قال تعالى : " ... يا أهل الكتاب لا تغْلوا في دينِكم ...." الآية 170 / من سورة النساء .
فالله تعالى ينهى عباده عن الغلو والإفراط في المدح ، المدح الذي يُخرج الممدوح من حيز البشرية إلى أن يتم إضفاء صفات ليست له ، ولم يستثن الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فقال له : " قُلْ إنَّما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ " وقد رأينا من بعض الفرق الإسلامية عجبًا ، ومن هذه الفرق فرقة الصوفية (...)
نأتي على ذكر ما وقع فيه المتأخرون من أهل التصوف من الغلو والأخطاء فنقول :
[1] إنهم يدّعون العصمة في المشايخ ، فالعلاقة بين المريد وشيخه تكون أقرب
إلى التقديس القائم على إلغاء العقل ومحو الذات ، فالمريد يشطب ذاته ونفسه من الوجود ، ويضع مكانها ذات شيخه سلوكاً وعقيدةً وفكرًا ، وإن خطورة هذه العلاقة ليست في محبة المريد لشيخه ، وإنما في عدم القدرة على رؤية أخطاء شيخه بصفته البشرية ، بل والأدهى والأمرّ أن المريد يقوم بتبرير أخطاء شيخه بتبريرات سخيفة تصل أحيانًا إلى تبني أفكار الملحدين دفاعًا عن شيخه وهذا مثال على ما أقول :
سمعتُ بأذنيّ أحد المريدين يدافع عن سلوك شيخه عندما ذكروا له أنهم لا يرونه يصلي ، فقال هذا المريد بلهجته العامية : " أصل كتر السلام بيقل المعرفة " وهذه الجملة عبارة عن مثل شعبي عندنا في مصر يقولونه للإنسان الذي يكثر الدخول عليك وكلما دخل عليك وضع يده في يدك بطريقة مملة ، وعندما تريد أن تمنعه عن ذلك تقول له هذا المثل .
أنظر إلى تبرير هذا المريد لسلوك شيخه ، حتى ولو كان هذا السلوك ترك الصلاة ، إنه تبرير سخيف ، ولو كان تبريره من أنواع التبريرات التي نسمع عنها من أن الشيخ فلان يصلي في مكة أو في المسجد الأقصى لكان الأمر أهون ، ولو أنه لايكون مقبولا عند العقلاء من الناس ، وذلك لأن فرق التوقيت بين البلاد يمنع تصديق هذه الحيلة في تبرير عدم رؤية الناس للشيخ فلان يصلي .
وكان من نتيجة هذه القداسة أن أُشيعت في أوساط المريدين كلمات غريبة عن عقيدتنا الإسلامية ، لقد أصبحنا نسمع في عالم الأسرار أقوالا ما كانت في أقوال السلف ، وما نزل بها قرآن ، وما نطقت بها سنة ، نتيجة لهذا الانحراف في المسلك حين يحب الإنسان الجاهل ربه ورسوله وصالحي أهل دينه.
ومنها : " المحبوب منسوب ولو كله عيوب " !!؟.
" من اعترض انطرد " !! ؟
" احذر من الاعتراض على شيخك ولو وجدته على كبيرة من الكبائر , فإن له حالا لا تعلمه " !!؟
إن فكرة عدم الإعتراض فكرة دخيلة على الدين وليست منه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرًا فليغيره " ولو كانت هذه الفكرة من الدين لأثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان هو الأوْلى بذلك حينما اعترض عليه عمربن الخطاب رضي الله عنه لما توجه للصلاة على عبد الله بن أبي سلول رأس النفاق في المدينة حين مات ، ولم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاعتراض ، بل رد عليه مبينا وجهة نظره في هدوء المعلم الحكيم الهين اللين.
إن خطورة هذه الدعوة أنها دعوة لإلغاء تحكيم الشريعة ، ويبدأ إلغاء تحكيم الشريعة أولا على المشايخ ، حتى إذا ثبتت فكرة أن فلانًا له حال مع الله فلا يجب الإعتراض عليه ، يبدأ سحبها على بقية الناس بعد ذلك ، فيتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونصبح مثل بني إسرائيل الذين لعنهم الله لأنهم : " كانوا لا يتناهوْن عن منكرٍ فعلوه "
ونحن لا نرمي كل المحبين بهذا السفه في الرأي ، والعته في الفكر... وإنما هم شراذم من الخلق أعماهم الجهل ، وأصمهم العجز، وأبوْا أن يعترفوا بعجز وجهل ، فراحوا يشيعون حول شيوخهم عالمًا من الأسرار.
[2] ومن الأخطاء التي تشيع في أوساط أهل التصوف أنهم يعتقدون أن الله قد اتخذ شركاء له في إدارة الكون ، وهؤلاء الشركاء هم الأولياء ، ويقولون أن أولياء الله نوعان : { أهل الإرشاد } و { أهل التكوين } . فأهل الإرشاد هم الذين اختارهم الله لهداية البشر وإصلاح القلوب ، وتربيتها ، وتعليم الناس طرق التقرب إلى الله ، ويسمى أفضل أولياء عصره " قطب الإرشاد " . أما النوع الثاني { أهل التكوين } فيطلق على الأولياء المناط بهم إصلاح معاش البشر ، وتنظيم أمور العالم ، ودفع المصائب عن الناس وهؤلاء يقومون بإصلاح شئون الدنيا بإذن من الله .
ويقولون أن أهل الإرشاد كالأنبياء ، وأن أهل التكوين كالملائكة الذين وصفهم الله ب { مدبرات الأمر } .
إن من الأمور المدهشة حقًا أن عددًا لا يُحصى من البشر قد قبلوا بهذه العقيدة بمنتهى الإخلاص ، وأصبحت راسخة في نفوسهم ، ومسيطرة عليهم ، بحيث يتصرفون وفق مقتضياتها دون وعي لخطورتها ، ودون فهم لما يترتب عليها من هدم الدين من أساسه ، رغم أن كلاً من القرآن الكريم ، والسنة النبوية يخلو من أي شيْ يؤيد هذه العقيدة .
لقد سمعت أحدهم يقول : " إن الله خلق الكون ثم تركه للأولياء يتصرفون فيه "
إن من الفطرة البشرية ، ومن الطبيعة الإنسانية أن يتوجه الإنسان بطلب حوائجه ممن يملك النفع ، و يملك دفع الضر ، وفي ظل هذه العقيدة لا يكون غريبًا عليهم أن يلجأوا إلى أوليائهم بالدعاء لدفع المصائب وجلب المنافع طالما أن الأولياء يملكون ذلك حسب مقتضى هذه العقيدة الشاذة .
إن من مقتضيات هذه العقيدة أن معتنقيها يصرفون أنواعًا من العبادة التي يجب أن تكون لله ، يصرفونها إلى أوليائهم ، فنجدهم يحلفون بمشايخهم ، ويعتبرون أن هذا هو اليمين المغلظ الذي لا يحنثون فيه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله فقد أشرك " ، وكذلك نجدهم ينذرون لهم النذوروقد جعل الله تعالى النذر عبادة من العبادات التي يتوجه العبد بها إليه فقال تعالى : " يوفون بالنذر " .
إن أي عبادة يصرفها الإنسان لغير الله ، تكون دائمًا على حساب العبودية لله ، فليتنبه الغافلون .
متابعة إشرافية
ليست هناك فرقة صوفية على السنة ، ونسبة بعض المتزهدين قديما إلى الصوفية لا تعني وجود مثل تلك الفرقة.
مراقب 2
Bookmarks