محمود سلطان : بتاريخ 23 - 4 - 2008 - جريدة المصريون
لقد شعر اليسار المصري بالفزع من مبادرة وقف العنف للجماعة الإسلامية عام 1997، ولجماعة الجهاد عام 2007، وهو ذات الشعور الذي انتاب المتطرفين الأقباط، ولكل منهما أسبابه التي تكاد تتشابه في النهاية.
لقد أعادت "الحروب الداخلية" بين الجماعات الإسلامية المسلحة والسلطة ( 1990 ـ 1997) إلى اليسار "أهميته الأمنية"، بعد نكبته التنظيمية والسياسية (1970 ـ 1977)، وهي "الأهمية" التي أعادته مجددا إلى صدارة المشهد السياسي والثقافي والأكاديمي المصري، لقاء قيامه بخوض حروب بالوكالة ضد المشروع الحضاري الإسلامي، الذي كان يُعتقد أنه "المظلة" التي تعمل تحتها التنظيمات الإسلامية النضالية، وتستقي منها مشروعيتها التاريخية.
لقد كانت أزمة فرج فودة (1990 ـ 1992)، وأزمة نصر حامد أبو زيد ( 1993 ـ 1995)، واللتان جاءتا متزامنتين مع أكثر سنوات المواجهات بين الأمن والإسلاميين الجهاديين دموية.. كانتا أولى تجليات استخدام "الانتحاريين اليساريين" في تجفيف منابع ما اصطلح على تسميته رسميا بـ"التطرف الإسلامي"، وعلى إطلاق يد ميلشيات اليسار شعبويا "فرج فودة"، وأكاديميا " حامد أبو زيد" في أتون حرب مفتوحة تخلت عن كل المعايير الأخلاقية ودقة وحساسية المجتمع المصري كمجتمع محافظ ومسلم، إذ تجاوزت التصدي للانقلابيين الإسلاميين لتتسامح مع "الحلفاء اليساريين" في النيل من الإسلام ذاته، تحت مظنة أنه قد يثبط من حماس الانخراط في التنظيمات المسلحة!
بعد عام 1997، ومع تبني الدولة مبادرة وقف العنف وقرارها بالإفراج عن قيادات الجماعة الإسلامية تباعا، اعتبر اليسار ذلك خصما من رصيده عند الدولة، إذ شرع في استدعاء خبرته في إجهاض جهود المصالحة بين الجماعات الإسلامية والأمن عام 1993، غير أنه لم يكتب له النجاح، وذلك بسبب التباين في الظروف التي تلت تجربة وزير الداخلية السابق اللواء عبد الحليم موسى، سيما محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا في يونيو عام 1995، وتدمير مقر السفارة المصرية في باكستان في العام ذاته 1995، ثم حادث الدير البحري بالأقصر عام 1997، إذ أنهكت المواجهات الطرفين معا: الجماعات الإسلامية عسكريا وتنظيميا، والدولة اقتصاديا (تضرر قطاع السياحة تضررا غير مسبوق) وحقوقيا (بسبب جنوح السلطة إلى تصفية الملف بقوة السلاح بعيدا عن القانون ومنصات القضاء)، ما حمل الطرفين على "تسوية" ما، حقنا للدماء أولا وتحفظ للدولة هيبتها تاليا.
مبادرة الجماعة الإسلامية(1997) والجهاد (2007)، كانتا أكبر بكثير من "التآمر اليساري" على اجهاضهما على نحو ما حققه في الماضي عام 1993، لوجود نية حقيقية لدى طرفي المواجهة لإنهاء هذا الملف، خاصة أن "العنف السياسي" لم يعد "محليا" وإنما أضحى عابرا للحدود، وأكثر تطورا وخبرة وجرأة ومجازفة، خاصة بعد دخول "الإنسان المفخخ" حيز الخدمة في المناطق الملتهبة في العالم.
لم يعد "عنف الجماعات" مصدرا للارتزاق اليساري، والتسلق على أكتاف الضحايا،إذ أوى اليساريون إلى ظل وزارة الثقافة كـ"جماعة سرية" تعمل تحت الأرض في الفترة ما بين عام 1997 وعام 2000، إلى أن وقعت أزمة "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري "حيدر حيدر"، وهي المحطة التي أحالت اليسار إلى البحث عن "سبوبة" أخرى، مستغلين في ذلك تطورات ما بعد أحداث سبتمبر عام 2001.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
sultan@almesryoon.com
Bookmarks