسه والمجني عليه موتور هو وأولياؤه فإن لم يوتر الجاني وأولياؤه ويجرعوا من الألم والغيظ ما يجرعه الأول لم يكن عدلا وقد كانت العرب في جاهليتها تعيب على من يأخذ الدية ويرضى بها من درك ثأره وشفاء غيظه كقول قائلهم يهجو من أخذ الدية من الإبل :
وإن الذي أصبحتم تحلبونه دم غير أن اللون ليس بأشقرا

وقال جرير يعير من أخذ الدية فاشترى بها نخلا :
ألا أبلغ بني حجر بن وهب بأن التمر حلو في الشتاء
وقال آخر:
إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه دم الشيخ فاشرب من دم الشيخ أو دع
وقال آخر خليلان مختلف شكلنا أريد العلاء ويبغي السمن
أريد دماء بني مالك ورأى المعلى بياض اللبن
وهذا وإن كانت الشريعة قد أبطلته وجاءت بما هو خير منه وأصلح في المعاش والمعاد من تخيير الأولياء بين إدراك الثأر ونيل التشفي وبين أخذ الدية فإن القصد به أن العرب لم تكن تعير من أخذ بدل ماله ولم تعده ضعفا ولا عجزا البتة بخلاف من أخذ بدل دم وليه فما سوى الله بين الأمرين في طبع ولا عقل ولا شرع والإنسان قد يخرق ثوبه عند الغيظ ويذبح ماشيته ويتلف ماله فلا يلحقه في ذلك من المشقة والغيظ ولازدراء به ما يلحق من قتل نفسه أو جدع انفه أو قلع عينه
وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة وليس في حكمة الله ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يتلف على كل جان كل عضو عصاه به فيشرع قلع عين من نظر إلى المحرم وقطع أذن من استمع إليه ولسان من تكلم به ويد من لطم غيره عدوانا ولا خفاء بما في هذا من الإسراف والتجاوز في العقوبة وقلب مراتبها وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة تأبى ذلك وليس مقصود الشارع مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب وأن يعتبر به غيره وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحا وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة إلى غير ذلك من الحكم والمصالح
ثم إن في حد السرقة معنى آخر وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سرا كما يقتضيه اسمها ولهذا يقولون فلان ينظر إلى فلان مسارقة إذا كان ينظر إليه نظرا خفيا لا يريد أن يفطن له والعازم على السرقة مختف كاتم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران ولهذا يقال وصلت جناح فلان إذا رأيته يسير منفردا فانضممت إليه لتصحبه فعوقب السارق بقطع اليد قصا لجناحه وتسهيلا لأخذه إن عاود السرقة فإذا فعل به هذا في أول مرة بقي مقصوص أحد الجناحين ضعيفا في العدو ثم يقطع في الثانية رجله فيزداد ضعفا في عدوه فلا يكاد يفوت الطالب ثم تقطع يده الأخرى في الثالثة ورجله الأخرى في الرابعة فيبقى لحما على وضم فيستريح ويريح
وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن والغالب من فعله وقوعه برضا المزني بها فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة والقتل بالحجارة مرة ولما كان الزنى من أمهات الجرائم وكبار المعاصي لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين وفي هذا هلاك الحرث والنسل فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك فزجر عنه بالقصاص ليرتدع عن مثل فعله من يهم به فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة
ثم إن للزاني حالتين إحداهما أن يكون محصنا قد تزوج فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة واستغنى به عنها وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنى فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام والثانية أن يكون بكرا لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله فحصل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف فحقن دمه وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعا على المعاودة للاستمتاع بالحرام وبعثا له على القنع بما رزقه الله من الحلال وهذا في غاية الحكمة والمصلحة جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعدوان
ثم إن قطع فرج الزاني فيه من تعطيل النسل وقطعه عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم وفيه من المفاسد أضعاف ما يتوهم فيه من مصلحة الزجر وفيه إخلاء جميع البدن من العقوبة وقد حصلت جريمة الزنى بجميع أجزائه فكان من العدل أن تعمه العقوبة ثم إنه غير متصور في حق المرأة وكلاهما زان فلا بد أن يستويا في العقوبة فكان شرع الله سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين
وتأمل كيف جاء إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر وأعظمها ضررا وأشدها فسادا للعالم وهي الكفر الأصلي والطارئ والقتل وزني المحصن وإذا تأمل العاقل فساد الوجود رآه من هذه الجهات الثلاث وهذه هي الثلاث التي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود بها حيث قال له يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال قلت ثم أي قال أن تزاني بحليلة جارك فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) الآية
ثم لما كان سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر وهو دونه جعل عقوبته قطع الطرف ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدة من ذلك جعل حده دون حد هذه الجنايات كلها ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور بحسب المصلحة في كل زمان ومكان وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم فمن سوى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع واختلفت عليه أقوال الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين وكثير من النصوص ورأى عمر قد زاد في حد الخمر على أربعين والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين وعزر بأمور لم يعزر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأنفذ على الناس أشياء عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيظن ذلك تعارضا وتناقضا وإنما أتى من قصور علمه وفهمه وبالله التوفيق )
ومن المعروف ما قاله المعري معترضا على الشريعة في حد السرقة
يدٌ بخمس مِئينَ عَسجدٍ وُدِيَتْ ما بالُهَا قُطعتْ في رُبعِ دِينارِ
تَحكُّمٌ ما لنا إِلاَّ السَّكوتُ لهُ وَأنْ تَعوذَ بِمولانا منَ النَّار

فقال الشريف الرضي راداً عليه ـ وتنسب إلى القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي ـ :
صيانة النفس أغلتها وأرخصها خيانة المال فانظر حكمة الباري
ورد عليه علم الدين السخاوي بقوله:
عِزُّ الأمانةِ أغْلاها، وَأرْخصها ذُلُّ الخِيانةِ، فافْهمْ حِكمةَ الْباري
علمنا بأن الخلق من نسل فاجر وأن جميع الخلق من عنصر الزنا
وقال ابن الجوزي لما سئل عن ذلك: ( لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت)
وقال ياقوت الحموي في معجم الأدباء في كلمة جريئة (ص430): (كان المعري حمارا لا يفقه شيئا وإلا فالمراد بهذا بين لو كانت اليد لا تقطع إلا في سرقة خمسمائة دينار لكثر سرقة ما دونها طمعا في النجاة ولو كانت اليد تفدى بربع دينار لكثر من يقطعها ويؤدي ربع دينار دية عنها نعوذ بالله من الضلال)
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (12/73): (وهذا من إفكه يقول اليد ديتها خمسمائة دينار فما لكم تقطعونها إذا سرقت ربع دينار وهذا من قلة عقله وعلمه وعمى بصيرته وذلك أنه إذا جنى عليها يناسب أن يكون ديتها كثيرة لنزجر الناس عن العدوان وأما إذا جنت هي بالسرقة فيناسب أن تقل قيمتها وديتها لينزجر الناس عن أموال الناس وتصان أموالهم ولهذا قال بعضهم كانت ثمينة لما كانت امينة فلما خانت هانت ولما عزم الفقهاء على أخذه بهذا وأمثاله هرب ورجع إلى بلده ولزم منزله فكان لا يخرج منه)
قال شيخ شيخنا العلامة الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (3/35): (وقد استشكل بعض الناس قطع يد السارق في السرقة خاصة دون غيرها من الجنايات على الأموال كالغصب والانتهاب ونحو ذلك .
قال المازري ومن تبعه صان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب ولسهولة إقامة البينة على ما عدى السرقة بخلافها وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت وفي ذلك إثارة إلى الشبهة التي نسبت إلى أبي العلاء المعري في قوله قال المازري ومن تبعه صان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب ولسهولة إقامة البينة على ما عدى السرقة بخلافها وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد ثم لما خانت هانت) اهـ
قال الذهبي في السير (18/30): (أنشدتنا فاطمة بنت علي كتابة أخبرنا فرقد الكناني سنة ثمان وست مئة أنشدنا السلفي سمعت أبا زكريا التبريزي يقول لما قرأت على أبي العلاء بالمعرة قوله ـ فذكر الأبيات ـ سألته فقال هذا كقول الفقهاء عبادة لا يعقل معناها
قال كاتبه: لو أراد ذلك لقال تعبد ولما قال تناقض ولما أردفه ببيت آخر يعترض على ربه)اهـ
وكان من شدة حرص العلماء على أقامة الحدود أنه نصوا كما في النوادر والزيادات لابن أبي زيد على أنا إذا لم نجد في جهة إلا غير العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم فلا نضيع المصالح .
قال ابن أبي زيد وما أظن أحدا يخالفه في هذا, فإن التكليف شرط في الإمكان وهذا كله للضرورة ، لئلا تنهدر الدماء وتضيع الحقوق وتتعطل الحدود) وهذا مقتضى مذهب مالك كما في تبصرة الحكام , وقد انفرد المالكية بجواز شهادة اللفيف في مثل هذه الأحوال وقد ألف في ذلك الشيخ العلامة ابن العربي الفاسي رسالة مسماة (شهادة اللفيف) طبعت بتحقيق شيخنا محمد بوخبزة.
ولا يخفى على متفقه أن الحدود كفارات مطهرات. لقوله صلى الله عليه وسلم (الحدود كفارات) ولذلك قالت له الغامدية (طهرني).
وفي صحيح مسلم (1709) عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه)
وروى الإمام أحمد في مسنده (5/214) والدارقطني (3/214) وغيرهما عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته. وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (12/84)
وروى أحمد في المسند (1/99) والترمذي (2626) وابن ماجه (2604) وغيرهم عن أبي جحيفة عن على رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أذنب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يثنى عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستر الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه) وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي.
وروى الطبراني في المعجم الأوسط ( 8443 ) عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب) وفيه ياسين الزيات وهو متروك.



قال ابن خلدون من أحسن ما كتب في ذلك و أوعبه
واستوف أمر الله عز وجل وتورع عن الشبهات، وامض لإقامة الحدود
وذكر السرخسي في شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني أن المسلمين مهما عطلوا الحدود ظهر من أهل الذمة في بلادهم بيع الخمور ولحوم الخنازير ورفع لمعالم دينهم.
قال ابن تيمية في السياسة الشرعية (): (فإن إقامة الحد من العبادات ، كالجهاد في سبيل الله ، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من اللهّ بعباده : فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله . ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات ؛ لا شفاء غيظه ، وإرادة العلو على الخلق : بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ؛ فإنه لو كف عن تأديب ولده -كما تشير به الأم رقة ورأفة- لفسد الولد ، وإنما يؤدبه رحمة به ، وإصلاحا لحاله ؛ مع أن يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكل ، والحجم ، وقطع العروق بالفساد ، ونحو ذلك ؛ بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة . فهكذا شرعت الحدود ، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها)
وتقبلوا تحياتي