بسم الله
أولا :يقول الأخ : " بينت له سابقاً أنه لا يصح أن تكون ملكة سبأ ملكة على الإنس و الجن , لأن هذا الملك لا ينبغي لأحد من بعد سليمان عليه السلام . لقول الله تعالى : ((قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ*وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ)) . "
- يقول تعالى : "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ*وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ "
ويقول تعالى : " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
فاالملك الذي وهب لسليمان على الجن هو التسخير بأمر من الله الذي توعد الله الزائغ منهم عن امره بعذاب السعير . و شتان بين من يكون ملكا على الجن بتسخير من الله كما لسليمان فلا يزيغ منهم أحد عن هذا ، وبين من يكون ملكا على الجن كما هو ملك على الإنس كما يجوز لملكة سبأ ولغيرها ، لقوله تعالى : " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " وهذه الآية التي أوردتها سابقا في معرض تنبيهي إلى أنه يجوز مبدئيا أن يكون للإنس امر على الجن وللجن أمر على الإنس لإمكانية تولي بعضهم بعضا و استمتاع بعضهم ببعض كما بينت الآية .
فشتان بين تسخير الجن بما لا يزيغ منهم أحد ولا يستطيعون الثورة على صاحب امرهم ، وبين السلطة عليهم كما على الإنس بما لا يمنعهم من معصية صاحب امرهم والثورة عليه وحتى قتله . لا يستويان . و أرجو أن لا يرى الأخ في ردنا هذا كلاما فارغا أو انتقائية ساذجة .
ثانيا : يقول الأخ : " قولي بأن لفظة قرن تشير إلى جماعة من الإنس ليس زلة مني يا زميلي " . وقوله هذا ردا على قولي : " يقول الأخ أن كلمة قرن تشير غالبا إلى جماعة من الإنس وهذا صحيح ، يعني أنها تشير أيضا إلى جماعة من الجن . فهو نفسه لا ينفي هذا . وإن كانت هذه زلة قلم منه ، فإنها زلة أشارت إلى صواب ."
وقد قال الأخ بالحرف الوحد في تعليقه السابق على تعليقه الأخير : " فكلمة قرن تستخدم غالباً للإشارة إلى جماعة من الإنس " هذا كلام الأخ بالحرف ، وقد لونه زيادة في لفت النظر إليه بالأخضر ، فليعد من شاء إلى تعليقه هذا أعلاه . و لهذا قلت أن كلمة غالبا التي أوردها الأخ تعني أنها تشير إلى الجن أيضا لكن ليس غالبا . وقلت أنها زلة من الأخ لكنها زلة أصابت صوابا ، وإن لم تكن زلة ، فهذا يعني أنه يوافقنا على أن معنى القرن يحمل معنى الجن مبدئيا وإن كان الغالب عليه معنى الإنس . فإن لم يكن يعنيه فهي زلة قلم منه أصابت صوابا كما أرى . وهكذا يرى الأخ أنه لا معنى لاحتجاجه علينا بقوله : " قولي بأن لفظة قرن تشير إلى جماعة من الإنس ليس زلة مني يا زميلي , فلا تعتمد على الألفاظ الخنفشارية المضللة و اختر كلماتك بشكل حسن . و أما الآيات التي أوردتَها فلم تضف شيئاً إلى دعواك الخنفشارية لأنها لا تؤيد قولكَ بل تعارضه , و الظاهر أنه لا حياة لم ننادي !. "
أما بشأن الآيات التي رأى فيها الأخ تؤدي إلى عكس مقصودنا من إيرادها ، فأعيد خلاصة ما قلته تعليقا عليها : " حين نجمع بين هذه الآيات يتبين لنا أن الجن داخلون في معنى القرن بحكم أنهم مسؤولون عليهم ثواب وعقاب وهلاك و إليهم رسل ومنهم كافر ومؤمن ، ولهم حياة دنيا غرتهم كما غرت الإنس . فقولنا أن الجن داخلون في وصف ذي القرنين ليس تحكما بلا دليل " و لا زال هذا رأيي .
ثالثا : سألني الأخ سؤالا كالتالي : " لم صدها ما كانت تعبد من دون الله عندما رأت عرشها و عندما دخلت الصرح بما أنها تملك مثلما يملك سليمان عليه السلام ؟! " وهذا السؤال إن اجبت عليه فهو يعني أنني أماثل بين ملك سليمان وملك ملكة سبأ ، وهذا ما لم أقله . إنما ماثلت بين سليمان وذي القرنين على اعتبار أنهما شخص واحد . بقرائن ذكرتها . لهذا فسؤال كهذا يوجه لمن يماثل بين ملك سليمان وملك ملكة سبأ . ولا أقول بهذه المماثلة . وقد يصر الأخ أنني ماثلت بينهما حين ذكرت مسألة الإيتاء من كل شيء لكليهما . وأذكر الأخ أنني أوردت هذا الإيتاء في الحديث عن تملك ملكة سبأ للجن كإمكانية ، لا كتحقق ، و هي الإمكانية التي تحققت لسليمان تسخيرا لا مجرد تملك .
فأرجو من الأخ أن ينتبه لهذا .
رابعا : يقول الأخ : " أما قولك بأن ذا القرنين قد استعان بالجن في بناء السد فهذا افتراض جديد لا دليل عليه , فكيف يطلب معونة القوم الذين طلبوا منه ذلك !. و عنده من يعمل له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ؟.ثم دلالة الآية الكريمة واضحة : ((والشياطين كل بناء وغواص)) . "
وقد اجبت على هذا سابقا وأعيد جوابي بحرفه : يقول تعالى : " حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا " .
فبما مكنه ربه من خير عمل لهم سدا ، والجن داخلون في ما مكنه ربه من خير . وهذا لا يمنع أن يستعين بالقوم الذين طلبوا منه بناء السد ، تماما كما أن لسليمان جنود من الجن لم يمنع أن يكون له جنود من الإنس . وإلا فبنفس منطق سؤال الأخ نسأل : إن كان له جنود من الجن فما حاجته لجنود من الإنس ؟
هذا جوابي السابق بحرفه . لا أرى حاجة للزيادة فيه .
خامسا : عن سؤال الحكمة و سؤال عدم تصريح القرآن بأنهما واحد ، فليس كل ما في القرآن معلومة لنا الحكمة منه ، كما ليس كل ما في القرآن مذكور تصريحا . ولا يمنع خفاء الحكمة كما لا يمنع عدم التصريح بمحاولة فهم كتاب الله وتدبره .
وقد كنت سأغيب بعض الوقت باستأذنت لكن الظروف تتغير . فإن غبنا دون سابق تنبيه فأرجو أن لا يفهم الأخوة أنه هروب أو نحوه . فإن لنا عودة دائما إن شاء الله كما نرجو .
والحمد لله رب العالمين .
Bookmarks