صفحة 4 من 4 الأولىالأولى ... 234
النتائج 46 إلى 49 من 49

الموضوع: عدل الله . . ( موضوع للنقاش )

  1. افتراضي هل نحن مسيرون أم مخيرون ؟

    هل نحن مسيرون أم مخيرون ؟
    الصديق والزنديق
    سئل سهل بن عبد الله التستري عمن قال: أنا كالباب لا أتحرك إلا أن يحركوني ، فقال: لا يقول هذا إلا صديق أو زنديق ، وهو يشير إلى انضباط الإرادة أو إسقاطها ، فإن ضبطها كان صديقا ، وإن أسقطها كان زنديقا ، ومعني ذلك أنه إذا وافقت إرادته إرادة الله الشرعية وإرادة الله الكونية كان مؤمنا مستقيما ، جاهد بعزم إرادته في العمل بشريعته وانضبط عليها فوفقه الله بمشيئته وإرادته الكونية ، ومن هنا يظهر لنا معنى التوفيق ، فالتوفيق هو اتفاق الإرادات ، إرادة العبد مع إرادة الرب الشرعية وإرادته الكونية ، وهذه الحالة تكون في المؤمن دون الكافر ، وقد عبر النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك بقوله فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة: (إن اللهَ قال: من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإنْ سألني لأَعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه ، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته) .
    والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها ، بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه من الوقوع فيما يكره ، من الإصغاء إلى اللهو بسمعه ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره ومن البطش فيما لا يحل له بيده ومن السعي إلى الباطل برجله .
    ضمن الله سبحانه لكل من عمل صالحا أن يحييه حياة طيبة ، فهو سبحانه وتعالي صادق الوعد الذي لا يخلف وعده وأي حياة أطيب من حياة ، اجتمعت فيها هموم العبد كلها ، وصارت هما واحدا في مرضات الله ، فأقبل بقلبه على ربه واجتمعت إرادته بقوة عزمه ، فصار ذكر ربه ، ومنتهي حبه ، في الشوق إلى لقائه والأنس بقربه ، وهو المتولي عليه ، وعليه تدور همومه وإرادته ، وأفكاره ونيته ، بل خطرات قلبه تتعلق بربه ، فان سكت ، سكت بالله وإن نطق ، نطق بالله ، وإن سمع فبه يسمع ، وإن أبصر فبه يبصر ، وبه يبطش ، وبه يمشى ، وبه يتحرك ، وبه يسكن ، وبه يحيى ، وبه يموت ، وبه يبعث كما في ورد في هذا الحديث من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإنْ سألني لأَعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه ، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته .
    فأسباب محبة الله محصورة في أمرين: أداء فرائضه والتقرب إليه بنوافله ، وأخبر سبحانه أن أداء فرائضه أحب مما تقرب إليه المتقربون ، ثم بعدها النوافل وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل حتى يصير محبوبا لله ، فإذا صار محبوبا لله ، زاده الله بفضله محبة أخرى ، فوق المحبة الأولى ، فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير الله ، وملكت عليه روحه ، ولم يبق فيه سعة لغير محبة الله أبدا ، فصار ذكر الله وطاعته مثله الأعلى وحبه الأقوى ، صار مالكا لزمام قلبه ، مستوليا على روحه ، ولا ريب أن هذا المحب إن سمع ، سمع لمحبوبه وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به ، وإن مشي مشي به .
    والحديث خص بالذكر السمع والبصر واليد والرجل ، لأن هذه الآلات هي آلات الفعل ومداخل الوعي ، فالسمع والبصر يحركان في القلب الإرادة أو والكره ، ويبعثان فيه الحب والبغض ، فعند ذلك تتحرك اليدان والرجلان ، فإذا كان سمع العبد بالله وبصره محفوظا بحفظ الله وتوفيقه ، كان محفوظا في حبه وبغضه ، وحفظه الله في بطشه ومشيه
    وتأمل قوله: (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) تجد معية خاصة بين العبد وربه مقتضاها كمال المراقبة ، و معية خاصة بين الرب وعبده مقتضاها الحفظ والمتابعة ، معية التوفيق يمنحها لعبده من فوق عرشه ، تتوافق فيها إرادة العبد مع اختيار الرب وتدبيره الشرعي وكذلك مع تقدير الرب وتدبيره الكوني ، وهذه المعية هي المعية الخاصة المذكورة في قوله تعالى: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَل اللهُ سَكِينَتَهُ عَليْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لمْ تَرَوْهَا وَجَعَل كَلمَةَ الذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40) وقوله تعالى: (وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا وَإِنَّ اللهَ لمَعَ المُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) وقوله: (إِنَّ اللهَ مَعَ الذِينَ اتَّقَوْا وَالذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) وقوله: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (لأنفال:46) وقوله: (قَال كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62) فمتى كان العبد قائما بالله علي حفظ التدبير الشرعي لا يخرج قيد أنملة عن قضائه الشرعي وفقه الله بتدبيره الكوني ، وعند ذلك هانت عليه المشاق ، وانقلبت المخاوف في حقه أمانا ، فبالله تهون الصعاب ، ويصبح العسير سهلا ، والبعيد قريبا ، وبالله تزول والهموم والأحزان ، ولا يبقي غم مع الإيمان ، فلا هم مع الله ولا غم مع الله ولا حزن مع الله .
    ومن إكرام الله لعبده الصديق أن الله قال في شأنه: (وإنْ سألني لأَعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه ، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته) .
    أكرم عبده الصديق بإجابة الدعاء ، فالمسلم الذي يوافق شرع الله أكرمه الله بإجابة الدعاء ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة ابن الصامت أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها) ، وفي زيادة عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة: إما أن يعجلها له ، وإما أن يدخرها له) وعن الإمام أحمد أيضا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها) .
    روي الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168) فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به .
    وروى البخاري من حديث عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رضي الله عنه أنه قال: شَكا أهلُ الكوفةِ سَعداً إِلى عمرَ رضي اللهُ عنه وزعموا أنه لا يُحسِنُ أن يُصلي ، فعزَلهُ - وكان عمر بن الخطاب قد أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله العراق على يديه ، ثم دخل الكوفة سنة سبع عشرة واستمر عليها أميرا إلى سنة عشرين أو إحدى وعشرين ، فشكاه أهلُ الكوفةِ إِلى عمرَ رضي اللهُ عنه ، فعزَلهُ ، واستعمل عليهم عمار ابن ياسر ، استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، انتهى ، وكأن تخصيص عمار بالذكر لوقوع التصريح بالصلاة دون غيرها مما وقعت فيه الشكوى - فأَرسل إِليه عمر ابن الخطاب فقال له: يا أبا إسحاق إنَّ ه?ؤلاء يَزعُمونَ أَنَّكَ لا تُحسِنُ تُصلي ، قال أبو إِسحاقَ: أمّا أنا واللهِ فإني كنتُ أُصلي بهم صلاةَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ما أخرِمُ عنها ، أُصلي صلاةَ العِشاءِ فأَركُدُ في الأُوليَيْنِ وَأُخِفُّ في الأُخرَيَينِ ، قال: ذاكَ الظنُّ بكَ يا أبا إِسحاقَ ، فأَرسل معه رجُلاً أو رجالاً إِلى الكوفةِ فسأل عنه أهل الكوفة ِ ، ولم يَدَعْ مسجداً إِلاّ سأل عنه ، وَيُثنونَ مَعروفاً ، حتى دخل مسجداً لبني عبسٍ ، فقامَ رجلٌ منهم يُقالُ له أُسامةُ بنُ قَتادةَ يُكْنى? أَبا سَعدةَ قال: أمّا إِذ نَشَدْتَنا فإِنَّ سَعداً كان لا يَسيرُ بالسرِيَّةِ ، ولا يَقسِمُ بالسَّوِيَّة ، ولا يَعدِلُ في القَضيَّة ، قال سعد ٌ: أَما وَاللهِ لأدْعوَنَّ بثَلاثٍ: اللّهمَّ إِن كان عبدُكَ هذا كاذباً قامَ رِياءً وَسُمعةً فأَطِل عمرَهُ ، وَأَطِل فَقرَهُ ، وَعَرِّضْهُ بالفِتَنِ ، فاستجاب الله دعاءه وحقق نداءه ، وكان هذا الرجل في آخر حياته إِذا سُئل يقول: شَيخٌ كبيرٌ مَفتون ، أصابَتْني دَعوةُ سعد ، قال عبدُ الملك: فأنا رأيتُه بعدُ قد سَقطَ حاجِباهُ عَلى عَينيهِ منَ الكِبَرِ ، وإِنه ليَتعرَّضُ للجواري في الطُّرقِ يغمزهُنَّ .
    ثم يقول في الحديث: (وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته) كيف ينسب التردد إلى الله ؟ والجواب عن ذلك أن التردد فعل من أفعال الله تعالى وأفعاله سبحانه فيها الكمال والجمال ، وتشهد لحكمته بالعظمة والجلال ، فالله لا يتصف إلا بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة ، والسمع والبصر والرحمة ، والعزة والحكمة والعظمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال في كل حال ، أما ضد ذلك من أوصاف النقص ، كالموت والعجز والظلم ، والغفلة والسنة والنوم ، فقد تنزه ربنا وتعالي عن ذلك فسبحه الموحدون ، وقال المؤمنون في وصفه كما قال المرسلون: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ على المُرْسَلينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ) أما إذا كان الوصف عند تجرده عن الإضافة في موضع احتمال ، فكان كمالا في حال ونقصا في حال ، فالمسلم العاقل يقف مدققا ، لا يثبته لله إثباتا مطلقا ، ولا ينفيه عنه نفيا مطلقا ، بل لا بد في ذلك من البيان والتفصيل ، والتقيد بما ورد ذكره في التنزيل .
    فقد ورد من الألفاظ في القرآن ما ينسب مرة إلي الإنسان ، وينسب إلي الله لا على وجه النقصان ، كالمكر والخداع والنسيان ، والاستهزاء والكيد والخذلان ، وغير ذلك من الأوصاف ، وما يقال فيها سوف يقال في الاستخلاف ، فالمكر مثلا هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الابتلاء أو المعاقبة والجزاء ، وقد يكون عيبا مذموما إذا كان بالسوء في الابتداء ، وقد يكون محمودا إذا كان لتدمير مكر الكافرين والسفهاء ، فإذا كان المكر عند الإطلاق كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تخصيص ، كقول القائل: المكر صفة الله ، فهذا باطل ، لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ، لكن يصح قول القائل: مَكْرُ الله يكون للابتلاء والمعاقبة والجزاء ، فهو مكر مقيد لا يحتمل إلا الكمال ، فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال ، كما أثبت ذلك لنفسه فقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذِينَ كَفَرُوا ليُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ) ، وما يقال في المكر يقال أيضا في الاستهزاء ، فالاستهزاء على الإطلاق يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر ، فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تقيد كقول القائل: الله يستهزئ ، فهذا باطل ، ولكن يصح أن يقول الله يستهزئ بالمنافقين في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين ، فالاستهزاء في موضع النقص هو شأن المنافقين والاستهزاء في موضع الكمال ، ورد في قول رب العزة والجلال: (وَإِذَا لقُوا الذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلوْا إلي شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) .
    وكذلك يقال في الخداع والسخرية والكيد ، فإن ذلك يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر ، فلا يتصف به إلا في موضع الكمال كما قال: (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلي الصَّلاةِ قَامُوا كسالي يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَليلا) وفي السخرية بالمنافقين قال: (الذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنْ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ) .
    وكذلك أيضا ما ورد في صفة التردد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءتَه) ، فالتردد يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر ، فلو كان التردد عن جهل وقلة علم وعدم إحكام للأمر كان التردد نقصا وعيبا ، وإن كان التردد لإظهار الفضل والمحبة في مقابل إنفاذ الأمر وتحقيقة الحكمة كان التردد كمالا ولطفا وعظمة وهو المقصود في الحديث ، فالصديق هو من وافق بإرادته إرادة الله الشرعية والكونية .
    أما الزنديق فهو الذي أثبت القدر محتجا به علي الشرع محاربا له به نافيا عن العبد قدرتة التي منحه الله إياها ونفي أمره سبحانه ونهيه ، فقد نفي الحكمة عن أفعال ربه ونسب الظلم والعبث إليه ، كالجبري الذي قال: ما حيلة العبد والأقدار جارية عليه في كل حال أيها الرائي - ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك ، إياك أن تبتل بالماء ، ويقول قائلهم دعاني وسد الباب دوني فهل إلى دخولي سبيل بينوا لي قصتي ويقول الآخر ، وقيل لبعض هؤلاء أليس هو يقول ولا يرضى لعباده الكفر فقال دعنا من هذا رضيه وأحبه وأراده ومن أفسدنا غيره ، ومر بلص مقطوع اليد على بعض هؤلاء ، فقال: مسكين مظلوم أجبره على السرقة ثم قطع يده عليها ، وقيل لبعضهم: أترى الله كلف عباده مالا يطيقون ثم يعذبهم عليه ؟ ، قال: والله قد فعل ذلك ، ولكن لا نجسر أن نتكلم ، وأراد رجل من هؤلاء السفر فودع أهله وبكى ، فقيل: استودعهم الله واستحفظهم إياه ، فقال: ما أخاف عليهم غيره ، يقول ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: عاتبت بعض شيوخ هؤلاء ، فقال لي: المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب ، والكون كله مراد له ، فأي شيء أبغض منه ، قال: فقلت له: إذا كان المحبوب قد أبغض بعض من في الكون وعاداهم ولعنهم فأحببتهم أنت وواليتهم ، أكنت وليا للمحبوب أو عدوا له ؟ قال: فكأنما ألقم حجرا .
    وهم إنما يحتجون بالنصوص التي تدل علي التدبير الكوني دون الشرعي كقوله تعالي (وَمَا رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ ولكِنَ اللّهَ رَمَى) (الأنفال:17) (فَليَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلا وَحَدَائِقَ غُلبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ) (فَلمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللّه قَتَلهُمْ) (الأنفال:71) ، فهؤلاء الزنادقة الذين يستبيحون ما حرم الله بحجة أنهم مسيرون مقهورون على أفعالهم أهل جهالة بالله وبكتابة ، فنظروا للكتاب والسنة بعين عوراء ، لأن الله عز وجل تارة ينسب الفعل إلي نفسه دون عبده عند دعوته إلي توحيد الربوبية ، وتارة ينسب الفعل إليه عند دعوته إلي توحيد العبودية ، فالأسباب مرة يثبت الله أحكامها ويكلفنا أن نأخذ بها ، ومرة ينفي تأثيرها لنعتقد في قدرته دون قدرتها ، وننسب الفعل إليه دون فاعليتها ، فترى القرآن مرة يقول في نفيها: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة:64) ، فنفي عن الناس أفعالهم وتأثير الأسباب في رزقهم ، وأثبت لنفسه الأفعال وتصريف الأسباب ، لأنه الخالق حقيقة الذي قدر كل شيء في أم الكتاب ، ثم أثبت الأسباب للناس في موضع آخر فقال: (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلهِ إِلا قَليلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) (يوسف:47) ويقول أيضا: (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ليَغِيظَ) (الفتح:29) فسماهم زراعا وقال تزعون ، لأننا في دار ابتلاء وامتحان واستخلاف واستئمان ، فنسب الفعل إلينا على أننا مستخلفون في ملكه مخولون في أرضه ، فطالبنا بالعمل والإنفاق ليصل كل منا إلي ما قدره من الأرزاق: (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلكُمْ مُسْتَخْلفِينَ فِيهِ فَالذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لهُمْ أَجْرٌ كَبِير ٌ) (الحديد:7) فالدنيا دار ابتلاء وامتحان ، ولا بد أن يجتازها الإنسان (الذِي خَلقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ) (الملك:2) وهو في هذه الدار بالخيار ، أيرغب في الجنة أم يرغب في النار ، كل ذلك ليؤول الناس إلى مصيرهم بعد الحساب ، ويتم ما قدره الله في أم الكتاب: (فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (الشورى:7) فكل ميسر لما خلق له ، وكل سيرزق بما قدرله . فاللّه عز وجل قد أظهر الدنيا أسبابا ونسب الفعل إلي أهلها لإظهار حكمته عند دعوتهم لتوحيد الله بالعبودية ، وينسب الفعل ويثبته لنفسه في موضع آخر لإظهار قدرته عند دعوتهم لتوحيد الله بالربوبية ، فقال: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللهِ الذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) (البقرة:190) (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللهِ وَاعْلمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ) (البقرة:244) كلفهم بالقتال وجعله للمؤمنين اختبار ، اختبارا لهم بتوحيد العبودية لله ، وأن يطيعوا الله ويجاهدوا في سبيل الله ، إظهارا للشرائع والأحكام ، وتحقيقا لمعاني التوحيد والإسلام ، ثم قال في توحيد الربوبية ونسبة الفضل إليه في انتصارهم علي أعدائهم: (فَلمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللّه قَتَلهُمْ) (الأنفال:71) حتى لا ينسبوا الفضل إلى أنفسهم ولا يدخل العجب بالنفس إلى عقيدتهم فيقولون انتصرنا وعبرنا بقوتنا وقدرتنا وقتالنا وخبرتنا وحنكة قائدنا لولاه لهزمنا وغير ذلك مما تدندن عليه النفس الأمارة .

    هل نحن مسيرون أم مخيرون ؟
    متي نحتج بالقدر ؟
    القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعائب ، اعتقاد أهل الإيمان وأهل البصيرة في نصوص القرآن أن القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعائب ، فأهل الإيمان يثبتون القضاء والقدر ، ويسندون جميع الكائنات إلى مشيئة ربها ، وإلى قدرة خالقها ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأن من لم يؤمن بالقدر ، فقد انسلخ من التوحيد ولبس جلباب الشرك ، ولم يؤمن بالله عز وجل ، ولم يعرفه حق المعرفة ، فالله عز وجل جعل للعبد إرادة واختيارا ، وفعلا وقدرة واستطاعة ، وابتلاه في الدنيا بين طريقين وهداه إلى النجدين ، إما إلى نجد الكفر والعصيان وإما إلى نجد الطاعة والإيمان ، وموقف العبد من قدر الرب ، أو العلاقة بين فعل العبد وفعل الرب ، تأتي في كتاب الله وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم على أربعة أنواع:
    أولا: الطاعة ، والطاعة تتم بإرادة الله الكونية ، وموافقة العبد للإرادة الله الشرعية ، فتتوافق الإرادات ، ويظهر توفيق الرب للعبد ، والفعل هنا ينسب إلى الله ، فعل الطاعة ينسب الفضل فيها إلى الله ، فهو الذي وفق العبد إلى طاعته ، وحقق له مراده بفضله ومنته ، فالفضل لله ، وإن كان فعل الطاعة بإرادة العبد وكسبه ، وسيجازي عند ربه على فعله ، لكن الفضل في الطاعة ينبغي أن ينسب إلى الله ، فالذين قالوا أسلمنا منة على نبيهم ، رد الله الفضل في إسلامهم إلى منته ، يقول تعالي: (يَمُنُّونَ عَليْكَ أَنْ أَسْلمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَليَّ إِسْلامَكُمْ بَل اللهُ يَمُنُّ عَليْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17) ويقول تعالي: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) (النساء:79) سواء كان حسنة بالإرادة الكونية أو الإرادة الشرعية ، فالفضل لله في طاعة عبده ، ويجب على العبد أن ينسب الفضل إلى ربه ، فهو الذي حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه ، (وَاعْلمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللهِ لوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِليْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِليْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات:7) ، وقال أهل الجنة: (وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنَهْتَدِيَ لوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ لقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لأعراف:43) الباء سببية وليست للعوض والمقابلة ، روي البخاري من حديث أبي سلمةَ بن عبد الرحمن عن عائشة أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (سَدِّدوا وقاربوا وأبشروا ، فإنه لا يدخل أحداً الجنةَ عملُه ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا ، إلا أن يتغمدَني الله بمغفرة ورحمة) ، وعند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، وَاعْلمُوا أَنَّهُ لنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلهِ ، قَالُوا: يَا رَسُول اللهِ وَلاَ أَنْتَ ؟ قَال: وَلاَ أَنَا . إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) .
    فدخول الجنة بسبب العمل لكن العمل لا يقابل في المعادلة الجزاء ، فالجنة منحة من الله لأهل التقوى منحهم أياها بفضله ، كما أنه أيضا وفقهم في الدنيا إلي الإيمان والتقوى بفضله ، فهم يعلمون أنه لا حول ولا قوة لهم إلا بمعونة ربهم ، فالعبد لا ينتقل ولا يحول من حال إلى حال إلا بالله ، ولا قوة للإنسان على فعل شيء من الطاعة إلا بالله ، فلا حول ولا قوة إلا بالله كلمة عظيمة ، وكنز من كنوز الجنة ، كما ثبت عند الإمام البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: (كنّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَر ، فكنا إذا عَلونا كبَّرنا ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيها الناس ، اربَعوا على أنفُسِكم ، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ، ولكنْ تدعون سميعاً بصيراً ، يقول أبو موسى رضي الله عنه: ثمَّ أتى عليَّ وأنا أقولُ في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال: يا عبد الله بن قيْس ، قل لا حول ولا قوةَ إلا بالله ، فإنها كنزٌ مِنْ كنوز الجنة ، أو قال: ألا أدلك على كلمةٍ هي كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلاّ بالله) .
    فالطاعة ينسب الله فيها الفضل إلى نفسه ، ويمنح الأجر فيها لعبده ، حتى لا يتعالى بقوته دون ربه: (فَلمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمَى وَليُبْليَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ) (لأنفال:17) (لقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَليْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَليْتُمْ مُدْبِرِينَ ، ثُمَّ أَنْزَل اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولهِ وَعَلى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَل جُنُوداً لمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الذِينَ كَفَرُوا وَذَلكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ) (التوبة:26) (وَلقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123) (وَمَا جَعَلهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لكُمْ وَلتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ) (آل عمران:126) .
    (وتَرَى الظَّالمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ) (الشورى:22) (سَابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ للذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلهِ ذَلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْل العَظِيمِ) (الحديد:21) (لئَلا يَعْلمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْل اللهِ وَأَنَّ الفَضْل بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْل العَظِيمِ) (الحديد:29) (فَانْقَلبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174) وهذا منطق الموحدين ينسبون الفضل إلى رب العالمين: (قَال هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي ليَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل:40) .
    ثانيا: النوع الثاني من موقف العبد تجاه قدر الرب وفعله ، أو النوع الثاني من العلاقة بين فعل العبد وفعل الرب ، المعصية :
    والمعصية ينسب فيها الفعل إلى كسب العبد ، وإن تم الفعل بقدرة الرب ومشيئته ، قال عن الطاعة: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) وقال عن المعصية: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء:79) فالمعصية لا يصح أن ينسبها العبد إلى الرب ، فهذا فعل المشركين الذين قال الله فيهم: (سَيَقُولُ الذِينَ أَشْرَكُوا لوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُل هَل عِنْدَكُمْ مِنْ عِلمٍ فَتُخْرِجُوهُ لنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ) (الأنعام:148) (وَقَال الذِينَ أَشْرَكُوا لوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلكَ فَعَل الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَهَل عَلى الرُّسُل إِلا البَلاغُ المُبِينُ) (النحل:35) ، وقال تعالى: (وَإِذَا قِيل لهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَال الذِينَ كَفَرُوا للذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يّـس:47) (وَقَالُوا لوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لهُمْ بِذَلكَ مِنْ عِلمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) (الزخرف:20) فهؤلاء المحتجون بالقدر على سقوط الأمر والنهي من جنس المشركين المكذبين للرسل ، وهؤلاء حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد ، فنسب المعصية إليهم فقال: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) (النساء:62) (فَمَا لكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَل اللهُ وَمَنْ يُضْلل اللهُ فَلنْ تَجِدَ لهُ سَبِيلاً) (النساء:88) (إِنَّا أَنْزَلنَا إِليْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُنْ للخَائِنِينَ خَصِيماً) (النساء:105) (وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَليْهِ وَلعَنَهُ وَأَعَدَّ لهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) وقد قال في الطاعة: (فَلمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمَى وَليُبْليَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ) (لأنفال:17) ، فنسب القتل إليه عند الطاعة ، ونسبه إليهم عند المعصية ، قال تعالي: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلهِمْ قُلُوبُنَا غُلفٌ بَل طَبَعَ اللهُ عَليْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَليلاً) (النساء:155) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لعَنَّاهُمْ وَجَعَلنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (المائدة:13) (قُل إِنْ ضَللتُ فَإِنَّمَا أَضِل عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِليَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ:50) (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) . وهنا يأتي معنى الإضلال لأن الإضلال من الشرود وعدم الاتفاق ، إرادة العبد خالفت إرادة الله الشرعية ووافقت الإرادة الكونية ، فباعتبار مخالفته الشرعية نقول ضل ، وننسب المعصية إليه ، وباعتبار وقوع الإرادة الكونية الحتمية نقول أضله الله: (فَإِنْ لمْ يَسْتَجِيبُوا لكَ فَاعْلمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالمِينَ) (القصص:50) (بَل اتَّبَعَ الذِينَ ظَلمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَل اللهُ وَمَا لهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (الروم:29) (قُل إِنْ ضَللتُ فَإِنَّمَا أَضِل عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِليَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ:50) (وَلقَدْ أَضَل مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيراً أَفَلمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (يّس:62) والمعصية وإن كانت بقدر الله إلا أنه لا يجوز أن يحتج فيها بالقدر ، وأنه مسير في ذلك مجبور ، فإن من فعل ذلك كان من أهل الزندقة ، كما علمنا من المحاضرات السابقة ، كالذي رأي لصا مر عليه وهو مقطوع اليد مقام عليه الحد ، فقال: مسكين مظلوم أجبره الله على السرقة ثم قطع يده عليها ، فصاحب هذا الاعتقاد الفاسد لا يكون إلا ظالما متناقضا ، إذا آذاه غيره أو ظلمه طلب معاقبته والمبالغة في جزائه والانتقام منه ، ولم يعذره بالقدر وبحجة أنه مسير مجبور ، وإذا كان هو الظالم لغيره احتج هو لنفسه بالقدر ، وادعي أنه مسير مجبور وقال: ما حيلة العبد والأقدار جارية عليه في كل حال أيها الرائي - ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء .
    فلا يحتج أحد بالقدر علي معصيته إلا لإتباع الهوى ، وحجته باطلة داحضة فاسدة ، لا حق معه ولا دليل ، ولذلك لما احتج المشركون بالقدر على شركهم ، بين الله كذبهم وقال لهم: (قُل هَل عِنْدَكُمْ مِنْ عِلمٍ فَتُخْرِجُوهُ لنَا) (سَيَقُولُ الذِينَ أَشْرَكُوا لوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُل هَل عِنْدَكُمْ مِنْ عِلمٍ فَتُخْرِجُوهُ لنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ) (الأنعام:148) ولهذا كان هؤلاء المشركون المحتجون بالقدر إذا عاداهم أحد قابلوه وقاتلوه وعاقبوه وانتقموا منه ولم يقبلوا حجته ، إذا قال لهم لو شاء الله ما عاديتكم بل هم دائما يعيبون من ظلمهم واعتدى عليهم ولا يقبلون احتجاجه بالقدر أبدا ، فلما جاءهم الحق من ربهم أخذوا يدافعون ذلك بالقدر ، ويقولون نحن مسيرون في شركنا وذنوبنا وقد رضي الله الشرك لنا ، فصاروا يحتجون على ترك الشرع ، بما لا يقبلونه على أنفسهم .
    وهؤلاء يعلمون أنهم لو اعتدوا على محارم أمير أو وزير ، لأصابهم عقابه الشديد ، فامتثلوا خوفا على أنفسهم من الوعيد ، الذي يتوعدهم به مخلوق ، ولم يمتثلوا خوفا من ملك الملوك ، فانتهكوا محارم الله وتركوا ما فرضه عليهم في هذه الحياة ، فبئست العقيدة التي يكون فيها أمر المخلوق أعظم عندهم من أمر الله ، ونهي المخلوق أعظم عندهم من نهي الله ، وحق المخلوق أعظم عندهم من حق الله .
    ثالثا: النوع الثالث في موقف العبد تجاه قدر الرب ، أو النوع الثالث من العلاقة بين فعل العبد وفعل الرب ، المصيبة :
    قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُل مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَال هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء:78) ، قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ) (التغابن:11) قال ابن مسعود رضي الله عنه هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ، فالسعيد يستغفر من المعائب ويصبر على المصائب كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الذِينَ لا يُوقِنُونَ) (الروم:60) (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ) (غافر:55) والشقي يجزع عند المصائب ، رجل ما ولده دون البنات ، وصدمت سيارته دون السيارات ، والشقي يحتج بالقدر على المعائب ، طالما أصابني ذلك فلن أصلي .
    (كُل نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِليْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35) (وَكَذَلكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَليْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَليْسَ اللهُ بِأَعْلمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الأنعام:53) فالله عز وجل خلق الدنيا للامتحان والابتلاء ، ولا بد لكي يقوم الابتلاء على قاعدة وأساس أن تحدث الفوارق بين الناس ، ليبلو بعضهم ببعض كما قال تعالى: (وَهُوَ الذِي جَعَلكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ليَبْلُوَكُمْ في مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (قَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلكَ وَبَلوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لعَلهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف:168) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ) (الحج:11) (فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلمٍ بَل هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلمُونَ) (الزمر:49) .
    رابعا: المعصية التي تاب العبد منها :
    كما حدث في احتجاج آدم وموسى روي البخاري من حديث أبى هريرةَ أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (احتجَ آدمُ وموسى ، فقال له موسى: يا آدمُ أنتَ أبونا ، خيَّبتنا وأخرجتَنا من الجنَّة قال له آدمُ: يا موسى اصطفاكَ اللّهُ بكلامه وخطَّ لكَ بيده ، أتلومني على أمر قدَّرَهُ اللّه عليَّ قبل أن يخلُقَني بأربعين سنة ؟ فحجَّ آدمُ موسى ، فحجَّ آدمُ موسى ، ثلاثاً) ، وفي لفظ آخر احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض قال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم هل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى .
    وربما يقول قائل آدم احتج بالقدر على معصيته ، وموسى لامه بعد توبته ، وجواب ذلك أن موسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم آدم على ذنب قد تاب منه ، كما أن الله بعد توبته اجتباه وهداه واصطفاه ، كما أن آدم عليه السلام أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته ، بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء ، والمحنة بسبب خطيئة أبيهم ، فذكر الخطيئة تنبيها على سبب المصيبة ، المحنة التي نالت الذرية ، ولهذا قال له أخرجتنا ونفسك من الجنة ، وفي لفظ خيبتنا ، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة ، وقال إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة .
    ومثال ذلك من عصى ربه وتاب ثم يتذكر معصيته مع بعض أصحابه فيقول قدر الله وما شاء فعل ، (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُل مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَال هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ، مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلنَاكَ للنَّاسِ رَسُولاً وَكَفي بِاللهِ شَهِيداً) (النساء:79)
    (قُل لوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لبَرَزَ الذِينَ كُتِبَ عَليْهِمُ القَتْلُ إِلى مَضَاجِعِهِمْ وَليَبْتَليَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَليُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:154) .
    هل نحن مسيرون أم مخيرون ؟
    أفرارا من قدر الله ؟
    القضاء والقدر أمر حتمي ، وتدبير كوني ، ومشيئة واقعة لا محالة ، سواء أخذ المرء بالأسباب أو ترك الأخذ بها ، فالمقضي واقع لا محالة ، وإنما الأخذ بالأسباب لإظهار الحكمة في توجيه الخطاب ، وإيضاح الأحكام من واجب واستحباب ، وحرام ومكروه ومتروك لذوي الألباب ، فعلى الأحكام يترتب الثواب والعقاب ، والعرض والحساب والنعيم والعذاب ، فالأسباب قدرها الله عز وجل بحيث يدفع بعضها بعضا ، ويتوالى بعضها إثر بعض ، وكلها بخلق الله وقدرته ، وعلمه ومشيئته ، وهذا اعتقاد السلف الصالح في علاقة القدر بالأسباب ، يأخذون بها ويؤمنون بما دون في أم الكتاب ، روى الإمام البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ ، وهو موضع بالشام ، لقيه أمراء الأجناد ، أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه مع أصحابه ، وأخبروه أن الوباء وقع في أرض الشام ، وقع الطاعون بعمواس ، فاختلفوا فقال بعضهم: خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه ، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء .
    فقال عمر: ارتفعوا عني ، قال ابن عباس: فقال لي عمر ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم ، فاستشارهم فاختلفوا ، فقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء ، وقال بعضهم خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه ، فقال ارتفعوا عني فارتفعوا ، ثم قال ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم فقال ارتفعوا عني فارتفعوا .
    ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش ومن مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء ، فنادي عمر في الناس إني مصبح على ظهر ، فأصبحوا عليه .
    فقال أبو عبيدة ، أفرارا من قدر الله يا عمر ؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله ، وفي مسند أبي يعلي: (فقال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله قال لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم فرارا من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا ذا عدوتين إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إذا رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟ ، فجاء عبد الرحمن وكان متغيبا في بعض حاجته فقال إن عندي من هذا علما ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ، فحمد الله عمر ثم انصرف ورجع إلى المدينة .
    ومن عجائب ما ورد في القرآن قصة قوم خرجوا من بلدهم حذر الموت من الطاعون: (أَلمْ تَرَ إِلى الذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقَال لهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لذُو فَضْلٍ عَلى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُون َ) (البقرة:243) أصح الأقوال وأبينها وأشهرها عن السلف كما ذكر المفسرون أنهم خرجوا فرارا من الوباء لما وقع الطاعون في قريتهم ، قال ابن عباس: خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا ، فدعا اللهَ نبيُ من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله ، وقال الحسن: خرجوا حذرا من الطاعون فأماتهم الله ودوابهم في ساعة واحدة وهم أربعون ألفا .
    إبراهيم عليه السلام قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ المَوْتَى قَال أَوَلمْ تُؤْمِنْ قَال بَلي وَلكِنْ ليَطْمَئِنَّ قَلبِي قَال فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِليْكَ ثُمَّ اجْعَل على كُل جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/260) .
    قال المفسرون: أمره أن يأخذ غرابا وحمامة وديكا ويمامة ، ثم قال له: أوثقهن واذبحهن وقطعهن ، فقطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض ثم جزأهن وجعل على كل جبل منهن جزءا ، وأخذ رؤوسهن بيده ، ثم أمره الله تعالى أن يدعوهن فدعاهن ، فجعل ينظر إلي الريش يطير إلي الريش ، والدم يجتمع على الدم والعظم يلتحم بالعظم ، واللحم يلتصق باللحم ، كل طائر أجزاؤه تلتئم وتنضم ، حتى اكتمل البدن وتم ، وقام كل طائر يسعى بين يديه بغير رأسه ، ويرغب في التحامها بجسمه ، إذا قدم له غير رأسه يأباه ، فسبحان من خلقها وسواها ، كل ذلك وإبراهيم عليه السلام ينظر إلي فعل الله وقدرته ، ويتعجب من حكمته وقوته .
    فلامحيص للإنسان عما قدر الله له وعليه ، لكن أمرنا الله تعالى بالحذر من المخاوف والمهلكات ، وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات ، قال ابن جرير الطبري: (ولا نعلم خلافا أن الكفار أو قطاع الطرق ، إذا قصدوا بلدة ، وكان لا طاقة لأهلها بهم ، فلهم أن يتنحوا من بين أيديهم فرارا ، وإن كانت الآجال المقدرة لا تزيد ولا تنقص) .
    وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تَقدموا عليه ، وإذا وَقع بأرض وأنتم بها فلا تخرُجوا فِراراً منه)
    يعني أنه إذا كان الوباء بأرض فلا يقدم عليه أحد أخذا بالحزم والحذر والتحرز من مواضع الضرر ، ودفعا للأوهام المشوشة لنفس الإنسان ، وفي الدخول عليه الهلاك ، وذلك لا يجوز في حكم الله تعالى ، فإن صيانة النفس عن المكروه واجبة ، وكذلك الخوف من سوء الاعتقاد: بأن يقول القائل لولا دخولي في هذا المكان لما نزل بي مكروه .
    أما النهي عن الفرار منه فقيل: إنما نهي عن الفرار منه لأن الكائن بالموضع الذي فيه الوباء ، لعله قد أخذ بحظ منه لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام ، فلا فائدة لفراره بل يضيف إلى ما أصابه من مباديء الوباء مشقات السفر ، فتتضاعف الآلام ويكثر الضرر ، فيهلكون بكل طريق ويطرحون في كل فجوة ومضيق .
    وقد قال ابن مسعود الطاعون فتنة على المقيم والفار ، فأما الفار فيقول: فبفراري نجوت ، وأما المقيم فيقول أقمت فمت ، وعند البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين ، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد .
    فالإسلام جاء بحسن الاعتقاد في الله ، والإيمان قضائه وقدره ، وجاء أيضا بمقضي العقل والأخذ بالأسباب ، فعند البخاري من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدْوَى ولا طيرَةَ ، ولا هامَةَ ولاَ صفَرَ ، وفِرَّ من المَجْذُومِ كما تفرُّ الأسد)
    فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي تؤثر في القلب ، وتضعف حسن الظن بالله ، بل قد تزيله ، وقد يكون معها نسبة الله جل وعلا إلى النقص ، إما بنفي القدرة ، وإما بالشرك ، فقد يجعل شريكا آخر معه في العبادة أو في التأثير ، ومن هنا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) فقوله: (لا عدوى) يعني لا عدوى مؤثرة بطبعها لأن أهل الجاهلية ، كانوا يعتقدون أن العدوى تؤثر بنفسها تأثيرا لا مرد له ، وتأثيرا لا صارف له .
    وقوله صلي الله عليه وسلم: (لا عدوى) لا ينفي أصل وجود العدوى ، وهي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح بسبب المخالطة بينهما ، فإن الانتقال بسبب المخالطة حاصل ملاحظ مشهود ، لكنه صلي الله عليه وسلم بقوله: (لا عدوى) لا ينفي أصل وجودها ، وإنما ينفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية في العدوى ، فالمرض لا ينتقل من المريض إلى الصحيح عند مخالطة الصحيح للمريض بنفسه ، وإنما انتقاله وإصابة الصحيح بالمرض عند المخالطة إنما هو بقضاء الله وبقدره ، وقد يكون الانتقال وقد لا يكون ، فليس كل مرض معد يجب أن ينتقل من المريض إلى الصحيح ، بل إذا أذن الله بذلك انتقل ، وإذا لم يأذن لم ينتقل ، فهو واقع بقضاء الله وقدره ، فالعدوى أو انتقال المرض ، من المريض للصحيح سبب من الأسباب التي يحصل بها قضاء الله وقدره ، لكنها ليست لازما حتميا كما كان يعتقد أهل الجاهلية ، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأخذ بالأسباب: (لا يورد ممرض على مصح ، ولا يُورد ممرض على مصح) .
    فروي مسلم من حديث ابن شهاب أن أَبَا سَلمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَ?نِ بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثهُ أَنَّ رَسُول اللّهِ قَال: لاَ عَدْوَى ? ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّهُ قَال: لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلى مُصِحَ . قَال أَبُو سَلمَةَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمَا كِلتَيْهِمَا عَنْ رَسُول اللّهِ ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلكَ عَنْ قَوْلهِ : لاَ عَدْوَى ، وَأَقَامَ عَلى أَنْ لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلى مُصِحَ ، قَال أبو سلمة بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَ?نِ بْنِ عَوْفٍ ، فَقَال الحَارِثُ بْنُ أَبِي ذبَابٍ (وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ): قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُكَ ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تُحَدِّثُنَا مَعَ هَ?ذَا الحَدِيثِ حَدِيثاً آخَرَ . قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ . كُنْتَ تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللّهِ : لاَ عَدْوَى ، فَأَبَى ، أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلكَ ، وَقَال: «لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلى مُصِحَ فَمَا رَآهُ الحَارِثُ فِي ذَلكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ . فَقَال للحَارِثِ: أَتَدْرِي مَاذَا قُلتُ ؟ قَال: لاَ . قَال أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلتُ: أَبَيْتُ . قَال أَبُو سَلمَةَ: وَلعمْرِي لقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُول اللّهِ قَال: لاَ عَدْوَى ، فَلاَ أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ القَوْليْنِ الآخَرَ ؟ .
    ومعني لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلى مُصِح ، أن الإبل المريضة لا تورد على الإبل الصحيحة ، لأن الخلطة سبب لانتقال المرض من الإبل المريضة إلى الصحيحة ، وهذا فيه إثبات لوجود العدوى ، ولكنه إثبات لسبب ، والسبب يتقى ، لأنه قد يحصل منه المكروه ، كما أنه إذا باشر المرء أسباب الهلاك حصل له الهلاك بقدر الله ، كما أنه إذا أكل حصل له الشبع ، وإذا شرب حصل له الري ، فذلك كله لأنها أسباب .
    وقال صلى الله عليه وسلم: (فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد) لأن المخالطة سبب لانتقال المرض من المجذوم إلى الصحيح ، وأكل مرة مع الجذوم وأدخل يده معه في الطعام ، لبين أن العدوى لا تنتقل بنفسها ، وأن المرء أيضا يجب عليه ألا يباشر أسباب الهلاك ، ويجب عليه أيضا أن يتوكل على الله حق التوكل ، وأن يعلم أن ما قدر الله لا بد وأنه كائنٌ لا محالة .
    فانتقال المرض ليس بأمر حتمي وإنما هو سبب ، والذين يمضي العلل بمعلولاتها والمسببات بأسبابها هو الله جل وعلا ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد قوله: (لا عدوى) قال: (ولا طيرة) لأن الطيرة التشاؤم (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَال طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَل أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (النمل:47) والطيرة أمرٌ كان يعتقده أهل الجاهلية ، بل ربما لم تسلم منه نفسٌ ، وروى الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْك ِ ، وَمَا مِنَّا إلاّ ولكنَّ الله يُذْهِبُهُ بالتَّوَكُّل) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منا إلا) يعني ما منا إلا تخالط الطيرة قلبه ، ولهذا نجد أن أكثر الناس ربما وقع في أنفسهم بعض ظن السوء وبعض التشاؤم إما بريح مقبلة وإما بسواه .
    وإذا أراد بعضهم السفر ورأى شيئا يكرهه ظن أنه سيصيبه هلاك لأنه أصابه نوع تطير ، والمؤمن يجب عليه أن يتوكل على الله حق التوكل كما صلى الله عليه وسلم: (ولكن الله يذهبُه بالتوكل) ، فالطيرة باطلة ولا أثر للأسباب إلا بقضاء وقدر .
    ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولا هامة) وذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أن الذي قتل يظل طائر على قبره يصيح بالأخذ بثأره ، وبعضهم يعتقد أن الهامة طائر تدخل فيه روح الميت فتنتقل بعد ذلك إلى حي آخر ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، لمنافاته توحيد الله بأفعاله ، وهي اعتقادات جاهلي لا أصل لها .
    ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولا صفر) أكثر أهل العلم إلى أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا صفر) يعني لا تشاءموا بشهر صفر وهو الشهر المعروف بعد شهر الله المحرم ، فقد كانوا في الجاهلية يتشاءمون بصفر ويعتقدون أنه شهر فيه حلول المكاره والمصائب ، فلا يتزوج من أراد الزواج في شهر صفر لاعتقاده أنه لا يوفق ، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر لاعتقاده أنه لا يربح ، ومن أراد التحرك والمضيّ في شئونه البعيدة عن بلده فإنه لا يذهب في ذلك الشهر لاعتقاده أنه شهر تحصل فيه المكاره والموبقات ، ولهذا أبطل صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد الزائف فشهر صفر شهر من أشهر الله ، وزمان من أزمنة الله ، لا يحصل الأمر فيه إلا بقضاء الله وقدره ، ولم يختص الله هذا الشهر بوقوع مكاره ولا بوقوع مصائب ، بل حصلت في هذا الشهر أمور تاريخية عظمي وانتصارات عظيمة للمسلمين .
    وفي الحديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) زيادات أخري كقوله ولا نوء ولا غول ، فالحاصل من الروايات ستة أشياء: العدوى والطيرة والهامة والصفر والغول والنوء ، والأربعة الأول قد أفرد البخاري لكل واحد منها ترجمة مستقلة ، وأما الغول فقال الجمهور: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات تتراءى للناس وتتغول لهم تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم ، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك ، وأما النوء فقد كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا ، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك بأن المطر إنما يقع بإذن الله لا بفعل الكواكب ، وإن كانت العادة جرت بوقوع المطر في ذلك الوقت ، لكن بإرادة الله تعالى وتقديره ، لا صنع للكواكب في ذلك .
    قال ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث: (قالوا حديثان متناقضان رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا عدوى ولا طيرة ، وقيل له إن النقبة تقع بمشفر البعير ، فيجرب لذلك الإبل ، قال فما أعدى الأول ثم رويتم لا يورد ذو عاهة على مصح وفر من المجذوم فرارك من الأسد ، وأتاه رجل مجذوم ليبايعه على الإسلام ، فأرسل إليه البيعة وأمره بالانصراف ولم يأذن له ، وقال: الشؤم في المرأة والدار والدابة ، قالوا: وهذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضا)
    فهم يشيرون إلى حديث البخاري عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا عدْوَى ولا صَفَرَ ولا هامة ، فقال أعرابيٌّ: يا رسول الله ، فما بالُ الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البَعيرُ الأجربُ فيُجْرِبها ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمنْ أعدَى الأوَّل ؟ وحديث مسلم بسنده عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ ، قَال: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ . فَأَرْسَل إِليْهِ رَسُولُ اللّهِ: (إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) .
    البخاري عن ابن عمرَ قال: (ذكروا الشؤمَ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إن كان الشؤم في شيء ففي الدارِ والمرأة والفرَس) . أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم (من سعادة ابن آدم ثلاثة: المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء) وفي رواية لابن حبان (المركب الهني ، والمسكن الواسع) وفي رواية للحاكم (وثلاثة من الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك ، والدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق) .
    وقد ذكر أبو محمد ابن قتيبة أنه ليس في هذا اختلاف ، ولكل معنى منها وقت وموضع ، فإذا وضع موضعه زال الاختلاف ، فعدوى الجذام ، فإن المجذوم يشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ، وكذلك المرأة تكون تحت المجذوم ، فتضاجعه في شعار واحد فيوصل إليها الأذى ، وربما جذمت ، والأطباء تأمر أن لا يجالس المسلول ولا المجذوم)
    وكذلك النقبة أو القرحة تكون بالبعير وهو جرب رطب فإذا خالط الإبل أو حاكها وأوى في مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه وبالنطف نحو ما به فهذا هو المعنى الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لا يورد ذو عاهة على مصح .
    وسئل ابن تيمية عن رجل مبتلى سكن في دار بين قوم أصحاء فقال بعضهم لا يمكننا مجاورتك ولا ينبغي أن تجاور الأصحاء فهل يجوز إخراجه فأجاب نعم لهم أن يمنعوه من السكن بين الأصحاء فإن النبي قال لا يورد ممرض على مصح فنهى صاحب الإبل المريضة أن يوردها على صاحب الإبل الصحاح مع قوله لا عدوى ولا طيرة وكذلك روى أنه لما قدم مجذوم ليبايعه أرسل إليه بالبيعة ولم يأذن له في دخول المدينة .
    كما أن الأمر بالفرار من المجذوم كالفرار من الأسد ليس للوجوب ، بل للشفقة ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى أمته عن كل ما فيه ضرر بأي وجه كان ، ويدلهم على كل ما فيه خير ، أما الطاعون ينزل ببلد فيخرج منه خوف العدوى وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا وقع ببلد وأنتم به فلا تخرجوا منه وإذا كان ببلد فلا تدخلوه يريد بقوله لا تخرجوا من البلد إذا كان فيه كأنكم تظنون أن الفرار من قدر الله ينجيكم من الله ويريد بقوله وإذا كان ببلد فلا تدخلوه أن مقامكم في الموضع الذي لا طاعون فيه اسكن لقلوبكم وأطيب لعيشكم ، ومن ذلك المرأة تعرف بالشؤم أو الدار فينال الرجل مكروه أو جائحة فيقول أعدتني بشؤمها .
    وفي وصية الخطاب بن المعلى لولده قال: يا بني إن زوجة الرجل سكن له ، ولا عيش له مع منازعتها ، فإذا هممت بنكاح امرأة فسل عن أهلها ، فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الطيبة ، واعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف ، فمنهن المعجبة بنفسها ، ومنهن المزرية ببعلها ، إن أكرمتها نسبت الفضل لنفسها ، لا تشكر على جميل ، ولا ترضي منه بقليل ، لسانها عليه سيف صقيل ، قد كشفت ستر الحياء عن وجهها ، فلا تستحي من عيوبها ، وجه زوجها مكلوم ، وعِرضُه مشتوم ، يصبح كئيبا ويمسي كئيبا ، شرابه مر وطعامه مر ، نهاره ليل ، وليله ويل ، تلدغه مثلُ الحية العقارة ، وتلسعه مثلُ العقرب الجرارة ، إن قال زوجها لا قالت نعم ، وإن قال نعم قالت لا ، كأنها مولدة لمخازيه ، محتقرة لما هو فيه ، ومنهن الورهاء الحمقاء ، الماضغة للسانها ، الآخذة في غير شأنها ، قد قنعت بحبه ورضيت بكسبه ، تأكل كالحمار الراتع ، تنتشر الشمس ولما يسمع لها صوت ، ولم يكنس لها بيت ، طعامها بائت وعجينها حامض وماؤها فاتر ، ومتاعها مزروع وماعونها ممنوع وخادمها مضروب وجارها مغلوب ، ومنهن العطوف الودود المباركة الولود ، المحبوبة في جيرانها ، المحمودة في سرها وإعلانها ، كريمة التبعل كثيرة التفضل ، خافضة صوتها ، نظيفة في بيتها ، خيرها دائم وزوجها ناعم ، محبوبة مألوفه ، وبالعفاف موصوفة ، جوهرة مثمرة ، وذكرها مفخرة ، حريصة على عرضها ، أمينة على بيتها ، تحفظ زوجها في غيبته ويأنس بها في حضرته ، فلتكن زوجتك من هذا الصنف تسعد بها في دنياك وأخراك .
    يقول تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه إلاّ وَهُمْ مُشركُون) (يوسف:106) ، فلا بد من الإقرار بأن الله هو المقدر المدبر ، وأن الأسباب التي يقلبها ربنا ، مثلها كمثل الآلة بيد الصانع ، ألا ترى أنه لا يقال: السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد وإنما يقال: السياف ضرب العنق ، وفلان ضرب فلانا بالسوط ، وإن كانت هذه الأشياء أسبابا مباشرة للأفعال إلا أنها آلةٌ بيد صانعها ، وكذلك الخليقة يباشرون الأسباب في ظاهر النظر عند البشر ، واللّه من ورائهم محيط ومتوحد في الربوبية ، هو القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة .
    وإنما ذكر اللّه تعالى الأسباب لأن الشرائع تتعلق بها والأحكام عائدة عليها بالثواب والعقاب ، فالعبد لا بد أن يعتقد أنه لا خالق إلا الله ولا مدبر للكون سواه ، وأن الرب الذي يرزق ويشفي ويحي ويميت بأسباب قادر على أن يرزق ويشفي ويحي ويميت من غير أسباب ، فالأخذ بالأسباب ركن من أركان التوكل على الله فلا يضر التصرف في أسباب العيش والتكسب في أسباب الرزق والأخذ بأسباب الشفاء والنجاة من الهلاك لمن صحّ توكله ولا يقدح في مقامه ولا ينقص ذلك من حاله ، وفي صحيح ابن حبان أن رَجُلا قال للنبيِّ: أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ ؟ قال َ: اعْقِلها وَتَوَكَّل ، فالموحد يعلم أن اللّه تعالى قد جعل في الأسباب منافع خلقه ومفاتح رزقه وخزائن حكمته ، وعلم أنه مقتد في ذلك بنبيه متبعٌ لسنته .
    نسأل الله أن نكون من الموحدين الصادقين وصلي الله على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

  2. افتراضي

    تم حذف المقال لمخالفته منهج أهل السنة والجماعة

    متابعة إشرافية
    مراقب 1
    تم حذف التوقيع من قبل الإدارة

  3. افتراضي

    --------------------------------------------------------------------------------

    قدراتنا نحن اليشر تختلف تماما وكليا عن قدرة الله......على سبيل المثال اذا شاهدت مباراة كرة قدم بين البرازيل واثيوبيا....فمن المتوقع مبدأيا أن تحدد المنتصر....انه نوع من العلم الظنى....ولكن بعد أن رايت المباراه ورابت المنتصر بعينيك....صار العلم يقينيا....كلاهما علم
    ولكن علم الله يختلف فى عظمه وقوته عن علم البشر....لا يمكنك ان تقول ان البرازيل منتصره قبل ان تشاهد المباراه....ولكن تستطيع ان تعطى علمك الظنى مقدما عن النتيجه....ولا يمكن الاحتكام الى هذا العلم الظنى لاعطاء الكأس للبرازيل او الحاق الهزيمه بأثيوبيا....فهذا هو الظلم....اما ان تقام المباراه وتصل النتيجه الى ما وصلت اليه ....هنا يمكنك تكريم المنتصر ....وهنا منتهى العدل
    وانت عندما حكمت مفدما على النتيجه لم تكن ضربا بالودع....فانه نتيجه لعلم أخر انت تعلمه مسبقا....هذا العلم هو ما استنتجته من رؤيتك لاداء الفريقين قبل ذلك....ولما رأيته من نظام التدريب فى الفريقين ومستوى أداء اللاعبين....أى انك بنيت كل علمك لملاحظات أداء الافراد....ملاحظات بنيتها كلها على رؤيتك لتصرفات الافراد الظاهريه...مثل التدريب والاداء والمستوى الفنى....انت لم تدخل داخل نفس كل انسان لتعرف هل هو حقا مستعد للنصر او لا....ومعروف ان الله يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور.....ومعروف ايضا ان الدين ظاهر وباطن....يمكنك ان تحكم على انسان انه متدين وباطنه غير هذا ....والله بعلم ما بخفى وما يبدى....أى ان علم الانسان يتوقف على الظاهر...والله يعلم الظاهر والباطن....وعلم الانسان يتضائل امام علم الله....
    ومن هنا يمكن ان نستنتج ان الطفل الصغير والذى يحمل فى نفسه وتصرفاته أعمال معينه....
    طبقا لتصرفات هذا الطفل يمكن أن نستنتج الشخصيه التى ستحكم هذا الطفل هذا من رؤيتنا لظواهر الامور....وهذه الرؤيه تتضاءل أمام رؤية الله وحكمته....فما أدراك والله يعلم ما فى نفس هذا الطفل.... حتى تفكيره الصامت يسمعه الله.....هنا علم الله الذى سجله...وهو علم لا يحتكم اليه الله لأن احتكامه اليه فى عقاب البشرأو مكافئتهم ظلم ....وما ربك بظلام للعبيد....ولكن بعد أن تتفتح أبواب الحياه أمام هذا الطفل ويكبرو يتحرك فى الحياه ويتعامل مع البشر بما يمليه عليه ضميره ونفسه....هنا يحق العقاب والثواب ....هذا الضمير وهذه النفس التى تعتبر كتابا مفتوحا أمام الله....وهذا الكتاب المفتوح هو الذى سجله الله فى اللوح المحفوظ

    أما عن أن الله كتب هذا العلم وسجله قبل أن يخلق الانسان.....دون أن يرى باطنه أو ظاهره.....فهذا باطل ...فما عرفناه من القرأن ان الله خلق الانسان قيل خلقته هذه بزمن بعيد جدا....وعرف باطنه وظاهره....يظهر هذا فى قوله"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتـُهلكـُنا بـِمَا فـَعَلَ المُبطِلون (173)" فالظاهر من هذه الايات ان الله سيق اليه العلم بكل خلقه وبشره وكل تصرفاتهم من قبل أن تدب أقدامهم على الأرض ......حتى فى هذه الايه أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين والابه الاخرى إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتـُهلكـُنا بـِمَا فـَعَلَ المُبطِلون وكأن الله يعلم حججهم وأقوالهم مسبقا اذ كيف يكفر ألأنسان وقد سمع الله وهو يشهده على نفسه بأنه هو الله....ولكن علم الله ببواطن الامور فى داخل الانسان ....هذا العلم أعلمه بحججهم ...وما سيختصموا به عنده يوم القيامه....ولكن ....لا تختصموا اليوم وقد قدمت أليكم بالوعيد ...ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد ....وبالتالى فكل مخلوقات الله التى ولدت وماتت والتى تحيا الان... والتى ستولد فى المستقبل....قد اطلع الله على اسرارها وبواطنها فبل أن يبرأها الله....وعلمه لما تخفى صدورها...أعلمه تصرفاتها التى ستنتج عن هذه الصدور...وفتحت امامه ضمائرهم ونفوسهم ككتاب مفتوح سطرهذا الكتاب فى اللوح المحفوظ... ...حتى التوبه التى يهتدى اليها العاصى الفاجر فى اخر عمره ...علمها الله مسبقا لعلمه بباطن سريرته...ولكن لن يكافأه بها حتى يعلنها....منتهى العدل....وان مات هذا الرجل قبل اعلانها فلن ينفعه صراخه وعويله...ولن يرجعه الله وان قال يارب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت....وعلى كل هذا فالله لا بحاسبنا على عملنا فى اللوح المحفوظ ولكن يمهل الانسان حتى تنتهى المباراه..والتى يسجل كل قول وفعل فيه ملكان عن اليمين والشمال...ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد....وعندما تنتهى المباراه وتعلن النتائج لا حجة اليوم لانسان....فقد فات زمن العمل وولى...والان زمن الجزاء

    كما أن القرأن بفسر بعضه بعضا فعندما يقول القرأن يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء يذكر فى ايه أخرى أنه يهدى أليه من أناب ...الطريق مفتوح أمام الانسان...طريق الخير والشر.... حجه عقيمه أن يأتى انسان يوم القيامه قائلا يارب لقد سجلت على اعمالى فى لوحك المحفوظ وهذه الاعمال هى التى أوردتنى النار....فيأتى التقريع الالهى.. هل انبت؟وهل تبت...لو أنبت لهديتك...الم تسمع فى القرأن يهدى أليه من أناب....لا تختصم لدى اليوم وقد قدمت اليك وعيدى ...ألم تسمع عن جنتى ونارى؟....لن تدخل الجنه ولن تشم رائحتها....ولن أسويك بالمتقين ...لأنى لست بظلام للعبيد....لن أظلم المتقين وأسويك بهم...خذوه الى نار طالما كفر بها...وخذو المتقين الى جنة طالما أمنوا بها....

    كما أن نفى العلم المستقبلى عن الله هو نفى للالوهيه....هل يكون اله من لا يعرف ما هو مصير عالمه...لا يمكن...أن تجميع اجساد الموتى من الارض هو علم غيبى ...اذ كيف بعلم الخالق انه قادر على هذا الا بعلم غيبى يعلمه؟....كما أن جهله بالغيب يهدد الكون بالزوال....كيف علم أن الارض لن يعصف بها مستقبل غامض فى هذا الكون الفسيح الا بعلم يعلمه وقدرة يقدرها...الله وحده...الله العظيم الحليم ....تشهد عليه أسمائه الحسنى....وقرأنه المحكم....لا اله الا الله

  4. Arrow أخى أتماكا

    ياأخى..
    كل الخلق الذى خلقه الله يقتضى زمنا لمعالجة الاحداث..
    فيوم البشر غير يوم الملائكة (الذى فبه يوم كألف سنة ويوم بخمسين ألف سنة)..
    والخلق لهم ماض وحاضر ومستقبل..
    وخضوعنا للزمن هو الذى يثير فى نفسك هذا التساؤل.. والذى ننحيه جانبا بيقيننا فى عدل الله ..
    ولا يخرج شىء فى كون الله عن علمه أبدا..
    والفرق..
    انك حين تعمل الخير فالله علمه أزلا..وتحوز رضاه..
    وحين تعمل الشر فقد علمه أزلا .. وتحوز سخطه..
    وحين تختار فقد سبق علمه باختيارك..
    فالله لا يقتضيه زمن ليعالج الأحداث مثلنا.. فهو الخالق
    وعلمه علم احاطه كلى .. ليس كعلمنا نحن..
    فخضوعنا للزمن يجعل من المستحيل علينا مجرد تخيل علم الله الكلى الذى ليس وراءه ماض وليس أمامه ات..
    < ولا يحيطون بشىء من علمه الا بما شاء >
    هل يملك كوب الزجاج سؤالا لصانعه؟
    وما الذى يحيط به كوب الزجاج من علم صانعه؟ تعالى الله علوا كبيرا..
    فاذا جاء ذكر القدر فأمسك..استعظاما لمن خلقك..
    فعقلنا قاصر عن الاحاطة بروحنا التى بين جنبينا .. فما بالك بعلم الله؟
    وتذكر أن الله يخلقنا خلقا اخر فى الاخرة..
    لنتمكن من مشاهدة الملأ الأعلى.. والاستعداد لحياة الخلود..
    والكيفية من الغيب الذى يختص الله بعلمه دون سواه من خلقه..
    يكفينا ما أخبر الله به عن نفسه.. وما أثبت لذاته من صفات.. أولها العدل..
    وكما ذكرت فى مشاركة أخرى ..
    فنحن الان نعيش اختياراتنا لتكون حجة علينا.. ولا يستطيع عاقل أن يقول أنه غير مخير..
    فقدرتنا على الاختيار ظاهرة..
    < بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله >
    والسلام
    التعديل الأخير تم 04-07-2006 الساعة 01:06 AM

صفحة 4 من 4 الأولىالأولى ... 234

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. طلب فتح موضوع للنقاش حول مرض الوسواس القهري
    بواسطة محمد إسماعيل في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 05-03-2020, 12:12 AM
  2. موضوع للنقاش: حول كتابات عبد الوهاب المسيري.
    بواسطة أمَة الرحمن في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 10-23-2010, 09:41 PM
  3. الحرية والعلمانية موضوع للنقاش
    بواسطة سيف الكلمة في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-10-2009, 10:11 PM
  4. الظــاهر والبــاطن ! موضوع للنقاش
    بواسطة ISLAMIC SERVICE في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 11-22-2008, 07:05 PM
  5. امعتزلة المعاصرة موضوع للنقاش الجاد
    بواسطة أمين نايف ذياب في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-13-2005, 03:45 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء