السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ثم أما بعد
لقد قامت الثورة العلمية الغربية على قطيعة بين الدين(المسيحية) والعلم
لكن هذه القطيعة انقلبت للألفة والمحبة بين العلم والدين الحقيقي(الإسلام)
ويوما بعد يوم، نسمع باكتشافات ونظريات تُلغي تلك النظرة المادية للكون، لتحل محلها نظرة جديدة لطالم دافع عنها الدين
فبعد أن ساد الاعتقاد لعقود عديدة بفيزياء نيوتن التي اتخذها الملاحدة دريعة للاختباء خلف ستار العلم
جاء العلم الجديد (نظرية النسبية وميكانيك الكم) لتزيل عن الملاحدة هذا الستار
وبعد أن ساد التفسير المادي لكل شيء في الكون
جاء العلم الجديد ليُبطل هذه المزاعم
فكانت بحق هذه الاكتشافات الجديدة ضربات موجعة على قفا الملاحدة جعلتهم من كثرة الضرب يفقدون القدرة على التفكير
لا أطيل عليكم
أتركم مع هذا المقتطف من تجارب عالم الأعصاب الشهير penfield
خلال عمليات جراحية أجراها ويلدربنفيلد العالم الشهير penfield على أدمغة ما يربو على ألف مريض فى حالة الوعى وملاحظات بنفيلد حول وظيفة الدماغ تفوق فى حجيتها وكمالها جميع الإدلة السابقة غير المباشرة المستفادة من بحوث أجريت على حيوانات ومن عمليات جراحية أجريت على أدمغة أشخاص مبنجين وكان بنفيلد ، و الذى يعود له الفضل الأول فى ادماج مباحث الأعصاب وفسيولوجيا الأعصاب وجراحة الأعصاب ، وقد شرع فى بحوثه الرائدة فى الثلاثينات من هذا القرن غير أن الأثار الكاملة المترتبة على اكتشافه لم تتضح إلا حين نشر كتابه المسمى ( لغز العقل ) ( the mystery of the mind ) .
إن بعض أنواع الصرع قابل للعلاج عن طريق الجراحة فبعد أن يبنج الجراح المريض تبنيجا عاما ، ويزيل بطريقة جراحية جزءا من جمجمته لتعريض الدماغ يعيده إلى وعيه ونظرا لانعدام الإحساس فى الدماغ نفسه يستطيع الجراح أن يستكشفه بواسطة الالكترود ( القطب الكهربائى ) وأن يحدد مستعينا بالمريض موقع الخلايا التى تسبب النوبات الصرعيه وأن يزيل هذه الخلايا .
وفى عام 1993 اكتشف بنفيلد بمحض الصدفة أن تنبيه مناطق معينه فى الدماغ بالكهرباء تنبيها خفيفا يحدث استرجاعا فجائيا للذاكرة عند المريض الواعى لقد ساورت بنفيلد الشكوك أول الأمر ، ثم أخذته الدهشه فعندما لامس الالكترود قشرة مخ شاب تذكر هذا الشاب أنه كان جالسا يشاهد لعبة ( بيسبول ) فى مدينة صغيرة ويراقب ولدا صغير يزحف تحت السياج ليلحق بجمهور المتفرجين وهناك حالة مريضة أخرى سمعت الات موسيقية تعزف لحنا من الألحان ويروى بنفيلد هذا الخبر فيقول اعدت تنبيه الموضع نفسه ثلاثين مرة محاولا تضليلها وأمليت كل استجابة على كاتبه الاختزال وكلما أعدت تنبيه الموضع كانت المريضة تسمع اللحن من جديد وكان اللحن يبدأ فى المكان نفسه .ويستمر من اللازمة إلى مقطع الاغنية وعندما دندنت ، مصاحبة الموسيقا ، وكان ايقاعها يسير بالسرعة المتوقعة له .
وكان المرضى يحسون دائما بالدهشة لتذكر الماضى بمثل هذه التفاصيل الحية ويفترضون على الفور أن الجراح هو المسؤول عن تنبيه الذاكرة التى ما كانت تتاح لولاه وكان كل مريض يدرك أن التفاصيل هى من واقع تجارية الماضية وكان من الواضح أن الأشياء التى كان قد أولاها عنايته هى وحدها التى أودعها فى محفوظات دماغه .
وكان بنفيلد من وقت لأخر يحذر المريض أنه سينبه دماغه ولكنه لا يفعل ذلك وفى مثل هذه الحالات لم يكن المريض يذكر أى ردود فعل إطلاقا .
ثم إن ملامسة المنطقة الخاصة بالنطق فى الدماغ تؤدى إلى فقدان نؤقت للقدرة على الكلام ( حبسه ) عند المريض ونظرا لانعدام الإحساس فى الدماغ فالمريض لا يدرك أنه مصاب بالحبسه إلا عندما يحاول أن يتكلم أو يفهم الكلام فيعجز عن ذلك ويروى بنفيلد ما حدث ذات مرة ( أخذ أحد مساعدى يعرض على المريض صورة فراشة وضعت الالكترود ( القطب الكهربائى ) حيث كنت أفترض وجود قشرة المخ الخاصة بالنطق فظل المريض صامتا للحظات ثم طقطق باصابعه كما لو كان غاضبا ثم سحبت الالكترود فتكلم فى الحال وقال : الأن أقدر على الكلام إنها فراشة لم اكن قادرا على النطق بكلمة ( فراشة ) فحاولت أن أنطق بكله ( عثة )
لقد فهم الرجل بعقله الصورة المعروضة على الشاشة وطلب عقلة من مركز الكلام فى دماغه أن ينطق بالكلمة التى تقابل المفهوم المائل فى ذهنه وهذا يعنى أن ألية الكلام ليست متماثلة مع العقل ، وإن كانت موجهة منه فالكلمات هى أدوات تعبير عن الأفكار ، ولكنها ليست الأفكار ذاتها وحين عجز المريض عن التفوه بالكلمة لانسداد الكلام عنده استغرب وأمر بالبحث عن اسم شىء مشابه هو ( العثه ) وعندما فشل ذلك أيضا طقطق بأصابعه غضبا ( إذ إن هذا العمل الحركى لا يخضع لمركز الكلام ) وأخيرا عندما انفتح مركز الكلام عند المريض شرح تجربته الكاملة مستخدما كلمات تناسب أفكاره وقد استنتج بنفيلد أن المريض حصل على كلمات من الية الكلام عندما عرض مفاهيم ونحن نستطيع الاستعاضة عن ضمير الغائب فى عملية الاستبطان هذه بكلمة عقل فعمل العقل ليس عملا أليا )
وتوصل بنفيلد إلى نتائج مماثلة فى مناطق الدماغ التى تضبط الحركات : ( عندما جعلت أحد المرضى يحرك يده بوضع الالكترود على القشرة الحركية فى أحد نصفى كرة دماغه كنت أساله مرارا عن ذلك وكان جوابه على الدوام ( أنا لم احرك يدى ولكنك أنت الذى حركتها ) وعندما أنطقته قال : أنا لم أخرج هذا الصوت أنت سحبته منى )
وهذه الحركات اللااديه تشبه إجفال ساق المريض لنقرة خفيفة بمطرقة الطبيب وكلنا يدرك أن مثل هذه الحركات ليست أفعالا إرادية ويلخص بنفيلد ذلك بقوله : إن الالكترود يمكن أن يخلق عند المريض احاسيس بسيطة متنوعة كأن يجعله يدير رأسه أو عينيه أو يحرك أعضاءه أو يخرج أصواتا أو يبلغ وقد يعيد إلى الذاكرة إحساسا حيا بتجارب ماضية ، أو يوهمه بأن التجربة الحاضرة هى تجربة مألوفة أو أن الأشياء التى يراها تكبر وتدنو منه ولكن المريض يظل بمعزل عن كل ذلك وهو يصدر أحكاما على كل هذه الأمور وربما قال : إن الأشياء تكبر ) ولكنه يستطيع مع ذلك أن يمد يده اليسرى ويقاوم هذه الحركة .
ونتيجة مراقبة مئات المرضى بهذه الطريقة ينتهى بنفيلد إلى أن عقل المريض الذى يراقب الموقف بمثل هذه العزلة والطريقة النقدية لا بد من أن يكون شيئا أخر يختلف كليا عن فعل الاعصاب اللاإرادي ومع أن مضمون الوعى يتوقف إلى حد كبير على النشاط فالإدراك نفسه لا يتوقف على ذلك .
وباستخدام أساليب المراقبة هذه استطاع بنفيلد أن يرسم خريطة كاملة تبين مناطق الدماغ المسؤولة عن النطق و الحركة وجميع الحواس الداخلية و الخارجية غير انه لم يكن فى المستطاع تحديد موقع العقل أو الإرادة فى اى جزء من الدماغ فالدماغ هو مقر الإحساس زالذاكرة والعواطف والقدرة على الحركة ولكنه فيما يبدو ليس مقر العقل أو الإرادة .
ويعلن بنفيلد أنه ما من عمل من الأعمال التى نعزوها إلى العقل قد ابتعثه التنبيه بالالكترود أو الإفراز الصرعى ) ويضيف قائلا : ( ليس فى قشرة الدماغ أى مكان يستطيع التنبيه الكهربائى فيه أن يجعل المريض يعتقد أو يقرر شيئا و الالكترود يستطيع أن يثير الأحاسيس و الذكريات غير أنه لا يقدر أن يجعل المريض يصطنع القياس المنطقى ، أو يحل مسائل فى الجبر بل إنه لا يستطيع أن يحدث فى الذهن أبسط عناصر الفكر المنطقى والالكترود يستطيع أن يجعل جسم المريض يتحرك ولكنه لا يستطيع أن يجعله يريد تحريكه إنه لا يستطيع أن يكره الإرادة فواضح أذا أن العقل البشرى و الإرادة البشرية ليس لهم أعضاء جسدية .
وبناء على ما تقدم لا ترى النظرة الجديدة استحالة فى تاثر الإرادة فى المادة ويشرح اكلس ذلك فيقول : تعلمت بالتجربة الثابتة أننى بالتفكير والإرادة أستطيع أن أتحكم بافعالى إذا شئت ذلك وليس فى وسعى أن أفسر تفسيرا علميا كيف يستطيع التفكير أن يؤدى إلى الفعل ، ولكن هذا العجز يأتى مصداقا لكون علوم الفيزياء والفسيولوجيا فى وضعها الراهن بدائية للغاية وأعجز من أن تتصدى لهذه المهمة العسيرة وحين يؤدى التفكير إلى الفعل أجدنى مضطرا كعالم متخصص فى الأعصاب إلى افتراض أن تفكيرى يغير بطريقة تستعصى على فهمى تماما أنماط النشاط العصبى التى تؤثر فى دماغى وهكذا يصبح التفكير يتحكم بشحنات النبضات الناشئة فى الخلايا الهرمية الشكل للقشرة الحركية فى دماغى كما يتحكم أخر الأمر بتقلصات عضلاتى والأنماط السلوكية الناشئة منها .
فاذا كانت الإرادة البشرية غير مادية فليس مما ينافى العقل أن تتصرف بغير طرق المادة أى بحرية اختيار ومن ثم فالنظرة الجديدة لا ترى فى الاعتراف باستقلال الإرادة فينا أى مجانبة للأسلوب العلمى ويخلص من ذلك إلى أنه ليس هناك إذا أسباب علمية وجيهة لإنكار حرية الإرادة ، والتى لا بد من افتراض وجودها إذا أردنا ان نتصرف كباحثين علميين بل إن إنكار حرية الإرادة يجعل من العلم كله أمرا منافيا للعقل فعلى العالم ألا يسأل : ما هو الصحيح ؟ بل ما هو الذى نحن مهياون لاعتقاده ويقول الفيزيائى كارل فون فايتز ساكر ( الحرية شرط من شروط التجربة فانا لا أستطيع أن أجرى التجارب إلا حين لا يكون فها فعلى وتفكيرى محكومين بالظروف والحوافز والعادات بل بحرية اختيارى )
زد على ذلك أن النظرة الجديدة لا ترى فى قدرة العقل على توجيه انشطة الدماغ أمر مستحيلا ويصف عالم الأعصاب روجر سبرى الثورة الفكرية التى حدثت فى علم النفس خلال السبعينات من هذا القرن والتى أحدثت انقلابا مثيرا فى معالجة الوعى فيقول : ( لقد قلبت المبادىء السلوكية التى سادت طوال نصف قرن ونيف وأخذ علم النفس فجاة يعالج أحداث ذاتية كالصور الذهنية والأفكار الباطنية والأحاسيس و المشاعر و الأفكار وما إليها بوصفها عوامل ذات دور سببى حقيقى فى وظيفة الدماغ وفى السلوك وأصبحت مضامين الأستبطان وعالم التجارب الداخلية كلها مقبولة على نحو فجائى كعوامل تستطيع أن تؤثر فى العمليات الفيزيائية والكيميائية التى تتم فى الدماغ ولم تعد تعامل بوصفها جوانب منفعلة وغير موجودة .
وينتهى سبرى من ذلك إلى أن الخواص المخية العليا للعقل والوعى هى التى تملك زمام الأمر فهى تكتنف التفاصيل الفيزيائية والكيميائية وتحملها وتهيمن عليها وهى التى تحدد الحركات وتتحكم نزوليا بحركة النبضات العصبية ونموذجنا الجديد أى المبدأ الذهنى – هو الذى يشغل العقل والخواص الذهنية ويعطيها سبب وجودها وتطورها فى نظام مادى .
إن المعرفة والقيادة تتطلبان قدرا من البعد فلا يمكن أن يمون العقل ظاهرة ثانوية مصاحبة لألية الأعصاب إذا أريد له أن يعاين ويوجه الكل ويقول بنفيلد : ( أن العقل لا الدماغ هو الذى يراقب ويوجه فى أن معا فالعقل هو المسؤول عن الوحدة التى نحس بها فى جميع أفعالنا وأفكارنا و أحاسيسنا وعواطفنا ويضيف اكلس ( إن وحدة التجربة الواعية يتيحها العقل الواعى نفسه لا ألية الأعصاب )
ولو كان الدماغ حاسبة الكترونية بالغة التعقيد فلا بد له إذا شأنه شأن الحاسبة من أن يوجه من قبل العقل ويقول بنفيلد ( إن الحاسبة الالكترونية و الدماغ هو كذلك لا بد من أن تبرمجها وتديرها قوى قادرة على الفهم المستقل ويحدد بنفيلد دور العقل هكذا : ( إن ما تعلمنا أن نسميه العقل هو الذى يركز الانتباه فيما يبدو والعقل يعى ما يدور حوله وهو الذى يستنبط و يتخذ قرارات جديدة وهو الذى يفهم ويتصرف كما لو كانت له طاقة خاصة به وهو يستطيع أن يتخذ القرارات وينفذها مستعينا بمختلف أليات الدماغ و هكذا فان توقع العثور على العقل فى احد اجزاء الدماغ او فى الدماغ كله ، واشبه بتوقع كون المبرمج جزءا من الحاسبة الالكترونية .
وبناء على الأدلة سالفة الذكر لا يرى بنفيلد أى أمل فى النهج المادى للنظرة القديمة إزاء العقل فيعلن : إن توقع قيام ألية الدماغ العليا أو أى مجموعة من ردود الفعل ، مهما بلغت من التعقيد بما يقوم به العقل ، وبأداء جميع وظائفة أمر محال تماما ويوافق عالم الإحياء أدولف بورتمان على ذلك فيقول : ( ما من كمية من البحث على النسق الفيزيائى أو الكيميائى .يمكنها أبدا أن تقدم صورة كاملة للعمليات النفسية والروحية والفكرية .
كما أن بنفيلد لا يتوقع أن يقوم علم وظائف الأعضاء فى المستقبل كما كانت تتوقع النظرة القديمة بإظهار اتبثاق العقل من المادة فيقول : ( يبدو من المؤكد أن تفسير العقل على أساس النشاط العصبى داخل الدماغ سيظل أمر مستحيلا كل الاستحالة ) ولذلك فهو يرى أنه أقرب إلى المنطق أن نقول أن العقل ربما كان جوهرا متميزا ومختلفا عن الجسم )
ومن دواعى السخرية أن بنفيلد بدا أبحاثة بهدف اثبات العكس تماما فيقول : ( طوال حياتى العلمية سعيت جاهدا كغيرى من العلماء إلى إثبات أن الدماغ يفسر العقل فهو قد بدأ مسلحا بجميع افتراضات النظرة القديمة غير أن الأدلة حملته أخر الأمر على الإفراد بأن العقل البشرى و الارادة البشرية حقيقتان غير ماديتين ويعلن بنفيلد ياله من أمر مثير إذا ، أن نكشف أن العالم يستطيع بدوره أن يؤمن عن حق بوجود الروح وإذا كان العقل والإرادة غير مادتين فلا شك أن هاتين الملكتين على حد تعبير اكلس ( لا تخضعان بالموت للتحلل الذى يطرأ على الجسم والدماغ كليهما )
من كتاب العلم في منظوره الجديد ص 36 - 41
Bookmarks