بسم الله
أولا : بشأن سؤال الأخ عن المقصود بالمخاطب في قولنا أن شخص النبي هو نفسه شخص الرسول هو نفسه شخص المدثر و هو نفسه شخص المزمل لكن المخاطب مختلف . و المقصود هو المخاطَب ، بفتح الطاء . أما ما أورده من أسماء حسنى فهي بشأن اختلاف المخاطِب بكسر الطاء . و اختلاف المخاطب بفتح أو المخاطب بكسر ينتج اختلافا في مؤدى الخطاب . إذ لو كان مؤدى الخطاب نفسه رغم اختلاف المخاطب بفتح أو كسر لكن هذا الاختلاف لا معنى له و لا حكمة فيه . و هو من العبث الذي يتعالى الله عنه و لا يجوز عليه لمطلق علمه . و هذه قاعدة عامة : اختلاف اللفظ يؤدي إلى اختلاف المعنى . فإن أدركنا هذا الاختلاف فبها و نعمت و إن لم ندركه فعدم إدراكنا هذا لا يقلب القاعدة . بل هو دلالة على أن المستوى العلمي الذي وصل إليه عصرنا لم يبلغ بعد درجة تأويل كل آيات الكتاب الكريم . و كتاب الله عطاؤه مستمر إلى يوم القيامة و لكل عصر عطاؤه من كتاب الله ، و لهذا فهو معجزة مستمرة و حجة دائمة . فحين يقول تعالى "نحن" فلا يقصد "أنا" بل يقصد "نحن" ، أدركنا الفرق أم لم ندركه . فإن أدركناه فلله المنة ، و إن لم ندركه فلن نبني على هذا قاعدة أخرى تقلب القاعدة . و لا حاجة للإخوة بإيراد كل آيات الكتاب علينا إثباتا لما يذهبون إليه من أن اختلاف المخاطب -بفتح أو كسر- لا ينتج اختلافا في مؤدى الخطاب . لأننا إن علمنا جواب ما يوردون أجبنا و إن لم نعلم لم يكن هذا حجة لهم علينا بل حجة لنا عليهم في أن المستوى العلمي لعصرنا لم يبلغ بعد تأويل كل الآيات و سيأتي زمان يزداد فيه العلم و يعلم الناس تأويل ما لم نعلمه . و ذلك مؤدى قوله تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " . و قد أوردنا مثالا يمكن القياس عليه ، حين قلنا أن المفسرين قبل عصرنا فهموا " في" في قوله تعالى " قل سيروا في الأرض " على المجاز بمعنى "على" لا على الحقيقة بمعنى "في " و هم معذورون ، فذاك أقصى ما بلغه المستوى العلمي لزمانهم ، ثم اتضح في زماننا أن الله تعالى حين قال " في الأرض " فهو يقصد في الأرض على الحقيقة ، لأن المستوى العلمي لزماننا ارتفع و زاد و أصبحنا نعلم أن الطبقة الغازية هي جزء من الأرض و أننا في الحقيقة نسير في الأرض لا عليها . و سأل الأخ عن قوله " لأصلبنكم في جذوع النخل " قائلا أن " في " هنا لا يمكن إلا أن تكون بمعنى " على " ، و رددت عليه أنه يقول هذا لأن هذا ما يتيحه لنا المستوى العلمي لزماننا ، لا لأن قوله هو الصواب . و حاله في هذا كحال المفسرين السابقين حين فسروا السير في الأرض بالسير عليها . ثم اتضح أنه سير فيها على الحقيقة . ثم قلت له بالحرف : " فلماذا لم يقل الكتاب الكريم على جذوع النخل و قال في جذوع النخل ؟ لأي حكمة ؟ عجزنا عن الجواب لا يعني أنه أراد ب"في" هنا "على" و إنما أراد ب"في" "في" و ما علينا إلا أن ننتظر يوما يتطور العلم ليشرح لنا كيف هذا و ليبين للناس مرة أخرى معجزة أخرى من معجزات الكتاب الكريم شهادة له أنه من عند الله ".
فكان رد الأخ أن قال " عجزت عن الجواب لأنها تنقض و تفند دعواك " . و دعواي أنه تعالى حين يقول "في" لا يقصد "على" و حين يقول " يا أيها النبي " لا يقصد " يا أيها الرسول " و قس عليها . فإن جهلنا الحكمة من اختياره لفظا دون لفظ قريب منه فجهلنا هذا لا يلغي الفرق في القصد . و هذه هي دعواي التي بنيت عليها أن الخطاب بالنبوة غير الخطاب بالرسالة . كما أن "في" غير "على" علمنا الفرق أم لم نعلمه . و سأكتفي بما قلته بهذا الشأن . فمن رأى في ما قلته مقنعا فهو ذاك ، و من لم ير فيه مقنعا ، فله الحق في أن لا يقتنع و هذا شأنه .
ثانيا : ما أورده الأخ على أنه قولنا إنما هو قول اقتبسناه عن الأخ الذي أورد علينا آية :" يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ..." . إذ بعد أن أورد الأخ هذه الآية قال فيما قال : " وأنت ترى أنها مبايعة لا تلزمهم بالتوحيد ولا العفاف ... لأن المبايعة هنا كانت للنبي وليس للرسول !!!" . فرد الأخ إنما هو على كلام ليس لي . و ما قاله الأخ في شرحه للبيعة و أنها عهد لا يجوز نكثه بل هو ملزم لمن أعطاها فلا أخالفه فيه . و إنما كان موضوع النقاش بيني و بين الأخ الذي أورد آية البيعة هو الحكمة من خطابه فيها للنبي دون الرسول . و قد أجبته سابقا و لا حاجة لأن أعيد .
ثالثا : بشأن موضوع المعروف و معانيه في الكتاب الكريم ، فأرجو أن يتاح لي الوقت لأجيب عنه في موضوع مستقل قريبا إن شاء الله .
Bookmarks