بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني في الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساكم الله بالخير والسرور
وبعد
اني فجعت حين قرأت في احد المواقع عن السنه النبويه وصابني شوي شك " علما اني مسلم سني من السعوديه ومن اسرة متمسكه بالكتاب والسنه الا اني مصر ان اجد جواب على هذا المقال الذي ينكر السنه ويقول هي من صنع البشر،
ويذكر ايضا ان علماء اهل السنه خاصه يقولون السنه ذكرة في القران بقوله تعالى ( اتيناه الكتاب والحكمه )
اي القران والسنه ويقول ايضا ان طاعة الرسول هي فيما انزله الله فقط (القران وكتب الله المنزله) وليس للرسول تشريع خاص به لم يذكرة الله في كتبه " وانا اكرر على اخواني من الذينا عندهم علم ان يردو على هذا ارجو ان لايحذف الموضوع لئني سأحتار اكثر من قبل
واليكم بالمقال
((( الحكمة في ضوء السياق القرآني )))
يجب أن نميز بين طاعة النص المتلو أي طاعة المصدر التشريعي الإلهي الذي شهد على تدوينه في عصر الرسالة رسول الله، وبين طاعة الرسول عند تطبيقه لهذا النص بين الناس. وقد ظهر هذا جليا في دعاء إبراهيم عليه السلام. تدبر قول الله تعالى في سورة البقرة:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ {129}
ولقد استجاب الله تعالى لدعوة إبراهيم [ عليه السلام ] فقال في سورة آل عمران:
لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {164}
وتدبر قول الله تعالى في سورة الجمعة:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {2}
وتدبر قول الله تعالى في سورة البقرة:
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ {151}
فطاعة الله تعالى كما ذكرنا من قبل تتمثل في التصديق الكامل والطاعة المطلقة للنص الإلهي " المتلو " على الناس والذي شهد رسول الله على تدوينه في عصر الرسالة وهو " آيات الله المتلوة ".
وطاعة الرسول، تستمد وجوبها وشرعيتها من هذا النص الإلهي الآمر بذلك. ولم يأمر القرآن بطاعة الرسول في نص تشريعي آخر مستقل عن نصوص الكتاب المنزل فثبت بذلك أن طاعة الرسول المأمور المسلم بها هي:
طاعته صلى الله عليه وسلم المباشرة في عصر الرسالة في تطبيق النص القرآني في واقع الحياة [أي طاعة تنفيذية] وفي بيان كيفية أداء هذا النص في صورته العملية والذي توارثته الأجيال بالتقليد والمحاكاة عبر منظومة التواصل المعرفي، وليس عن طريق نص تشريعي مستقل عن كتاب الله يحل ويحرم ويسفك الدماء بغير حق بدعوى أن هذه هي الحكمة التي أنزلها الله تعالى مع الكتاب على رسوله. لقد اشتمل دعاء إبراهيم عليه السلام طلب تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه الكتاب والحكمة. فما هي هذه الحكمة إذن؟ لقد بين الله تعالى أن الحكمة شيء منزل مع الكتاب. تدبر قول الله تعالى في سورة النساء:
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً {113}
والسؤال: هل هذه الحكمة مصدر تشريعي ككتاب الله؟
وإذا كان الكتاب منزلا من عند الله تعالى والحكمة أيضا منزلة من عند الله تعالى فهل يمكن أن تختلف طبيعة وخصائص هذا الكتاب عن طبيعة وخصائص هذا المصدر الثاني المنزل، والذي اصطلح علماء المذاهب على تسميته بالحكمة وهما من التنزيل الإلهي أي مصدرهما واحد؟ هل يمكن أن يحفظ الله [الكتاب] ولا يحفظ [الحكمة] ويترك حفظها لعلماء الفرق والمذاهب ليختلفوا فيها كل وفق مدرسته في التصحيح والتضعيف؟ وإذا كانت " الحكمة " الواردة في كتاب الله تعني " السنة " فلماذا لم تتوارث المذاهب المختلفة هذا المصطلح القرآني " الحكمة " بدل مصطلح " السنة "؟
لقد حدد الله تعالى منهج التعلم " المتلو " بالآيات القرآنية " يتلو عليهم آياتك " تلك التي من درسها وعمل بها تزكت نفسه فصار حكيما. والقائم بهذه العملية التعليمية الحكيمة لا يمكنه أن يخرج عن نصوص المنهج التعليمي الذي بينه الله تعالى وهو " الآيات " التي احتواها هذا " الكتاب " لقوله تعالى عن العملية التعليمية: " ويعلمهم الكتاب والحكمة ". ومن الحكمة المتعلمة في هذه العملية التعليمية، وضع أحكام هذه الآيات المتلوة موضع التطبيق السليم الصحيح.
وإن لكل عصر ظروفه ومتطلباته التى تقوم على أساسها هذه العملية التعليمية التي وضع حدودها وقواعدها الكتاب المنزل. ولقد أكد الله تعالى هذا المفهوم لمعنى الحكمة ببيان حكيم يثبت أن الحكمة أداة من أدوات الفهم والاستنباط الحكيم تُظهر التفاعل الحي بين الآيات القرآنية وقواعد السلوك العامة بما يحقق للناس التوازن النفسي والاجتماعي.
تدبر هذه المجموعة من الآيات التي جاءت تحمل الحكمة في عطائها، يقول تعالى في سورة الإسراء:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {24} رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً {25} وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً {26} إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً {27} وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً {28} وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً {29} إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً {30} وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً {31} وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {32} وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً {33} وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {34} وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {35} وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36} وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً {37} كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً {38}
ثم تدبر كيف أن الله تعالى ختم هذه المجموعة من الآيات الحكيمة بقوله تعالى:
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً {39}
تدبر هذه الآية: " ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة" وعلاقتها بالآيات السابقة. فإذا نظرنا إلى الآيات السابقة التي ورد فيها بيان الله لجانب من العملية التعليمية التربوية الحكيمة التي تميز بها هذا الوحي القرآني تبين لنا ما يلي:
أولا: أن الحكمة هي الفهم الواعي لقوانين الحق والعدل التي جاء القرآن الحكيم وجميع الرسالات السابقة، لتذكير الناس بها.
ثانيا: أن الحكمة ليست مرويات تخضع حجية نصوصها لاجتهادات البشر ومدارسهم في الجرح والتعديل، وإنما هي قواعد التمييز بين الحق والباطل، الخبيث والطيب، العدل والظلم، التوحيد والشرك ...، فالقلب الحكيم يرفض أن يكون لهذا الوجود أكثر من إله.
ثالثا: أن القلب الحكيم يرفض عقوق الوالدين، فمن الحكمة بر الوالدين، لقوله تعالى: " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " .
رابعا: أن القلب الحكيم يعلم أن الأغنياء لو لم يعطوا الفقراء والمحتاجين لاختلت موازين القيم الإنسانية في نفوس البشر ولظهر وعم الفساد بما كسبت أيدي الناس فمن الحكمة إيتاء الزكاة، ودفع الصدقات.
خامسا: أن القلب الحكيم يعلم أن الإحصان، وحماية أعراض الناس، وحرمة قتل النفس إلا بالحق، وصيانة مال اليتيم، والعدل في حقوق الناس، والتواضع ... كلها موازين للحكمة يجب أن تحكم سلوكيات المسلم وتفكيره.
إذن فجماع الحكمة وموازينها موجودة في ثنايا آيات الذكر الحكيم. إن كلمة " الحكمة " في قوله تعالى: " ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة " تعني ما يحمله هذا الكتاب الحكيم من أدوات الفهم السليم، وطرق التفكير وأساليب الاستنباط ومن قواعد وأحكام تضبط وتحكم حركة وسلوكيات البشر في جميع مناحي الحياة. ولقد وصف الله تعالى آيات كتابه الحكيم بأكثر من صفة، فقال تعالى في سورة الفرقان:
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً {1}
فهذا الفرقان المنزل تماماً كالحكمة المنزلة، فهو ليس شيئا ملموسا، وإنما هو عمل القلب فيما يحمله الكتاب من حجج وبراهين يفرق الله تعالى بها بين الحق والباطل. وتدبر قول الله تعالى في سورة الأعراف:
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {26}
وهذا اللباس المنزل هو إلهام الله تعالى لآدم وزوجه والبشر جميعاً على مر العصور، كيف يصنعون الملابس ليستروا بها أبدانهم وتوفير المواد الصالحة لذلك، ثم توارثت الأجيال عبر منظومة التواصل المعرفي ذلك فسمى الله تعالى هذه العملية التعليمية إنزالاً. ويقول الله تعالى في سورة الحديد:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {25}
وهذا الميزان المنزل مع الكتاب ليقوم الناس بالقسط ليس مصدراً تشريعياً مستقلاً عن الكتاب، كذلك الحديد المنزل لا يعني هذا الذي نراه على هيئته المعروف لنا اليوم ببأسه الشديد ومنافعه للناس. إن الإنزال لا يفهم على معناه الحسي فقط، وإنما يشمل إلهام الناس كيفيات المهارات في كافة مجالات الحياة. تدبر قول الله في سورة الزمر:
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ {6}
وإن من عظيم نعم الله على الناس أن خلق لهم الأنعام وألهمهم كيفية الانتفاع والاستفادة منها والتمييز بينها وبين الحيوانات المفترسة. ثم رتب الله على خلقها أحكاماً احتوتها آيات الذكر الحكيم. وهذا ما يفهم من إنزال الأنعام في صورته الواقعية. ويقول الله تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً {174} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {175}
فهل النور الذي أنزله الله على رسوله وأمر الناس بالتمسك والاعتصام به مصدر تشريعي مستقل عن كتاب الله، أم هو نفسه كتاب الله النور الهادي إلى صراطه المستقيم؟ تدبر قول الله تعالى في سورة التغابن:
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {8}
وقول تعالى في سورة الشورى:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {52}
وإن من الحكمة وضع الشيء في موضعه حسب السنن الربانية. إن المسلم الرباني يصل إلى درجة من الحكمة تزداد بازدياد ثقافته العلمية والمعرفية وتفاعله مع واقعه بما يحقق له ولأمته التوازن النفسي والاجتماعي. ولا أكون مبالغاً إذا قلت بأن مواضع الحكمة في كتاب الله هي بعدد آياته. لذلك قال الله تعالى بعد بيان عطاء الحكمة المستنبطة فقط من بعض آيات سورة البقرة [261ـ269]:
يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {269}
ولقد جعل الله تعالى الحكمة مما يستنبط في حلقات العلم التي يجب أن تقام في بيوت المسلمين أسوة بنساء النبي وذلك مما يتلى فيها من آيات الله تعالى. تدبر قول الله تعالى في سورة الأحزاب:
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً {34}
فقول الله تعالى: " واذكرن " الدال على الأمر بالتذكر والمذاكرة وقوله تعالى: " ما يتلى " الدال على أن ما سيذكره بعد متعلق بالآيات المتلوة وهذا يبين أن مادة التلاوة هي هذا الكتاب الحاوي لخلق الحكمة، أي إن المطلوب من نساء النبي [والسياق القرآن يتحدث عن ضوابط سلوكهن] أن يلتزمن بهذه الضوابط الحكيمة المتعلقة بأحكام النساء. فالحكمة ليست حكراً على أحد، ولا على عصر دون عصر، فعطاء القرآن لكافة العصور.
يقول الله تعالى في سورة آل عمران:
وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ {81}
وتدبر قول الله تعالى في سورة لقمان:
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ {12}
ولقد بين الله بعد هذه الآية مباشرة الآيات [14ـ19] التي حملت دستور الأخلاق الكريمة وما يستنبط منها من حِكَمٍ. ومن ذلك أيضاً آيات سورة المطففين [1ـ6] والتي نجد في توجيهاتها ما يضمن حل مشاكل العالم الاقتصادية. وفي آيات سورة الحجرات [11ـ12] ما يضمن السلام النفسي والاجتماعي لشعوب العالم ... وهكذا.
واليوم... وقد مرت على عصر الرسالة قرون طويلة من الفرقة والمذهبية والتخاصم بين المسلمين، يستطيع كل إنسان وفي أي عصر أن يقيم إسلامه بأدوات معاصرة له يشهد عن طريقها شهادة علمية بأنه " لا إله إلا الله " وذلك على أساس التفاعل الفطري بين آليات عمل القلب وآيات الآفاق والأنفس المبثوثة حوله في هذا الكون، وبحجية هذا القرآن وصحة نسبته إلى الله تعالى كشريعة إلهية خاتمة على أساس أوجه إعجازه الكثيرة ومنها هذا التناغم المحكم بين آياته وآيات الآفاق والأنفس، وبأن محمداً رسول الله على أساس ذات الخطاب القرآني الذي يشهد بذلك شهادة علمية أساسها الآية القرآنية وليس الرواية المذهبية ... ومن ذلك قول الله تعالى في سورة الأحزاب:
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {40}
واليوم ... ونحن نتدبر هذا القرآن نستطيع أن نستخرج منه دستوراً كاملاً للأخلاق النبوية التي يمكن تفعيلها في كل زمان ومكان ونحن على يقين أنه صلى الله عليه وسلم يعيش معنا زماننا.
ارجو التعليق جزاكم الله خير
Bookmarks