على الصليب : من مذكرات إله سابق !
الفارس مفروس

تعددت محاور الخلاف بين المؤمنين .. والمؤمنين الآخرين .. !
وكانت الإشكالية الواقفة فى زور المحبين للسلام والوئام بين المؤمنين ترتكز على عكازين وحيدين :
تعدد الآلهة .. ووفرة الميكروفونات !!
وفى كل مرة تتحفز الهمم وتهيج العواطف الإنسانية لتوحيد العالم تحت مظلة إيمانية واحدة .. يصطدم النائحون بمتانة الإعلام وقوة تأثيره !
فالحديث عن توحيد المؤمنين من خلال تحجيم الإعلام وتقنين أدوات الثقافة المعاصرة لم يعد أمراً مطروحاً على هذه البسيطة !
فلا يزال الإعلام تعبيراً حقيقياً عن حرية الفرد وقدرته على تحويل نفسه لآلة جبارة تنتج على مدار الساعة بنداً جديداً ملزماً من بنود التحرر !
وكلما زاد التحرر .. زادت الآلهة وتنوعت !!
فكان الطريق الأسهل بحسب أدبيات المثقفين ودعاة التقريب بين المهالك .. أن تتوحد الآلهة !
وليس من المهم أن تتفق الآلهة فيما بينها .. فهذا أمر لا يعنى أحداً من المؤمنين .. ولا السادة المنظرين !
فالمطلوب هو رتوش بروتوكولية تجهض أى محاول للتفريق بين سكان الكوكب على أساس الدين !!


قبل ذلك بسنين مرت كالثوانى : كنا قد طلبنا من سكان العالم أن يمنحونا الفرصة لنرتقى بديننا نحو دينهم !!
لأننا فى وضعنا الدينى الحالى متعصبون .. مجموعة من الهمج الرعاع .. نقتل آخرينا الطيبين !
نفجر بناياتهم الجميلة العالية .. نجبرهم على العيش تحت صفارات اللون الأحمر والبرتقالى طيلة العام ..!
ونصنفهم .. ونعزلهم عن جنتنا .. ونحجز لهم مكاناً فى جهنم وبئس المصير !!
فخرج علينا مجموعة من السادة المسؤولين ووضعوا لنا خطة الطريق :

أيها المؤمنون .. العالم كله يتحرك بسلاحه لحصار الإرهاب فى ركن من أركان الأرض ..
ومن الأفضل ألا يجدنا أصدقاؤنا هناك .. فى ذلك الركن ..!
حذارى أن يفتقدونا حيث أمرونا أو أن يجدونا حيث نهانا سادتهم أن نكون !!
عرايا منبوذين مقطوعين عن أسباب الحضارة والثقافة ..
لا نملك ريسيفر ولا جوال ولا سيارة دفع سباعى ولا يحزنون !!


فلما تمرد خوارج الأمة على نصائح الوالى .. وتواجدوا فى المكان الخطأ ساعة القصف
قرأنا عبارة الأصدقاء الأنيقة لصقوها على جبهة المؤذن فى مسجد لم يبق منه إلا أحذية المصلين :

أووه ماى فريند : اضطررنا لقتلك حتى تتفرغ لاثبات براءتك بكل حياد !!

نجحت الخطة ..
وقطعنا شوطاً إضافياً طويلاً قبل ضربات الجزاء .. ولم يبق إلا توقيع الإتفاق على جثة أحد الإرهابيين !!
كان من الضرورى أن تخرج علينا الدعاوى من كل شق وبئر تمهد الطريق لوحدة المؤمنين !
كلنا مؤمنون .. نحن وآخرونا !
لم يقل لنا أحد أننا جاهلون لا ندرى .. أو ربما بنستهبل لأننا إرهابيون .. فلزم التنويه بكام صاروخ !
جوانتانامو رد فعل إنسانى طبيعى على تجاوزاتنا الدينية وتصنيفنا الجائر بحق المؤمنين الآخرين !!



القضية الأخرى والتى تعوق المشروع الكونى لتوحيد الآلهة تكمن فى أن الإسلام لا يملك صليباً !!
وهى قضية غاية فى الخطورة قد تبقى على الفروقات الهامشية البسيطة بين الإسلام وغيره من الأديان الجميلة !!
فالصليب أداة نقدية هامة تعاقب الإله بتاج من الشوك إذا أخطأ .. وتقضى بتعذيبه حتى يعترف بذلك ..
فتجبره على التخلى عن بعض التشريعات القديمة البالية تحت وطأة المسامير !!
فمشكلة الإسلام مع الغرب لم تكن فى يوم من الأيام حول تعاليمه ولا فى مقتضيات الإيمان به !
فالأديان على تعددها .. والآلهة على تنوع منحدراتها الثقافية وتنوع المادة المصنوعة منها والمعلقة عليها
نجد أنها فى نهاية الأمر تُلزم أتباعها ببعض التعاليم والطقوس والمفاهيم .. أمر حتمىٌّ لا مفر منه !
وهى طقوس ملزمة للأتباع حتى وإن بدت غريبة لمن لا يؤمنون بها !
فعبادةُ تمثالٍ ذهبىٍّ صغيرٍ للإله بوذا قد تمثل مشكلة أكبر للمؤمنين به لو كانت الإشكالية فى إتباع التعاليم فحسب ..
خاصة إذا أرداو تهريب إلههم الذهبى من الجمارك دون دفع الرسوم !!
فتعاليمهم تبدو شاذة ومتطرفة وتثبت أن الإنسان -أحياناً- أصله حمار !!
لكنهم مؤمنون مقبولون لدى الأسرة الدولية لأنهم يملكون إلهاً لا يبدى أى امتعاض إذا قاموا بـ "تسييحه" لصنع بعض السلاسل والخلاخيل !!

وانظر إلى اشتباك ثقافى وطنى حول صورة أحد الآلهة تم لصقها على علبة كورندبيف وهى تبتسم !
فلماذا لا يمثل هؤلاء المؤمنون أى فجوة حضارية بين الإنسان والضفادع الخضراء لغرابة المعتقد وشذوذ الطقوس !؟
ولم لا يرى بعض المخلصين أن رسم إلههم على علبة من الصفيح ليس إلا لوناً متطرفاً من الإزدراء لعقائد الآخرين !؟
أو أنها محاولة ماكرة لتطبيع "المهانة" عن طريق إشاعة الرسوم المسيئة لهذا الإله الحلوب بين أتباعه !
أو إرغامهم على قبول الفكرة .. بأنه مجرد "بقرة" قابلة للنقد !!
الإجابة أن العبرة بقابلية المؤمن المتحضر فى أن يحتفظ بإلهه فى بطنه : فيتوقف عن شراء الكورندبييف والبسطرمة فى هدوء و دون صداع !!
فمن لا يعجبه إلهى فليأكله هنيئاً مريئاً !!

أما الإسلام فهو علامة بارزة على الطريق تحفز "الآخرين" لأن ينطحوه ويصطدموا به !!
لأن المؤمنين به لا يملكون ساطوراً نقدياً أو صليباً خشبياً أو بقرة تبتسم على أرفف السوبرماركت !!
لا يخضع إله المسلمين لضرورة التجديد .. ومتطلبات الثقافة المعاصرة .. وتحديث الأجندات العاطفية !!
فهذه هى عين القضية وأم القيح وعين الداء الذى انتبرت من لهيبه كل المجامع الثقافية حول العالم !!

فقد "رفع" اليهود إله النصارى على الصليب فى حدوتة ما .. دون أن يفسد هذا "الرفع" للود قضية !!
بل وصل الأمر فى موضوع "الرفع اليهودى" إلى مستويات فائقة من التسامح والغفران :
إذ "رفع" اليهود دعوى تعويض على النصارى بتهمة السب والقذف على صفحات التاريخ
لكونهم تعرضوا لتشويه السمعة وهتك العرض لآلاف السنين بدعوى أنهم صلبوا إله النصارى وأشبعوه ضرباً !!

فالرومان هم المسؤولون عن تحويل قطعان بنى اسرائيل إلى كائنات تحب "الرفع" !
بعد أن استطاعوا تثبيت صورة الصليب فى عقول اليهود كوسيلة فعالة للتخاطب من كثرة رفعهم عليه فى الصغيرة والكبيرة !!
وحين نجح الرومان فى تحويل رؤوس اليهود إلى مهبط دائم للطيور على صلبان مختلفة الأحجام ومتعددة الخوازيق !
أدرك إخواننا اليهود الدرس التاريخى .. وتعلموا كيف يحترم الناس الرأى والرأى الآخر
تماماً كما تفعل قناة الجزيرة !!
وتحول الصليب إلى وسيلة حضارية لمخاطبة الآخرين .. واختبار الإله فى صدق نواياه !!
فقام اليهود بعملية واسعة شاملة لتحديث الخطاب الدينى وتجديد أصول الدين وأحكامه فى أكبر عملية قص ولصق عرفها التاريخ قبل ظهور الإنترنت !
فنقلوا هذه المراسيم الإحتفالية إلى الكتاب المقدس .. وجعلوها عقوبة رادعة لكل إلهٍ فاشل لا يتقن عمله !!
وحمل التاريخ إلينا الصليب المقدس .. وعليه كائن سماوى قد أشبعه اليهود سحلاً وتفلاً !
إلهٌ خائف مستضعف يضطره أعداؤه إلى التفاوض باسم السلام .. إذ لم يصمد ملكوته أمام جبروت اليهود !!
ربما لأنه لم يملك مالاً كافياً لرشوتهم .. ولم يستغل قدراته الإلهية وإمكاناته السماوية لاقناع اليهود بالعفو عنه !!
كما أنه لم يقدم برهاناً بين يدى صليبه الكبير على أنه مستحق للعبادة إلا من باب التعاطف مع إلهٍ عريان يضع الشوك على رأسه !!
لم يجد الإله المصلوب سوى نفسه يقدمها فداءً لــ ... إرضاء نفسه لاحقاً بعد أن يصعد للسماء مرة أخرى !!

المثقفون المتحضرون يرون فى الإسلام جموداً وتخلفاً قديماً لأنه لا يملك صليباً يعلقه الأتباع على الصدور !
ليس عندهم إله يحمل صليبه على ظهره مستلماً لمصيره صارخاً فى البرية :
أيتها الأمم المتحدة لم خذلتينى .. عليك لعنتى أبد الآبدين !!
لا يملكون تحويل الإله إلى ميثولوجيا لطيفة تخاطب الوجدان وتتبرع بالخدود ليصفعها الآخرون !
والآن .. يجلس المثقفون المسلمون والباحثون الغربيون حول مائدة دولية طويلة بوجوه عابسة ..
يبحثون لنا عن إله متحضر يقر بخطأه ويتفهم فى حبورٍ ضرورة النقض لأحكامه الجامدة .. !
يجيد الإنجليزية .. ويدمن البانجو .. ولهلوبة فى البريك دانس !!

ولكم فى الأمم المتحضرة مثال وأسوة تحتذى يا أولى الأبصار ..
فبعد أن ظل إلههم على الصليب طويلاً يرمقهم بعين العتاب والحسرة .. ويسألهم عن الفكة
تخلص اليهود وشركاؤهم النصارى من الصليب وتبعاته باسم الحضارة ..
وألقوا بإلههم على مقصلة الزهق والضجر .. وطرقوا رأسه بمطرقة الإلحاد !
بل لم يكتفوا بطرح الإله على قارعة الطريق .. فأجبروه على احتراف التمثيل وأعطوه دوراً يليق بمكانته عندهم :
شاذٌّ جنسىٌّ فى فيلم طويل .. لمخرج مغمور !!
شاب يافع يعطش .. فيشرب البيبسى مع فنانة العفة والشرف مادونا !
رسموه على الكنائس والحانات وعلقوا رأسه فى البرلمان ..
أجلسوه أعمى على ميزان العدل !


على الصليب : فكر الإله المرفوع فى كتابة مذكراته عدة مرات ..
وجاءته الفرصة فى احدى الحانات .. حين لم يجد وظيفة إلا الجلوس طويلاً ليرسمه المارة والعابرون !
فكتب بدموعه وآهاته : مذكرات إله سابق .. فاشل .. والعهدة على اليهود !!

وهنا صرخ المخرج فى جموع الواقفين والقاعدين بعصبية متهورة :
ستوووووووب .. تباً لكم من كومبارس لا يفهمون فى انحطاط الأمم !



مفروس