الباب الثاني
في ذكر الطينة التي خلق منها محمد صلى الله عليه وسلم
عن كعب الأحبار قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق محمداً صلى الله عليه وسلم أمر جبريل عليه السلام أن يأتيه
فأتاه بالقبضة البيضاء التي هي موضع قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعجنت بماء التَّسْنيم، ثم غمست في أنهار الجنة، وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمداً وفَضْله قبل أن تعرف آدم،
ثم كان نور محمد صلى الله عليه وسلم يُرى في غُرَّة جبهة آدم. وقيل له: يا آدم هذا سيد ولدك من الأنبياء والمرسلين.
فلما حملت حواء بشيت انتقل عن آدم إلى حواء، وكانت تلد في كل بطن ولدين إلا شيتاً، فإنها ولدته وحده، كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثم لم يزل ينتقل من طاهر إلى طاهر إلى أن ولد صلى الله عليه وسلم.
عن ابن عباس قال: قلت: يا رسول الله، أين كنت وآدم في الجنة؟.
قال: «كُنْتُ في صُلْبِه، وأُهْبِطَ إلى الأَرْضِ وَأنا فِي صُلْبِهِ، وَرَكِبْتُ السَّفِيْنَةَ فِي صُلْبِ أَبي نوحٍ، وقُذِفْتُ في النَّارِ في صُلْبِ أبي إِبْرَاهِيم، لم يَلْتَقِ لي أبَوَانِ قَطُّ على سِفَاحٍ، لم يَزَلْ يَنْقُلُني من الأصْلابِ الطَّاهِرَةِ إلى الأَرْحَامِ النَّقِيَّةِ مُهَذَّبًا لا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إلاّ كُنْتُ في خَيْرِهِما، أخَذَ اللَّهُ لي بالنُّبوَّةِ مِيْثَاقِي، وفي التَّوْرَاةِ بَشَّرَ بِي، وفي الإِنْجِيلِ شَهَرَ اسْمِي، تُشْرِقُ الأرْضُ لِوَجْهِي والسَّماءُ لِرُؤْيَتِي» .
وقال العباس: يا رسول الله، إني أريد أن أمتدحك.
فقال له: «قُلْ لاَ يَفْضُض اللَّهُ فَاكَ» .
فأنشأ يقول:
منْ قبلها طِبت في الظلال وفي
مستودع حيث يُخْصف الوَرَقُ
ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ أنت
ولا مضغةٌ ولا عَلقُ
بل نطفةٌ تركب السفين وقد
ألجم نسْراً وأهلَه الغرَق
وردْتَ نار الخليل مُكتتماً
تجولُ فيها ولست تحترقُ
تُنقل من صُلبٍ إلى رحم
إذا مضى عالَمٌ بدا طبقُ
حتى احتوى بيتك المهيمن من
خِندف علياء تحتها النُّطقُ
وأنت لما وردت أشرقت الأر
ضُ وضاءَتْ بنورك الأفق
فنحن في ذاك الضياء وفي النو
ر وسُبل الرشاد تخترقُ
Bookmarks